المصادر الرئيسية للقلق

كاتب المقال: د.صلاح الدين السرسى
التاريخ: السبت, أبريل 25, 2015 - 15:16

احتمال الشعور بالقلق مُتضمن في التكوين الفسيولوجي للفرد. لكن أنواع المواقف التي يرتبط بها القلق تتحدد بِحَسَبِ خبرات التعلم التي يمر بها الفرد. ولهذا كان من المهم ان نلتفت إلى مواقف التعلم المختلفة هذه بسبب أن استخدام مصطلح القلق وحده لا يفيدنا شيئا في فهم السلوك والتنبؤ به، وإنما العبرة بنوع المواقف التي يرتبط بها القلق.

والقلق في أساسه استجابة داخلية استباقية؛ أي استباق لواقعة كريهة. كما أن الأمارات التي يكون في ميسورها إثارة القلق هي الأمارات التي تكون قد ارتبطت في المناسبات السابقة بواقعة أو حادثة أدت إلى الشعور بالخوف. بحيث إن عودة وقوع هذه الحادثة -وكثيرًا ما يكون هذا في مجال التفكير- يؤدي إلى استباق لهذا الشعور الكريه وللقلق؛ أي إن استجابة القلق تُثار حين يَستبق الطفل أو يتوقع حدوث واقعة كريهة في المستقبل؛ كأن يُصيبه الأذى في بدنه أو أن يَهجر أو يعاقب أو ينبذ اجتماعيًّا.

والقائمة التالية من مصادر القلق الهامة قائمة لم نقصِد بها إلى أن تشمل كل المصادر وإنما أغلبها، شأنها في ذلك شأن قائمة الدوافع التي أوردناها فيما سبق.

 

القلق من احتمال التعرض لأذى جسمي:

 

وهذا النوع من القلق يَنشأ عن قيام الطفل بالربط بين بعض المثيرات، واحتمال وقوع الألم أو احتمال تعرض جسمه للخطر المادي (من قبيل الأماكن المرتفعة، أو الحيوانات الخطرة، أو الحريق، أو المياه العميقة)، وهنا نجد أنَّ الطفلَ قد سبق له أن خبر الجوانب المؤلمة من هذه الوقائع، أو أنه قد سبَق أنْ حدَّثه غيرُه بأن هذه المواقف تؤدي إلى الألم والأذى الجسماني.

 

القلق من فقدان الحب:

 

وينشأ حين يستبق الطفل أو يتوقع أن مصدرًا للحب أو الحنان أو التقبل -مثل حب الأم أو صداقة القرين- سوف يضيع عليه أو يسحب منه. وتعلم هذا النوع من القلق قد يكون -أو لا يكون- مرتكزًا بصفة رئيسية على توقُّع حدوث الألم بعد فُقدان هذا المصدر من مصادر الحب أو المساندة. كما أن هذا المصدر من مصادر القلق عام شائع عند الأطفال، إلا أنه من غير الميسور إلى الآن فهم جوانبه بالتفصيل وعملية نموه.

الشعور بالألم:

 

وهو حالة خاصة من القلق لا تظهر عادةً إلا زُهاء السنة الرابعة من العمر، يثيرها استباق الطفل (وتوقعه) لمخالفة قاعدة أو كسر معيار من المعايير. كما أنها قد تثور بعد مخالفة الطفل لمعيار أو قاعدة تمثلها. كذلك يتضمن الشعور بالإثم عند الأطفال الذين هم أكبر سنًّا من ذلك بالشعور باتضاع الذات وانحطاطها وعدم جدارة الفرد.

القلق من العجز عن السيطرة على البيئة:

 

وهذا القلق يَحدث حينَ يَشعر الفردُ بأنه غير قادرٍ على تناول المشكلات والأزمات التي تنطوي عليها البيئة. وهذا القلق قريبُ الصلة بما يُسمَّى في الاصطلاح الشائع "بمشاعر النقص"، ولكنه غير مساوٍ لها.

الانحراف عن التوقعات الاجتماعية:

القلق عن تصوُّر الذات على أنها منحرفة مخالفة:

لكل مجتمع قائمة غير مكتوبةٍ من الخصال الحميدة التي يَتوقع من أعضائه التحلي بها. ومع أن هذه الخصالَ تتفاوت بتفاوت الذكور والإناث، وبتفاوت الطبقة الاجتماعية والأساس العنصري للطفل، إلا أنها تُفيد إلى حد كبير في تحديد الصفات التي يَنبغي للفرد أن يعمل على التحلي بها. كما أن فكرة المرء عن نفسه وتصوره لذاته متوقفان إلى حد كبير على مبلغ التشابه بين خصاله، وهذه السمات المطلوبة؛ بحيث إن الفرد إذا رأى البونَ شاسعًا بين ما لديه من مهارات وسمات وخصائصَ مزاجية، وما يَشعر من ضرورةِ تحلِّيه به من المهارات والسمات والخصائص المزاجية، ترتب على ذلك الشعور بالقلق. كما أن حِدة القلق متوقِّفة على درجة الانحراف الذي يَراه الفردُ بين واقعه وبين المثل والمعايير التي يَفرضها المجتمعُ من جهةٍ وبين واقعه والمثل والمعايير التي اتخذها لنفسه من جهة أخرى. وهذا المصدر من مصادر القلق له أهميته بالنسبة لنمو الدور الجنسي للطفلِ وبالنسبة لنمو تقدير الطفل لذاته. وسوف نتناول هذه المفاهيم في الفصول التالية من هذا الكتاب.

 

الحاجات المتعلمة بوصفها أساسًا لاكتساب حاجات متعلمة أخرى:

 

عملية التعلم أشبه ببناء سريع الانتشار والتوسع. فإنه ما إن يَكتسب مثيرًا محايدَ القدرة على إثارة القلق؛ حتى يصبح هذا المثير أساسًا لتعلم أنواع أخرى من القلق. من ذلك أن الولد الصغير إذا تعلَّم أن يخشى والده، قد يَتحول من بعد ذلك إلى الخوف والانسحاب من الأشياء المرتبطة بوالده؛ مثل أصدقائه ورفاقه. وهكذا نجد أن القلق المتعلم؛ مثل الخوف من الوالد، قد يصبح أساسًا، لا لمجرد تعلم استجابات فعالة، وإنما لاكتساب مصادر جديدة من القلق كذلك.

إن رغبة الطفل في حب أمه له قد تنشأ -في بادئ الأمر- بسبب الدور الذي تقوم به الأم في إشباع حاجات الطفلِ الأوَّلية من قَبيلِ تقديمِ الغذاء الدافئ له، ومُلاعبته وتنظيف ثيابه وابتعاد الأذى عنه، ولفِّه بأغطية أكثر في الليالي الباردة.. وهكذا. ولكن هذا الدافع -وهو رغبة الطفل في حب أمه له- ما إن ينمو ويتكون، حتى يُصبح من بين الأسس التي تَرتكز عليها عملية تعلُّم دوافع أخرى مُعقَّدة كثيرة. مثال ذلك أن الأم إذا كانت لا تمنح حبها، إلا إن كان الطفل منظمًا مطيعًا، وجدنا الطفل وقد نمت عنده الحاجة إلى أن يكون منظمًا مطيعًا، لا في وجود أمه فقط، بل وفي غيابها كذلك. بل إنه قد يتعلم القيام بعدة أفعال معقدة من قبيل جمع لعبة بعناية، وحفظها في المكان الخاص بعد الانتهاء منها، والمحافظة على ثيابه، وغسيل يديه باستمرار، والامتثال لِما يُطلب إليه القيامُ به. حتى يشبع الدوافع المرتكزة على حاجته لحب أمه له.

وأخيرًا نجد أن كثيرًا من الدوافع عند المراهق الراشد مُستَمَدة من مزيج من عدةِ دوافعَ أساسيةٍ أخرى. مثال ذلك: أن الرغبة في المال في المجتمع الأمريكي قد ترتكز على الحاجة إلى التقدير الاجتماعي -الذي يكتسب عن طريق العرض البارز للممتلكات المادية-- والحاجة إلى الاقتدار؛ إذ إن المجتمع كثيرًا ما يُقدِّر كفاءة الرجل وجدواه بمقدار ما يكسب من المال، والحاجة إلى السيطرة؛ إذ إن حيازة المال تُتيح للفرد أن يتصرف في غيره.

 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.