الـــنــــضـــج الـــوجـــداني
النضج بوجه عام هو الاكتمال والإحكام, ونضج الإنسان هو اكتمال الوظائف الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية والتناغم بينها . والنضج الإنفعالى هو ارتقاء الفرد بضبط انفعالاته وتناسبها مع مستوى عمره الزمني وخبراته وطبيعة المواقف المتغايرة, بحيث تتفق استجاباته الانفعالية مع ما هو متوقع من طاقة محددة ومتناسبة مع الموقف .
* التدرج المتصاعد للنفس من المستوى الجسدي(المخ وما يستقبله من مدركات عبر الحواس أو ما يرسله من أوامر تنفيذية إلى الجوارح) إلى المستوى العقلي(حيث التحليل المنطقي والتفكير الموضوعي المجرد) إلى المستوى القلبي(حيث الإيمانيات والوجدانيات) إلى المستوى الروحي(حيث التواصل الأبدي مع عالم الغيب وحيث النزوع نحو الخلود والسعي لوجه الله)،
والوظائف النفسية –في هذا التصور– تنتقل بشكل دينامي صعوداً وهبوطاً عبر المستويات سالفة الذكر (الجسدي والعقلي والقلبي والروحي)، وفي حالة النضج النفسي نجد أن كل هذه المستويات نشطة وعاملة دون إهمال أو استبعاد لأي منها، وتكون قيادة النفس في وحدة العمليات المركزية وهي القلب(المعنوي).
أما في حالة عدم النضج
فإن النشاط النفسي ينحصر في المستويات الأدنى فقط (الجسدي فقط أو الجسدي والعقلي) ويتثبت هذا النشاط في تلك المستويات بمعنى أن تصبح حركته أقل مرونة، وبالتالي يعيش هذا الإنسان غير الناضج وجوداً محدوداً ويغرق في تفاصيل احتياجاته الجسدية والعقلية ويقضي حياته مدافعاً عن ملذاته وممتلكاته ولا يتسع وعيه للمستويات الأعلى من الوجود. (لمزيد من التفاصيل انظر كتاب: "مستويات النفس"
الأبعاد الخمسة للذكاء الوجداني:
تحدث جولمان عن أبعاد خمسة لذلك النوع من الذكاء نوردها بإيجاز فيما يلي:
1- الوعي بالذات (Self – awareness):
الوعي بالذات هو أساس الثقة بالنفس وحسن إدارتها، فنحن في حاجة دائماً لمعرفة مواطن القوة ومواطن الضعف لدينا بشكل موضوعي، ونتخذ من هذه المعرفة أساساً لقدراتنا. كما أننا بحاجة لأن نتعلم منذ الصغر التعرف على مشاعرنا وتسميتها التسمية الصحيحة فلا نخلط بين القلق والاكتئاب والغضب والشعور بالوحدة والشعور بالجوع.. الخ. فهذا الوعي الموضوعي بالذات يجعلنا أكثر كفاءة في إدارتها ويجعل قراراتنا أقرب للصواب.
2- التعاطي مع الجوانب الوجدانية بشكل عام :(Handling emotions generally )
نحن نحتاج أن نعرف كيف نعالج ونتناول المشاعر التي تؤذينا وتزعجنا وتلك التي تسعدنا. وهذا المران المستمر في المعرفة والمعالجة والتناول يزيدنا خبرة يوماً بعد يوم في إدارة جهازنا الوجداني لنستفيد من مميزاته الهائلة ونتجنب مخاطره الضارة.
3- الدافعية (Motivation):
إن وجود دوافع قوية تحثنا على التقدم والسعي نحو أهدافنا هو العنصر الثالث للذكاء الوجداني. ويعتبر الأمل مكون أساسي في الدافعية، أن يكون لدينا هدف وأن نعرف خطواتنا خطوة خطوة نحو تحقيقه، أن يكون لدينا الحماس والمثابرة لاستمرار السعي.
4- التعاطف العقلي(التفهم)..(Empathy):
التعاطف العقلي(التفهم)هو المكون الرابع في الذكاء الوجداني ويعني: قراءة مشاعر الآخرين من صوتهم أو تعبيرات وجههم وليس بالضرورة مما يقولون. إن معرفة مشاعر الغير قدرة إنسانية أساسية نراها حتى لدى الأطفال. يقول جولمان أن الطفل في الثالثة من عمره والذي يعيش في أسرة محبة يسعى لتهدئة غيره من الأطفال أو التعاطف معهم إذا بكوا، على حين أن الأطفال الذين يسئ آباؤهم معاملتهم أو يهملونهم فإنهم يصرخون في وجه الطفل الذي يبكي وأحياناً يضربونه.
ويؤكد جولمان أن الذكاء الوجداني متعلم، وأن التعلم يبدأ منذ السنوات الأولى في الحياة ويستمر.
ويذكر جولمان حالة قاتل ارتكب سبعة جرائم قتل وفي إحدى المقابلات الإكلينيكية أجاب على السؤال: هل كنت تشعر بأي شفقة نحو الضحايا؟ أجاب: لا أبداً، ولو كنت شعرت بشفقة لما استطعت فعل ما فعلت. ونستخلص من ذلك أن التعاطف هو الذي يكبح قسوة الإنسان، وهو يحافظ على تحضر الإنسان وأن الذكاء الوجداني لا يرتبط بنسبة الذكاء العقلي المعروفة.
5- المهارات الاجتماعية(Social Skills):
كلما كان الإنسان مزوداً بمهارات اجتماعية مناسبة وكافية كلما كانت قدرته على التعامل مع المواقف والأزمات أفضل. أما أولئك الذين يفتقرون للمهارات الاجتماعية فإنهم يتخبطون ويعانون من اضطرابات سوء التوافق.
أهمية الذكاء الوجداني:
1- يلعب الذكاء الوجداني دوراً هاماً في توافق الطفل مع والديه وإخوته وأقرانه وبيئته بحيث ينمو سوياً ومنسجماً مع الحياة، كما أنه يؤدي إلى تحسين ورفع كفاءة التحصيل الدراسي.
2- يساعد الذكاء الوجداني على تجاوز أزمة المراهقة وسائر الأزمات بعد ذلك مثل أزمة منتصف العمر بسلام.
3- يعتبر الذكاء الوجداني عاملاً مهماً في استقرار الحياة الزوجية فالتعبير الجيد عن المشاعر وتفهم مشاعر الطرف الآخر ورعايتها بشكل ناضج، كل ذلك يضمن توافقاً زواجياً رائعاً .
4- والذكاء الوجداني وراء النجاح في العمل والحياة، فالأكثر ذكاءاً وجدانياً محبوبون ومثابرون وتوكيديون، ومتألقون وقادرون على التواصل والقيادة ومصرون على النجاح.
ونظراً لتلك الأهمية البالغة للذكاء الوجداني، فقد أوصى علماء النفس بتنميته من خلال دروس تعليمية ودورات تدريبية وورش عمل بهدف الوصول إلى درجات عالية من الذكاء الوجداني، وهو ما نطلق عليه النضج الوجداني، وسوف نتحدث عنه الآن بشيء من التفصيل نظراً لأهميته.
المقاييس المختلفة للعمر :
حين نسأل شخصاً ما: ما عمرك؟ يجيبنا على الفور: خمسون سنة(مثلاً). هذه الإجابة قاصرة جداً لأنه هنا ذكر عمره الزمني فقط، وهذا العمر الزمني لا يفيدنا كثيراً في معرفة أبعاد شخصية من سألناه لأن هناك مقاييس وأبعاد أخرى للعمر (أحياناً تكون منسجمة مع العمر الزمني وأحياناً أخرى لا تنسجم)، نذكرها فيما يلي:
1- العمر الزمني(Choronological age):
هو عدد السنوات التي عاشها الإنسان في الحياة .
2- العمر العقلي ( Intellectual age ):
وهو يشير إلى ما إذا كان ذكاء هذا الشخص أقل أو أكثر أو مساوي لعمره الزمني (أي الذكاء بالنسبة للعمر الزمني).
3- العمر الاجتماعي(Social age):
وهو يقارن النمو الاجتماعي للشخص بعمره الزمني، بمعنى: "هل هذا الشخص يتعامل مع الناس اجتماعياً كما يتوقع لمن هم في مثل عمره الزمني؟"
4- العمر الوجداني(Emotional age):
وهو يقارن النضج الوجداني للشخص بعمره العقلي، بمعنى: "هل هذا الشخص يتعامل مع مشاعره كما يفعل من هم في مثل عمره الزمني؟"
وهذه الأنواع المختلفة من الأعمار لا تسير متوازية ومتساوية في أغلب الأحوال، فنجد بعضها يسبق الآخر، وكلما كانت المسافة كبيرة بينها كلما أدى ذلك إلى اضطراب التوافق فنجد مثلاً رجلاً قد بلغ الستين من العمر ولكن علاقاته الاجتماعية تشبه إلى حد كبير علاقات المراهقين، كما أن نضجه الوجداني لا يتعدى نضج الأطفال.
ونحن ليست لنا سيطرة أو تحكم في عمرنا الزمني، وبالكاد لنا سيطرة ضعيفة على عمرنا العقلي، أما عمرنا الاجتماعي وعمرنا الوجداني فيمكننا تنميتهما وتحسينهما بدرجة كبيرة وصولاً إلى النضج الاجتماعي والنضج الوجداني.
ولكي نفهم أنفسنا أكثر ونعرف أين نحن من مراحل النضج الوجداني فسوف نستعرض خصائص تأخر النضج ثم خصائص النضج .
خصائص تأخر النضج الوجداني :
1- اضطراب المشاعر: وعلاماته: ثورات الهياج الانفعالي، السلوك الاندفاعي، الاستجابات الزائدة عن الموقف، الحساسية الزائدة، عدم تحمل الإحباط، نوبات الغضب الحادة، تقلبات المزاج، الغيرة الزائدة، عدم القدرة على التسامح، عدم تحمل الألم، عدم القدرة على السيطرة على الانفعال.
2- الاعتمادية الزائدة: إن النمو الطبيعي للإنسان ينتقل من الاعتمادية (أنا أحتاجك) إلى الاستقلال (أنا لا أحتاجك) إلى الاعتمادية المتبادلة (كل منا يحتاج الآخر).
والشخص الاعتمادي يحتاج الآخر بشكل زائد وممتد أكثر من اللازم، وهو لا يستطيع اتخاذ قرار بمفرده، ويسهل قياده، ويخاف التغيير ويفضل البقاء كما هو لأنه لا يتحمل تحديات التغيير. ويبدو أن الناس المحافظين والمتحفظين أكثر من اللازم ينتمون إلى هذه الطائفة من الناس.
3- الرغبة في الإشباع الآني: بمعنى أنهم يريدون الحصول على ما يريدون من اهتمام وإشباع في اللحظة الحالية، وليست لديهم القدرة على تأجيل إشباع بعض الرغبات سعياً لمستوى إشباع أفضل، فهم يريدون كل شيء الآن وحالاً. وهؤلاء الأشخاص يتميزون بالسطحية وعدم القدرة على التفكير وهم مندفعون غالباً، وولاءهم لا يستمر إلا بقدر ما يحققون من فائدة من العلاقة. وهم يهتمون بالأشياء الهامشية، وقيمهم الأخلاقية سطحية وهشة، كما أن حياتهم الاجتماعية والمالية تتسم بالعشوائية والاضطراب.
4- عدم القدرة على التعلم من خبرات الحياة(وجهة الضبط الخارجية): حيث أنه يرى أن ما يحدث له دائماً هو نتيجة الحظ أو الظروف أو أخطاء الآخرين، لذلك لا يسعى إلى التغير للأفضل بل يظل يكرر أخطاءه مرة بعد مرة.
5- التمركز حول الذات: والعلامة الأهم للتمركز حول الذات هي الأنانية، والأنانية تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، فالشخص الأناني لا يعطي اعتباراً للآخرين وهو في نفس الوقت لا يعطي إلا اعتباراً ضئيلاً لنفسه. وهذا الشخص مشغول دائماً بأحاسيسه ومشاعره فقط ويطلب –بشكل زائد– الاهتمام والرعاية والتعاطف والإشباع من الآخرين. وهو لا يستطيع أن يرى نفسه بواقعية، ولا يتحمل مسئولية أخطائه أو قصوره، ولا يستطيع أن ينقد نفسه نقداً بناءاً، وليست لديه الحساسية لأحاسيس الآخرين.
علامات النضج الوجداني:
1- القدرة على أن يُحِب ويُحَب: ذلك الشخص لديه إحساس بالأمان والثقة، ولذلك يستطيع أن يعبر بمرونة عن مشاعر حبه تجاه الآخرين كما أنه يستطيع أن يستقبل منهم مثل تلك المشاعر دون خوف أو خجل.
2- القدرة على مواجهة الواقع والتعامل معه: الأشخاص الناضجون يواجهون الواقع كما هو ويعرفون أن أقرب طريق لحل المشكلات هو التعامل معها فوراً.
3- الاهتمام بالعطاء بنفس قدر الاهتمام بالأخذ: إن الإحساس بالأمان لدى الناضجين وجدانياً يسمح لهم بإعطاء الاعتبار لاحتياجات الآخرين، ويسمح لهم بالبذل لهم سواء بالمال أو الوقت أو الجهد لتحسين نوعية حياة أولئك الناس الذين يحبونهم. وهم قادرين أيضاً على تقبل عطاءات الآخرين لهم. فالتوازن والنضج يسيران جنباً إلى جنب.
4- القدرة على النظر إلى خبرات الحياة بشكل إيجابي: من علامات النضج أن يرى الإنسان في خبرات حياته شيئاً إيجابياً دائماً، فهي إن كانت خبرات سارة استمتع بها، وإن كانت خبرات مؤلمة فهو يتقبل مسئوليته الشخصية عنها ويكون واثقاً أنه سيتعلم منها لتحسين نوعية حياته المقبلة. وعندما تسير الأمور على غير ما يريد فإنه يترقب الفرصة لتحقيق النجاح. وهذا الشخص لا يتنكر لأي من خبرات حياته لأن التنكر لخبرة ما أو فترة ما من حياة الإنسان يترك مكانها فجوة سوداء تهدد أمنه واستقراره. فكل خبرة وكل موقف في حياتنا هو جزء من تاريخنا الشخصي نعتز به لأنه يبني خبرتنا المتراكمة.
5- القدرة على التعلم من الخبرات (وجهة الضبط الداخلية): وهي القدرة على تحمل مسئولية الأخطاء، والقدرة على النقد الذاتي والتغير للأفضل حتى لا تتكرر نفس الأخطاء السابقة، فالشخص الناضج لا يلقي اللوم على الحظ أو الظروف أو الآخرين بل يراجع نفسه ويتعلم من أخطائه وخبراته.
6- القدرة على تحمل الإحباط: فعندما يواجه الشخص الناضج إحباطاً فإنه لا يتجمد في مكانه ولا تتوقف أنفاسه ولا يسب القدر أو الدهر (كما يفعل غير الناضجين) وإنما يحاول التعامل بطرق أخرى مع المشكلة ويجرب حلولاً جديدة ومبتكرة ويتحرك في اتجاهات شتى حتى يتغلب على المصاعب التي واجهته.
7- القدرة على التعامل الإيجابي مع مشاعر العدوان: عندما يتعرض الشخص الناضج لإحباط فهو لا يبحث عن شخص آخر يلقي عليه اللوم(كما يفعل غير الناضج)، وإنما يجتهد فوراً في البحث عن حل للمشكلة التي أحبط بسببها، فغير الناضجين يهاجمون الناس بينما الناضجون يهاجمون المشكلات. والشخص الناضج يستخدم غضبه كمصدر للطاقة ويضاعف من جهوده للوصول لحل المشكلات.
8- التحرر النسبي من أعراض التوتر: فالشخص الناضج وجدانياً يتمتع بحالة سلام داخلي ولديه إحساس بالأمن وإحساس بالقدرة على الحصول على ما يريده من الحياة، على عكس غير الناضج الذي تمتلئ نفسه بمشاعر القلق والرفض والتشاؤم والغضب والغيرة والإحباط.
9- القدرة على حل الصراعات : فالحياة لا تخلو من صراعات بين البشر، والإنسان الناضج يعترف بهذه الحقيقة، ويمتلك آليات كثيرة لحل الصراعات بشكل آمن دون مواجهات مدمرة لنفسه أو للآخر.
10– قبول الاختلاف والبعد عن التعصب: فالاختلاف من السنن الكونية في هذه الحياة، وبالتالي علينا أن نتعامل معه ونستفيد منه في إثراء الحياة من خلال التواصل الجيد والتعايش السلمي البناء مع الآخر المختلف.
11- التوازن: لا تجد في الشخص الناضج نتوءات أو تشوهات نفسية أو خلقية، بل هو متوازن في كل شيء، والتوازن هو من أهم سمات النضج الوجداني والصحة النفسية، وهو الوسط العدل البعيد عن الإفراط والتفريط.
12- الدافعية للإنجاز: والدافعية هنا ذاتية وداخلية، فالشخص الناضج يعرف ما يجب عليه فعله، وهو مدفوع داخلياً لتحقيق أهدافه المشروعة، ولا يحتاج لدفع خارجي بل يكفيه دوافعه الداخلية ليبقى منتجاً طول الوقت.
13- الإبداع: وثمرة الإحساس بالأمان والإحساس بالحب والتوافق النفسي والاجتماعي أن يتوجه الناضج وجدانياً نحو الإبداع، فهو لديه رؤية إيجابية للحياة تجعله ينصت لأسرارها وبدائعها ويكتشف العلاقات بين الأشياء المتباعدة، وبذلك يصبح مبدعاً ومطوراً لنفسه ولمجتمعه ولحياته. وهذا الإبداع يجعل الشخص الناضج متجدداً وطازجاً طول الوقت ويعطيه مذاقاً خاصاً وبريقاً مشعاً وتوهجاً دائماً.
14- القدرة على العمل الجماعي: وبما أن الشخص الناضج يقبل الاختلاف والتعدد، ولديه مشاعر حب للآخرين ويريد أن يبدع ويضيف في هذه الحياة، لذلك نتوقع منه أن ينجح في العمل كفريق، تلك الملكة الاجتماعية التي لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق الإنجازات الكبيرة.
15- التوافق والانسجام مع النفس ومع الناس ومع الله: وثمرة كل ما سبق من علامات وخصائص النضج هو حالة من السلام الشامل والتوافق مع النفس ومع الناس ومع الله.
كيف نحسن نضجنا الوجداني؟:
هي رحلة طويلة تبدأ من الطفولة المبكرة وتستمر حتى آخر لحظة في الحياة إذ ليس هناك سقف للنضج الوجداني. وإليك عزيزي القارئ بعض التوصيات:
1- الوعي بالذات: حاول أن ترى نفسك كما هي لا كما يجب أن تراها، ستواجهك بعض المصاعب حيث أن الدفاعات النفسية (مثل الكبت Repression والإسقاط Projection والإنكار Denial والتبرير Rationalization) ستحول بينك وبين هذه الرؤية الموضوعية، لذلك اسأل الناس المخلصين الصادقين من حولك أن يحدثوك عن نفسك بصراحة، وتقبل رؤيتهم حتى ولو لم تعجبك. تدرب جيداً وطويلاً على قراءة ما يدور بداخلك من أفكار وما يعتمل في نفسك من مشاعر.
2- تقبل الذات: وتقبل الذات لا يعني موافقتها على ما هي عليه دائماً وإنما هي مرحلة مهمة يبدأ منها التغيير للأفضل.
3- لا تحاول السيطرة على الآخرين: فبدلاً من السيطرة والتحكم في الآخرين حاول أن تتعاون معهم، وعندما يكون هناك صراع أو خلاف مع طرف آخر فحاول أن تصل إلى حل يكون الطرفان فيه رابحين، ولا تحرص على أن تكون أنت الرابح الوحيد دائماً.
4- كن مستعداً لتغيير صلاتك الاجتماعية: تجنب الناس والمواقف التي تخرج أسوأ ما فيك، واحرص على أن تعرض نفسك للناس وللمواقف التي تخرج أحسن ما فيك.
5- ابحث عن معنى للحياة يتجاوز حدود ذاتك: ذلك المعنى الذي يعطيك منظوراً تلسكوبياً واسعاً للحياة، وليس ذلك المعنى المحدود الضيق الذي لا يتجاوز حدود اهتمامك الذاتي. وإذا كان لديك هذا المعنى الكبير الممتد للحياة فإنك ستعمل للخلود وبالتالي ستكون أهدافك عظيمة ومحفزة لقدراتك لكي تنمو بشكل مضطرد وعلامة نجاحك في الوصول إلى هذا المعنى هي شعور ثري وممتلئ بالحياة، ليس حياتك فقط بل أيضاً حياة الآخرين، وعمارة الكون، ذلك الشعور الجميل لا يحس به إلا من وصلوا إلى النضج الوجداني سعياً لوجه الله الذي امتدح صفات النضج الوجداني في رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) صدق الله العظيم(آل عمران:159).
المراجع:
1_ مقال الدكتور محمد المهدي(2004)
1 - مصطفى كامل ( 1993 ). موسوعة علم النفس والتحليل النفسي
2 - محمد المهدي (2003). مستويات النفس.
3 - دا نييل جولمان. الذكاء العاطفي
أ . سماح هتان