الفصام : اسبابه وأنواعه .
الانتشار و الإحصاءات :
• لو قدرنا أهمية المرض بمدى خطورته على الحالة العقلية ، فالفصام هو الأول دون منازع .
• هناك أكثر من خمسين مليون فصامي في العالم .
• يتعذر الحصول على إحصاء دقيق لانتشار الفصام ، غير أنه في المجمل يصاب بالفصام حوالي 0.85 - 3 % من المجموع العام . ( تبعاً للدكتور أحمد عكاشة .. وإن كان السائدة أنه يصيب 1% ، ولعله نظر إلى الأعداد التي لم يمكن إحصاؤها من مرضى الفصام) .
• يمثل مرضى الفصام حوالي 60 - 70 % من نزلاء مستشفى الأمراض العقلية .
• ينتشر الفصام بين الرجال والنساء بنسبة واحدة . ، وتوقع البعض أن تزيد النسبة لدى الرجال لتعرضهم لزيادة تعرضهم للضغوط ومشاكل الحياة .
• الإصابة بالفصام والبدء في العلاج تبدأ مبكراً لدى الرجال مقارنةً بالنساء .
• تظهر حوالي 70% من حالات الفصام بين سن 15 - 40 سنة ، وتصل إلى أقصاها في أواخر الحلقة الثالثة من العمر .
• ينتشر الفصام في الأماكن المكتظة بالسكان حيث الفقر والجريمة والتعطل والانحرافات الاجتماعية .
• المرض أكثر انتشاراً في العزاب مقارنةً بالمتزوجين .
• يعتبر الفصام المرض النفسي الأكثر تكلفة في أمريكا. حيث يكلف 19 مليار دولار في السنة كتكلفة مباشرة (رعاية صحية وأدوية!!) ويتضاعف المبلغ ثلاثة أضعاف إذا حسبت التكلفة غير المباشرة (تغيب المريض أو من يرعى المريض عن العمل).
• في بريطانيا, 80 مليون يوم يذهب هباءً بسبب مرض الفصام. تصرف الدولة مليار جنيه إسترليني كعلاج لمرضى الفصام وأربعمائة مليون جنيه أخرى كخدمة رعاية اجتماعية.
• مرضى الفصام يحاولون الانتحار (دون نجاح) أكثر من عموم الناس بخمسين مرة. 40% من المرضى يحاولون الانتحار ولو مرة واحدة في حياتهم .
أسباب الفصام :
يقول د / أحمد عكاشة : " لا تقل الأبحاث التي قام بها العلماء لمعرفة أسباب الفصام عن عدة آلاف ، فضلاً عن مئات المراجع والكتب التي ألفت في هذا الصدد ، وحتى الآن - كما يؤكد الدكتور أحمد عكاشة - لا نستطيع الجزم بسبب واحد لهذا المرض ، بل هو عدة تفاعلات بيئية ووراثية وفسيولوجية وكيميائية ، وكل عالمٍ يؤمن بسيادة أحد الأسباب على الأخرى حسب مدرسة الطب النفسي التي ينتمي إليها " .
العوامل الوراثية :
• لا يمكن إغفال دور العامل الوراثي ، ولكنه لا يلعب الدور الهام الذي أثير في السنوات الماضية .
• أجريت الكثير من الدراسات على التوائم المتشابهة والمتآخية لمعرفة أثر عامل الوراثة في مرض الفصام " واختلف الباحثون على المدى الطويل في نسبة الفصام بين هذه التوائم " وقد عرض أحمد عكاشة جدولاً لأبحاث تمتد من سنة 1934م (بحث لوكسنبرجر) إلى 1970م (بحث بولين) وتوصل إلى أن نسبة الإصابة بين التوائم المتشابهة من 30-46% وبين التوائم المتآخية 14% ؛ أي أن نسبة الإصابة تزيد بين التوائم المتشابهة أربع مرات عنها في التوائم المتآخية ، ولا تزيد هذه النسبة عما لوحظ في العصاب .
• مرض الفصام وأعراضه لا تورث وإنما الذي يورث هو الاستعداد للإصابة بهذا المرض إذا تجمعت عدة أسباب أخرى بيئية وبيولوجية .
الشخصية :
تتميز الشخصية الشبفصامية Schizoid، والتي لا تزيد نسبتها في المرضى قبل الإصابة بالمرض عن الثلث ، بالانطواء والهدوء والخجل والحساسية المفرطة ، والعزوف عن الاختلاط ، وصعوبة التعبير عن الانفعالات ، مع الجنوح الدائم للخيال والتفكير ، وتجنبهم مواجهة الواقع . ويستطيع هذا النمط النجاح في الحياة إذا اختار لنفسه الوظيفة الملائمة والشريط الملائم .
العوامل الأسرية :
• نظرية بتسون Bateson : والتي تعزو منشأ الفصام إلى تعرض الطفل لمؤثرات والدية تتميز بالترابط المزدوج Doubl - bond إذ يؤمر الطفل أن يفعل الشيء وأن لا يفعله في نفس الوقت ، ومن هنا يخفى عليه السلوك السوي ، وقد يتعرض للعقاب مهما فعل ، وبالتالي يتعلم أن الطريقة السليمة أن لا يفعل شيئاً وأن يسلك مسلكاً سلبياً مبهماً ، وأن تكون إجاباته خافية حتى لا يتحمل المسئولية كاملة . وتتدرج تفسيرات هذه النظرية لكي تؤول اضطرابات التفكير والانفعال والسلوك في مرض الفصام على أنها استمرار لاكتساب الطفل هذا النوع من التفكير المشوش والترابط المزدوج من الوالدين ، وأن هذه الاضطرابات ما هي إلا عملية دفاعية ضد طلبات مستحيلة ، وللهروب من العقاب .
• نظرية ليدز Lidz: اشتق ليدز نظريته من تطبيق التحليل النفسي على العائلة بأكملها مركزاً على أهمية التفاعل الثلاثي بين الأب والأم والطفل . وتعتقد النظرية أن العائلة كلها مرضية ، وأن الفصامي ما هو إلا أحد أفراد هذه العائلة ، ومن أهم ما تشير إليه النظرية " الاعوجاج والانقسام " فالجو العائلي يقوم على تكامل صورة الوالدين ، فإذا تخلف أحدهما .. وساد الآخر: بدأ الاعوجاج ، ونشأت اضطرابات في العلاقات الأسرية بين الوالدين والطفل ؛ مما يؤدي إلى تكوين خاطئ للشخصية في هؤلاء الأطفال المعرضين لصورة مرضية من الآباء والأمهات . أما الانقسام فهو العلاقة الباردة بين الأبوين ، والتي لا تحمل أي انفعالات حارة مع الصراعات المختلفة ، مما يسمى بالطلاق العاطفي . وقد وجد أن معظم الفصاميين يرون في أمهاتهم شخصيات قوية وسائدة بعكس شخصية آبائهم الضعيفة .
• نظرية واين وسنجر : تشير إلى احتمال وجود أنماط للتفكير والاتصال بين عائلات الفصاميين شبيهة لما يحدث في المرض ، لدرجة أنه يمكن التنبؤ بمرض المريض إذا درست العائلة بأكملها ، وبهذا فالطفل الذي لديه استعداد للإصابة بالفصام تساعده بيئته على اكتساب أعراضه .
• تتبع براون 128 مريضاً بالفصام لمدة سنة كاملة بعد خروجهم من المستشفى ، ووجد أن نسبة الانتكاسات تزيد بين هؤلاء الذين يعودون إلى عائلات ذوي شحنات انفعالية كبيرة ، سواء كانت بالرعاية والحماية الشديدة أو العكس ( بالنقد اللاذع أو العدوان الدفين ) .
• البعد عن الأهل قد يزيد من معدل حدوث الانتكاسات النفسية للطالب الجامعي ، أو الشاب المغترب .
• تأكد أن هناك زيادة في معدل الفصام في المراكز الحضرية الصناعية ، وأي شيء يزيد من معاناة الإنسان ويقلل من تقدير الذات ، ويفقده الأمل يمكن أن يكون عاملاً غير مباشرة من عوامل المرض .
• النظريات السابقة لا تعدو أن تكون نظريات ، ولم يثبت إلى الآن صدقها بصورة علمية .
اضطرابات الجهاز العصبي :
• ومن الشواهد على أهميتها أن بعض الأمراض العضوية في الجهاز العصبي تؤدي إلى أعراض شبيهة بالفصام ، مثل زهري الجهاز العصبي والحمى المخية ، وأورام الفص الصدغي .
• لوحظ أن الكثير من مرضى الصرع خاصة الصرع النفسي الحركي يعانون بعد فترة من المرض من أعراض شبيهة بالفصام .
• لوحظ أن عدداً من مرضى الفصام يتميزون بزيادة حجم بطينات المخ ، وبعض الضمور في الخلايا العصبية ، وتأكد ذلك بعديد من الأبحاث في كل بلاد العالم .
العوامل الكيميائية :
• لوحظ أن عقاقير الهلوسة مثل ل . س . د والمسكالين والحشيش والأمفيتامين تؤدي إلى اضطرابات في التفكير والانفعال وهلاوس وهذاءات شبيهة بمرض الفصام .
• وجدت الدراسات اضطراباً في ميثيلية هرمون الأدرينالين في مرض الفصام .
• استقر الرأي على وجود علاقة بين الفصام والدوبامين ، وكل العقاقير المضادة للفصام تثبط وتسد المستقبلات الدوبامينية في المخ ، ويبدو أن موصلات أخرى تلعب دوراً في نشأة الفصام مثيل السيروتينين والاسيتيل كولين والبيتيدات ، وعدم وتوازن هذه الموصلات هو الحافز لأعراض الفصام . وكان ذلك بداية العقاقير الحديثة التي تعمل على عدة موصلات عصبية وليس على الدوبامين فقط .
• وتجدر الإشارة إلى أنه تزيد احتمالات المرض النفسي عندما ينطوي الحدث الضاغط على صدمة قوية لصورة الذات عند الفرد .
ولعل العذر في تباين الآراء المطروحة أن الفصام - كما يرى أريتي - مرض ذو ألف وجه ، ولذلك يتعذر وصف جميع جوانبه . وقد اعتاد روبرت كانكرو - وهو واحد من الباحثين الذين قاموا بأدق الأبحاث الحديثة في الفصام - على القول بأنه مثلما يلزم وجود حيوان منوي وبويضة ليتكون الجنين يلزم وجود عوامل بيئية وسيكولوجية ووراثية لكي يحدث الفصام .
أعراض الفصام :
1- اضطرابات التفكير : وتنقسم إلى :
• اضطراب التعبير عن التفكير :
o قلة وعدم الترابط بين الأفكار بحيث لا يستطيع الاستمرار في الموضوع الواحد فترة طويلة .
o صعوبة إيجاد المعنى فهو يحوم حوله في الحديث ولا يصل إليه .
o امتزاج الواقع بالخيال .
o عدم القدرة على التفكير التجريدي ، والميل إلى العيانية .
o ونظراً لغموض تفكيره ، يتجه المريض نحو الدراسات الفلسفية والدينية ، وقد ينتمى إلى أحزاب متعصبة ترضي فيه عدم القدرة على الالتزام بمعنى محدد .
• اضطراب مجرى التفكير :
o توقف التفكير : يتوقف المريض عن الحديث في الموضوع ، ويبدأ في غيره .
o ضغط الأفكار : وكأنما تزدحم في رأسه ، ولا يستطيع التعبير عنها .
• اضطراب التحكم في التفكير :
o سحب الأفكار والحرمان منها : يشكو من أن محتويات أفكاره تسحب منه بواسطة أجهزة خاصة من عملاء يحاولون إنقاذ البشرية أو تحطيمها ، ويشكو دائماً من الفراغ الفكري لأنهم سلبوه أفكاره .
o إدخال الأفكار : وهو عكس الأول ، إذ يعاني من أفكار دخيلة عليه ، وهو غير قادر على مقاومتها .
o إذاعة وقراءة الأفكار : يشكو من إذاعة أفكاره على الناس ، وأنهم أصبحوا مطلعين على ما يجول في خاطره .
• اضطراب محتوى التفكير : ويصبح أسيراً لاعتقاداته الخاطئة ووساوسه وأفكاره المرضية ، ويؤول جميع أنواع السلوك المحيطة به تبعاً لضلالاته.
2- اضطرابات الوجدان :
• قوة الانفعال : يظهر في البدء تأخر في الاستجابة الانفعالية ، ثم تبلد في الانفعال ، فتقل قدرته على الاستجابة الانفعالية ، مع نقص شعوره بالألفة والعطف والحنان على أسرته وأصداقائه ، وقد يصاب بعد ذلك بالتجمد الانفعالي فيفقد القدرة على الاستجابات الانفعالية ، وآخر المراحل وأشدها : اختفاء القدرة الانفعالية ، وربما استجاب للأخبار المكدرة بالضحك ، والسارة بالبكاء ، ويدل ذلك على شدة وطول المرض .
• شكل الانفعال : يتعرض المريض لذبذبات انفعالية مستمرة ، بين النشوة والطرب والخوف والرعب والقلق والاكتئاب ، وتظهر فجأة دون تفسير ، وربما أدت إلى سلوك غير اجتماعي أو جرائم .
• عدم التجاوب الانفعالي : بسبب تبلده أو تجمده يصعب عليه التآلف مع الآخرين فيعتزل ، وقد تقل ألفته حتى مع طبيبه المعالج .
3- اضطراب الإرادة :
عدم القدرة على اتخاذ أي قرار ، والسلبية المطلقة في التصرفات . وإذا أهمل المريض لمدة طويلة ، فقد يفقد الإحساس بذاته ، ويعتقد بانتمائه إلى عالم النبات أو الحيوان أو الجماد .
4- الأعراض الكتاتونية ( التخشبية ) :
• السبات والذهول والغيبوبة الكتاتونية : تتراوح من توقف بعض الحركات إلى غيبوبة تامة لا يتحرك أثناءها ، ولا يتحدث ، وعندما يشفى المريض يتذكر هذا الذهول ، ويصف كل ما كان يحدث له ، ويفسره بأنه كان تحت تأثير أصوات تلعنه وتسبه ، وأن تفكيره كان متوقفاً .
• الهياج الكتاتوني : نوبات يحطم فيها ما حوله ، ويعتدي على الغير ، ويعتريه قوة خارجة غير مناسبة لتكوينه الجسمي ، وأحياناً يتخلل نوبات الذهول والسبات .
• السلبية المطلقة : يرفض كل شيء ، واحياناً يفعل عكس ما يؤمر به .
• المداومة على وضع معين : يتخذ المريض وضعاً خاصاً لمدة ساعات ، وأحياناً تمتد إلى أيام دون أن يغيره ، كالوقوف ، أو وضع الجنين ، أو رف اليد أو الرجل أو تخيل أن هناك وسادة تحت رأسه ويظل على ذلك .
• الطاعة العمياء : يقلد المريض كل كلمة أو حركة أمامه ، بل إذا سار الطبيب يسير معه .
• المداومة على الحركات المتشابهة Stereotypy : ينتاب المريض حركات متكررة في الرأس أو الحواجب أو الفهم ، ولا يتوقف عنها مطلقاً .
• اضطراب الكلام : ويحدث ذلك بعدة صور :
o فقدان الكلام تماماً .
o اختلاط الكلام وتكراره دون ارتباط .
o تكرار بعض الجمل بنفس المعنى واللهجة والنغمة .
o اتخاذ لغة خاصة لا يفهمها غيره .
• اضطرابات جسمية : كاصفرار الوجه ، ودهونة الجلد والوجه ، وزيادة اللعاب والعرق ، مع زرقة الأطراف وانخفاض ضغط الدم .
5- الضلالات :
هي اعتقادات خاطئة مرتبة منسقة يؤمن المريض بها إيماناً راسخاً لا يحيد عنه ، مع استحالة إقناعه بعدم صحتها . وهناك أنواع من الضلالات :
• ضلالات الاضطهاد : كالشكوى من تتبع أجهزة الأمن له ، أو تحكم الآخرين فيه عبر إشعاعات ، وهو من أكثر الضلالات شيوعاً . وعادة ما يبدأ بشخص طموح دون وجود قدرات مناسبة لتحقيق التطلعات ، مع عدم القدرة على الاستسلام للواقع ، ويؤدي التناقض بين الطموح والقدرة إلى الشك وعدم الثقة وسوء تأويل ما يجري له ، ثم الاعتقاد بأنه مضهد ممن يخشى من تفوقه ، فتبدأ الهذاءات في الظهور .
• ضلالات العظمة : يؤمن المريض بأنه أذكى الناس أو أقواهم ، أو أنه مخترع ، أو نبي ، وقد يدعي الألوهية ، وعادة ما يتبع هذاءات العظمة أحساس بالنقص وعدم الاستقرار .
• ضلالات توهم المرض : لا يصبح توهم المرض هذاء إلا إذا آمن به المريض إيماناً راسخاً رغم سلامته منه .
• ضلالات التأويل أو الإشارة Delusion of Reference: يقتنع أن كل حركة تدر من حوله ، وبعض نشرات الأخبار والإعلانات تلمح إلى تصرفاته ، مما يجعله محتكاً دائماً بالمجتمع أو معتزلاً له .
• ضلالات الأهمية : وتشبه هذاءات العظمة ، إذ يوقن المريض أنه على معرفة بأهل المريخ مثلاً ، أو أنه يعرف أعماق النفس الإنسانية ، أو يعلم الغيب .. الخ .
• ضلالات التأثير : يشعر المريض أنه تحت تأثير قوى خارجة أو داخلية .
6 - الهلاوس :
وهي استجابات حسية واضحة دون وجود منبه ملائم .
ويمكن أن تكون سمعية ( كسماع من يشتمه ) أو بصرية ( رؤية أشكال مخيفة ) أو لمسية ( شعور بأن آخرين يلمسونه في مناطق حساسة ) أو شمية ِ( رائحته أو رائحة من حوله عفنة ) أو تذوقية . وهي ترمز إلى إسقاط على الخارج لما يحس به المريض في داخله .
7- اضطرابات السلوك :
تؤدي كل العوامل السابقة إلى ظهور سلوك مختلف عن السلوك العادي لدى مريض الفصام ، كالعزلة والانفصال عن العائلة ، وعدم الاهتمام بمظهره ، وإهمال عمله ، وظهور بعض السلوكيات الجنسية عليه ( كممارسة العادة السرية أمام الآخرين ، الاغتصاب ، الانحراف الجنسي ، العهر .. الخ ) .
أنوع الفصام :
• يعتقد البعض أن الفصام عبارة عن عدة أمراض مختلفة تمام الاختلاف عن بعضها ولا يمكن توحيدها تحت اسم واحد .
• يعرفه الدليل الأمريكي بأنه " مجموعة من التفاعلات الذهانية التي تتميز بالانسحاب من الواقع والتدهور في الشخصية مع اختلال شديد في التفكير والوجدان والإدراك والإرادة والسلوك"
• قسمت هيئة الصحة العالمية على تقسيم الفصام إلى :
1- الفصام البسيط :
• من أصعب الأنواع تشخيصاً لغياب الأعراض الشديدة عنه .
• يبدأ في سن مبكرة ( بين 15-25) ، ويزحف ببطء حتى ينتهي بتدهور مستمر في الشخصية.
• يتميز باضطراب الوجدان والإرادة ، ولا يظهر فيه أي أعراض كتاتونية أو ضلالات أو هلاوس.
• ينتشر بين أقارب مرضى الفصام ، وموظفي الدرجات السفلى ، والمدمنين ، والمجرمين ، والمنحرفين جنسياً .
• يفوت على الكثير من الأطباء والأقرباء تشخصيه في البداية لأن الشاب يوصف بالطيبة والخلق الحسن والعزلة ، وعدم الاهتمام بالبيئة المحيطة.
2- الفصام الهيبفريني ( البلوغ ) :
• يبدأ في سن مبكرة ، وإن لم يعالج ينتهي بتدهور تام في الشخصية .
• يحتوي على اضطرابات التفكير بكل أعراضها السابقة ، مما يسبب الكثير من الألم للشاب وأسرته ، إذ ينتقل من الكفاءة الدراسية إلى عدم القدرة .
• يحتوي على اضطرابات الوجدان ، والهلاوس ، والضلالات ، واضطرابات السلوك .
• اختلال الإنية والشعور بالتغير في منظره وسلوكه .
• يبدأ المرض أحياناً بتوهم علل بدنية ، وتركيز على العادة السرية أو الطمث والأمراض المستعصية .
3- الفصام الكتاتوني :
يبدأ في سن متأخرة عن البسيط والمراهقة بين 20 - 40 سنة ، ويتميز باضطراب الحركة ، وعادة ما يتحسن مع العلاج ، وأهم أعراضه الاضطرابات الكتاتونية السابق شرحها .
4- الفصام البارانوي :
• أثر العوامل البيولوجية والوراثية فيه أقل من أثر البيئة .
• يبدأ في الغالب في سن متأخرة بعد الثلاثين . وتقل نسبة التدهور الاجتماعي فيه .
• يتميز بالضلالات والهلاوس دون أثر للاضطرابات الأخرى للفصام ، وأحاناً ما تكون الشخصية متكاملة مع بعض الاستبصار .
• اضطرابات الوجدان والإرادة واللغة والأعراض التخشبية إما غائبة أو غير واضحة نسبياً .
5- الفصام غير المميز :
إذا لم يكن محدداً في نوعٍ بعينه من أنواع الفصام .
6- اكتئاب ما بعد الفصام :
تتحسن الأعراض الفصامية ، ويصاب المريض باكتئاب حاد قد يطول، ويكون مصحوباً ببعض الأعراض الفصامية ، وهي مرحلة خطرة يمكن أن يؤذي فيها المريض نفسه .
7- الفصام المتبقي :
بعد نوبة مرضية واحدة على الأقل ، ولكن لا توجد أعراض مرضية واضحة في الوقت الحالي ، وتتمثل الأعراض الحالية والمستمرة في الانسحاب الاجتماعي ، والتصرفات المتطرفة وعدم التناسق العاطفي والتفكير غير المنطقي .
8- الفصام الوجداني :
يظهر على المريض مع الأعراض الفصامية تغيرات في الجانب الوجداني متمثلةً في نوبات من الاكتئاب والمرح قد تصل إلى حد النشوة . وغالباً ما يشفى بسرعة أكبر من غيره .
العلاج :
• لا يعتقد بعض العلماء بشفاء مريض الفصام ، ويرون أن الفصامي يسير في طريق مزمن لا يرجى شفاؤه ، غير أنهم ينسون أن نوبات الفصام التي تتميز بالشفاء التام ، وهي لا تقل عن 25% من الحالات .
• لابد من مراجعة الطبيب النفسي لأن العلاج الدوائي هو الأساس في علاج الفصام .
• يمكن أن ( يساعد ) الأخصائي النفسي في إشعار المريض بالتقبل والتعاطف ، لا سيما إذا كان في مرحلة يمكن التواصل معه فيها .
ما الذي ينبغي أن تفعله الأسرة :
• مهم أن نشعر بالتعاطف مع الفصامي ، وأن نتجنب إدانته .
• البحث عن الطبيب النفسي القدير ، سواء في المستشفيات الحكومية أو العيادات الخاصة .
• لا يدخل المريض المستشفى إلا إذا لم يكن هناك علاج أفضل خارجها .
• هدف المستشفى إزالة أعراض الفشل التكيفي الحاد مثل رفض الأكل أو إهماله لرعاية نفسه ، أو التبول اللاإرادي .. الخ .
• الإقامة في المستشفى مطلوبة طالما كان المريض في حاجة إلى وسط اجتماعي يساعده على التخلص من أعراضه واكتساب شعور الاعتماد على النفس .
• ينبغي على الأسرة تعلم الكثير عن الفصام ، وكيفية التعامل مع مريض الفصام ، لتحسن فهم ما يجري لابنها .
• ينبغي التنبه لعلامات الشفاء وعلامات الانتكاسة .
• توفير الجو المفعم بالتفهم والمحبة داخل الأسرة ، وإبعاد المريض عن مصادر الضغوط .
كتب أ.د. قاسم حسين صالح مقالة ( عرضتها كاملة لقصرها وأهميتها ) بعنوان :
أستاذ (مجنون) يحصل على جائزة نوبل!
في عام 1959م،كان (جون ناش) البالغ في حينها ثلاثين سنة واحداً من أشهر العقول في اختصاص الرياضيات.وحصل على الأستاذية (أي بروفيسور) بهذا العمر عندما كان يدرّس في المعهد التقني بولاية ماساشوستس.وكان يدهش الجميع بأن يحل مشكلات رياضية يستحيل مع الآخرين حلها بطريقة غير تقليدية.واستطاع،وهو لا يزال طالب دراسات عليا أن يقدم فكرة (التوازن) في(نظرية اللعبة) Game Theoryالتي أحدثت مؤخراً ثورة في ميدان الاقتصاد، ونال عليها جائزة نوبل.
وتروي زوجته (سيلفيا) أن زوجها (ناش) ظهرت لديه تصرفات غريبة الأطوار، ثم ساءت حالته بأن أخذ يكتب رسائل الى (FBI) ومؤسسات ووكالات حكومية أخرى يؤكد فيها أن هناك مؤامرات عالمية على وشك أن تحدث.ثم صار يتحدث علناً في محاضراته الجامعية عن أن قوى من الفضاء الخارجي ومن حكومات أخرى تتصل به عبر الصفحة الأولى من مجلة (New York Times). وصار يرى أشخاصاً بأربطة عنق حمراء (وهميين طبعاً) يدورون حول المجمع الذي يسكن فيه،معتقداً أنهم من المخابرات الروسية (الشيوعية).
ونظراً لأوهامه وهلاوسه وسلوكه الذي صار خطراً،أدخلته زوجته في مستشفى للأمراض العقلية في نيسان 1959م،فشخصه الأطباء بأنه مصاب بـ(الفصام الزوري)Paranoid Schizophrenia،الذي يعني تحديداً: ((متلازمة تتصف بالأوهام والهلاوس التي تتضمن أفكاراً اضطهادية وعظمة)).وبعد خضوعه لعلاج طبي دوائي وتحليل نفسي،تحسنت حالة (ناش) الذي كان يقضي معظم أوقاته في المستشفى مع الشاعر المشهور آنذاك (روبرت لويل) المصاب هو الآخر بـ(الاكتئاب الهوسي).
تعلم (ناش) أن يخفي أوهامه وهلاوسه،ويتصرف بعقلانية، بالرغم من أنه كان يعانيها في داخله. وخرج من المستشفى، وأقسم أن يتخلص من كونه مواطناً أمريكياً، فسافر الى جنيف وأتلف جوازه الأمريكي.لكنه اضطر بعد سنتين الى العودة. وظهرت عليه أعراض جديدة من الشيزوفرينيا. فلقد أخذ يرتدي ثياب فلاح روسي، ويتحدث عن السلام العالمي، وضرورة وجود حكومة عالمية واحدة. وبعث برسائل وأجرى اتصالات هاتفية يتحدث فيها عن نظريات رياضية وشؤون عالمية، الأمر الذي دعا المسؤولين في الجامعة والأصدقاء والأطباء النفسانيين أن يلحوا على زوجته لإدخاله المستشفى مرة أخرى، ففعلت. وتلقى فيه علاج الأنسولين والرجات الكهربائية الشائعة الاستعمال في الستينيات. فتحسنت حالته وغادر في عمر الثالثة والثلاثين، وعاد الى البحث العلمي مركزاً هذه المرة في (توازنات التمايز الجزئي). وبدأت تظهر عليه من جديد اختلالات في تفكيره وكلامه وسلوكه. فأدخلته زوجته في مستشفى خصوصي هذه المرة، قضى فيه خمسة أشهر من العلاج النفسي والدوائي.وبعد مغادرته، قام اصدقاؤه بمساعدته من جديد على انجاز ابحاثه. فكتب مقالات مميزة،نشرت في مجلات علمية رائدة.غير أن الذهانات الحادة ظلت تأتيه من وقت لآخر الى السبعينيات والثمانينيات، حيث تحسنت حالته تدريجياً وتعافى من الشيزوفرينيا بالرغم من عدم تناوله لأي علاج، الأمر الذي أثار دهشة الاختصاصيين، الذين لم يجدوا تفسيراً لشفائه الا في رعاية زوجته ومداراتها له وعلاقتها الحميمة به،وفي الإسناد الدائم له من أصدقائه في اختصاص الرياضيات.
واصل (ناش) أبحاثه العلمية،ومنح جائزة نوبل في الاقتصاد لمساهماته الأصيلة والمبتكرة في (نظرية اللعبة)، التي أحدثت- كما أشرنا- ثورة في حقل الاقتصاد.وهو يعيش الآن مع زوجته (إليسا) في برنستون، ويواصل عمله في ابتكار نظريات في الرياضيات.ويرعى في الوقت نفسه ابنه (جوني) الحاصل على الدكتوراه في الرياضيات أيضاً،والمصاب بنفس مرض أبيه (فصام البارانويا).
وفضلاً عن ما لقيه من تكريم،فقد كرمته السينما ايضاً بانتاجها فلماً عنه بعنوان (عقل جميل) Beautiful Mind.
د. محمد محمد فريد
المقال معتمد بصورة أساسية على كتاب أ. د / أحمد عكاشة : الطب النفسي المعاصر .