ما هو الفصام ؟

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 9, 2015 - 10:33

(أحمد عز الدين) شاب في الثانية والعشرين من العمر حضر إلى العيادة النفسية مع والده والذي روى لنا قصة ابنه الغالي." عندما ولد أحمد في صبيحة يوم جميل أصبحت الحياة شيئاً مختلفاً. كنا جميعاً, أنا وأمه وأخته ياسمين, بانتظار الضيف الجديد بكل لهفة. منح قدوم هذا الصغير البيت أنساً وجمالا.. نشأ أحمد يزداد روعة وحسنا يوماً بعد يوم. قال لي يوماً بفمه الصغير: أحبك يا أبي؟! شدهت لكلماته البريئة وسالت على خدي دمعتين ساخنتين وقلبي يلهج بكل آيات الثناء والشكر للمولى عز وجل على روعة ما أعطى. سارت حياة أحمد بكل هدوء وسلام. تدرج في مراحل الدراسة بسلاسة فهو الطالب المجتهد الذي يذكره الجميع بحرصه وأدبه. كانت سعادتنا بالغة عندما بدأ دراسته الثانوية, قلت لأمه يوماً:"كم سنة ويصبح أحمد في الجامعة. سوف أدرسه الهندسة لا بل الطب لا لا بل التجارة أريده أن يصبح مثل أبيه حاذقاً ذكيا".
في السنة الثانية من المرحلة الثانوية بدأ شيء من التغير يطرأ على ابننا العزيز. بدأنا نلاحظ أنه يفضل الجلوس منعزلاً في غرفته. ولم يعد أحمد ذلك الشاب الذي يهتم بأناقته بعد أن كان يقاتل لشراء حاجياته الشخصية والتي تزيد عن ما يحتاج. لم نلق بالاً لم يحدث. وعندما كنا نتسامر أنا وأمه عنه كنت أقول لها:" احمدي ربك عندك ولد هادي ومطيع. ماذا كنت ستفعلين لو أن عندك ولداً مثل ابن جارنا أبي زياد".
سارت الأمور على هذا النحو حتى كانت أمسية يوم من الأيام حين جاءني أحمد وعينه تدمعان حزناً وألما "بابا, أصدقائي في المدرسة يكرهونني, إنهم يتآمرون علي. لقد رأيتهم يتحدثون بين بعضهم البعض عني وعن ما سيفعلونه بي!". استغربت من حديثه وغضبت لما وصلت إليه أخلاق الطلاب في مدارسنا. ولما كان مدير المدرسة أحد أصدقائي القدامى, هاتفته في منزله وتحدثت معه عن شكوى ابني ووعدني أن يحقق في الأمر. بعد يومين اتصل بي وأكد لي أنه ما ذكره أحمد ليس صحيحاً بل شكى معظم زملائه من عدم رغبة أحمد في تبادل الحديث معهم ونظراته المريبة تجاههم.
ازداد انعزال أحمد في غرفته وأصبح يمكث فيها الساعات الطوال. وازداد إهماله لنفسه فما عاد ينظف جسمه أو يغير ملابسه إلا بعد إلحاح طويل من والدته. كنا نعتقد أنه منهمك في دراسته فلم نحب أن نشغله ونعطله.
عند نهاية السنة الدراسية كانت المفاجأة!! عندما اتصل صديقي المدير وطلب مقابلتي. ذهبت إلى منزله وهناك كان ينتظرني خبر سيئ..
- ولدك رسب في معظم المواد يا أبا أحمد.
- ماذا تقول؟
- نعم هذه الحقيقة.
- كيف هذا وهو الذي يقضي الساعات الطوال في الدراسة. هل أنت متأكد أنه لا يوجد خطأ في الأسماء.
- أبو أحمد, ابنك مثل ابني ولذا ذهبت إلى كل مدرس من مدرسيه. والجميع مستغرب. لكن الحقيقة أن تدهوره في الدراسة بدأ منذ الامتحانات الشهرية لكن مدرسيه كانوا يعتقدون إنه يمر بظروف خاصة فحاولوا مساعدته. لكن الامتحانات النهائية وضحت كل شيء.
رجعت إلى المنزل محزونا وعلى الفور ناديت أحمد لأطلعه على نتيجته المخزية ولأسمع سبباً مقنعا لما حدث. سوف لن تصدقوا عندما أقول لكم أنه استقبل الخبر بكل هدوء ولامبالاة. لم يظهر أي تفاعل لما سمع. لم أجد نفسي إلا حانقاً وغاضباً وانهلت عليه ضرباً.
في اليوم التالي, ذهبت لمقابلة مدرسيه والذين أكدوا أن احمد بدا في الأشهر الأخيرة أقل تركيزاً وتفاعلاً مع زملائه ومدرسيه.
ومر الصيف رتيباً فأحمد يقضي معظم وقته في الغرفة في سرحان كامل وتفكير عميق. لكن أخته ذكرت أنها لاحظته يتحدث مع نفسه ويبتسم دون أن يكون من حوله أحد. لم أهتم لما ذكرت ياسمين إلى أن رأيته بنفسي وهو يتحدث مع نفسه وكأنه يتحدث مع شخص إلى جانبه. صرخت في وجهه معنفاً, فما كان منه إلا أن بدأ بالسباب واتهامي أنا وأمه بأننا نكرهه ونسعى إلى تسليمه إلى عصابة من اللصوص تلاحقه منذ أشهر مقابل مبلغ من المال. ومن ثم وفجأة أخرج من تحت وسادته سكيناً كبيراً وبدأ يهدد ويتوعد. أمسكت به بكل قوتي وأبعدت السكين من يده وطرحته أرضاً ومن ثم جئت به إلى المستشفى."
قرر الطبيب النفسي أن يدخل أحمد إلى قسم التنويم لملاحظة حالته قبل أن يعطي تشخيصه النهائي. وبعد بضعة أيام أخبرني الطبيب أن أحمد يعاني من مرض الفصام. لم اكن أعرف أي شيء عن الفصام.
قلت له: قصدك فصام الشخصية.
قال: لا نحب هذا المصطلح لأنه لا يوجد عند هؤلاء المرضى فصام في الشخصية. بل فصام عن الواقع أو ربما فصام بين المشاعر والتفكير والسلوك. على كل سنبدأ العلاج والأمور ستمضي على ما يرام إنشاء الله.
بدأ أحمد رحلة العلاج من الفصام وبدأ بأخذ الدواء الذي سبب له في البداية بعض الانزعاج البسيط لكنه في المقابل أصبح أكثر هدوءً وتفاعلاً مع أهله واهتماماً بنفسه ومظهره. بعد فترة من العلاج زالت تماماً كل الأعراض السابقة, وعاد احمد لمتابعة دراسته وانخرط مع والده في التجارة. ربما ليس لديه الآن الكثير من الأصحاب كما أنه يشكو من قلة همته على العمل, لكنه يشعر بالسعادة والرضى وصاحب سمعة جيدة ويحبه الجميع.
**************************************

ما هو الفصام

الفصام هو مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل:

• التفكير: 

حيث يفقد المريض القدرة على التفكير بشكل واضح ومنطقي ومترابط. كما يؤدي إلى اقتناعه بأفكار غير صحيحة اقتناعاً تاما (ضلالات), كما في حالة مريضنا حيث كان يعتقد أن أسرته تتآمر عليه. وقد يحمل المريض قبل العلاج معتقدات غريبة متنوعة مثل تحكم كائن من الفضاء بأفعاله وتحركاته أو أن الآخرين يستطيعون قراءة أفكاره وزرع أفكار جديدة في عقله أو تحدث الشيخ في التلفاز عنه شخصياً وغير ذلك.

• المشاعر:

حيث يقل تفاعله مع الآخرين عاطفياً, ومع الأحداث أيضاً كأن يذكر لك موت والده بكل هدوء ودون أي انفعال.أو تصبح مشاعره غير متناسبة مع الموقف الحالي كأن يضحك عند سماع خبر محزن أو يحزن في مواقف سارة.

• الإدراك: 

حيث يبدأ المريض بسماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة على أرض الواقع. وهي ليست أفكار في البال وإنما سماع حقيقي, كأن يسمع من يتحدث إليه معلقاً على أفكاره وأفعاله أو متهجماً عليه أو موجهاً له الأوامر أو غير ذلك. وقد يكون المتحدث شخصاً واحداً أو مجموعة من الأشخاص يتحدثون فيما بينهم عن المريض. وهذا ما يفسر ملاحظة الآخرين لحديث المريض وحده إذ هو -في الواقع- يتحدث إلى هذه الأصوات. كما يمكن أن يرى أشياء مختلفة وغير حقيقية.

• السلوك:

حيث يقوم المريض بسلوكيات غريبة مثل اتخاذ أوضاع غريبة أو تغيير تعابير وجهه بشكل دائم أو القيام بحركة لا معنى لها بشكل متكرر أو السلبية الكاملة وبشكل متواصل (القيام بكل ما يؤمر به وكأنه بلا إرادة).

• الأعراض السلبية:

يظهر المريض انعزالاً عن الآخرين وإهمالاً في العناية بنفسه وبنظافته الشخصية, وفقدان الحيوية والاهتمام والرغبة في الدراسة أو العمل (دون أن يكون هناك حزن أو اكتئاب). مع قلة في الكلام وفي التفاعل العاطفي الذي ذكرناه سابقاً.
• عادةً ما تبدأ أول أعراض المرض في سن المراهقة وأول سنين الرجولة ( أي تقريباً بين سن 15- 25 للرجال وسن 25- 35 للنساء). والبداية عادة ما تكون بأعراض غير واضحة لمدة قد تمتد لأشهر طويلة ومن ثم يظهر المرض بصورته الكاملة ثم لينتهي على شكل أعراض سلبية ذكرت آنفا. ويأتي المرض على شكل هجمات (إذا لم يأخذ المريض العلاج). هذه هي الصورة الأشيع ولكن هناك صور أخرى للمرض.

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.