الانحرافات الجنسية (الأنماط ، الوقاية ، العلاج)
تعتبر الغريزة الجنسية :من أقوى الغرائز والدوافع لدى الإنسان حيث تحمل تأثيرا كبيرا على الصحة النفسية والفكرية والجسدية. وتتجلى هذه الغريزة في مظاهر مختلفة ابتداءً من مرحلة الطفولة وانتهاءً بانقضاء العمر، ويتوقف نشاطها على مجموعة من العوامل العضوية كالهرمونات والعوامل النفسية كالحاجة الماسة لإشباع هذه الرغبة.
يقول دوجلاس توم "إن كثيرا من أنواع الصراع العقلي والشذوذ النفسي التي نشاهدها اليوم في الكبار والصغار على حد سواء ترجع بصورة مباشرة إلى المواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية. وليس هناك من قوة في الدنيا وفي الحياة الفعلية بأجمعها أكثر من تلك القوة إلحاحا في سبيل الظهور على أي شكل من الأشكال، كما أنه ليست هناك أية قوة أو غيرها تلقى من عنت الجماعة والفرد والأسرة في التضييق على حريتها وإحاطتها بالقيود قدر ما تلقى الميول الجنسية من عنت وتقييد" (علم نفس النمو: حامد عبدالسلام زهران - 1997).
ويعرف الانحراف الجنسي بأنه : سلوك جنسي يستهجنه المجتمع أو يعاقب عليه كالاستمناء أو اللواط أو الاستعراء أو الاعتداءات والجرائم الجنسية وما إلى ذلك.
ويتضمن هذا التعريف بطبيعة الحال جميع الانحرافات السلوكية التي تبدو لدى الأسوياء من الناس مع أن بعضها قد لا يعود بالضرر المباشر على المجتمع كالتلذذ من فستان أو صورة أو ما شابه ذلك. كما إنه يُبيِّن أن الانحراف الجنسي عبارة عن اضطراب نسبي يختلف من مجتمع لآخر..
وتشير البحوث والدراسات في هذا المجال إلى أن أسباب الانحرافات الجنسية متشابكة ومتعددة. فلم يتمكن العلماء حتى الآن من تحديد سبب عضوي ذي علاقة بهذه الانحرافات، إلا أنهم من خلال دراسات البيئة والتعلم الشرطي للعادات السيئة تمكنوا نوعا ما من تحديد بعض هذه الأسباب وذلك على النحو التالي:
1.الاضطرابات النفسية الناتجة عن أعطاب طبيعية (بيولوجية) كخلل الجهاز العصبي الذاتي أو خلل الجهاز التناسلي أو اختلال إفرازات الغدد والبكور الجنسي أو تأخر البلوغ أو العقم ونقص الخصائص الجنسية الثانوية أو البلوغ الجنسي وما يصاحبه من سوء توافق ونقص في المعلومات والانزعاج والقلق والمخاوف ونقص التربية الجنسية أو انعدامها، والعنوسة أو تأخر الزواج أو الحرمان الجنسي رغم الزواج أو الانفصال.. الخ..
2.الاضطرابات الوراثية، ومثال ذلك تغلب عضو جنسي على آخر.
3.العوامل العضوية كالأمراض المعدية والأمراض العقلية وموانع الاتصال الطبيعي والإصابات والعاهات والتشوهات الخلقية.. الخ.
4.الأسباب النفسية، مثل الصراع بين الدوافع والغرائز، وبين المعايير الخلقية والقيم الاجتماعية، وبين الرغبة الجنسية وموانع الاتصال الجنسي، والإحباط الجنسي ومخاوف الجنس، والنكوص الانفعالي وسوء التكيف، والخبرات السيئة والعادات غير الصحيحة، وعدم الشعور باللذة والسعادة مما يدفع الفرد للجنس كمصدر للحصول على اللذة المفقودة.. وما إلى ذلك.
5.الأسباب البيئية والحضارية والثقافية والمرضية واضطراب التنشئة الاجتماعية في الأسرة والمجتمع والصحبة السيئة وسوء الأحوال الاقتصادية ووفرة المثيرات الجنسية..الخ.
والانحرافات الجنسية متعددة الأشكال والأنواع، فمنها ما هو ظاهر ومعروف على أنه انحراف جنسي لدى العامة ومنها ما ينظر إليه على أنه أمر طبيعي إلى أنه بالمقاييس السلوكية يعتبر انحرافا، ذلك أنه أمر غير طبيعي من جهة، ومن الجهة الأخرى فإنه قابل للتحول إلى أي مظهر من المظاهر الانحرافية العامة. وأشهر أنواع الانخرافات الجنسية هي:
1.الجنسية الفمية: الحصول على اللذة الجنسية من خلال ملامسة الفم للأعضاء التناسلية.
2.الجنسية الشرجية: الحصول على اللذة الجنسية عن طريق الشرج، كما يحدث في عملية الاستجناس بنسبة 20% تقريبا حسب بعض الدراسات بينما يكون في علاقة الرجل بالمرأة بنسبة لا تزيد عن 0.5%.
3.اللذة والولع بالأوساخ: الحصول على اللذة الجنسية من جراء ملامسة أو شم الروائح والإفرازات الجسمية النتنة. وقد تصل درجة هذا السلوك إلى المساواة بالحيوان.
4.التصوير الفاضح: الحصول على اللذة من خلال كتابة الألفاظ البذيئة ذات الطابع الجنسي على الجدران أو الورق أو ما شابه ذلك، وكذلك هو الحال بالنسبة لكتابة القصص الجنسية الفاضحة والشعر والتعبيرات الجنسية والرسم..الخ.
5.السادية الجنسية: الحصول على اللذة الجنسية عن طريق إيقاع الألم والقسوة على الطرف الآخر في العملية الجنسية، وأحيانا يكون ذلك تمهيدا للعملية الجنسية لدى بعض الأفراد. وعادة ما يكون التعذيب جسديا كالضرب أو إسالة الدماء أو تشويه الجسم أو القتل أحيانا. ويكثر هذا الانحراف بين الرجال عنه بين النساء.
6.الماسوشية: وهذه على العكس تماما من السادية حيث يكون الحصول على اللذة الجنسية عن طريق الإحساس بالألم وتعذيب الذات. ويكثر هذا الانحراف بين النساء منه بين الرجال.
7.الاحتكاك الجنسي: الحصول على اللذة بمجرد الاحتكاك مع الطرف الآخر. وهذا الانحراف منتشر بصورة كبيرة بين الشعوب المكبوتة جنسيا كشعوب أمريكا اللاتينية وبعض البلدان الأفريقية. وعادة ما يكون هذا الانحراف بديلا عن الجماع الجنسي.
8.التطلع الجنسي (السيكوبوفيليا): الحصول على اللذة عن طريق مشاهدة عملية الجماع الجنسي بصورة مباشرة أو بالتخفي. وغالبا ما يكون المنحرف بهذا النوع من الانحراف الجنسي أحد المصابين بالضعف الجنسي أو المعانين من أمراض الشيخوخة. وعادة ما يعمل المصابون بهذه الانحرافات بالقوادة.
9.الاستعراض الجنسي: ويقصد به عرض الأعضاء التناسلية لكل من الذكر والأنثى على بعضهما البعض. وينتشر هذا النوع بين الأفراد ذوي القدرة الجنسة الضعيفة، وهو أكثر شيوعا بين الرجال منه بين النساء. وقد تحدث مثل هذه الأمور في الأماكن العامة وأمام الجميع.
10.عشق الذات (النرجسية): وفي هذا النوع يعشق الفرد ملذاته الجنسية وينغمس فيها أو يحب منظره لدرجة أنه قد يغازل نفسه في المرآة، كما قد يعجب المريض بقدراته الجنسية ويعظمها أشد تعظيم.
11.الاستجناس (اللواط، السحاق): ويقصد به الميل الجنسي القوي وحب الاتصال بشخص من نفس الجنس. وقد يكون ذلك متبادلا أو قد يمارسه شخص واحد. ويميل العنصر السلبي في عملية اللواط (المخنث) إلى إظهار أعراض التخنث كالرقة الزائدة في الكلام والليونة المفرطة في الحركات في سن مبكرة فيقلد النساء في اللبس وطريقة الكلام والمشي.. الخ. في حين يظهر العنصر الموجب في عملية السحاق (المسترجلة) تشبهه بالرجال من حيث الدور في العملية الجنسية ومن حيث القوة والخشونة واللبس.
12.جماع الأطفال: وهو استعمال الأطفال والصغار والقصَّر للجماع الجنسي. ويصاحب ذلك بعض الأحيان نوع من السادية حيث لا مانع من ضرب الطفل أو حتى قتله أثناء أو بعد الاعتداء عليه. ويعبر هذا الانحراف عن فقدان الفرد لثقته بقدرته على الجماع وذلك بسبب ضغط العادات والتقاليد وقسوتها ونقص الرقابة الاجتماعية.
13.جماع الشيوخ والمسنين: وهذا الانحراف نادر الحدوث إلى حد ما، وفيه يلتمس المنحرف حنان الأبوة أو الأمومة من الطرف الآخر (المسن).
14.جماع الأموات: وهو جماع السيدات بعد وفاتهن بساعات. وفي بعض الحالات يلجأ المريض لقتل ضحيته ثم مجامعتها بعد التأكد من وفاتها. وهذا الانحراف عبارة عن مزيج من الانحرافات كالسادية والفيتشية والاندفاعية القهرية.
15.البهيمية الجنسية: وهي الحصول على اللذة الجنسية باستخدام الحيوانات.
16.جماع المحرمات: ويهدف هذا النوع إلى الحصول على اللذة الجنسية عن طريق مجامعة المحرمات من النساء دينيا واجتماعيا وخلقيا. وترتكب مثل هذه الانحرافات والجرائم عادة تحت تأثير المسكر. وعادة ما يكون سبب الانحراف هنا هو ضعف التربية الأسرية بحيث يكون الجو الأسري العام خاليا من الحشمة والتمييز بين الجنسين.
17.العادة السرية: وهي استثارة اللذة الجنسية عن طريق لمس الأعضاء التناسلية والعبث فيها باليد أو بأية أداة أخرى. وهذا النوع أكثر انتشارا بين الأطفال والمراهقين من الجنسين. وتكون نتيجة هذا الانحراف هي المعاناة النفسية الشديدة جراء الصراع بين الرغبة في ممارسة هذه العادة وبين الإحساس بالإثم وتأنيب الضمير.
18.الانقلاب الجنسي: وهو الحصول على اللذة الجنسية عن طريق التشبه وأخذ ميزات الجنس الآخر. فالرجل المنحرف يتشبه بالنساء والمرأة المنحرفة تتشبه بالرجال.
19.الفيتشية: وهو التعلق الجنسي بإدى الأدوات التي تخص الجنس الآخر إلى درجة بلوغ النشوة من جراء لمسها أو رؤيتها، وهذا عادة يكون نتيجة للكبت النفسي.
20.البغاء: وهو الاتصال الجنسي في مقابل مادي مع عدة أشخاص بدون وجود عاطفة. وعادة ما يكون ذلك الانحراف وسيلة لكسب المال عند هذه الفئة. ولا يعني ذلك أن هذا النمط محصور في فئة الفقراء والمحتاجين وأنما يشمل أيضا الميسورين ماديا بل وحتى الأثرياء.
علاج الانحرافات الجنسية:
إن مشكلات الانحرافات الجنسية بمختلف أنواعها وأنماطها تعتبر أكبر مصدر من مصادر التهديد لأي مجتمع إنساني بالتفكيك والانحلال حيث أن عواقبها تستمر فترات طويلة وتتناقل تأثيراتها عبر الأجيال. لذا فمن واجبنا التصدي لمثل هذه الآفة ومحاولة علاج ما أفسدته خلال الفترات الماضية. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق:
1.العلاج النفسي: وهو التحليل النفسي للمنحرف (المريض) لمحاولة معرفة السبب أو الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ظهور وتشكل هذا السلوك.
2.العلاج الجماعي والمساندة الانفاعالية وتعزيز الشعور بالانتماء للجماعة.
3.الإقناع والتوجيه والإرشاد النفسي.
4.تسهيل إجراءات الزواج الشرعي.
5.تحذير الأفراد من الانحرافات الجنسية تحذيرا مبنيا على أسس علمية لا على مجرد التخويف.
6.تحسين العلاقات الاجتماعية بصفة عامة.
7.التركيز على التربية الدينية والخلقية والجنسية السليمة.
8.العلاج الطبي باستخدام العقاقير الطبية والهرمونات لتقليل الدوافع الجنسية لدى المريض.
9.دفع أفراد المجتمع نحو التحكم في النفس وضبطها مع غيضاح الأضرار العامة وراء الانحراف والشذوذ الجنسي.
أما بالنسبة للأطفال والمراهقين بصورة خاصة، فقد أشار دوجلاس توم في وصاياه العشر إلى ضرورة مراعاة التالي في العملية العلاجية:
1.الاهتمام بالتربية الجنسية في مراحل الطفولة في الحدود الدينية والعلمية.
2.تهدئة المخاوف وتعزيز الإيمان بأن الخطر الذي يهدد صحة الفرد الجسمية والنفسية نتيجة لسوء العلاج أكثر خطرا من السلوك المنحرف نفسه.
3.فهم الفرد ومعرفته والتأكد من الأسباب الحقيقية للانحراف قبل الشروع في العلاج.
4.جمع أدق المعلومات عن كل من يتصل بهم المريض بصلات وثيقة.
5.الفحص الدقيق والشامل للوقوف على أي سبب يثير التهيج.
6.العمل على النظافة التامة.
7.تجنب الإسراف في العناق والتدليل وغير ذلك من الأفعال التي تثير الميول الجنسية.
8.شغل أوقات الفراغ بالأنشطة المجدية.
9.عدم اللجوء إلى التهديد أو العقاب أو إثارة الانفعالات كي يتغلب الفرد على مشكلاته السلوكية.
10.الأخذ في الاعتبار أن معظم الأفراد يمرون بمثل هذه الانحرافات بدرجة أو بأخرى وبصورة أو بأخرى.
ولكن، رغم ذلك، يبقى مبدأ الوقاية خير من العلاج أجدر بالاتباع، لما له من أثر إيجابي في الحد من السلوكيات الشاذة إن لم يكن إلغاؤها. وبصورة عامة يمكننا تلخيص الإجراءات الوقائية في التالي:
1.إنشاء مراكز رعاية الطفولة والأمومة وتزويدها بالمختصين والمدربين للتعامل مع مثل هذه الأعمال.
2.توفير خدمات التوجيه التربوي والإرشاد النفسي ومحاولة تكثيفه على فئة المراهقين والأطفال.
3.الاهتمام برعاية الشباب رعاية مركزة شاملة لجميع الجوانب الحياتية.
4.توفير الرعاية الصحية الأولية اللزمة لجميع الفئات.
5.توفير المسكن الصحي الملائم.
6.توفير الأماكن العامة للترويح عن النفس ومحاولة ضبطها كي لا تعود بعكس الهدف الذي صممت من أجله فتكون أماكن تجمع للمراهقين ونشر السلوكيات المنحرفة.
7.توفير فرص العمل لكل مواطن قادر على العمل، وإعداده وتدريبه وفق ميوله وإمكاناته، ذلك أن البطالة تعتبر من أهم مقومات الانحرافات السلوكية.
8.التشجيع على تكوين الجمعيات الأهلية وتزويدها بالإمكانيات اللازمة.
9.سن القوانين والتشريعات الاجتماعية التي تكفل حقوق كل الأفراد على حد سواء.
10.سن التشريعات الخاصة بشروط العمل بحيث بحيث تقدر العامل وتعمل على إشباع حاجاته النفسية المختلفة كالحاجة للنجاح والتقدير وحرية المناقشة والمبادرة.
11.توفير الضمان الاجتماعي المناسب.
12.صرف المرتبات للعمال بما يتناسب وجهودهم في العمل من جهة، وما يكفل لهم ولأسرهم سد الاحتياجات المادية المختلفة من الجهة الأخرى.
13.إنشاء مؤسسات متخصصة لإصلاح الأحداث وإعادة التكييف وجعلها دور علاج بدلا من دور مصادرة للحريات الشخصية أو ممارسة أنواع التعذيب العقابية المختلفة.
14.توجيه وسائل الإعلام الوجهة السليمة بحيث تخدم المجتمع وتنمي الروح الدينية لدى الأفراد.
15.إنشاء النوادي الرياضية والثقافية والشبابية بغرض شغل أوقات الفراغ بما يمكن من خلاله تفريغ الطاقة الزائدة.
16.تصميم وتنفيذ برامج توجيه للآباء والأمهات للتركيز على كيفية التنشئة الاجتماعية السليمة وتعريفهم بأساليب التربية الصحيحة.
17.محاولة صياغة المناهج الدراسية والتربوية بصورة تتناسب وحاجة المجتمع بدلا من جعلها مقررات جوفاء يتوجب على الطالب حفظها لاجتياز مرحلة معينة.
18.محاولة الحد من المثيرات للغرائز سواء في وسائل الإعلام أو في الشوارع أو الأماكن العامة.
هذه هي أبرز الإجراءات الوقائية والعلاجية، إلا أنها ليست كلها.. لكننا بالنظر فيها وفيما تغطي من أبعاد يمكن أن نقيس ما تبقى منها.. ولكن يبقى الأمر المهم هو أن نشرع في تنفيذها لا أن نتحفظها أو نرصها مع بعضها في مطبوعات فاخرة..