مرض الوسواس القهري

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: السبت, يونيو 6, 2015 - 19:11

هذا هو الاسم الشائع بين الناس والاسم الحقيقي هو (الأفكارالتسلطية والسلوك القهري) أو باللغة اللاتينية Obsessive Compulsive Disorder ويختصر بـ OCD

هو مرض عصابي شائع تصل نسبته الى 2,5% من الناس يصابون به بشكل متساو بين الذكور والإناث إلا في مرحلة الطفولة, فإن الذكور نسبة إصابتهم أكبريعتبر رابع الأمراض النفسية من ناحية الشيوع بعد أمراض الرهاب, وسوء استخدام المخدرات والاكتئاب
أهم خصائص هذا المرض هي تلك الأفكار والصور الذهنية الملحة التي تأتي ضد رغبة المريض ويحاول جاهدا مقاومتها ويشعر بأنها غير صحيحة (رغم قناعته بنشأتها من داخله) بل تافهة أحيانا وهذا هو ما يسمى (الأفكار التسلطية). والخاصية الأخرى هي (السلوك القهري) الواعي الذي يجد المريض نفسه مجبرا على القيام به رغم إرادته ورغم أنه يستهلك الكثير من جهده ووقته وذلك لتخفيف القلق الناتج عن (الأفكار التسلطية)
غالبا ما يتلازم هذان الجزءان في المريض ونادرا ما يأتي واحد منهما بشكل منفرد.
هذا المرض يصيب كافة الأعمار لكن غالبا ما يبدأ في سن صغيرة نسبيا ومتوسط عمر الإصابة هو سن الـ 20 ويكون مبكر أكثر لدى الذكور. وعموما فإن أكثر من ثلثي المرضى المصابون هم تحت سن الـ 25 سنه.

أسباب المرض: بشكل عام غير معروفه على وجه الدقة ولكن توجد عوامل كثيرة تؤدي إليه وهي كالتالي:
1) عوامل بيولوجية:
أ‌. اضطراب نسبة النواقل العصبية في الفراغات الموصلة بين خلايا الدماغ وأهمها مادة السيروتونين Serotonin التي أثبتت البحوث أنها المادة الأهم في هذا المرض فانخفاضها في هذه الفراغات الموصلة تؤدي للكثير من الاضطرابات كالوسواس القهري والاكتئاب وأمراض القلق الأخرى. واسحوذت هذه المادة ونواتجها كمادة الـ 5-HIAA على جل اهتمام الباحثين نتيجة التغيرات الكبيرة التي تحصل فيهما في سوائل الدماغ وخلاياه.
مادة أخرى مهمه هي الادرينالين أو الابينيفرين والتي تشير البحوث إلى أن اضطراب نظامها له علاقة بنشوء أعراض الوسواس القهري.

ب‌الصور الاشعاعيه للدماغ (المقطعية والرنين المغناطيسي) أثبتت وجود اختلال بوظائف بعض فصوص الدماغ (الفص الأمامي) , نواة الكودات, ومناطق أخرى. كما أظهرت الفحوصات المتقدمة والمعقدة كـ PET وجود نشاط مفرط في عمليات الأيض وتدفق الدم في بعض مناطق الدماغ. الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي يظهر أيضا وجود ضمور في بعض الأجزاء الداخلية والعميقة في الدماغ.

ت‌. الوراثة: أثبتت كل الدراسات أهمية العامل الوراثي في هذا المرض إذ تصل نسبة الإصابة في أقرباء المريض من الدرجة الأولى إلى ما نسبته 35% كما أن دراسة التوائم أثبتت أن التوائم المتماثلة Monozygotic Twins أكثر بكثير مما هو الحال في التوائم غير المتماثله Dizygotic Twins.


ث‌. عوامل بيولوجية أخرى: أثبتت دراسات التخطيط الكهربي للدماغ (EEG) ودراسات الهرمونات وجود اختلالات شبيهة بتلك الموجودة في الاكتئاب كتأخر وصول المريض لمرحلة حركة العين السريعة REM أثناء النوم وكذلك قصور تأثر هرمون النمو بعد حقن مادة الكلونيدين.

2) عوامل سلوكية: تبعا لنظرية الاستجابة الشرطية فإن بعض العوامل المحايدة في حياة المريض تصبح مصاحبة أو مهيجة للقلق والخوف ولذلك يلجأ المريض لتخفيف وساوسه (الأفكار المتسلطة أو الجزء الخفي من المرض) إلى القيام بالـ(السلوك القهري أو الجزء الظاهر من المرض) وعندما يجد المريض أن قيامه بالطقوس يخفف قلقه فإنه يدخل في حلقة مفرغة بين هذه الأشياء: فكره – قلق – طقوسوهكذا.

3) عوامل نفسية اجتماعية: أ) عوامل نفسديناميكيه: سجموند فرويد أخذ مبدأ ما يسمى الآن بالوسواس القهري وسماها آنذاك العصاب الوسواسي. ويعتقد فرويد أنها وسيلة دفاع ضد المخاوف والقلق كما يعتقد أيضا بنظرية (النكوص) أو الرجوع إلى المرحلة الشرجية Anal Stage من مراحل النمو الأولى في تطور شخصية الإنسان.
بعوامل الشخصية: هناك اضطراب يسمى الشخصية الو سواسية منذ الطفولة ومراحل المراهقة الأولى (ونقول فلان وسواسي بطبعه) وهي تختلف عن مرض الوسواس القهري الذي نتكلم عنه هنا إذ أنها أخف وطأة وأقل إزعاجا للمريض والمحيطين به.

هنا وبين حاصرتين أشدد على أن الدين لا يسبب الوسواس القهري أبدا كما يشاع بين عامة الناس بل العكس تماما الدين له علاقة علاجية قوية[


خصائص المرض الإكلينيكية (السريرية): عادة ما يتجه المصابون بالوسواس القهري إلى أطباء آخرين غير الطبيب النفسي كأطباء الجراحة والباطنية والجلدية وقد يتأخر طلب الخدمة الطبية النفسية المتخصصة إلى مدة قد تصل من 5 إلى 10 سنوات منذ بداية المرض يضل خلالها المريض يعاني دون طلب المساعدة مع شدة الأعراض مما يؤدي إلى ظهور مضاعفات أخرى كالاكتئاب وتناول الخمور ومحاولات الانتحار وتغير طبيعة الشخصية وأشياء أخرى لا حاجة للتفصيل فيها هنا.

الأمراض المصاحبة لمرض الوسواس القهري:
1) الاكتئاب .......75% من الحالات
2) الرهاب .......25% من الحالات.
3) معاقرة الخمور وإدمان المخدرات.
4) اضطراب القلق العام Generalized Anxiety Disorder.
5) اضطراب الهلع Panic Disorder


نمط الأعراض( أنواع الوساوس) :
1) التلوث : Contamination وهو الأكثر شيوعا في صور الوسواس القهري وفيها تتسلط على المريض فكرة التلوث وعدم النظافة فيستجيب لها بكثرة وتكرار الغسيل وكذلك تجنب مصادر التلوث(حسب اعتقاده) فمثلا تجده لا يمسك سماعة التلفون إلا بالمنديل ويبعد السماعة عن أذنه وفمه. مما يزعج المريض في هذا النوع هو أن مصادر التلوث هي جزء من حياتنا اليوميةكدخول دورة المياه للتبرز أو التبول وكذلك الغبار والأتربة والجراثيم. وغالبا ما يعتقد المريض أن التلوث ينتقل من مكان إلى آخر ومن الأشخاص إلى الآخرين وهكذا وعادة يشعر بالقلق الشديد والقرف.(تلاحظ بعض السيدات حينما تستضيف صديقتها فإنها لا تجلس في المكان المخصص لجلوس الآخرين بل تجلس على أطراف الكنب أو المساند أو تكتفي بالوقوف أو تجلس بوضعية القرفصاء .

2) الشك Pathological Doubt: وهو الثاني من ناحية الشيوع مثلا يشك المريض أنه أغلق أنبوبة الغاز فيعود مرات ومرات ليتأكدعادة ما يرتبط هذا النوع بأفكار الخطر كإغلاق النوافذ قبل النوم وإغلاق أنبوبة الغاز والتأكد من بعد الخطر من أسلاك الكهرباء والتعامل معها بحذر أكثر من المطلوب عادة.

3) الأفكار الإقحاميه أو التسلطية Intrusive Thoughts: هو الثالث من ناحية الشيوع. وغالبا تكون دون سلوك قهري أي أنها أفكار فقط دون استجابة عملية. نوع مزعج جدا لأن صورها غالبا ما تكون صورا أو أفكارا جنسية أو غير أخلاقية مع الأقارب أو الأطفال أو مع الناس المقدسين كالأنبياء والأئمة المعصومين أو تكون على شكل رغبة عدوانية لإيذاء الآخرين. غالبا يشعر المريض معها بالذنب وتأنيب الضمير ويصاحبها الشعور بالدونية والكآبة وبالذات لو أصابت رجال الدين أو المتدينين عموما.

4) التناظر Symmetry : الشعور بالحاجة لتناظر الأشياء ودقتها وترتيبها. فتجده يرتب مكتبه وأوراقه بدقة متناهية ولا يشعر بالراحة إلا بوجود التطابق التام في أطراف أوراقه. كذلك يجد صعوبة في القيام بالنشاطات اليومية كحلاقة ذقنه بشكل لا بد أن يكون متناظرا تماما حسب ما يراه هو.

مسار المرض ومآله: المرض بطبيعته مزمن ويتراوح في الشدة بين وقت وآخر فتجد المريض مرتاحا لبعض الوقت ثم تعود له الوساوس كلما تعرض لظرف معين أو مشكلة عائلية مثلا.
أكثر من 50% من المرضى تكون بداية المرض مرتبطة بضغوط نفسية أو مشكلة ما مثل الحمل في النساءمشكلة جنسية, مشكلة مادية أو وفاة قريب.
حوالي 20 إلى 30% من المرضى يتحسنون بشكل كبير ومقنع.
حوالي 40 إلى 50% من المرضى يتحسنون بشكل متوسط
حوالي 20 إلى 40% من المرضى تتدهور حالتهم وتزداد شدة.
بعض المرضى يلجأ للانتحار والعياذ بالله للخلاص من الوساوس وبالذات لو تأخر في العلاج وأصيب بالاكتئاب.

العوامل التي تنبئ عن حالة صعبة ومستعصية:
1) قبول أفكار الوساوس والاستسلام لها والتوقف عن مقاومتها
2) بداية الحالة في مرحلة الطفولة
3) سلوك قهري شاذ أو القيام بطقوس شاذة
4) الحاجة للتنويم في المصحات النفسية (حسب ما يراه الطبيب النفسي)
5) وجود إكتآب مصاحب للحالة.
6) اضطراب الشخصية وبالذات الشخصية الانعزالية والغير اجتماعية
7) معاقرة الخمر وادمان المخدرات
8) كون المريض أعزب.

العوامل التي تنبئ بحالة بسيطة وقابله للعلاج بسهوله:
1) الروابط الاجتماعية الجيدة
2) كون المريض متزوج
3) المساندة من الأسرة وتفهمها لحالة المريض
4) وجود عامل مسبب معروف آو مساعد على بداية ظهور الأعراض
5) مسار المريض متفاوت الشدة أو متقطع وليس مستمر.
6) طلب الخدمة الطبية النفسية مبكرا

العلاج:
الوسواس القهري مرض قابل للعلاج وينبغي أن نعرف أهمية طلب مساعدة الطبيب النفسي بأسرع ما يمكن. تتحقق أفضل النتائج باستخدام العقاقير النفسية والعلاج النفسي والأسري مجتمعين فلا يكفي استخدام الدواء لوحده.
1) العلاجات الدوائية: أثبتت بما لا يدع مجالا للشك فاعليتها في علاج الوسواس القهري ويجب على المريض الصبر والتعاون مع الطبيب في ذلك إذ أن فترة العلاج قد تستمر لمدة 12 إلى 18 شهرا ولكن هذا لا يعني أن المريض يظل يعاني كل هذه الفترة بل تبدأ فاعلية الدواء في الأسبوعين الأولين من الاستعمال المنتظم للدواء.
أ‌مجموعة SSRI وهي الأهم والأقل في الأعراض الجانبية ولكنها الأغلى. مثل أدوية : بروزاك – فافرين – لوسترال – سيروكسات .....إلخز
ب‌) مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة مثل الأنافرانيل Clomipramine 
ت‌) دواء إيفيكسور
ث‌) مثبطات انزيم MAO
ج‌) أحيانا يتطلب الأمر من الطبيب إضافة أدوية أخرى لزيادة مفعول الأدوية الآنفة الذكر في بعض الحالات التي تتأخر استجابتها أو تكون الاستجابة غير كافية مثل مادة الليثيوم, التقريتول, الديباكين,
ح‌) في حالات نادرة يضطر الطبيب لتنويم المريض في بعض الحالات المستعصية جدا وقد يلجأ لاستخدام الجلسات الكهربائية ECT.
خ‌) الجراحة : وهذا النوع لا يلجأ له في هذه الأيام لوجود الكثير من آثاره السلبية وتطور العلاجات الأخرى فمن النادر جدا جدا أن يلجأ له الطبيب.
2) العلاج السلوكي: له أهمية كبيرة كما أشرت سابقا ويجب أن يترافق مع العلاجات الدوائيةلتحقيق أفضل النتائج. من أمثلته أسلوب التعريض ومنع الاستجابة بمعني يوضع المريض فيموقف يثير وساوسه ومنعه وتشجيعه على عدم الاستجابة لرغبته. هناك أيضا أسلوب التعريضالتدريجي وذلك بتقديم ما يثير الوساوس لدى المريض بشكل تدريجي. هناك أيضا أسلوب وقفالأفكار الوسواسية وهناك أخيرا أسلوب العلاج بالتكريه والتنفير.
3) العلاج النفسي: المساندة المستمرة للمريض والوقوف بجانبه ومناقشة أعراضه وهمومه ومخاوفه من أم ركائز العلاج النفسي. كذلك مساعدته على التأقلم مع الظروف المحيطة به والتي تثير الوساوس لديه. التشجيع الدائم على المثابرة وعدم الاستسلام والانتظام على الدواءالموصوف له جزء مهم من العلاج النفسي
وهنا لا ننسى بالطبع دور الأسرة ومساندتها وتفهمها لحالة المريض ولذلك يجب على الطبيب أن يشرح للأسرة والأشخاص القريبين من المريض طبيعة المرض ومراحل العلاج.

مع تمنياتي للجميع بالصحة والسعادة الدائمة.

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.