رهاب الخلاء : ما هيته وعلاجه السلوكى المعرفي
هنالك مثل روسي يقول " للخوف عينان واسعتان " . ويتفق المعالجون المعرفيون مع هذا المثل ، إذ أن أفكار الخطر المبالغ فيها ، تعتبر جانباًً أساسياً من جوانب اضطرابات القلق والمخاوف ، إذ أننا نلاحظ أن أسباب مرض القلق تتمثل في تقديراتٍ مبالغ فيها للمخاطر ، وحذر بالغ تجاه مصادر الأذى المحتملة في المستقبل . ومن ثم فإن الأساليب العلاجية للقلق ، تتجه مباشرة ً لمواجهة المخاطر المسببة للقلق ، ولا تظهر هذه الجوانب إلا في الفوبيا ورهاب الخلاء (Agoraphobia) .
العلاج المعرفي للفوبيا ورهاب الخلاء :
بواسطة إدراك المريض للخطر ، يجب تنشيط جهاز الاستجابة للطوارئ بالقدر الذي يجعل المريض يدرك وجه الخطر العضوي الحقيقي ، عن طريق إعداد الفرد للعدوان أو الهروب ( الكر والفر ) ، أو منعه من الحركة بشكل مفاجئ ( إغماء ، تجمد ) ، ولكن الاستجابة للطوارئ في حد ذاتها مصدر من مصادر الخطر . لأنها تولد في الجسم شعوراً بالاضطراب وخللاً إدراكياً ( معرفياً ) طارئاً ، ولذا تعتبر سبباً في ظهور : سرعة ضربات القلب ، والشعور بالدوار أو الضعف ، إحساس بالزيف ... إلخ .
وعندما تنشط الاستجابة للطوارئ - كما في حالة الهلع - يزداد الخوف والقلق بشكل سريع ويتلاشي التفكير المنطقي ، وتميل التجربة إلى زيادة الخوف والقلق ، وتعرض المصاب لمزيد من الأعراض ، وتنشأ حلقة مفرغة من التوقعات المخيفة والمرعبة .. حيث يلعب الإدراك المشوش للخطر ، دوراً هاماً في هذه الحلقة إذ يميل المرضى إلى المبالغة في تقدير الخطر ، كما تؤثر على الاستجابة الداخلية مثل الإحساسات التي تزود جهاز الاستجابة للطوارئ ، وفي حالة الهلع تميل الإحساسات المرتبطة بالقلق ، ( كالدوار ، سرعة ضربات القلب وصعوبة التنفس ) بالإضافة إلى تغيرات عضوية وعاطفية أخرى ، يصعب على المريض تفسيرها - تميل لأن تصبح هذه التفسيرات الخاطئة ، وعندما تحدث أحساسات الخوف ، تحفز أفكار وصور المصائب :
ماذا يكون الحال لو انسد حلقي تماماً ؟
إنني قد أختنق حتى الموت ؟
إن الدنيا تبدو غامضة ومضحكة ؟
لا بد أن أكون قد أصابني الجنون !!
وإذا تم إستثارة إستراتيجيات محرفة : ألم في الصدر - لا بد أنها أزمة قلبية ، لا أحب أن أكون لوحدي ، حيث تميل الأفكار لزيادة القلق ، مما يوسع الدائرة المفرغة من الخوف والأعراض ، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن الأعراض تنبئ عن الفواجع مما يسهم في زيادة التبعة ( الرهابية ) وتجنب الاختلاط بالناس .
إن التعرف على سوء التفسيرات المأساوية للأعراض ، هو هدفنا الرئيس من علاج اضطراب الهلع ورهاب الخلاء . ففي الجلسة الأولى يتم استخراج الإحساسات ، الأفكار والصور ، الانفعالات والميول التي تحدث بشكل نمطي خلال نوبة الهلع ، ونقوم بتعريف المريض بفكرة : أن الأفكار والمعتقدات يمكن أن تسهم في أصابه المريض بنوبات الهلع ، ونحاول تطبيع القلق بما يساعد المريض على أن ينظر إلى استجابات القلق كجزء من الاستجابة المعتادة للبدن ، وكواجبٍ منزلي ٍ ، يقوم المريض بعمل ملاحظات أخرى عن الأفكار والصور خلال نوبات القلق والهلع .
نحن نستخدم هذه البيانات لتحديد الأفكار الخاطئة التي يؤمن بها المريض بشأن بعض الأعراض الخاصة بالهلع ونقيم معتقدات الهلع والمخاوف مستخدمين استبياناً خاصاً بذلك ، إذ تبدو المعتقدات متضمنة عدة موضوعات أساسية :
القابلية للتعرض للخطر (vulnerability ) ( أنا معرض للخطر ) ،
التصعيد escalation ( سوف تتفاقم تلك الأعراض إلى شيٍ أسوأ )
والعجز عن التكيف copelessness ( لا أستطيع التحكم في الأعراض أو التكيف مع المشكلة بمفردي ) .
فبعد تحديد المعتقدات الأساسية ، واستخراج درجة الإحساس بالخوف ، يصبح هدفنا هو إعداد نظرة بعيدة غير مأساوية لأعراض الخوف ، ومن ثم نبدأ في مساعدة المريض على اختبار صحة معتقداته المتعلقة بالخوف .
وفي الغالب فإن أول وسيلة يقع عليها الإختيار ، هي أسلوب زيادة سرعة التنفس hyperventilation ، وتتضمن هذه الطريقة جعل المريض يتنفس بسرعة وعمق لمدة دقيقتين ، مع ملاحظة أثر التنفس السريع ، وتقدير وجه الشبه بينها وبين الإحساسات الناتجة عن نوبة الخوف ، وإذا كان التشابه قوياً يوجه المريض إلى نتيجة مؤداها أن التنفس السريع يسهم في ظهور وزيادة حدة الأعراض لديك ، وأن يتعلم أسلوب ضبط التنفس - أي التحكم في التنفس السريع .
وعندما يلاحظ المريض أن عملية بسيطة غير دوائية ولم يدخل فيها جهاز كهربائي أو إلكتروني ، يمكن أن ينتج عنها إحساسات خوف ، فإنه يميل لتصحيح إرجاع الأعراض إلى مآسي طبية أو نفسية لها أثارها السالبة والمؤذية وعندما يتلاشى الخوف وتقل أعراضه حدة ، فإننا نركز على ردود فعل المريض لمسببات القلق ، الموجودة في البيئة المحيطة به ، كالعلاقات الأسرية ، علاقاته في العمل ، حيث نسعى لمعرفة أوجه الشبه بين اتجاهات المريض نحو مرضه ونظرته لمشكلات ٍ أخرى - كأن يقول المريض : إما أن أعمل طوال الوقت واكسب حب وتقدير الآخرين ، أو إن لم أفعل ذلك فإما أن أكون شخص سيئ أو أن الآخرين يظلمونني في تقديرهم واحترامهم لي .
صياغة الخطة العلاجية للهلع ورهاب الخلاء :
- تحديد الأفكار والاعتقادات السالبة لدى المريض .
- تحديد طريقة تفسير المريض لمعتقداته وأعراضه ومعاناته .
- تعريف المريض بأن هذه الأفكار والمعتقدات التي لديه ، يمكن أن تساهم في حدوث نوبات الهلع والقلق .
- تطبيع القلق مما يساعد المريض على أن ينظر لاستجابات القلق نظرة خالية من التفسيرات السالبة ، وأن لا يلصق بها أسوأ المعاني ، حتى تتفاقم معاناته ، ومساعدته في خلق معني للحياة ، وهدف سامٍ ليسعى لتحقيقه ، بدلاً من مراقبته وتفسيره السالب لإعراضه النفسية والجسدية .
- خلق نظرة بديلة أكثر إيجابية وتفاؤل ، الشيء الذي سوف يساهم في تصحيح معتقداته وتفسيراته الخاطئة .
- ملاحظة الأعراض والتحكم فيها عن طريق التنفس الهادئ والبطيء ، مما يزيد من كمية الأكسجين الداخل للجسم عبر الشهيق ، مما يساعد في استرخاء الأعصاب - وإخراج أكبر قدر ممكن من ثاني أكسيد الكربون مع الزفير ، مخلصاً بذلك أجزاء الجسم من التعب والألم فيزداد شعور المريض بالراحة التامة .
وتدريبه على كيفية التعامل معها ، بعيداً عن الرفض والهروب والنظرة السالبة ، بل العاقلة والراشدة . - خلق مهارات إيجابية وهادفة وفاعلة :
- توكيد الذات - وخلق صورة إيجابية لذاته .
إدارة الوقت واستثماره فيما هو مفيد ومستمر
خلق مهارات تواصلية جديدة .
مساعدة المريض لخلق هوايات ونشاطات أكثر متعة .
التركيز على مداومة صلاة الجماعة بالمسجد ، وتلاوة القرآن ومداومة الأذكار والأوراد الصباحية والمسائية مما يسهم في تغذية روح المريض ، وإحساسه على أنه يسير على الطريق السليم ، فيسعد في دنياه وآخرته بإذن الله .
المصدر: موقع وزارة الصحة السعودية
أ. عز الدين عطا المنان