أنواع نوبات الهلع
قديما كانت نوبات القلق الشديد Severe Anxiety Episodes تعتبر جزءا من مرض الاكتئاب إذ لم يكن ينظر إلى القلق باعتباره مرضا مستقلا، واستمر اعتبار أعراض القلق النوبي Episodic Anxiety نوعا من الخوف الشديد في مرضى الاكتئاب حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر (Berrios, 1996) بل ربما حتى أوائل القرن العشرين .
كذلك اعتبرت نوبات القلق الشديد في أواخر القرن التاسع عشر مع التركيز على كون أغلب الأعراض جسدية عصابا قلبيا على يد جاكوب داكوستا (Jacob Da Costa Stone, 2002) أي اضطرابا قلبيا وظيفيا ناتج عن ضعف أعصاب القلب، وحتى ذلك الوقت كانت أعراض القلق لا تُرجع لأسباب نفسية وإنما كانت تعتبر ناتجة عن ضعف في التركيب العصبي للإنسان أي ضعفا في الأعصاب، ثم بدأت نوبات القلق في الحقبة الفرويدية تقترب أكثر من القلق بمفهومه الطبي النفسي الأحدث باعتبارها إحدى أعراض وعلامات عصاب القلق Anxiety Neurosis بكل صراعاته الواعية وغير الواعية.
ومنذ أوائل مقالات فرويد عن عصاب القلق أصبح ينظر إلى نوبات القلق على أنها النوع الحاد أو النوبي Acute or Episodic Anxiety من القلق مقابل النوع المزمن أي المستمر Chronic Anxiety ، وفي نفس الوقت تقريبا بدأت الاكتشافات الفسيولوجية والكيميائية تتوالى واشتهرت علاقة الأدرينالين بالقلق، وعلاقة إفرازه بالخوف والغضب وغير ذلك، فخلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تجمعت كل مفاهيم التغيرات الكيميائية المصاحبة للقلق والتغيرات النفسانية المسببة للقلق، ثم بدأ اكتشاف العقاقير الطبية التي تستطيع التأثير في الحالة النفسية على مشارف النصف الثاني من القرن العشرين، وفي نفس الوقت بدأ السعي الحثيث -وما يزال- نحو بلورة طرق التشخيص في ممارسة الطب النفسي، لكن اضطراب القلق ظل مقسما إلى نوعين الحاد أو النوبي والمزمن إلى أن صاغ دونالد كلاين مصطلح نوبة الهلع منذ حوالي 50 عاما (1962) ووصف اضطرابا نفسيا أسماه اضطراب الهلع يتميز عن مجرد كونه قلقا حادا أو خوفا شديدا، فتحدث فيه نوبات من القلق الحاد المفاجئ والانتيابي والشديد، وقد علل كلاين ذلك بما يلي:
- وجود إحساس حاد من "الجوع للهواء" أي صعوبة بالغة في التنفس، في تلك النوبات وهذا الإحساس ليس هذا جزءا من الخوف العادي.
- بينت دراسة كلاين أن اضطراب القلق المتمثل في نوبات الهلع يتحسن باستخدام عقار الإيميبرامين مقارنة بحالات القلق المزمن التي لا تتحسن باستخدامه -وهي نظرية ثبت خطؤها بعد ذلك-.-
وقد ميز كلاين (Klein, 1964) أيضًا بين ثلاثة أنواع من نوبات الهلع هي النوبات التلقائية Spontaneous والنوبات المرتبطة أو الموقفية Situational والتي رآها مرتبطة برهاب الساحة، والنوبات المثارة أو المفجرة بمنبه رهابي ثابت مثل الحيوانات أو الظلام....إلخ، وأيا كان مستوى صلاحية هذا التصنيف لنوبات الهلع ومدى اتفاقه مع الأنواع التي سنعرضها هنا، فقد بدأ ظهور اضطراب الهلع كاضطراب قلق مستقل منذ صدور التصنيف التشخيصي الأمريكي الثالث DSM-III على رأس العقدين الأخيرين من القرن الماضي (APA, 1980) ومنذ ذلك الوقت أصبح اضطراب الهلع من أكثر اضطرابات القلق دراسة على مستوى العالم.
ما هي نوبة الهلع؟
لعل "الحيرة" أحد أهم سمات خبرة الهلع بما تسببه من حيرة لصاحبها كيف يصف إحساسه ومن حيرة لسامعه كيف يفهم ما يسمع، ففي كثيرٍ من الأحيان يعبر المرضى عن عجزهم عن وصف ما يشعرون به أو بعض ما يشعرون به أثناء النوبة، وفي أحيان أكثر بكثير يصف المرضى مشاعر وأحاسيس لا يفهمها السامع فهما كاملا وإنما فقط يحاول فهمها أو تفهمها، وكثيرا ما يكتفي البعض باستنتاج أن هناك مبالغة في الوصف لا أكثر! ففي خبرة الهلع إذن نوعان من الحيرة هما "الحيرة" في كيف أصف ما أشعر به؟ و"الحيرة" في كيف أفهم ما أسمع؟
ورغم أن معنى كلمة الهلع يتضمن الخوف الشديد! فإن الخوف ليس مركزيا في تعريف نوبة الهلع، وإنما ينبغي لتشخيص اضطراب الهلع التأكيد على الأعراض المستقلية للقلق بدلا من مشاعر الخوف، فهناك ما تمكن تسميته ”الهلع غير المخيف“.
وتعرف نوبة الهلع طبيا بأنها فترة منفصلة من الخوف المفرط أو الانزعاج فيها ظهور مفاجئ لأربعة على الأقل من الأعراض التالية والتي تظهر فجأة وتصل أقصاها خلال عشرة دقائق:
- خفقان، تسارع في دقات القلب - تعرق
- ارتجاف أو اهتزاز - الشعور بضيق في التنفس أو الاختناق
- ألم في الصدر أو عدم الراحة - الغثيان أو ألم في البطن
- الشعور بالدوار، أو دوخة أو خفوت - اختلال الإنية و/أو تبدل الواقع
- الخوف من فقدان السيطرة أو الجنون - الخوف من الموت
- خدر أو وخز - قشعريرة أو الهبات الساخنة
- الطنين، - وجع الرقبة.
- الصداع - صراخ أو بكاء لا تمكن السيطرة عليه
أنواع نوبات الهلع
يعاني مرضى الهلع من أنواع مختلفة من نوبات الهلع، لكن النوبة بغض النظر عن نوعها هي حدث مروع مخيف والذعر والخوف الشديد هما أكثر ما يسترجعه المريض.
1- نوبات الهلع التلقائية غير المرتبطة Spontaneous:
وهي النوبات التي تحدث في مرضى اضطراب الهلع ولا ترتبط بأي مكان أو موقف أو فعالية معينة، وكثيرا ما توقظ هذه النوبات أناسا من نومهم.... وسواء في الصحو أو النوم هي نوبات مفاجئة ومرعبة، ولهذه النوعية من النوبات غالبا تنتمي نوبة الهلع الأولى لكثيرين من المرضى.
2- نوبات الهلع المرتبطة بالمخيف Situationally Bound :
وهي النوبات التي تحدث في مرضى اضطرابات الرهاب أو الوسواس القهري عند التعرض لما يخافون أو تحدث في مرضى الكرب التالي للرضح عند التعرض لما يذكرهم بالحادث الرضحي أي أنها ترتبط بالتعرض لمكان أو موقف أو فعالية معينة عادة ما يتحاشاها الشخص..... يعاني المرضى في هذه الفئة من القلق التوجسي قبل مواجهة الموقف أو الفعالية... وعادة ما يكون الخوف من حدوث النوبة هو سبب القلق التوجسي.
3- نوبات الهلع المرتبطة بغير المخيف Situationally Predisposed :
وهي النوبات التي تحدث في بعض مرضى اضطراب الهلع المهيئين لحدوث نوبات هلع في مواقف وأوضاع معينة رغم عدم وجود أي خوف لديهم من تلك المواقف أو الأوضاع
نوبات الهلع في هذه الفئة من المرضى لا تحدث دائما، ولا مباشرة عند التعرض لتلك المواقف..... فمثلا هناك من مرضى الهلع من تداهمه نوبة الهلع غالبا أثناء قيادة السيارة رغم أنه لا يخاف القيادة، وبالتالي هم مهيئون لحدوث نوبات هلع أثناء قيادة السيارة لكن النوبة لا تكون استجابة للخوف من القيادة.
4- النوبات محدودة الأعراض Limited symptom attacks :
وهي نوبات هلع يحدث فيها أقل من أربعة أعراض وهذه الأعراض شبيهة بتلك التي تحدث في النوبة الكاملة لكنها تدرك من جانب الشخص أقل شدة، ومن النادر أن تحدث النوبات محدودة الأعراض في أشخاص لم تحدث لهم النوبات الكاملة.
5- نوبات الهلع الليلية Nocturnal panic attacks :
وهي نوبات هلع توقظ المريض بعد ما بين ساعة وثلاث ساعات من بداية النوم وتستمر الأعراض من دقيقتين إلى 8 دقائق، وهي شبيهة بأعراض النوبة النهارية لكنها غالبا تدرك أكثر شدة، وتحدث النوبات الليلية أحيانا لحوالي ثلثي مرضى اضطراب الهلع بينما تحدث النوبات الليلية بشكل منتظم في ثلث مرضى الهلع، وفي بعض الأشخاص تحدث نوبات ليلية فقط، وغالبا ما يحتاج الشخص مدة لاستعادة الدخول في النوم.
وهناك شكلان أو نوعان من نوبات الهلع الليلية في أحدهما يستيقظ الشخص من نومه وهو على شفا الدخول في نوبة هلع أو يستيقظ وهو في النوبة بالفعل، فيدق القلب بشدة وتسارع ويشعر الشخص بالتشوش والقلق أو الخوف وربما بالانفصال عن الواقع، بينما في الشكل الآخر يعي الشخص الدخول في نوبة الهلع فعليا وهو نائم وفي هذا الشكل قد تكون الأعراض مشابهة لأعراض النوبة النهارية أو قد تكون مصحوبة بالجز على الأسنان، أو ألم الرأس أو شعور بالضغط في الأذنين وفي أغلب الأحوال لا يكون الشخص مدركا أنه نائم وربما يناهض جاهدا ليستيقظ.
وكما أشرنا غالبا ما تحدث نوبات الهلع الليلية في مرضى اضطرابات القلق، إلا أنها يمكن أن تنتج عن أسباب بيولوجية وطبية أخرى مثل:
- توقف التنفس الليلي Sleep Apnea : بما يزيد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الدم والذي يؤدي إلى الشعور بالاختناق والخوف فتدهمه النوبة،
- حرقان المعدة الليلي Heart Burn : حين يفسره الشخص علامة على نوبة فلبية فيخاف فتدهمه النوبة،
- الرمع العضلي الليلي Myoclonic Jerks : وهي هزات مفاجئة تحدث في العضلات عندما الدخول في النوم أو مباشرة بعد الاستيقاظ، وأحيانا يحس بها مثل الصدمات الكهربائية أو الشعور السقوط، بما يؤدي إلى الخوف الشديد فتدهمه النوبة.
6- نوبات الهلع الاسترخائية أو المحدثة بالاسترخاء Relaxation induced panic attacks :
تحدث نوبات الهلع أحيانا في بعض الأشخاص أثناء الاسترخاء أو التنويم الإيحائي، وهم أشخاص عادة يتصفون بالقلق والتوجس الشديدين، وتكون لديهم مخاوف من فقدان السيطرة أو هم يسيئون تفسير المشاعر الجسدية التي تصاحب الدخول في تلك الحالات، حيث تفسر التغيرات التي تطرأ على المشاعر الجسدية على أنها علامات نوبة هلع قادمة.
7- نوبات الهلع الثانوية لسبب عضوي PAs Secondary to Organic Change :
يمكن أن تحدث نوبات الهلع أو تحدث بسبب تغير عضوي ما في الجسد مثلا:
مرض باطني مثل فرط نشاط الدرقية أو خلل النظم القلبي
تناول منشطات الجهاز العصبي بداية من الكوكايين وصولا إلى الكافيين
أثناء نسحب مثبطات الجهاز العصبي مثل الكحول أو عقاقير الباربيتيورات
وإذا كانت حدوث النوبات ثانويا لهذه الأسباب العضوية لا مجال لتشخيص اضطراب الهلع.
8- نوبات الهلع المحدثة معمليا Laboratory Induced PAs :
نظرا لصعوبة إخضاع نوبات الهلع الطبيعية –خاصة التلقائية- للدراسة العلمية ابتكر الباحثون طرقا لإحداث نوبات هلع في المعمل النفسي ودراستها، واستخدمت المواد المحدثة للهلع مثل لاكتات الصوديوم وثاني أكسيد الكربون واليوهيبين والكافيين واتضح أن:
- نوبات الهلع المحدثة معمليا تشبه النوبات الطبيعية تماما
- تستطيع العقاقير التي تعالج نوبات الهلع الطبيعية منع حدوث نوبات الهلع المعملية
- يظهر مرضى اضطراب الهلع حساسية مفرطة للمواد المحدثة للهلع مقارنة بالطبيعيين وغيرهم حتى من مرضى أنواع القلق الأخرى.
أ.د وائل أبو هندي
المراجع:
- Berrios GE. (1996) Anxiety and cognate disorders. In: Berrios GE. The History of Mental Symptoms. Descriptive psychopathology since the nineteenth century. University Press, p. 262-88, Cambridge, 1996.
- Stone MH. History of anxiety disorders. In: Stein DJ, Hollander E, organizers. Textbook of Anxiety Disorders. American Psychiatric Press, p. 3-11, Washington DC, 2002.
- Klein DF. Delineation of two drug-responsive anxiety syndromes. Psychopharmacologia, 5: 397-408, 1964.
- American Psychiatric Association (APA). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders – DSM-III, Third Edition. Washington DC: American Psychiatric Press; 1980.
واقرأ أيضاً:
نوبات الهلع عند المرأة/ الهلع.. دليل المساعدة الذاتي (4)/ نفسي عصابي: نوبة هلع Panic Attack/ الهلع دليل المساعدة الذاتي مشاركة/ نوبة الهلع.. لا محل لها من الإعراب!!
موقع مجانين