اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة البالغين (مقدمة)
هناك الكثير من الشكوك التي تحوم حول تشخيص اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة Attention Deficit Hyperactivity Disorder في الأطفال والبالغين Adult ADHD على حد سواء . لا تقتصر الشكوك حول تشخيص المرض وإنما في نسبة انتشاره في المجتمع وعلاجه.
لا أحد في استطاعته وضع علامات استفهام حول تشخيص هذا الاضطراب في الأطفال وحتى علاجه هذه الأيام، ولكن الأمر غير ذلك في البالغين. الغاية من هذه المقالات هي مراجعة مفهوم هذا الاضطراب وعلاجه بالعقاقير.
ملاحظة تاريخية:
تفاعل الإنسان والسيطرة على مشاعره واتخاذ الخطوات اللازمة لاتخاذ القرار يمكن ملاحظتها لشخص عظيم كان مسعاه توحيد اليابان يدعى توكيجوا لياسو (Tokugawa Leyasu(1543-1616 .
مقولته التي خلدها التاريخ هي: هناك سبعة عواطف: ابتهاج، غضب، حب، حزن، خوف، كراهية. إن لم يستسلم الإنسان إلى أي من هذه المشاعر نسميه صبورا... تدربت على الصبر طوال عمري.
هذه الملاحظة عن عاطفة الصبر تنطبق على الأفراد الذي يشكون من نقص الانتباه وفرط الحركة. ترى الإنسان يتسرع في الإجابة على السؤال الذي يوجه إليه، وأحياناً يكثر من الحديث في أمور لا تعنيه، ويتسرع في اتخاذ القرار في شتى المواقف ومن جراء كل ذلك يتم وصفه بإنسان متهور.
تاريخ الاضطراب في العلوم الطبية :
أول من وصف هذا الاضطراب هو استشاري أمراض الأطفال البريطاني جورج ستل George Still في ثلاثة محاضرات4 ألقاها في الكلية الملكية للأطباء في لندن عام 1902. تحدث عن 43 طفلاً يتميزون بضعف الانتباه وفرط الحركة وسلوك غير أخلاقي. كذلك أشار في محاضراته إلى حماسهم المفرط وعدم المبالاة بالعقوبات التي توجه إليهم. كان استنتاج الاستشاري هو أن هؤلاء الأطفال مصابون بعجز في التوازن الأخلاقي Moral Control .
استحدث الطب في منتصف الخمسينيات مصطلح الحد الأدنى لتلف الدماغ (ح.ت.د) Minimal Brain Damage لوصف ثلاثية متلازمة ضعف الانتباه وفرط الحركة وهي: ضعف الانتباه، فرط الحركة، والتهور. هذا المثلث للمتلازمة كان ولا يزال الركن الأساسي لتشخيص هذا الاضطراب حتى يومنا هذا. كان الاعتقاد السائد بأن الحد الأدنى لتلف الدماغ يكاد يكون حصراً على الأطفال ولكن في منتصف الستينيات أشارت الدراسات إلى أن ح.ت.د يستمر بعد البلوغ. في السبعينيات من القرن الماضي أشارت بعض الدراسات أن انحدار هؤلاء الأطفال من عوائل تتميز بتكاثر الصفات المضادة للمجتمع ناهيك عن كثرة تشخيص الإدمان على الكحول في الآباء والأمهات على حد سواء3.
تم استحداث مصطلح آخر في السبعينيات بدلاً من ح.ت.د في البالغين وهو الاختلال الوظيفي للدماغ2 الذي يستجيب للعلاج بالعقاقير المنبهة ويمثل تشخيصاً طبياً في حد ذاته. استمر تداول مصطلح ح.ت.د. والاختلال الوظيفي للدماغ حتى منتصف التسعينيات عندما تم اقتراح استعمال اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في البالغين5 الذي يمكن اختزاله ب: ا.ن.ا.ف.ح.
بدأ استعمال هذا المصطلح والتشخيص في البالغين في نهاية التسعينيات رغم عدم اعتراف الطب النفسي السريري به، ولكنه تم استحداثه الآن في المجلد التشخيصي والإحصائي للجمعية الطبية الأمريكية1 في الشهر الخامس لعام 2013، ومن المحتمل وجوده في التصنيف العالمي للأمراض النفسية الصادر من منظمة الصحة العالمية المتوقع صدور طبعته الحادية العشر بعد عامين.
تعريف الاضطراب في البالغين:
كان ولا يزال النقاش قائماً في الطب النفسي حول كيفية تعريف هذا الاضطراب في البالغين دون الأطفال. حاول الطب النفسي استحداث تشخيص غير ا.ن.ا.ف.ح. ولكنه فشل في ذلك ومع صدور الطبعة الخامسة للمجلد التشخيصي والإحصائي للجمعية الطبية الأمريكية لابد من القبول بهذا التشخيص في البالغين الآن.
المشكلة الأخرى تكمن في تعريف العتبة التي تفصل بين ما هو اضطراب سريري يتطلب العلاج وبين ما هو صفات شخصية طبيعية. كل إنسان يمتلك العديد من الصفات الشخصية النفسية بعضها مصدر قوة وبعضها مصدر ضعف، وعلى ضوء ذلك يجب توخي الحذر في الفصل بين هاتين المجموعتين في التقييم السريري بدلاً من التركيز على تشخيص ا.ن.ا.ف.ح وإلقاء اللوم عليه في مشاكل تواجه الإنسان في الحياة العامة والخاصة.
القاعدة العامة المتفق عليها والتي استعملها المجلد هو وجود هذه الأعراض تاريخياً قبل عمر 12 عاماً، وكان لها تأثيرها السلبي عليه أيامها. على ضوء ذلك لا فائدة من فحص واستجواب المريض فقط ولابد من الكلام مع الوالدين وفحص تقاريره المدرسية. يتحدى المريض أحياناً هذا الأسلوب ويصر بأنه لم يكشف عن هذه الأعراض أيامها، ولكن لا يجب القبول بهذا التعليل.
يمكن تتبع الأعراض من الطفولة وبعد البلوغ بتفحص الرسم:
عدم الانتباه والذهول تكاد تكون مشتركة بين الأطفال والبالغين . الإفراط الحركي، السلوك العدواني، عدم تحمل الإحباط، والتهور تكون أكثر شائعة في الأطفال . بعد البلوغ ترى الإنسان يميل إلى سرعة الشعور بالملل، قلة الصبر، التهيج، وتقلب النشاط والحيوية من فعالية إلى أخرى.
يقسم المجلد الخامس الأعراض إلى صنفين وهي:
1- نقص الانتباه:
١/ عدم الانتباه إلى التفاصيل في العمل والدراسة وكثرة الأخطاء.
٢/ عدم القابلية على الاستمرار في التركيز في الكثير من الفعاليات.
٣/ عدم التركيز عند توجيه الحديث إليه.
٤/ عدم الانتباه بدقة إلى التعليمات الموجهة.
٥/ عدم القابلية على التنظيم في الفعاليات والواجبات.
٦/ تجنب أي فعالية تتطلب مجهود ذهني.
٧/ كثرة فقد الأشياء الضرورية لفعالية ما.
٨/ تحويل الانتباه والتركيز بسبب محفزات لا علاقة لها بالواجب.
٩/ كثرة النسيان
2- فرط الحركة والتهور:
١/ لا يتوقف عن حركة اليدين أو القدمين.
٢/ لا يحتمل الجلوس على مقعده لفترة طويلة.
٣/ التدخل في ما لا يعنيه.
٤/ لا يستطيع اللعب أو المشاركة بفعالية ما بهدوء.
٥/ كثير النشاط والحيوية في البداية فقط.
٦/ يتكلم قبل دوره في الحديث ولا يحتفظ بسر أحياناً.
٧/ لا يتحمل الانتظار.
٨/ كثير التدخل في شؤون الغير.
لتشخيص الاضطراب عليك بستة أو أقل من مجموعة أو مجموعتين وبعده يمكن تقسيم الاضطراب إلى:
١/ مشترك الأعراض.
٢/ نقص الانتباه.
٣/ فرط الحركة أو التهور.
في الممارسة العملية السريرية وفي نظر كاتب السطور: عليك بالتفكير بتشخيص الاضطراب إذا كان الفرد معروفاً بكثرة مخالفاته المرورية أو لا يستطيع الاحتفاظ بأسرار غيره.
الاضطراب في الحياة العملية السريرية:
يشرف على تشخيص وعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة في البالغين فريق الصحة النفسية المختص بهذا الاضطراب أو بالاضطرابات العصبية التطورية Neurodevelopmental Disorders رغم أن أي أخصائي في الطب النفسي قادر على تشخيص وعلاج هذا الاضطراب ولكن هناك ما لا يقل عن النصف من الاستشاريين الذين لديهم تحفظات على تشخيص هذا الاضطراب والأهم من ذلك علاجه. يضاف إلى ذلك أن تشخيص الاضطراب يتطلب بعض العناية في تنظيم الوصفات الطبية لعقاقير منبهة في حوزة أفراد ميزتهم التهور.
يمكن تقسيم الأفراد الذي يتم تحويلهم إلى هذه الفرق إلى مجموعتين:
1- المجموعة الأولى: أفراد تم تشخيصهم سابقاً في مرحلة الطفولة ويتم تحويلهم إلى الخدمات الصحية للبالغين. هذا التحويل يجب أن يكون منتظماً ويتطلب لقاء بين الفريقين لدراسة احتياجات الفرد الاجتماعية والتعليمية والنفسية. تتم هذه العملية بعد عمر السابعة العشر لجميع الأفراد أو أحياناً بعد عمر السادسة عشر للمراهقين الذي يودعون التعليم مبكراً.
2- المجموعة الثانية: يمكن حشر هذه المجموعة بأفراد يتوصلون إلى تشخيص حالتهم بأنفسهم عبر مراجعة مواقع الإنترنت وأحياناً في الحديث مع زملائهم للتوصل إلى تفسير لأزمات تواجههم في الحياة العملية والتعليمية وخاصة في مرحلة التعليم الجامعي.
المجموعة الأولى أقل تحدياً للفرق الطبية النفسية من المجموعة الثانية. الكثير منهم يودع مراكز الصحة النفسية ولا يرغب في تكملة العلاج. هناك أيضاً من تراه متورطاً في مشاكل مع القانون وتعاطي المواد الكيمائية المحظورة أو المخدرات. كذلك البعض منهم يشعر بالتحسن تدريجياً وينجح في البحث عن عمل يتناسب مع مقدرته الفكرية والعملية، ويبدأ تدريجياً بالتنافس مع أقرانه في الحياة.
المجموعة الثانية أكثر تحدياً للفرق الطبية النفسية، والكثير منهم يتوصل بنفسه إلى تشخيص هذا المرض ويطلب تأكيد هذا التشخيص من الفريق الطبي النفسي. هذا التحويل بحد ذاته يولد نوعاً من التشنج عند بعض الأطباء الذي يميل إلى تسفيه هذا الاستنتاج حتى قبل سماع قصة المريض.
هناك أيضا من يتم تحويلهم كما يلي:
١/ ملاحظة الزوجة تهور الزوج.
٢/ كتشاف الاضطراب في أحد الأطفال ويبدأ الأب أو الأم بالبحث عنه في تاريخهم الشخصي والطبي.
٣/ ملاحظة المعالج النفسي عدم قابلية المريض على الارتباط في العملية العلاجية النفسية.
٤/ مراجعة تشخيص طبي نفسي سابق مثل اضطرابات الشخصية أو الثناقطبي.
٥/ طلب المؤسسات القانونية الطبية في السجون فحص أحد السجناء حيث يتواجد هذا الاضطراب بكثرة.
المصادر:
1- Diagnostic & Statistical Manual of Mental Disorders Fifth Edition DSM V (2013). American Psychiatric Publishing. Washington.
2- Mann H & Greenspan S (1976). The identification and treatment of adult brain dysfunction. Am J Psych 133, 1013-1017.
3- Morrison J & Minkoff K (1975). Adult Psychiatric Disorders in parents of hyperactive Children. Am J Psych 137, 825-827.
4- Still G (1902). Some abnormal Psychical conditions in children. Lancet 1, 1008-1012.
5- Wender P (1995) Attention-deficit hyperactivity Disorder in adults. New York: Oxford University Press.
د. سداد جواد التميمي