الاضطراب الوجداني الثنائي القطب.."Bipolar Disorder"
هو أحد الأمراض النفسية التي تتميز بتناوب فترات من الكآبة, مع فترات من الابتهاج والتي قد تتعدى المستوى الطبيعي؛ كونها تؤدي بالشخص للقيام بأعمال طائشة, وغير مسؤولة, وخطيرة أحيانًا.
ففي هذا الاضطراب يلتقي الهوس والاكتئاب في الجسد نفسه.. فعند الإصابة بنوبة هوس ابتهاجي؛ يصبح المريض في حالة قصوى من التفاؤل والطاقة والحيوية, ويكون أكثر نشاطًا وفاعلية من المعتاد, حيث يصاب المريض بحالة من زيادة الكلام والحركة وتوهم العظمة وقلة الحاجة للنوم وتسارع الأفكار وتطايرها.. لكن حين يكون الهوس غير ابتهاجي؛ فإن ذلك يُشعر المريض بالغضب والتهيج ونفاد الصبر.
فخلال النوبة الهوسية، يشعر المريض بتقدير ذاتي أعلى من حقيقته.. ما يدفعه إلى الإقدام على أشكال من السلوك الخطير, والذي ينطوي على نتائج كارثية، مثل المقامرة وممارسة الجنس غير الآمن، والإنفاق المتهور من غير تفكير. فغالبًا ما يؤدى الهوس إلى تعاطي الكحوليات وغيرها من المخدرات بشكل مفرط, وإلى فقدان الوظيفة، والإفلاس، والتصرفات الطائشة، والابتعاد عن الفضيلة, والطلاق..
فنجد المريض يستثمر أمواله بحماقة, أو ينفقها ببذخ. وقد يبدأ فجأة في مشاريع كبيرة ثم ما أسرع تخليه عنها, وذلك في بشاشة مستهترة, ومفرطة؛ سرعان ما قد تنقلب لعصبية، وغضب, وإحساس بالاضطهاد.
أما عند الإصابة بنوبة الاكتئاب؛ فنجد بأن الحزن و انخفاض المزاج طاغٍ على سلوك المريض، ما يجعل منه أقل فاعلية ونشاطًا, فتظهر عليه أعراض الضيق والاكتئاب والمشاعر السلبية واحتقار الذات, ويشعر المريض بالتعب الدائم, والعجز عن النوم بشكل جيد, الرغبة في البكاء والعجز عن ذلك, صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات, وعدم القابلية للبدء بالأعمال أو إنهائها. في بعض الحالات قد يفكر المريض في إيقاع الأذى بنفسه, أو في الانتحار. وأثناء نوبات الهوس الكبرى, أو أثناء طور الاكتئاب الشديد, قد يصاب المريض بأعراض الذهان كالضلالات أو الهلاوس ويكون فاقد للاستبصار تمامًا.
تسمى تبدلات المزاج ثنائية القطب بـ "نوبات المزاج"، حيث من الممكن أن تكون نوبات هوسية, أو اكتئابية, أو مختلطة. وتكون هذه النوبات شديدة، حيث تكون المشاعر قوية، وتترافق مع تغيرات شديدة في السلوك. وتستمر الأعراض أسبوعًا أو أسبوعين، وأحيانًا أكثر. وخلال النوبة؛ تستمر الأعراض بشكل يومي, وطوال اليوم تقريبًا.
في العادة؛ يسبق نوبة المزاج نقص في النوم أو استيقاظ صباحي مبكر. حيث تساعد معرفة أنماط التغيرات الطارئة على النوم؛ على التنبؤ بنوبة اضطراب مزاجية مقبلة..
تتساوى نسبة الإصابة بهذا الاضطراب بين الذكور والإناث حيث تبلغ في مجملها حوالي 1%. وتبدأ الإصابة به عادة في أواخر العقد الثاني من العمر أو في سنوات البلوغ الأولى؛ أي ما بين الـ 15 و 20 سنة من العمر. إلا أنه يمكن أن يصيب الأطفال والبالغين أيضًا, ويندر أن يصيب من تجاوز بهم العمر سن الخمسين. وكثيرًا ما يكون الأشخاص المبدعين كالفنانين والعلماء؛ أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض..
يبدأ الاضطراب عادة بنوبة اكتئاب في سن المراهقة, أو أوائل سن الرشد. وأول أطوار الهوس قد لا تظهر إلا بعدها بعدة سنوات. ويتباين طول مدة الدورة - من ذروة الهوس إلى الاكتئاب العميق - من شخص لآخر.
يعتبر الاضطراب الوجداني ثنائي القطب اضطرابًا بيولوجيًا في المقام الأول، والوصول للتشخيص في الطب النفسي يعتبر خطوة متقدمة جدًا، بل هو أمر إيجابي، وهو جوهر العملية العلاجية.. والاضطراب الوجداني ثنائي القطب هو من الأمراض النفسية التي تتطلب الالتزام الشديد بالدواء، بمعنى أن يلتزم الإنسان بالجرعة ويأخذها في وقتها.
وأما عن آلية حدوث المرض؛ فيحدث الاضطراب الوجداني ثنائي القطب نتيجة خلل في إفراز السيالات العصبية وهي المواد الكيميائية الطبيعية التي تجعل الخلايا العصبية تتواصل فيما بينها، خاصة نورادرينالين.(NA) وأما السيروتونين (5 - (HT فيعتبر دوره منظمًا لعمل نورادرينالين .(NA)
يتم علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطب على مرحلتين:
1 - مرحلة العلاج:
- نوبة الهوس الحادة: وهذه قد تستدعي دخول المستشفى، ويتم علاجها بعدد من العقاقير منها:[ مضادات الذهان, مضادات الهوس]
- نوبة اكتئابية: فتعالج كما في حالات الاكتئاب، مع الأخذ في الاعتبار أن مضادات الاكتئاب يمكن أن تسبب نوبة هوس.
- العلاج الكهربائي: ويستخدم في الحالات الشديدة على شكل جلسات كل يومين تقريبًا، حيث يتم تنبيه الدماغ من خلال جهاز خاص لذلك, تحت مخدر عام مثلما يحدث في العمليات الجراحية.
2 - مرحلة الوقاية من الانتكاس:
- وتستخدم فيها منظمات المزاج التي تمنع - بإذن الله - الانتكاس والعودة إلى حالات الاكتئاب أو الهوس.
بتصرف من / أ.د. عبد الله السبيعي