فقدان عزيز لدى الطفل

كاتب المقال: Tahani AL-Sharief
التاريخ: الاثنين, سبتمبر 28, 2015 - 04:23

الموت لغز غامض حير الفلاسفة والمفكرين فضلًا عن الكبار من العامة فما بالنا كيف سيتفهمه الصغار اللذين لم يعاصروا الحياة بعد. كيف سيشعر الطفل عند وفاة ذوي الأهمية في حياته ابتداءً من الوالدين إلى الأخوة والمقربين جدا منه. كيف سيدرك مشاعر الفقد وعدم وجود الأم أو الأب بجانبه؟

 

ماهي الأعراض التي يعبر بها عن الفقد وما هي التساؤلات التي تطرأ على تفكيره بعد الفقد؟

كيف نواسي  الطفل ونتعامل معه التعامل الصحيح ليتجاوز الأزمة ؟ كل هذه التساؤلات سيتم الإجابة عنها في مقالنا الحالي. إن كثير من الدراسات قد بينت أن الطفل يدرك فقده لوالديه حتى في مرحلة الرضاعة ولكن مفهوم الطفل للموت ورد فعله تجاهه قد يختلف باختلاف مرحلته النمائية تبعاً لاختلاف التفكير العاطفي والمعرفي عند كل مرحلة.  لذا فإن الفهم الصحيح لكيفية إدراك الطفل لمفهوم الموت وفق مرحلته النمائية سوف يساعد في تقديم المساندة النفسية والعلمية الملائمة له، وتجنب الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن عدم فهمنا للمساعدة المطلوب تقديمها للطفل وفق إدراكه الخاص.

 

مرحلة الرضاعة:

احد المراحل العمرية التي يشعر خلالها الطفل بفقد احد والديه إذ لا يدرك معنى الموت، ولكنه يفقد العناصر المرتبطة بوجود المتوفى كصوته ورائحته وملامح وجهه وحركته أمامه، كما يلاحظ انخفاض مستوى الاهتمام به ويعبر عن انزعاجه بتكرار بكائه وتغير عادات نومه وتناول طعامه ، ويحتاج الرضيع في هذه المرحلة إلى  ضرورة محاولة الإبقاء على الروتين اليومي في إطعامه والعناية به والتعاون مع المحيطين والأقارب المعتاد على وجودهم مسبقا في حياته.

 

من سنتين إلى ثلاثة سنوات: الأطفال حتى عمر السنتين لا توجد لديهم قدرة على إدراك مفهوم الموت. وفي عمر الثلاث سنوات يستصعبون إدراك مفهوم الموت فهم يدركونه كحالة من الانفصال أو الهجر المؤقت ولا يدركون كونه نهائياً وأنّ الشخص الميت لن يعود فيقوم الطفل بالبحث على الوالد المتوفي وانتظار عودته فمثلاً يقوم الطفل بإبقاء الباب أو الشبّاك مفتوحاً، يناديه، يكرر ممارسات أو طقوساً كان يقوم بها مع الفقيد قبل موته. يحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى بيئة آمنه مستقرة بالإضافة إلى محاولة الاحتفاظ بالروتين اليومي من الطعام و النوم بالإضافة إلى إشباع حاجته من الحب والاهتمام.

 

من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات: مازال إدراك الموت في هذه السن محدود، التعبير عن الفقد يظهر في شكل مشكلات جسمية ونفسية كمشكلة التبول اللاإرادي ، الآم المعدة ، الطفح الجلدي ، ارتفاع درجة الحرارة ، إضافة إلى ملاحظة تراجع الطفل إلى سلوكيات مرحلة سابقة لعمره ، وقد يعاني فجأة من الخوف من الظلام ، قلق وغضب وحزن ، نوبات بكاء. وهنا تنتابه مشاعر الذنب لاعتقاده بأن وفاة والده هي عقاب له على سوء تصرفه ، ويعتقد أن عودته ممكنه في حال اعتذاره، لذا يجب في هذه المرحلة مناقشة فكر الطفل والتأكيد على أنه ليس مسئولاً مطلقًا عن وفاة والده.

 

من عمر خمس إلى تسع سنوات: يستوعب الأطفال في هذا العمر فكرة أن الموت سرمدي، وأن جميع الكائنات الحيّة ستموت يوماً لكنهم لا يعتبرون أنّ الموت يخصّهم. وقد يحاولون فهم سبب الموت، لأنهم في مرحلة نمائية يفهمون فيها السببيّة. هنا استعد لأسئلة الطفل اخبره بهدوء وبدون إعطاءه التفاصيل أن " والدتك أو الدك توفى" دع الطفل يقرر من يناقش معه تفاصيل ذلك، وقبل عودة الطفل للمدرسة اذهب لمعلمه وللمرشد النفسي واخبرهم بوفاة احد الوالدين واطلب منهم التواصل معك في حالة وجود أي مشكلات أو ملاحظات على طفلك كالعدوان على زملاءه ومعلميه ، وقد يعاني الطفل من صعوبة في تأدية واجباته المدرسية وأيضا قد يعاني من صداع والآم بالمعدة قبل الذهاب للمدرسة أو أثناء تواجده فيها، تقبل ذلك بطريقة طبيعيه وسيتجاوز الطفل هذه المرحلة الصعبة.

 

من تسع إلى اثني عشرة سنة: الطفل في هذه المرحلة العمرية يكون قد طور مفهوم ناضج للوفاة، ولكن قد يخفي انفعالاته والآم الفقد فيحاول أن يظهر الشجاعة والقوة أمام أفراد عائلته وأصدقاءه وزملائه بالمدرسة بينما يظهر حزنه والآم فقده في صورة مشاكل تعليمية أو سلوكية بالمدرسة كأن يضعف تحصيله الدراسي، التمرد ضد النظام والسلطة المدرسية، العدوان على زملاءه. هذه السلوكيات هي صرخة من أجل المساعدة، وهذا يجعل من المهم التعامل مع المخاوف المتعلقة بالمدرسة. ويكون لدى الطفل وعي بأن 'هيكل' الأسرة قد تغير، وأن قواعد أفراد الأسرة الذين توفوا باقية ومستمرة. ومن المفيد مشاركة الطفل في تحمل بعض المسؤولية إذا كان هناك مجال للمساعدة. تأكد من أنه لا يزال هناك متسع من الوقت للعب والرياضة والترفيه، وأن يكون لدى الطفل أصدقاء من نفس الفئة العمرية. ودعه يعلم أنه من الجيد أن يكون سعيد ومتحمس للأحداث. إذا كانت هناك مشاكل ناقشه وتحدث معه، وإذا استمرت المشكلات السلوكية يمكنك الحصول على مساعدة مهنية متخصصة.  

 

التساؤلات التي تطرأ على تفكير الطفل بعد الفقد؟

- هل أمي/ أبي مات بسبب سلوك خاطئ قمت أنا به ؟

- هل أنا سأموت مثل أمي / أبي؟

- من سيعتني بي الآن ؟

- هل والدي الآخر سيموت أيضا ؟

 

كيفية مساعدة الطفل؟

1. نكون صادقين وصريحين وواضحين ما أمكن عند التحدّث معه عن حقيقة الموت. ونحاول تبسيط المعلومات بشكل يتلاءم مع مرحلة نموّه فمثلًا لدى أطفال الثلاث إلى أربع سنوات نجد عالم الخيال غنيّ جداً، وعندما يشعرون بأننا نخفي عنهم الحقيقة فإنهم يميلون إلى سد الفجوات عبر عالم الخيال، وتخيلات الأطفال قد تكون مخيفة وأسوأ من الواقع. كما إنّ الإفراط في الشرح قد يخيف الطفل ويؤدّي به إلى عالم من الكوابيس. من المهم أن نتذكّر أنّ عدم إعطاء الطفل إجابات حقيقيّة قد يسبّب ضائقة نفسيّة.

2. نتحدّث بلغة واضحة ونستخدم الكلمات الدّالة على الحدث كأن يقال له والدك مات أو توفي حيث أن ربط الموت بالنوم سوف يخلق قلقا لدى الطفل من ساعة النوم والذهاب إلى الفراش، وربطه بالسماء سيخلق فزعا لدى الطفل حال سقوط المطر لأنه سيظن أن الميت سيسقط من السماء مع المطر, وربطه بالسفر سيخلق لديه نوعا من القلق لأن السفر سيعنى لديه عدم العودة تماما.

3. نكون بالقرب منه في الأوقات الصعبة، ونمنحه كل الحب والأمان والرعاية اللازمة.

4. نعبّر عن مشاعرنا تجاه الفقدان، ونشركه بمشاعرنا كي نمنحه الإحساس بأن مشاعره حقيقيّة  من دون الإفراط فيها.

5. نساعده على إيجاد سبل للتعبير عن مشاعره عبر اللعب بأنواعه، والرسم، وكتابة رسالة أو قصيدة...الخ.

6. نتيح له وقتاً للحديث وطرح الأسئلة والتعبير عن مخاوفه. قد يلتبس عليه الأمر ويطرح الكثير من الأسئلة ، وقد نجيب عن السؤال نفسه أكثر من مرّة حتى يفهم ما حدث. إنْ كنا لا نستطيع القيام بهذه المهمة نستعين بشخص آخر تربطه علاقة وثيقة به. إذا كان الطفل لا يتحدّث عن فقده فلأنّه قد يكون غير مرتاح للتحدّث عن الموضوع، ولا تزال مشاعره مشوّشة ويشعر بالخوف.

7. نوضح له أنّه غير مسئول عن الموت.

8. نشرح له ما سيحدث في العزاء، وعن العادات المرافقة للموت في مجتمعنا (بشكل يتلاءم مع نموّه) ونمنحه خيار المشاركة.

9. نلتزم الروتين اليومي لأنشطة الطفل قدر المستطاع لأنّ ذلك سيمنحه الأمان (التغييرات الكثيرة في المنزل تضيف المزيد من الضغوط ، إنّ مكوث الطفل في بيئته المنزلية مع فرص لقضاء وقت مع أصحابه (خلال النهار وعندما يكون الراشدون مشغولين في طقوس العزاء) مفيد لكن مهم أن ينام في المنزل ليلًا.

10. نحاول أن نخبر كلّ الذين من حول الطفل (أهله/ أخوته/ المعلمة) بما يمر به حتى يتمكّنوا من مساعدته.

11. نتذكر أنّ الأطفال يحزنون في نوبات، ولديهم ردود فعل خاصة، ووتيرة خاصة. وهم يدركون أن الموت فقدان كبير لهم، لكنّهم يُظهرون حزنهم بشكل مختلف.

12. يمكن أن يقول طفلنا أنّه شاهد المتوفى أو تحدّث معه، وأنّه بخير أو أنّه سيكون قريباً منه ، لا نسخر مما يقول، فهذا شكل طبيعي لحزن الأطفال، إذ تحدث لهم حالة "هلْوسة" سمعيّة أو بصريّة. ويقول الخبراء إن هذه الهلّوسة قد تساعد الطفل على الشعور بالراحة.

13. لا نتجاهل حزنه، لأن ذلك سيزيد من الزعزعة العاطفية التي يشعر بها.

14. نشجّعه على التذكّر وتبادل الذكريات. 

 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.