مشكلة السرقة لدى الأطفال
هل نصِف أطفالنا إذا ما امتدت أيديهم إلى ما لا يملكونه بأنهم لصوص صغار؟ أم أن الأمر يحتاج أن يستوقفنا ويطرح عددًا أكبر من علامات الاستفهام؟ بداية يجب أن نُعرِّف السرقة بأنها "استحواذ الطفل على أشياء ليست ملكًا له دون وجه حق
وهي سلوك مرضي يعبِّر عن حاجة نفسية لدى الطفل تحتاج إلى إشباع". وتعتبر السرقة عرض شائع في الطفولة ، إلا أنه غير ظاهر بوضوح بسبب تردد الآباء في الإفصاح عن سرقات أطفالهم ومناقشتها كظاهرة. والسرقة والأمانة من السلوكيات التي يكتسبها الطفل من بيئته ، فالطفل الذي لم يتعلم التفرقة بين خصوصياته وخصوصيات الغير أو بين ملكيته وملكية الآخرين يفتقد التفريق بين حقوقه وحقوق غيره. فهناك أسر لا تقيم حدودا لملكية الأشياء بين أفرادها، فأدوات الطعام والشراب واللعب متاحة للجميع ودون تفرقة، وبعض الأسر تسمح لأولادها باستعمال أدوات بعضهم البعض دون توفير شيء واحد يخص طفلا وشيء آخر يخص أخاه. وفي مثل هذه الظروف لا نستبعد أن نجد أطفالًا يميزون بصعوبة شديدة ما يملكونه عما لا يدخل في ملكيتهم. إن ذلك لا يمنع تعويد الأسرة معنى التعاون بين الإخوة والأصدقاء من سن مبكرة بتبادل الألعاب أو الأدوات عن رضا من الطرفين مع دعم الشعور بالملكية الخاصة في الوقت نفسه. وتبدأ السرقة كاضطراب سلوكي واضح في الفترة العمرية 4-8 سنوات، وقد يتطور الأمر ليصبح جنوحًا في عمر 10-15سنة , وقد يستمر الحال حتى المراهقة المتأخرة.
أشكـال السرقة :
1- السرقة الكيدية: بعض الأطفال يلجأون إلى سرقة الأشياء عقابًا إما للكبار أو لأطفال مثلهم حتى يصيب هذا الشخص المسروق الهلع والفزع ، وذلك نتيجة وجود كراهية أو دوافع عدوانية تجاه الآخرين.
2- سرقة حب التملك: إن أغلب الأطفال مارسوا نوعًا من السرقة بهدف تحقيق كيان ووجود متميز مزود بمستلزمات بسيطة كاللعب، والممتلكات الخاصة التي تساعده على الاستقلالية.
3- السرقة كحب للمغامرة والاستطلاع: قد نرى بعض الأطفال ينتظرون غياب حارس الحديقة للسطو على قليل من ثمارها، إلا أن دافع السرقة هنا ليس الجوع والحرمان ولكن حب الاستطلاع والمخاطرة وروح المغامرة ، وقد يسرق الطفل طعامًا لم يره من قبل، ولم يتذوقه.
4- السرقة كاضطراب نفسي: إن العوامل النفسية وراء السرقة كثيرة ومتشعبة، ولا يمكن تفسير سلوك السرقة بدافع واحد مثل الحاجة إلى النقود أو الجوع أو الاستطلاع، وقد تكون السرقة جزءًا من حالة نفسية أو ذهانية مرضية يعاني منها الطفل، وتظهر على شكل اضطراب سلوكي مثير، له دوافعه النفسية العميقة ، ناتج عن صراعات مرضية شاذة في نفس الطفل.
5- السرقة لتحقيق الذات: قد يلجأ الطفل إلى السرقة لإشباع ميل أو رغبة يرى فيها نفسه سعيدًا أو ليظهر بصورة أفضل أمام الغير، كالذي يسرق نقودا للذهاب إلى السينما ليحكي عن الأفلام مثل غيره من الأطفال، أو ليركب دراجة مثل أصحابه، وربما كان فشله الدراسي خلف محاولة تعويضه بالظهور ماديا على غيره من الأطفال.
6- السرقة نتيجة الحرمان: قد يلجأ الطفل إلى السرقة تعويضًا للحرمان الذي يقاسيه ، فقد يلجأ إلى سرقة ماهو محروم منه أو ما يساعده على الحصول على ماحُرم منه.
أسباب السرقة:
1- عوامل أسرية: إن أساليب القسوة في المعاملة الوالدية والعقاب المتطرف والتدليل الزائد تسهم في لجوء الطفل إلى السرقة إذا رافق ذلك عدم تعويد الطفل على التفرقة بين ممتلكاته وممتلكات الآخرين، أو لم تحترم ملكيته ، والقدوة غير الحسنة لها دور فعال في ممارسة الطفل لهذا السلوك.
2- وسائل الإعلام المتطرفة: إن تركيز بعض وسائل الإعلام على أحداث تنطوي على السرقات والأساليب التي تمارس كخدع ، وإظهار السارق بالبطل والمقدام يعطي نماذج سلبية للأطفال تعزز السلوك المُشكل .
3- هوس السرقة: ويظهر في نوبات لدى الأطفال الأكبر سنا (الطفولة المتأخرة) والمراحل التالية لها، حيث يشعر الشخص بالتوتر الشديد قبل ارتكاب فعل السرقة ويشعر بالهدوء عند اقترافها.
4- رد فعل عدواني تجاه الزملاء أو الآباء: تظهر بعض أنماط عدوانية الأطفال في صورة سرقة واستحواذ على ممتلكات الغير من الأقران عقابا لهم ، أو انتقاما من الوالدين ضد سلطتهم وتسلطهم.
5- الغيرة: الغيرة من امتلاك بعض الأطفال الآخرين لأشياء لا يستطيع الطفل الحصول عليها قد تدفعه إلى التفكير في اختلاسها أو سرقتها وقد لا ينتفع بشيء مما سرقه فنجده يحطمه أو يتلفه.
6- الشعور بالنقص وتعويض مشاعر الدونية والتمييز بالفضائل: قد تكون رغبة الطفل في الحصول على المركز وسط الأقران الذين يقللون منه تدفعه إلى السرقة لشراء ما يستطيع أن يتفاخر به أمامهم ، وليعطي أصحابه حتى يصبح محبوبا ومقبولا بينهم ، وقد يسرق الطفل من أجل تقديم معونة إلى رجل عجوز أو من أجل التبرع بالمدرسة أو من أجل إطعام جائع.
أساليب التغلب على المشكلة:
1- السلوك الصحيح: يجب أن يحرص الأهل على معالجة الأمر بروية وتأني بهدف تعليم الطفل السلوك الصحيح لحل المشكلة ، وذلك بأن يعيد ما سرقه إلى الشخص الذي أخذه منه مع الاعتذار منه ودفع ثمنه إذا كان الطفل قد صرف واستهلك ما سرقه.
2- مواجهة المشكلة: معالجة الأمر ومجابهته بجدية سيؤدي إلى الحل الصحيح وذلك لخطورة الموقف أو السلوك وذلك يتطلب معرفة السبب وراء سلوك الطفل هذا المسلك الغير مناسب ووضعه في مكان الشخص الذي سرقه وسؤاله عن ردة فعله وشعوره إذا تعرض هو لذلك.
3- الفهم: يجب علينا أن نفهم لماذا قام الطفل بذلك وما هي دوافعه وذلك قد يكون مرجعه إلى الحرمان الاقتصادي بسبب نقص مادي يشعر به الطفل أو لمنافسة زملاؤه ممن يملكون النقود، وقد يكون السبب الحرمان العاطفي وذلك لشعور الطفل بالحرمان من الحنان والاهتمام ممن هم حوله، وقد يكون لعدم إدراك الطفل لمفهوم السرقة وما الفرق بينها وبين الاستعارة، وبالتالي الفهم الصحيح للسبب يترتب عليه استنتاج الحل المناسب، فإذا كان الدافع اقتصادي يتم تزويد الطفل بما يحتاجه من نقود وإفهامه بأن يطلب ما يحتاجه، أما إن كان الحرمان عاطفياً فيجب إظهار الاهتمام به وبحاجاته وقضاء الوقت الكافي معه ، وقديكون لعدم الإدراك وهنا يجب التوضيح للطفل ما تعني السرقة وما الفرق بينها وبين الاستعارة، وشرح القواعد التي تحكم الملكية له بأسلوب بسيط وتجنب العقاب حتى لا يترتب عليه الكذب.
4- التربية الدينية وتعميق الوازع الديني: بأن يُذكر له حكم السرقة في الإسلام ، وأن نستشهد بآيات وأحاديث من الكتاب والسنة كقوله تعالى(وهو معكم أينما كنتم ( ، (والله شهيد على ما تعملون)، ونذكره بمعية الله في السر والعلن كقولنا له: "إن الله يراك ولو فعلت ماتريد إخفاءه عن أعين الناس لأنه تعالى يعلم السر وأخفى" .
5- النمذجة الايجابية: عندما يرى الطفل والديه وإخوته الأكبر سنا يحترمون ملكية الغير سيكتسب ذلك في سلوكياته.
6- وسائل الإعلام: يجب توجيه الطفل إلى مايفيده في وسائل الإعلام من مشاهدات وقراءات تسهم في تعزيز القيم والمبادئ لديه.
المراجع:
كتاب (المشكلات النفسية عند الأطفال ، للدكتور زكريا الشربيني)