العناد عند الأطفال
العناد ظاهرة شائعة لدى الأطفال ، وهي تعبير عن الرفض للقيام بعمل ما ولو كان مفيداً أو الإنتهاء عن عمل ما و إن كان خاطئاً ، ويتميز العناد بالإصرار وعدم التراجع حتى في حالة الإكراه و القسر يبقى الطفل محتفظاً برأيه و موقفه و لو داخلياً. ويعتبر العناد من النزعات العدوانية وهو سلوك سلبي وتمرد ضد الوالدين و انتهاكاً لحقوق الآخرين وهو محصلة للتصادم بين رغبات الطفل وطموحاته وأوامر الكبار و نواهيهم ...
من الجدير بالذكر أن العناد قد يظهر و يختفي تحت ظروف معينة و في مواقف معينة. فقد يظهر في البيت و يختفي في المدرسة و العكس صحيح. و هنا يكون الطفل واعياً و مردكاص لسلوكه العنادي و لكنه يفعل ذلك لتحقيق رغبة أو هدف ما ، وحالما يحقق ما يريد فإنه يتخلى عن عناده. و عندما يكون العناد مستشرياً و سمة قوية للطفل فإن ذلك قد يكون نواةلإضطراب في الشخصية و هو ما نسميه إضطراب الشخصية السلبية العدوانية.
الطفل قبل السنتين لا يملك الاستقلالية الكافية فهو يعتمد على والديه بشكل كبير جداً ، لذلك لا تظهر عليه السلوكيات العنادية بشكل واضح ، فيما عدا بعض الممانعة ،و لكن ذلك لا يعد عناداص لأن العناد موقف و سلوك ينبني على الإحساس بالإستقلالية الجزئية من جانب الطفل و نمو تصوراته الذهنية. فيقوم بممارسة هذه الإستقلالية بالرفض و الإحتجاج و الممانعة و إبداء الرأي المخالف.
وبالرغم من أنم العناد قد يأخذ مكانه عند سن الثالثة إلا أنه قد يلازم بعض الأطفال حتى سن المراهقة. و في الغالب لا يتم ظهوره بعد سن المراهقة إن لم يظهر قبل ذلك. و قد وجدت الدراسات أنه ينتشر بنسبة 15-22% بين أطفال المرحلة الإبتدائية و هو في هذه السنأكثر إنتشاراً بسن الذكور منه بين الإناث و لكن النسبة تتساوى بعد ذلك. و لعل العناد يظهر بشكل جلي عند مرحلتي الإنفصال (حوالي عمر سنتين و عند بلوغ سن المراهقة).
أشكال العناد:
أشكال العناد عبارة عن درجات غير منفصلة تظهر عند تعامل الطفل مع الكبار أو رفاقه و لكنها قد لا تظهر في جلسات التقويم النفسي و المقابلة الشخصية. :
عناد التصميم و الإرادة : يعتبر نوعاً محموداً يجب تشجيعه ودعمه ومثال ذلك عندما يحاول الطفل على إصلاح لعبته مثلاً و يصر على ذلك مهما منعه الكبار.
لكن عندما يكون العناد ضرباً من الرعونة كأن يصر الطفل على الذهاب لشراء جزمة صباح الجمعة أو يصر على زيارة صديق في وقت غير مناسب أو مشاهدة فلم تلفزيوني و قد حان وقت نومه فإن ذلك يعتبر على النقيض عناد يفتقد لتقدير الأمور و الوعي الكافي لإدراك الصح و الخطأ و لا يجب الإستسلام له.
و قد تزيد درجة العناد لدى الطفل فيعاند نفسه لغيظه من أمه فيرفض الطعام و هو جائع و يرفض لعبة و هو يريدها و ما إلى ذلك ... هذه المكابرة تولد صراعاً بين رغبتي الطفل في الإستمرار في موقفه و بين إشتياقه لما عرض عليه. و هذا الصراع ينتهي بالتنازل عند محاولة الكبار في حله.
أما حين يعتاد الطفل العناد كسلوك راسخ و صفة ثابتة في شخصيته ، فإن ذلك قد يؤدي إلى إضطراب شديد في السلوك و الإنفعالات و العلاقة مع الآخرين بسبب النزوع للمشاكسة و الخلاف مع الناس من حوله بسبب او بدون سبب.
هذا الشكل من العناد درجة مرضية و تحتاج لإستشارة الكختصين لعلاجها. وأيضاً فقد يكون سبب العناد خللاً فسيلوجياً مثل إصابات الدماغ و التخلف العقلي.
أسباب العناد:
عندما تكون توقعات الكبار و طلباتهم من الطفل بعيدة عن الواقع وغير مناسبة لقدراته وإمكاناته ينتج عن ذلك شعور بالفشل. وعندما يصر الكبار على قناعاتهم وتوقعاتهم يبدأ الطفل بالرفض كسلوك عنادي. وهو في الحقيقة لا يعاند الكبار ولكنه يرفض الوقوع في الفشل الذي يصر الكبار من حوله على الوقوع فيه غير آبهين بمشاعر الخوف والإحباط عنده. وهو في هذها لحالة أفضل منهم في تقدير إمكاناته و ما يمكنه فعله.
وليس من الغريب أن تختلط الحقيقة بالخيال عند الأطفال ، فيتشبث الطفل بموقف غير واقعي ضرباً عرض الحائط برأي الكبار مما ينشا عنه نوع من العناد نتيجة لهذا التصادم.
وقد يقلد الطفل أمه او أباه في الإصرار على رأيهم و عدم التنازل مهما حاول معهما أسلوب الإقناع و الحوار الهادئ عندما يطلبان منه شيئاً ما و ذلك ما يعرف بأسلوب التعلم بالمحاكاة. و هذا يستلزم منا كآباء و أمهات ان لا نعتمد الحدة و العنت على حساب الحوار المنطقي و النقاش المقنع.
و لعل الطفل أحياناً يحاول ممارسة توكيد ذاته بالإصرار على موقفه و العناد. و إذا كان هذا القدر من الفعل أو رد الفعل غير مبالغ فيه فلا بأس من التساهل معه و تشجيعه لتعليم الطفل كيف يكون قوي الإرادة. و هناك متسع من الوقت ليتعلم الطفل أن العناد و التحدي ليس الطريقة المثلى لتحقيق المكاسب و هذه مرحلة نمائية تالية. و هكذا يتعلم الطفل من خلال سلسلة من المراحل الإطار الواقعي للتعامل مع النفس و مع الآخرين.
و لعلنا نحن من يدفع الطفل للعناد أحياناً بإنتهاج الأسلوب الصارم الجاف من الأوامر و النواهي. و هذا أسلوب ترفضه الفطرة التي تحب الرجاء و الإحترام. لذلك فإن الطفل يتذمر من التضييق عليه فترة من الزمن ثم ينتقل بعد ذلك إلى الرفض و التحدي كرد فعل لهذا الأسلوب من التعامل.
و الحماية الزائدة من جهة تجعل الطفل يشعر بالعجز و الإعتمادية على والديه معطلاً قدراته هو. و قد يرفض ذلك بنوع من العناد للخروج من دائرة الحمياة و الوصاية و الحصول على قدر أكبر من الحرية.
وهذا الشعور بالعجز قد يكون حقيقياً نتيجة إعاقة معينة أو خبرات طفلية مر بها خلال حياته مما يولد لديه رغبة في العناد و تحدي الواقع او الذات أو الآخرين.
و أخيراً فإننا قد نعزز السلوك العنادي بلإذعان له و تشجيعه بالمكاسب التي يمي لها الطفل ، إما خوفاً عليه أو لإنهاء الموقف ، و هنا يتعلم الطفل أن مزيداً من الإصرار سيجبل له التنازلات و المكاسب.
علاج العناد:
الأطفال يتسمون بالإختلاف أكثر من الكبار ، ولذلك لا بد من تقويم كل حالة على حدة و فهم الأسباب و ما عساه قد يكون مساهماً في نشوء هذا السلوك العنادي.
ومن الأساليب المفيدة توقيع العقاب المناسب على الطفل فور عناده لأن ما يناسب طفلاً قد لا يناسب آخر و ما سفيد في وقت ما قد لا يفيد في وقت آخر. المهم عدم تأجيل العقاب بهدف إعطاء فرصة يراجع فيها الطرفان نفسيهما ، ليستانف الحوار بعد ذلك بأسلوب أكثر هدوءاً و إقناعاً.
ومعاملة الطفل العنيد ليست أمراً سهلاً لذلك لا بد من التحلي بالصبر و عدم اليأس و الإستسلام للأمر الواقع بحجة أن الطفل عنيد و رأسه ناشفه. كذلك لا بد من الثبات في المعاملة فالإستسلام أحياناً يعلم الطفل فنيات الإصرار والعناد.
و من المعتاد ان يقال للطفل او يذكر أمامه انه طفل عنيد أو ان فلان شاطر فهو ليس عنيد. هذا النوع من القول يؤكد للطفل العناد و يرسخه فيه مهما قلنا له أن العناد سيئاً. كما انه من المهم عدم صياغة الطلب بأننا نتوقع الرفض لأن ذلك يعطيه خياراً بالرفض و يشجعه عليه.
وعلى النقيض فإن إرغام الطفل على الطاعة العمياء بدلاً من دفء المعاملة و المرونة يجعله يلجأ للعناد للخلاص من العبودية والحصول على حريته. لذلك فمن المهم أن نغض الطرف عن الأمور البسيطة و نبدي التسامح أحياناً.
و أخيراً فإن أسلوب الحوار والإقناع بعد توقيع العقاب الناتج عن العناد امر مهم لتعليم الطفل كيف يكون مقنعاً لا عنيداً أرعناً لا يمتلك القدرة على التعامل بهدوء و روية.