الغضب عند الأطفال و المراهقين و كيف نتعامل معه
يعتبر الغضب لوناً من ألوان الطاقة النفسية الطبيعية التي تتخذ لها مظهراً مناسباً لكل سن و جنس. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعتبار الطفل الذي لا يغضب مطلقاً طفلاً سوياً أو على الأقل عادياً.
وعند حديثنا عن السلوك العدواني أشرنا إلى أن الغضب قد يكون أحد مظاهر العدوان وسمينا ذلك العدوان اللفظي. إذاً فالغضب والعدوان هما نتاج للشعور بالإحباط.
ويختلف التعبير عن الغضب حسب سن الطفل. فالطفل في سنته الثانية يعبر عن غضبه بالبكاء و الصراخ ، وعند ما يكبر قليلاً يبدأ بالتعبير الجسدي بضرب رجليه على الأرض أو يديه أو الرفس أو الضرب. وبعض الأطفال في هذه السن يرمي بنفسه على الأرض و يضرب برأسه أو أجزاء أخرى من جسمه على البلاط أو الأثاث إضافة للصراخ والصوت المرتفع.
ويبدأ الغضب بعد ذلك بتغير التوجه منه نحو الذات إلى الآخرين و المحيط ،فيبدأ الغضب بصورة لفظية بالشتم و السبابو التهديد بالضرب أو القذف و ذلك لنمو المحصول اللفظي في هذه المرحلة العمرية.
بعد هذه السن يتعلم الطفل كيف يخفي غضبه و يحترم الآخريم فيلجأ إلى التمتمة و التعبير بوجهه فقط و إظهار الأسى و الحزن و عدم الرضى ، وقد يمتنع بعضهم عن الكلام.
والغضب يمكن إعتباره طبيعياً إذا تناسب مع المثير له و إلا فإنه يعتبر مبالغاً فيه و لا بد من عمل الممكن لتهذيبه.
أما إذا لم يتعلم الطفل كبح جماح غضبه والتعرف على إحباطاته وتفسيرها بشكل أكثر عقلانية فإنه يشب ليكون غضوباً لا يستطيع تكوين علاقات طبيعية مع الآخرين و في حالة نفسية سيئة نتيجة الشعور بالوحدة و الندم و الفشل ،فضلاً عن ما قد يعانيه من العقاب النظامي من جراء إرتكاب حماقات أو حتى جنايات لا بد أن يدفع ثمنها.
ويميل الذكور إلى الانفعال عند الغضب و ذلك إما بالضرب أو الرمي أو ما شابه ذلك. بينما تميل البنات إلى إستخدام الأسلوب اللفظي للتعبير عن الغضب بالشتم او الصوت العالي أو البكاء. و كلما كبر الطفل أظهر قدرة أفضل على التحكم في غضبه و لكن فترة إستيائه تطول أكثر من الصغار الذين يغضبون و لا يلبثون أن ينسوا و يعتدل مزاجهم.
أشكال الغضب:
الغضب قد يظهر على شكل صراخ ورفس وضرب ورمي وإتلاف للأشياء وذلك يعكس الطبيعة الإنبساطية لهؤلاء الأطفال الذين يميلون في أوقاتهم الإعتيادية للإبتهاج بوجود الآخرين و حب الخلطة والمشاركة في الألعاب والأنشطة. بينما يظهر الغضب على صورة إنسحاب و كبت للمشاعر و إنطواء والإضراب عن الطعام او التعامل لدى بعض الأطفال الذين يميلون للسلبية و حب الوحدة و الأسى في أحوالهم العادية. ولا شك أن هذا المظهر الأخير أقرب إلى عدم السواء و لكن كما ترون فإن الغضب هنا تشكل حسب طبيعة الطفل و شخصيته إن جاز التعبير.
أسباب الغضب:
تختلف أسباب الغضب من مرحلة عمرية إلى أخرى.
في الأطفال دون الثانية مثلاً تكون اكثر الأسباب هي ضيق الملابس التي تعيق الحركة ، و تدخل الوالدة لتنظيم العادات مثل الإستحمام و افخراج و تغيير الملابس. و كذلك تدخل الكثير من حوله بإصدار الأوامر والتعليمات وخلافه...
كما ان الطفل قد يغضب و يثور عندما يفقد لعبته او يتلفها أو ياخذها منه طفل آخر.
و لكننا نحن معشر الكبار نساهم كثيراً في تنمية الغضب أو السيطرة عليه في الأطفال. فعند وجود مواقف متناقضة بين الأبوين يضطرب الطفل و لا يتعلم الصح و الخطأ. و عندما يحصل على ما يريد إستجابة لغضبه فإنه يتعلم أن الغضب وسيلة فاعلة لتحقيق المطالب ، فتعلم ان يحرج الوالدين في مواقف معينة لكي لا يرفضا له طلباً.
كما ان النقد و اللوم وبالذات أمام الآخرين يحرج الطفل أيما إحراج فلا يجد أمامه سوى الغضب ليثبت قوته و يحمي كبرياءه. و لذلك أيضاً فإن عدم مراعاة قدرات الطفل و تكليفه بما لا يتناسب معها يعرضه للإحراج و الشعور بالذنب ، فإذا ما تم نقده على الملأ إستشاط غضباً.
كما أسلفنا فإن الطفل يهتم كثيراً للإهتمام الكبار وعطفهم و رأيهم. لذلك فحرمانه من ذلك قد يكون سبباً لغضبه و نقمته.
وعلى العكس فإن إستخدام أساليب المنع والحرمان والنواهي وإلزامه بمعيير سلوكية لا تنساب عمره و قدراته و التدخل الدائم في حريته و أنشطته و التضييق عليه من أهم الأسباب لحدوث نوبات الغضب.
وكما ذكرنا عند الحديث عن العدوان فإن الدلال وتعويد الطفل على الإستجابات غير المشروطة لطلباته ، يجعله يشعر بالظلم عند رفض أي طلب له.
و كما ذكرنا سالفاً في الحديث عن القدوة و اهميتها في تشكيل السلوك لدى الأطفال ، فإن الطفل يتعلم بالمحاكاة أحياناً أكثر مما يتعلم بالقول و الإرشاد. عندما يتصرف الأب او المعلم او القدوة من الممثلين أو اللاعبين او غيرهم من الرموز و المشاهير بغضب فإن الطفل يتعلم من ذلك أن الغضب وسيلة محمودة للتعبير عن مشاعر الإحباط.
و من مشاعر الإحباط أن يشعر الطفل بالفشل و الإخفاق و التأخر الدراسي و عدم الفهم في الفصل مثل زملائه. أو حتى فشله في التقرب من والديه و معلميه.
أساليب العلاج:
لا ينبغي التضحية بسعادة الطفل من أجل الإلتزام بنظام صارم و جدول لا يعرف المرونة فيما يتصل بعمليات النوم و الإخراج و الغذاء و الراحة وخلافه ...
وعلى العكس فلا ينبغي إغراق الطفل في الدلال و الخضوع لتلبية رغباته عندما يلجأ للبكاء و الصراخ والغضب كوسيلة للحصول على ما يريد و إرغام الآخرين على الرضوخ لطلباته و أوامره و شهواته.
ومن ناحية أخرى فإن حرمان الطفل من ممتلكاته الخاصة او تكسيرها و إتلافها زقت غشبه الذي يستثير غضبنا نحن يزيد من إشعال ار غضبه و يقدم له قدوة سيئة للتعامل مع الغضب كشعور إنساني متوقع في كل زمان و مكان. و لا ننسى هنا أن اللعب من الأساليب التي ينفس بها الطفل عن إنفعالاته و مشاعره فلا يجب التضييق عليه و حرمانه من ذلك أو الإصرار على الدروس و الواجبات والجدية في كل شيء على حساب اللعب.
من الأمور الشائعة في تعاملنا مع الأطفال مقارنتهم بفلان أو علان وبالذات عند ارتكاب خطأ ما ، مما يشعره أن فلان أحسن منه و فلان أحب إلينا منه ، وذلك يثير مشاعر الغضب علينا وعلى فلان وفلان المذكورين.