الطفل المبتسر الخصائص والآثار
الطفل المبتسر هو الطفل الذى يولد قبل اكتمال أسابيع الحمل ، وتصل نسبة ولادة طفل مبتسر ما بين 6 إلى 8% من الولادات ومازالت وفيات الأطفال المبتسريين تمثل أعلى نسبة وفيات بين حديثى الولادة إلا أن العلماء قد تمكنوا من ابتكار عدد من الأدوية التى تمنع انقباضات الرحم قبل الموعد المحدد وبالتالى الولادة المبكرة، الى أن يكتمل تكوين رئة للجنين وكذلك معظم الأعضاء الداخلية.
ويتعرض الطفل المبتسر لمشاكل فى التنفس و الجهاز الدورى ونقص المناعة، ويستخدم مادة (سيرفاكتانت) لحل مشكلة التنفس لديه، كما يمكن علاج مشكلة التنفس عند الأطفال شديدى الابتسار باستخدام جهاز الإمكو وهو جهاز يقوم بأكسجة الدم خارج الجسم وبالتالى يؤدى وظيفة الرئة لديهم، حتى تنمو الرئة وتتطور وظائفها. كما يتم فى المستقبل تطوير أجهزة تنفس بالعقول الإلكترونية لتقوم بوظيفة تنفس للطفل بشكل أقرب إلى الطبيعى مع تقليل المضاعفات وكذلك تطوير الحضانات بحيث تكون محكومة بالعقول الإلكترونية من حيث توفير الجو المحيط بالطفل بما يتناسب مع حجمه وحالته المرضية.
وقد تمثل عملية الولادة صدمة خطيرة بالنسبة للطفل المبتسر لكونه لازال هشًا الى حد كبير ، وغير مستعد فى بعض الأحيان للحياة خارج الرحم . بالإضافة الى ذلك فإن بعض الاولادات المبتسرة قد تستغرق وقتًا طويلا جدًا مما يعرض الطفل لقدر غير عادى من الشدة والعناء . وإذا كان لهذه الظروف أن تؤثر تأثيرًا سيئًا فى مستقبل نمو الطفل وتطوره ، للزم أن تكون نسبة انتشار الاضطرابات العضلية والحركية والعاطفية بين الأطفال المبتسرين أكبر منها لدى الأطفال الذين يولدون بعد انقضاء فترة الحمل بأكملها .
غير أن فرصة النجاة للأطفال المبتسرين حاليًا تبلغ 95% أو أكثر بالنسبة للأطفال الذين يبلغ وزنهم عند الولادة ما بين 1501و 2500 جرام . لكن الأطفال الذين يزنون أقل من ذلك لا زال معدل الوفاة عندهم مرتفعاً , و قد أدت العناية المشددة إلى تطويل الفترة التي من المحتمل أن تحدث خلالها وفاة الوليد ناقص وزن الولادة بشكل كبير VLBW والناتجة عن الأمراض المرتبطة بالولادة ، مثل صعوبة استكمال أنسجة القصبات والرئة والتهاب الأمعاء والقولون النخري، أو الخمج الثانوي .
إن معدل الوفيات عند الأطفال ناقصي وزن الولادة LBW الذين ظلوا على قيد الحياة حتى خرجوا من المسشفيات هو أعلى من المعدل عند أطفال الحمل الكامل خلال السنتين الأوليتين من العمر. ولأن العديد من هذه الوفيات يعزى للخمج أو للإبتسار فإن هذه الوفيات يمكن الوقاية منها ولو نظرياً.
وارتفاع معدل الوفيات فضلا عن الأمراض لدى الأطفال المبتسرين يرجع فى الأساس إلى المخاطر الحيوية الناتجة عن التنظيم التنفسي السيء الناتج عن عدم النضج أو عن وجود أمراض مرتبطة بالولادة فضلًا عن المخاطر الاجتماعية المصاحبة للفقر.
وبمقارنة النمو والتطور المبكر لعدد من الأطفال المبتسرين بلغ 500 طفل والنمو والتطور لعدد 492 طفلا سويا . تبين أنه كلما نقص وزن الطفل المبتسر عند الولادة ، ازداد احتمال تعرضه لخلل عقلى أو عصبى نيرولوجى . وتبين أن ما يزيد على 8% من الأطفال المبتسرين ، مقابل 1.6 % فقط من الأطفال الأسوياء ، يبدو عليهم مظاهر الخلل النيرولوجى الخطير عند بلوغ الأسبوع الأربعين من العمر ، كما أن مظاهر الخلل هذه كانت تنحصر أساسًا فى الوظائف الحركية . وعلى هذا يبدو أن المراكز الحركية فى المخ هى أكثر المراكز العصبية تعرضا للتلف نتيجة للإبتسار لكن لابد من ملاحظة أن نسبة ضئيلة جدًا من الأطفال المبتسرين تبدو عليهم دلائل التلف الخطير .
وقد بينت دراسات أخرى اهتمت بالآثار الطويلة المدى للإبتسار ، أن الطفل المبتسر لاتبدو عليه مظاهر التخلف فى حجم الجسم فيما بين السنوات الرابعة والعاشرة من العمر.
لكن احتمال إصابة الطفل المبتسر بنوع من الخلل فى العينين يكون مع ذلك أكبر من احتمال اصابة الطفل العادى . ومتوسط نسبة ذكاء الأطفال المبتسرين كانت 94 مقابل 107 بين المجموعة الضابطة من الأسوياء .
ومعظم المبتسرين لاتبدو عليهم مظاهر الخلل الدائمة من حيث نمو الجسم العام . لكنهم إذا قورنوا بمكتملى الحمل ، تكثر بينهم الخصائص التالية بدرجة أكبر مما نجده عند مكتملى الحمل : حساسية سمعية وبصرية نامية إلى حد كبير ، صعوبات كلامية (كلام طفلى ، أخطاء فى النطق ) تآزر حلاكى سىء ، حركات قبيحة ، تطرف فى النشاط (إما ميل إلى الإفراط فى الحركة أو خمول وقعود) ، صعوبات فى ضغط العضلة القابضة فى المثانة، شدة الخجل ، الاعتماد على الأم ، والميل إلى المثابرة الشديدة فى العمل أو إلى شدة القابلية لتشتت وعدم التركيز .
إلا أن هذه الخصائص النفسية المتنوعة لا تعود كلها إلى عامل الولادة المبتسرة وحدها . إذ أن البيئة غير الصالحة فيما قبل الولادة أو الإصابة أثناء الولادة من شأنهما أن يؤديا بصورة غير مباشرة إلى بعض ما يلاحظ من بعد ذلك من مشاكل فى الشخصية ، إلا أن من الأقرب إلى المعقول القول بأن خبرات ما بعد الولادة بين الأيوين سبب أهم وأخطر فى إحداث هذه المشاكل . ذلك أن الطفل المبتسر أقرب إلى أن يلقى الرعاية والحماية بشكل مفرط وفى وقت مبكر من حياته وإلى أن تفرض عليه حياة العزلة . كما أن خشية الوالدين من أن يتأذى كيانه الرقيق قد تجعلهما أكثر حفزًا له على أن يحاول تخطى الفروق بينه وبين أترابه . ومن المتوقع أن شدة تحفيز الطفل واستخدام الضغوط قد تؤدى إلى أنواع مختلفة من سوء التوافق . ويمكننا أن نخلص إلى القول بأن البيئة الأسرية للطفل المبتسر خلال السنوات المبكرة مناسبة جدًا لتفسير معظم الصعوبات الاجتماعية والعاطفية التى نجدها عند الأطفال المبتسرين .
ولقد اعتبر الوزن عند الولادة مؤشر قوي لبقاء الوليد على قيد الحياة من عدمه . وفي الحقيقة فإن البقاء على قيد الحية للولادة المبتسرة بعد 22 أسبوع قريبة من صفر %، ويزداد البقاء على قيد الحياة بازدياد العمر الحملي لتصبح 15% بعمر 23 أسبوع، 56% بعمر 24 أسبوع ، 79%بعمر 25 أسبوع.
عمومًا تشير البيانات إلى أن عسر الولادة إلى درجة غير عادية ، والولادة المبتسرة ، والاضطرابات الفسيولوجية خلال الحمل قد تؤدى إلى تلف فى المخ ، وهذا قد يؤدى بدوره الى مرض الصرع ، أو إلى اختلالات حركية أو عقلية تتراوح فيما بين الشدة والبساطة ، وفيما بين الإفراط فى الحركة والنشاط أو الخمول والجمود . وعلينا أن نتذكر جيدًا أن معظم الأطفال الذين يتعرضون لواحد أو أكثر من هذه الظروف غير العادية ( عسر الولادة ، الولادة المبتسرة ، إلخ ...) يخرجون إلى الحياة وهم أسوياء ليس بهم من الخلل شىء
د. صلاح الدين السرسي