متى يبدأ تدريب الطفل على ضبط عادات الإخراج

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 11:11

السنة الثانية من الحياة هى فى العادة السن التى يبدأ عندها معظم الآباء فى فرض أمور رئيسية من متطلبات التطبيع الاجتماعى على الطفل . حيث يبدأون فى فرض القيود على أوجه النشاط التى يجدها الطفل سارة ممتعة ، ويطالبونه بكف بعض أنواع السلوك التى يستمتع بها . حيث يجد الطفل نفسه مطالب بالكف عن إحداث الضجة والضوضاء عند تناول الغذاء ، والكف عن العبث بطعامه ، والكف عن القفز فى سريره ، وأن يؤخر التخلص من فضلاته حتى يصل الى المكان المناسب ، وأيضا فى الوقت المناسب . وغالبية الآباء تبدأ عملية التدريب على التخلص من الفضلات والنظافة والحيلولة دون نوبات الغضب والنشاط التخريبى والتجول غير المقيد حين يكون الطفل بين الشهر الثانى عشر والشهر الثامن عشر من عمره . ومع أن الفضول وحب الاستطلاع لكل شىء مغلق ، والعبث بأونى الزرع أو المزهريات الخزفية مرتفعة الثمن والتبول التلقائى كلها عمليات ممتعة للطفل . لذلك يكون ضبط هذه السلوكيات بكفها أو تأجيلها يتسببان فى خلق مصادر الاحتكاك الرئيسية بين الأبوين والطفل ، حيث يتغير دور الأم بالنسبة للطفل . فالأم حين تبدأ تدريب طفلها على طريقة معينة للتخلص من فضلاته تصبح له بمثابة " المعلمة" التى تتوقع منه أن يتصف بشىء من الاستقلالية والمسئولية عن رعاية نفسه.
الأم أثناء تدريبها لطفلها على عمليات التغذية تقوم بدور المساعد والمعين الذى يمنح ويزود ويحمل الأشياء له . لكن الأمر يختلف فيما يتعلق بتدريبها له على التخلص من الفضلات . فالطفل فى بادىء الأمر لاتكون لديه الرغبة فى استخدام الوعاء أو "القصرية " بحيث أن وضع أمه له فوق "القصرية " لايكون من قبيل الإثابة كما هو الحال عند تقديمها الطعام له . ولهذا فإنه لايرغب فى اكتساب عادات النظافة المقبولة إلا بالتدريج ، كما أن هذه الرغبة لا تتحقق إلا عند انتهاء عملية التدريب من جانب الأم . ولهذا يكون التدريب على ضبط عادات الإخراج عملاًَ لايشبع حاجة أو يرضى دافعًا مبدئيًا ، وأنه لايزيد على أن يكون قيدًا للسلوك ونوعًا من الإحباط الهين اذا كانت طريقة التدريب جيدة والإحباط العنيف الذى يؤدى الى الكثير من المضاعفات كالوسواس أو العناد ، أو الفوضوية وعدم الاهتمام بالنظافة إذا كان أسلوب التدريب سيئًا .
إن الطفل الذى تعود أن يأخذ كل الطيبات فى المنزل يواجه الآن تغيرًا مهمًا فى بيئته. فهو مطالب الآن بأن يعطى بعد أن تعود على أن يكون هو الذى يأخذ . يطالب الآن بأن يساعد ويسهم بعد أن كان كل من عداه يساعده ، هو الآن مطالب بتحمل شيئًا من المسئولية ازاء نفسه بعد أن كان فى السابق يشغل موضع غير المسئول .
ولاشك أن من أسباب صعوبة التدريب على التخلص من الفضلات أنه يطلب من الطفل السيطرة الإرادية على عملية كانت تبدو فى بادىء الأمر فعلاً منعكسًا غير إرادى . فقد كانت تحدث توترات قوية حين تصبح المثانة والأمعاء ممتلئة ، ثم تنفرج بصفة أوتوماتيكية العضلات القابضة فى المثانة والمستقيم ، انفراجًا نطرد بسببه الفضلات من بول أو براز .
وتتمثل المشكلة الرئيسية فى جعل الطفل يقمع استجابة الطرد البدائية الساذجة وأن يدخل فى سلسلة الاستجابات عدة حلقات جديدة من قبل عملية الطرد بحيث نجد فى النهاية أن استجابات كالمشى وفك الأزرار والجلوس على قاعدة الحمام لابد من ادخالها وهو لايزال يقمع استجابة الطرد الملحة .
من الواضح لجميع الأمهات أنه لا يمكن تعليم الطفل الحبو أو المشي أو الكلام إلا إذا كان الطفل مستعد لذلك,فهي مهام نمائية تختلف فيها قدرات الأطفال ومن المفترض أن يسمح لكل طفل النمو فيها حسب قدراته.
والتدريب على استعمال الحمام ما هو إلا واحدا من هذه المهام, ليس له علاقة بالذكاء (في حالة الأطفال العاديين)ولا بالنجاح في المهام الأخرى,فالطفل الذي يمشي مبكرا أو يتكلم مبكرا لا يشترط أن يتعلم استعمال الحمام مبكرا . وإذا اضفنا إلى مسألة النمو والقدرة أن الطفل يفضل أن يلبس الحفاظة ويستمر في لعبه دون الحاجة إلى التوقف عن نشاط محبب إليه ويذهب إلى الحمام,أي أنه من الناحية النفسية لا يفهم أهمية التدريب, وأن من خصائص هذه المرحلة النسيان, وصلنا إلى نتيجة , أن عملية التدريب ليست عملية سهلة و انما تحتاج إلى الكثير من الصبر و الثبات و الاستمرارية.
وعادة ما تكون هناك مؤشرات من الطفل لابد أن تلاحظها الأم قبل أن تبدأ بتدريب الطفل حتى يصبح التدريب أكثر سلاسة, هذه المؤشرات تدل على أن الطفل مستعد نمائيا للتدريب على الحمام,ومن ذلك:
1-عادة ما يتخلص الطفل من السوائل التى في مثانته مرات عديدة ومتكررة و دون تحكم قبل العشرين شهرا أي(سنة وثمانية أشهر) من العمر, وعندما يظهر الطفل قدرة على الاحتفاظ بجفافه لمدة ساعتين , أو ما قارب ذلك,أو أن يستيقظ من النوم جافا ,يعتبر هذا مؤشرا قويا على استعداد الطفل.
2- انضباط تقريبي لعملية التبرز بحيث تصبح في وقت محدد تقريبا خلال النهار.
3- يظهر الطفل علامات للأم , مثل أن يأخذ ركن من الغرفة,أو السكوت,أو اصدار أصوات معينة معروفة للأم,أو غير ذلك من العلامات.
4- قد يظهر الطفل حاجة و حب للنظافة , بأن يطلب تغيير ملابسه إذا اتسخت, أو أن يغسل بديه ويتضايق من اتساخها,أو عدم الرغبة في لمس الأشياء المتسخة,كل هذه مؤشرات تساعد على تسهيل التدريب على الحمام.
5-يفهم المصطلحات المستخدمة في المنزل حول عمليتي التبول و التبرز, وهي مصطلحات تختلف من ثقافة إلى أخرى ومن منزل الى آخر.
6-قدرة الطفل على التعبير عن حاجاته في مجالات أخرى من الحياة, مثل الرغبة في الطعام أو الشرب أو النوم.
7- قدرته على اتباع أوامر بسيطة من قبل الوالدين أو الإخوة,كأن يضع شيئا ما في مكان معين أو أن يحضر شيئا ما.
8-كما يجب أن يقوم الطفل بما يأتي بدون مساعدة:
-أن يلاحظ بنفسه الحاجة الى الذهاب الى الحمام.
-أن يستطيع أن يذهب إلى الحمام في الوقت المناسب.
- أن يستطيع خلع ملابسه بنفسه,ويجب أن تكون الملابس من النوع السهل الخلع.
وتوجد فى الواقع أربعة أسباب تجعل الطفل يكتسب بالتدريج ألوان السلوك الخاصة بالكبار والتى تتعلق بكف نوازع طبيعية قوية . فقد يرغب الطفل فى أن يكون شبيهًا بوالديه ولذلك يكتسب سلوكهم . وتلك العملية تتضمن التقمص أو التوحد . إلا أن الرغبة فى تقمص أحد الوالدين أو التوحد معه لا تقوى إلا بعد أن يبلغ الطفل الرابعة من عمره على الأرجح .
وقد يعمد الطفل الى تقليد تصرفات والديه ، كما يفعل حين يعبث بمسبحة والده . لكن التقليد لا يمكن أن يقع إلا بعد أن تتاح للطفل فرصة الاطلاع على تصرفات الشخص الراشد الذى سيقوم بتقليده . ولما كان كف الدافع الى التخلص أمرًا غير واضح أو ظاهر ولا يتيسر للطفل الاطلاع عليه ، ولما كان أكثر الآباء يغلقون أبواب الحمام ، فإن الطفل لا يتاح له فى العادة الاطلاع على نموذج واضح ليقوم بتقليده من بعد ذلك .
كما أن الطفل قد يتعلم كف الاستجابة لأنه يلقى - فى كل مرة ينجح فى كف دافعه للإخراج - شيئًا من الإثابة المنتظمة على السلوك المرغوب فيه وهو قضاء الحاجة فى الحمام.
ونجد فى معظم الحالات أن هناك أمر رابع متضمن فى عملية التدريب هو دافع القلق. فالطفل يتعلم كف الإخراج المباشر بسبب قلقه من العقاب المحتمل أو الحرمان من حب الوالدين إن هو لم يقم بكف استجابة التخلص التلقائى المباشر... ولذلك نجد أن شيئًا من القلق يرتبط فى الكثير من الأحجيان بالدافع الى التبول أو التبرز . وهذا القلق من شأنه أن يدفع الطفل الى النداء على والديه والإسراع الى الحمام والشروع فى كل أنواع السلوك المتضمنة فى عملية التدريب.
وحين يقوم الوالدان بمراقبة الطفل لملاحظة ما قد يشير الى أنه بحاجة الى التبول أو التبرز، ثم باصطحابه مباشرة الى الحمام ، يتيحان لأنفسهما فى الواقع فرصة إثابة الطفل على قيامه باستعمال الحمام . ولو تكررهذا بدرجة كافية ، لترتب عليه تقوية الرابطة بين نمط العلامات الداخلية ( من توترات فى الأمعاء والمثانة ) والعلامات الخارجية (الحمام) وبين استجابات الإخراج من ناحية أخرى . وهذا الأمر يجعل من المحتمل أن يمتنع الطفل عن الإخراج حتى يصل الى الحمام فى المناسبات المقبلة .
ونحن نعرف أن الاستجابات تزداد قوة إذا هى أثيبت إثابة عظيمة . مما يجعلنا نتنبأ بأن الأم التى سبق لها اقامة صلات وثيقة بينها وبين طفلها لا تواجه صعوبات فى تدريب طفلها مادام رضاها قد أصبح نوعًا من الإثابة المهمة بالنسبة له.
فالتدريب على ضبط عادات الإخراج هو - فى الحقيقة - عملية مقايضة بين الطفل وأبويه . فالأم تطلب من الطفل أن يتخلى عن استجابة هو يستمتع بها وهى فى مقابل ذلك تقدم له شيئًا ذا قيمة . فإن كانت الأم من النوع الذى يحب طفله ويحنو عليه كانت المقايضة عادلة وأصبح الطفل راغبًا فى أن ينزل عن التخلص من فضلاته على صورة فعل منعكس ، مادام يحصل على المودة والحب ويستمتع بهما . أما ان كانت الأم لا تحنو ولا ترعى ، وجدنا الطفل لا يحصل على إثابة كافية جراء ما يقوم به من كف أو تعطيل للأفعال التى تراها الأم "سيئة" . وإذا لجأت الأم فى هذا للعقاب البدنى من أجل أن تحقق عملية التدريب ، أصبح من المحتمل أن يعتبرها الطفل شيئًا يستعى الخوف منه وتجنبه .

 

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.