غراميات مراهق
حينما دخلت غرفتها في غيابها ، وجدتها قد طويت عدة رسائل في مكان خفي ، وعندما طالعت تلك الأوراق المخفية اكتشفت أن ابنتي ذات الأربعة عشر عاماً تعيش قصة حب.. مما أصابني بالصدمة..
كانت مكالماته الهامسة في جوف الليل تؤكد أن ثمة أمر ما قد استجد في حياته.. وقد أكد الأمر شروده الدائم وانفراده بنفسه في حجرته لساعات ، فهل يا ترى يعيش ابن السادسة عشر مشاعر من نوع خاص..
لعله مشهد يتكرر في كثير من البيوت حين يكتشف الأب أو تكتشف الأم انجراف أبنائهم في مرحلة المراهقة في تيار الميل العاطفي..فيما يعرفه البعض بقصص "الحب الأول.."
فهل يا ترى ما يعيشه أبناؤنا في تلك المرحلة هو الحب الأول أم وهم الحب على أعتاب المراهقة..
المراهقة ثورة بلا قيود:
من المعروف أن مرحلة المراهقة هي أكثر المراحل دقة وحساسية في مرحلة الإنسان ؛ فهي مرحلة الانتقال من الطفولة إلى الشباب .. الانتقال من التبعية إلى الاستقلالية ، الانتقال من الالتصاق بالأسرة إلى الخصوصية وتحمل المسؤولية..
وهي تعتبر بمثابة مرحلة الثورة تجتاح فيها الشاب أو الفتاة الكثير من التغيرات الجسمية والهرمونية..التي تجعله يتسم بالعصبية أحياناً وبالتمرد أحياناً وبالمزاجية وعدم الاستقرار أحياناً أخرى..
وفي تلك المرحلة -حيث تتسابق معالم البلوغ في الظهور- يبدأ الشعور بالميل الغريزي تجاه الجنس الآخر ، وتتبدى الرغبات المحمومة في التعارف أو التقارب بين الجنسين ، مما قد يوقع الشاب أو الفتاة في تجارب عاطفية من هذا النوع..
ويزيد الأمر سوءً ما يحيط بشبابنا وبناتنا من مناخ إعلامي وبيئي يشوقه لمثل هذه التجارب ، ويقدم له صور التقارب والارتباط بين الجنسين في صورة جذابة ومشوقة تستثيره وتجعله يتلهف لخوض مثل هذه التجارب دون اختبار أو فهم أو وعي بحقيقة مشاعره ، بل دون تقدير لعواقب ما يفعل..
كما أن تطور وسائل الاتصال ..وتقدم تقنيات التبادل الفكري والثقافي سهلت عمليات التعارف بين الجنسين ، فيكفي أن يجلس الشاب أو الفتاة أمام شاشة حاسوبه ، ويزور غرفة من غرف المحادثة حيث يجد الكثير من الفرص المتاحة والمباحة لمثل هذا التعارف بكافة الأعمار وعلى جميع المستويات..مما يؤكد الخطر الذي يحدق بأبنائنا من جراء الاندفاع في مثل هذا التيار في هذا السن الصغيرة..
هل هذا هو الحب؟!:
تسارعٌ في نبضات القلب..تساقطٌ لبضع حبات من العرق..شرود وتفكير..لهفة وانتظار..فرحٌ واشتياق..ألمٌ عند الفراق..هل هذا هو الحب..؟؟
عزيزي الشاب عزيزتي الشابة..لا تستهلك نفسك ولا تستهن بمشاعرك..فالحب أجل وأسمى من هذه العلامات الظاهرية وأعمق من تلك العلاقات السطحية..
وهنا عليك أن تفرق بين مفاهيم عدة..
الميل الفطري: الناتج عما ركبه الله فينا من طبيعة فسيولوجية تضمن استمرار الحياة وبقاءها.
الارتياح: فقد يشعر أحد الطرفين بارتياح للطرف الآخر ويظن أن هذا الشعور هو الحب ، ويكون هذا الارتياح ناتج عن ملامح الوجه ، طريقة اللبس ، نبرة الصوت ، وجود اهتمام مشترك..
الإعجاب: وقد يكون إعجاباً بالجمال أو بالوسامة.. بطريقة التفكير.. بترتيب الكلام بالتفوق بالتميز العلمي أو الاجتماعي..
وكل هذه مجرد مشاعر وقتية أو ظاهرية تختلط عند صاحبها بمفاهيم الحب كما يختلط بمشاعر أخرى مثل السعادة والاستئناس والاستفادة..
في حين أن الحب الحقيقي هو ما تولده المواقف وتؤكده المعاشرة وتزيده الأيام قوة واستقراراً وثباتاً ، حيث يكون القلب بوابته والعقل الحاكم بصلاحه وثباته واستقراره..
ولعلك تتذكر معي كيف كانت كثير من الأشياء تعجبك بالأمس ، وتغيرت نظرتك لها اليوم: ملابسك.. نوعيات طعامك.. مجالات الدراسة.. بل وحتى أحلام المستقبل..فهل تتوقع أن تستقر مشاعرك عند أول تجربة إعجاب أو ميل عاطفي تخوضها دون أن يكون لعقلك دور في اختياراتك..
حاول الخروج من هذه الدائرة:
نعم فإذا اجتاحتك وانتابتِك مثل هذه الرغبات الجامحة في التعارف على الجنس الآخر في مجال الدراسة أو خارجه فانصحك وانصحكِ بما يلي:
- أغلق الباب الذي يمكن أن يوصلك لمثل هذه العلاقات..فلا تدخل لغرف المحادثات الشخصية..ولا تجعل عنوانك البريدي أو رقم جوالك متاحاً بين الكثيرين..ولا تسمح بأي اختراق لخصوصياتك من أي نوع..
- ابتعد عن الأصدقاء الذين يزينون لك مثل هذه العلاقات..ويتباهون بمغامراتهم الوهمية أمامك..ويحاولون أن يرمونك بالنقص لمجرد أنك لا تخوض معهم مثل هذه التفاهات..
- طالع قصص وتجارب من قبلك من الشباب والفتيات ممن خاضوا مثل هذه التجارب السطحية وشغلت من حياتهم ووقتهم الكثير ، ثم آلت بهم إلى سوء المصير..
- حدد هدفاً سامياً تستخلص حياتك من أجله وإلى جواره أهدافاً فرعية ، ونظم وقتك حتى تعد نفسك لبلوغ هذه الأهداف ؛ فلا تدع لنفسك ثغرة ينفذ إليك منها الشيطان مزيناً لك المعاصي ومحبباً لك الزلات..
- كن على وعي بالأهداف المسمومة وراء ما يروجه الإعلام الموجه ؛ لإفساد الشباب المسلم وإلهاههم عن قضايا أمتهم ، مما يمكنك من انتقاء ما تشاهد وتسمع..
- إذا كنت قد تورطت في قصة من هذا النوع ، فجرب الامتناع عن التواصل مع الطرف الآخر ، وتحمل الألم لفترة ..ثم ساعد نفسك على التعافي من التجربة..وابدأ في تقييم الأمر برمته ورصد النتائج بعد النهوض.. ستكتشف أنك في مرحلة متغيرة لا تتسم بالاستقرار ، وبالتالي لا يصح أن تخوض مثل هذه التجارب التي ستستهلك وقتك وجهدك وقد تضر بسمعتك ثم تنتهي بك إلى لا شيء في أفضل الأحوال.. ستكتشف أن مشاعرك كانت سطحية وأنها مشاعر متغيرة لا تستند لأساس عقلي أو منطقي سليم يدفعك لاختيار الطرف الآخر....ستكتشف أن وقتك أثمن وأذكى من أن تبدده في مثل هذه القصص التافهة وأن عليك أن تشمر ساعدك لبناء ذاتك وتنمية مهارتك والبحث عن مكان متميز في مسيرة المستقبل..
- طالع على الدوام قصص الناجحين والمتميزين لتفاد من تجاربهم ، وسيرتهم الذاتية ، وتتمثل فيهم النموذج والقدوة..
- اجعل حياتك مفعمة بالحب..الحب الحقيقي لا الحب الزائف..الحب الإنساني لا الحب الغريزي أو الشهواني ، الحب الذي يبني لا الحب الذي يضعف ويهوي بصاحبه..
حب الله عز وجل ، حب والديك وأسرتك..حب الأصدقاء من الصحبة الصالحة..حب عمل الخير والمشاركة الاجتماعية..
وستجد أن حياتك مملتئة بمعاني الحب الحقيقي الذي يغنيك عن الاندفاع في علاقات طارئة قد تندم على وجودها في حياتك يوما ما..فأرجو ألا تبدأ في كتابة صفحات الندم من كتاب حياتك بل حولها لصفحات النجاح..
أ. شروق محمد