عوامل تؤثر في حياة المراهقين
المراهقة مرحلة نمو طبيعي بين مرحلتي الطفولة والشباب، وهي كذلك طالما أنّ المراهق لا يتعرض لازمة من أزمات النمو.. مادام هذا النمو سيسير في مجراه الطبيعي وفقا لاتجاهات المراهق واحتياجاته الضرورية سواء كانت الانفعالية أو الاجتماعية أو الجسمية، وقد أثبتت الدراسات النفسية ان مشاعر الطفل المكبوتة سببها ما يلقاه الطفل أثناء نموه في أسرته ومجتمعه الذي يعيش فيه من حرمان أو زجر أو عقاب كلما حاول التعبير عن هذه المشاعر حتى في مرحلة الطفولة المتأخرة، فيتعرض لكثير من التوتر النفسي والاحباط. خصوصاً ونحن غالباً ما نربي الطفل بطريقة غير صحيحة نزرع فيه الخوف والتردد وعدم القدرة على ابداء الرأي، ونغضب إذا رأيناه يخالفنا مهما بلغ من النضج في التفكير.
لقد تعدى المراهق مرحلة الطفولة ومع ذلك تستمر معاناته كطفل، ورغم انّه أصبح يتقبل الأمور بشيء من التعقل والتفكير، فإنّه لم يعد يرضخ للأوامر والنواهي التي يتلقاها من الذين هم أكبر منه من غير ان يفهمها ويقتنع بها، ولذا يشعر انها قيود لحريته وتفكيره فيرفض ويثور.
يضاف إلى ذلك التضارب بين القيود المفروضة عليه من الأسرة والمجتمع وبين حاجته لتكوين شخصيته واستقلاله الفكري، ويرى انّ هذه الأوامر والنواهي لا تتيح هذه الفرصة ولذا تظهر في هذه الفترة نماذج مختلفة من سلوك المراهق، كثير منها غير مألوف وغير منطقي، يفاجأ بها الآباء والمعلمون مما يجعلهم في قلق على مستقبل أبنائهم وبناتهم، وفي خوف من المسؤوليات الكثيرة الملقاة على عاتقهم لتربيتهم ومعاملتهم معاملة سليمة حتى يصلوا بهم إلى بر الأمان.
انّ المنزل الصالح يتعرف على حاجة المراهق من الاستقلال ومن التحرر، ثمّ يساعده ويشجعه ليتعود الاعتماد على النفس، وتأكيد نضجه، حتى يستطيع أن يمارس استقلاله وحريته عن وعي وفهم، ولكن مع رغبة المراهق في الاستقلال عن الأسرة وممارسة حريته فإنّه كثيراً ما يجد نفسه عاجزاً، وفي حاجة إلى أسرته لتدبير شؤون حياته، وإلى أبويه لتوجيهه وارشاده إذا ما واجه مشكلة ما من مشكلات حياته، وهو في حاجة أيضاً إلى دفء الأسرة حيث يجد الأمن والطمأنينة.
وهنا يجب أن يجد منا الاستجابة والعطف ولا نتركه في حيرته حتى لا يعود إلى نفوره من أسرته، ويتولد عنده الشعورالعدواني نحوها، وقد يكبت هذا الشعور ولا يجاهر به، ولكن إذا زادات حدة هذا الشعور ووجد أن حريته واستقلاله على وشك أن تجهض فإنّه يجاهر بالعداء ويثور لاتفه الأسباب، ويصبح سلوكه عنيدا غير معقول.
في الأسرة الغارقة في التقاليد العائلية المتزمتة التي تحول بينه وبين حقه في ابداء الرأى وفي الحوار يجد المراهق نفسه مضطراً أن يبحث خارج الأسرة عمن يقدر شخصيته ويشبع حاجته إلى التفاهم والحار، وليخفف من حدة التوتر النفسي، ومن حيرته فيلجأ إلى أصدقائه سواء كانوا زملاء في المدرسة أو الشارع أو خارجهما ليشرح لهم ما يدور في خلده، وما يطمح إليه من آمال، وكثيراً ما يكون كل ذلك بعيداً عن الصواب لكنه نوع من اثبات الذات، وتقليد الكبار، فتكوّن عنده عادات سيئة كالتدخين وغيره.
أحياناً تصل الثقة بالمراهق في نفسه وفيمن حوله في الأسرة أن يلجأ إلى الصمت أي عدم ابداء الرأى ويحجم عن المشاركة معهم في الحوار أو التفاهم، ويرى انّ هذا الصمت يعفيه من النقد اللاذع الذي يتعرض له إذا أبدى رأياً وهو لا يطمئن لسلامة هذا الرأي، كذلك يعفيه من تحمل المسؤولية التي لم يتعودها.
انّ التغييرات التي اقتحمت حياته في هذه المرحلة هي تغيرات جوهرية لم يكن يتوقعها جعلته غير مستقر وغير متوازن حتى انّه أحياناً يشعر بالخجل من المظاهر الجسمية الجديدة، أو يلجأ إلى العزلة، وفي أحيان أخرى نجده يتباهى بهذه التغييرات إذ يشعر انّه صار رجلا، أو ان كانت ابنة انّها صارت امرأة عندها تقل القدرة على التركيز ويسبح المراهق في أحلام اليقظة.
يجب في هذه المرحلة معاملة الأبناء بشيء من المرونة وتفهم الموقف جيِّداً، فقد يبدي المراهق رغبة في تفاديه السلطة لإثبات شخصيته، وتأخذ هذه المقاومة اشكالاً متعددة منها ثورة احتجاج، تمرد، غضب، عصيان، في مثل هذه الظروف لا يصح ان نقابلها بالمثل أو بالعقاب البدني، أو بالحرمان، أو حتى التوبيخ واللوم الشديد، لا نقابل العنف بالعنف حتى لا يزداد عناداً بل نتركه ليهدأ ثمّ نحاوره ونناقشه في هدوء ونحاول أن نجعله يفهم الصحيح من الخطأ حتى يعود إلى حالته السابقة.
إنّ المراهق في هذه المرحلة يكوّن علاقات جديدة مع رفاقه في المدرسة وخارجها، ويضع ثقته بهم ويفضي إليهم بما في نفسه من أفكار ومشاعر، ويعبر لهم خططه لمستقبله وآماله ونزعاته، ويسرّه أن يجد منهم من يصغي إليه ويتبادل معه هذه الأفكار والمشاعر مما يفتقده أحياناً في الأسرة، فيزيد من تعلقه بهؤلاء الأصدقاء حتى يصبح تابعا لهم، أو يصبحون هم تابعين له، وقد تمر هذه الظاهرة بسلام ولكن يكون هذا التعلق الزائد من أسباب الانحراف لذا يجب أن نكون حذرين ونقف موقف واعياً ونكون على علم بهذه الصداقات الجديدة والتغير في سلوكه دون أن يشعر اننا نتابعه أو نتدخل في أموره الخاصة أو نتجسس عليه وذلك بان نفتح له صدورنا ليحكي لنا عن صداقات وعلاقات من وجهة نظره، ونستطيع بذلك ان نحذره من الوقوع في الخطأ.
علينا أن نشجع أبنائنا على الانضمام في جماعات النشاط المدرسي تبعاً لميولهم ورغباتهم، كذلك نشجعهم أو نساعدهم على الاشتراك في نشاط الاندية المدرسية.
هذا مع عدم ترك الحرية المطلقة للأبناء للتغيب خارج المنزل.
توجد عوامل أخرى تؤثر في حياة المراهق وسلوكه، ومن العوامل السيئة:
وجود شجار وصراع بين الزوجين يتكرر وقد يكون الابن محور هذا الصراع ويجد هؤلاء أنفسهم في جو مشحون بالضغائن والاحقاد، وفي جو من عدم الثقة وافتقار الأمن.
- عوامل أخرى تؤثر في حياة المراهقين:
ومن هذه العوامل تغيّب الأم أو الأب عن الأسرة بعض الوقت بسبب العمل ويبقى الأولاد تحت رقابة الخادمة أو أحد من الأقارب أو وحدهم، وقد يهاجر رب البيت خارج البلاد لمزيد من الكسب المادي ويتركون أولادهم بغير رعاية سليمة، وأحياناً تكون الأُم وحدها هي المسؤولة عنهم مادياً، وفي المجالات الأخرى مما يسبب ارهاقاً، وقد تعجز عن تحمله وتكون النتيجة فشل الأُم في تربية الأبناء.
ومع ذلك فإنّ المراهق الذي يجد في منزله حماية زائدة وتساهلاً في معاملته سيشعر انّه من حقه أن يجد هذا الاهتمام الزائد من الآخرين، ويفقد القدرة على الاعتماد على نفسه في كثير من الأحيان، وسيكون ذلك اعاقة لنمو سلوكه الاستقلالي فيما بعد.
المعاملة العادلة للمراهقين في الأسرة والمساواة بين الأخوة وتوطيد الصلة بينهم ليتعارفوا في سبيل نجاح الأسرة في مهمتها العظيمة، وضمان مستقبلهم المزاهر كل ذلك من الأسس التي يجب أن يحاول الآباء والأُمّهات جاهدين ارساء قواعدها وتثبيت دعائمها.
المصدر: بلاغ