الطفولة المتأخرة هل هي مرحلة منسية ؟

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 9, 2015 - 11:11

 مرحلة الطفولة المتأخرة من المراحل المنسية في حياة الأبناء ؛ فعادة ما يهتم الوالدان بالسنين الأولى من عمر الطفل ؛ حيث يكون أشد ارتباطاً بوالديه معتمداً عليهما في تلبية كافة احتياجاته .. كما يهتم الوالدان بمرحلة الشباب والمراهقة لكثرة مشكلاتها واقتراب الابن أو الابنة من النضج والاستقلال وتحمل المسؤولية ، بينما لا يلتفت الكثيرون لمرحلة الطفولة المتأخرة التي تقع بينهما ، فالطفل في هذه المرحلة قد اكتملت مداركه ويستطيع أن يعتمد على نفسه في تلبية أغلب احتياجاته ، ويقل اعتماده على والديه بشكل واضح ويبدأ في الانطلاق إلى العالم الخارجي من خلال مدرسته وناديه وجماعة رفاقه..وهذه كلها أسباب لنسيانه أو عدم الاهتمام به بصورة كافية..

إلا أن الحقيقة أن مرحلة الطفولة المتأخرة مرحلة حاسمة في حياة الطفل حيث تؤهله لمرحلة أكثر أهمية وخطورة هي مرحلة المراهقة ، كما أنه في هذه المرحلة تزداد قابليته للتعلم والفهم وغرس القيم وهو ما توضحه بعض المقولات عن هذه المرحلة

يقول الإمام علي رضي الله عنه لاعب ابنك سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً..

وهنا إشارة إلى أن السبع السنوات الثانية من عمر الطفل هي مرحلة التأديب والتعلم والتي تنبني فيها أفكاره وقيمه ومبادئه.

ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الولد سيد سبع وعبد سبع ووزير سبع..وكلمة "عبد" والتي تشير للسبع سنوات الثانية من عمر الطفل لا تعني الذل والخضوع ، ولكن تعني القابلية لتلقي الأوامر وتعلم المبادئ والأفكار والنزول على رأي المربين وإتباعهم ، وهي فرصة كبيرة لتوجيه الطفل وتقويم سلوكه.

مرحلة الطفولة المتأخرة: تبدأ هذه المرحلة من سن 6 سنوات وحتى 12 سنة ، على وجه التقريب ، وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل في اكتساب العديد من المهارات في جميع النواحي المعرفية والحركية والفنية، ويبدأ حياته الاجتماعية، حيث يرتبط بصداقات مع زملائه خارج نطاق الأسرة، ويحاول دائمًا التأكيد علي استقلاله وقدرته علي التكيف مع المجتمع.

ومن سمات النمو في هذه المرحلة:

النمو الجسمي:

يثبت معدل النمو في هذه المرحلة من سنة لأخرى ، ويزداد الطول والوزن باضطراد ، ويبدأ الشكل الطبيعي للجسم في نهاية الطفولة المبكرة في التغير، من الاستدارة الطفولية إلي اتخاذ شكل يوحي بملامح الاستعداد للذهاب إلي المدرسة الابتدائية، ويعتري المخ طفرة في النمو من حيث الحجم والوظيفة معًا ما بين الخامسة والسابعة، ثم تأخذ عملية النمو في البطء أو تتوقف بالمرة.

وتظهر الفروق الفردية بين الأطفال خاصة في الأطوال في حين تظهر الفروق بين الجنسين حيث يميل الأولاد لاستخدام العضلات الكبيرة بينما تميل البنات لاستخدام العضلات الدقيقة ، وتنمو المهارات اللازمة لتعلم الكتابة والقراءة والرسم والإنشاد، وكذلك المهارات الاجتماعية.

النمو الانفعالي:

يتميز النمو الانفعالي في هذه المرحلة بطابع الاستقرار .والاقتراب من الانفعالات التي يتقبلها المجتمع ، وتميل البنات للبكاء بينما يبتعد الأولاد عن ذلك تدريجياً ، ويغلب علي الطفل الانفعالات السارة، ولكنه يعاني أحيانًا من تقلب المزاج، حيث يعاني أحيانًا من القلق والإحباط ، وأشهر الانفعالات في هذه المرحلة هي انفعالات: الخوف، والغضب، والغيرة، وحب الاستطلاع، والابتهاج.

نمو الشخصية:

تتكون ملامح شخصية الأبناء سواء كانت في حالة إيجابية أو سلبية، منسحبة أو عدوانية علي أساس الخبرات التي يمرون بها.

وأزمة الطفل في هذه المرحلة هي ما يسمي "أزمة الكفاءة والإنجاز"، حيث يود الأطفال الحصول علي التقدير من خلال عمل شيء ما، ومسئولية المعلمين هي تهيئة خبرات النجاح لكل طفل.

ويميل الطفل إلي التفكير في نفسه كفرد متميز ليست لديه أفكار واضحة محددة عن قدراته ونواحي قصوره، وكذلك يتبع النمط الذي تقبله الجماعة.

وفي نهاية المرحلة يكون الطفل قد وصل إلي مرحلة البحث عن نجم، أو البحث عن بطل يحبه ويقلده.

النمو اللغوي:

يبدأ طفل هذه المرحلة في إتقان الكلام، ويتعلم أن صور الاتصال البسيطة لم تعد كافية مما يدفعه لتحسين مستواه اللغوي، وبتعلم القراءة يضيف مفردات جديدة. ويصبح أكثر ألفة بنمط الجمل الصحيحة، ويستطيع استخدام اللغة كأداة للتواصل، وعلي الأخص، عندما يريد أن يحدث تأثيرًا في الآخرين.

النمو العقلي:

يتميز تفكير الطفل في هذه المرحلة بخاصيتين هامتين:

الخاصية الأولي، وهي منطقية التفكير، بمعني أن الطفل يكون قد تخلص من صفة التفكير الذاتي التي كان يتصف بها في المرحلة السابقة ، وأصبح موضوعيًا في تفكيره. والخاصية الثانية هي محدودية التفكير فيما هو عيني أو محسوس مما يقع في خبرة الطفل اليومية المباشرة.

وتنمو لديه مهارات التفكير المنطقي والتسلسل والتصنيف والجمع والتوزيع في قوائم مما يستفاد منه في دراساته وعلومه

النمو الاجتماعي:

تتميز هذه المرحلة بتحقيق مزيد من الاستقلال والاعتماد علي النفس من ناحية، ومزيد من القدرة علي إنشاء علاقات اجتماعية مع أفراد من خارج الأسرة من ناحية أخري.وينخرط الطفل في جماعة الأقران، التي تتيح له الفرصة لممارسة أنواع من المهارات الجديدة ، وعند سن السادسة والسابعة يكون الأطفال قد تعلموا معظم المعايير الاجتماعية للسلوك المتعلق بالأدوار المختلفة، كدور الولد في مقابل دور البنت، ودور الوالد في مقابل دور الابن وهكذا.

أساليب تربوية للتعامل مع هذه المرحلة:

الحوار:

لا شك أن الحوار من أهم مقومات العملية التربوية في جميع مراحل النمو ؛ فهو الجسر الذي تعبر منه المبادئ والقيم والأفكار والمعلومات من المربي إلى المتلقي ، وقد يفهم بعض الآباء الحوار بشكل خاطئ فيتصورون أن الكلمات المقتضبة من مثل ( نم مبكراً..استيقظ للمدرسة.. حضر حاجياتك.. تناول فطورك.. انته من واجباتك.. ذاكر دروسك ) هي نوع من الحوار ، ولكن الحوار يكون من خلال:

- سؤال الطفل عن أحواله وفتح مجال للحديث اليومي بينه وبين والديه والتوقف بالملاحظة والتعليق الهادئ على ما يتحدث به ويحكي..

- الإجابة على تساؤلات الطفل بصورة موسعة والانتقال من موضوعٍ لآخر وإضافة المزيد من الخبرة والمعلومات للطفل..

- طرح الملاحظات والتعليقات على ما يتم مشاهدته من مواقف وأحداث حياتية أو عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وتوسعة مدارك الطفل عما يحيطه من مواقف وأحداث..

قدم المعلومة لطفلك ولكن..

في هذه المرحلة تتطور مدارك الطفل ويظهر التحسن في عملياته العقلية كالتفكير والإدراك والاستنتاج والتذكر وغيرها،  وهو ما يجب استغلاله بأن ندفع الطفل للتفكير والبحث والاستنتاج ، فعند سؤال الطفل عن معلومة ما يمكن أن أسأله هو عن توقعه عن الإجابة لأترك له المجال للتفكير ، كما يمكن توجيهه للبحث والاكتشاف من خلال الرجوع للمكتبة أو شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت)

تربية الضمير:

فالطفل في هذه المرحلة بدأ يبتعد عن الأسرة ويندمج في جماعات أخرى كالمدرسة وحلقة تحفيظ القرآن والنادي والمكتبة وغيرها ، وهو ما يعني أنه سيواجه مواقف وأحداث مختلفة وأشخاص لهم خلفيات أخلاقية وقيمية متنوعة وعليه أن يكون مزود بالقيم والمبادئ التي تجعله يميز بين الصواب والخطأ والصحيح وغير الصحيح والمقبول والمرفوض ، وهو ما يجب أن يقوم به الوالدان والمربون في هذه المرحلة ، ولذا نفهم هذا الموقف الذي أردف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على راحلته، وكان غلاماً دون العاشرة فقال له: "يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك ، بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , ولو اجتمعوا على أن يضروك، بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام, وجفت الصحف"..

وهو ما يؤكد أهمية تربية الضمير في الطفل من خلال مراقبة الله عز وجل في السر والعلن والتوجه لله عز وجل بدلاً من اللجوء لغيره ، وبهذا نرتفع بالطفل من النظرة الدنيوية إلى الارتباط بقدرة الله عز وجل

ولهذا أهميته القصوى في هذه المرحلة حيث يكون الطفل قابل للإحباط والقلق من أي صدمة أو مشكلة يتعرض لها فإذا ارتبط تفكيره ووجدانه بالله عز وجل كان في منعة من الخوف والقلق والتوتر الذي يصاب به غيره ممن يقصرون أنفسهم على الأسباب الدنيوية..

غرس القيم عن طريق السؤال:

من المهم أن استغل قدرة الطفل على النقد والتحليل والاستنتاج ولا أقدم له القيم الجاهزة عن طريق أسلوب افعل ولا تفعل ، ولكن يمكن من خلال الحديث معه عن أي موقف أو حدث أن أسأله ترى هل هذا التصرف صحيح في رأيك؟؟ وهل هذا الفعل مناسب؟؟ ترى هل كان سيقبل رسولنا الكريم بمثل هذا الفعل لو عرض عليه ؟؟، وبهذا أحفزه هو لاستنتاج الصواب من الخطأ ، والوصول إلى نتيجة الفعل بدلاً من تقديمه للنتيجة جاهزة دون تفكير  ، وهذا الجهد الذي يبذله في التفكير يساعد على تثبيت القيمة ويعمق أثرها في نفسه..

 

أ. شروق محمد 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.