علاقة النوم بالتحصيل الدراسي

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 9, 2015 - 10:58

  خلصت الكثير من الدراسات إلى أن نقص ساعات النوم عند الأطفال يسبب في العادة زيادة في النشاط غير الفعال للطفل ونقص في تركيزه بعكس الكبار الذين يعانون عادة من الخمول عند نقص ساعات النوم.       
    من هذه الدراسات البحث الذي نشرته مجلة النوم (المجلة الرسمية للأكاديمية الأمريكية لطب النوم) وكشف فيه الباحثون العلاقة بين نقص النوم وأعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ، حيث وجد الباحثون أن إنقاص وقت النوم بمدة 55 دقيقة يوميا لمدة ستة أيام ينتج عنه تدهور إكلينيكي واضح في حالة الأطفال كما أظهرته بعض الاختبارات مقارنة بالعينة الضابطة من الأطفال الطبيعيين. واكتشفوا حدوث زيادة واضحة في الأعراض من نقص التركيز وزيادة فرط الحركة وتدهور في اختبارات السلوك العصبي. وقد أظهر البحث أن نقص النوم حتى عند الأطفال الطبيعيين قد يُظهر أعراضا شبيهة بأعراض فرط النشاط ولكن بصورة أخف من الأعراض عند الذين يعانون من نقص الانتباه المفرط.

   ويعتقد الكثير من الباحثين والتربويين أن نقصان مدة النوم أو اضطراب النوم يؤديان إلى نقص القدرة على التحصيل العلمي والأداء بصورة جيدة . ونقص النوم بدون شك يؤثر على تحصيل الطلاب العلمي وأدائهم في المدرسة وخاصة في المهام التي تحتاج إلى التركيز كالامتحانات .

وعدم الحصول على نوم كاف يُعتبر أحد أكثر المشكلات شيوعاً لدى الطلاب .. والأدلة العلمية التي تربط تأثير نقص النوم على الذاكرة والتحصيل العلمي تزداد كل يوم .. فمن المثبت أن نقص النوم ـ بالذات عند الطلاب ـ يقلل من وظائف المخ العليا وقدرته على التعامل مع العمليات المعقدة وعلى حفظ ودمج المعلومات المكتسبة .

وهناك أبحاث علمية عديدة تؤكد أهمية النوم في تقوية الذاكرة ـ خاصة للمعلومات المكتسبة حديثاً ـ .. فقد أجري بحث (مجلة نيورن 2009 ـ الخلية العصبية) على حيوانات التجارب لمعرفة التفاعلات التي تحدث على مستوى المخ وتؤثر في الذاكرة المرئية للحيوان كأن يتذكر على سبيل المثال مكان أكله .. توصل فيه الباحثون إلى وجود مستقبلات لإنزيم يرمز له بإنزيم NMDA يتحكم في دخول الكالسيوم إلى الخلايا العصبية ويؤثر في الذاكرة .. ووجد الباحثون أن حرمان الحيوان من النوم يؤثر على وظائف هذا الإنزيم وُيعطل عمله ويؤثر بعد ذلك على الذاكرة .

وقد أظهرت بعض الدراسات أن التحصيل العلمي للطلاب الذين ينامون أقل أو الذين يعانون من اضطرابات النوم مثل الشخير أو مشاكل التنفس أثناء النوم أقل من قرنائهم، وتحسن الأداء الدراسي للطلاب المصابين بالشخير بعد علاجهم .

  وفي هذا السياق يجيء البحث الذي تجريه كلية بوسطن بالولايات المتحدة الأميريكية ، وتبين منه أن الحرمان من النوم يمثل عاملا خفيا وراء تراجع مستوى التحصيل الدراسي لدى التلاميذ في المدارس. وتكتسب هذه الظاهرة أهمية بارزة في الدول الصناعية تحديدا ، نتيجة الانتشار الوبائي للهواتف الجوالة والحاسبات المحمولة ، التي يتواصل من خلالها تلاميذ المدارس مع بعضهم البعض ، وهم في غرف نومهم حتى ساعات متأخرة من الليل .

وتبين من خلال المقارنة التي أجراها فريق البحث أن الولايات المتحدة تسجل اعلى معدلات التلاميذ المحرومين من النوم، بنسبة 73 في المئة ممن تتراوح اعمارهم بين تسعة إلى عشرة أعوام، و80 في المئة ممن تتراوح اعمارهم بين 13 و 14 عاما.

وأبرزت الاختبارات المعنية بتحديد مستوى معرفة القراءة والكتابة أن 76 في المئة من اولئك الذين تتراوح اعمارهم بين 9 و 10 سنوات يعانون من قلة النوم.
وتعتبر هذه النسبة اعلى مقارنة بمتوسط النسبة الدولية وهي 47 في المئة من تلاميذ المرحلة الابتدائية الذين يحتاجون الى مزيد من ساعات النوم، و57 في المئة بين الفئة العمرية للمرحلة الثانوية.
وتسجل دول أخرى معدلات عالية للشباب المحرومين من النوم مثل نيوزيلندا والسعودية واستراليا وانجلترا وايرلندا وفرنسا، فضلا عن فنلندا التي تأتي ايضا ضمن ابرز الدول التي تعاني من قلة النوم.
في حين تسجل دول أخرى ارقاما قياسية من حيث ساعات النوم الكافية وهي تضم اوزبكستان وكازاخستان والبرتغال وجمهورية التشيك واليابان ومالطا.

وقال تشاد مينتش، الباحث لدى المركز الدولي للدراسات "اتشير بياناتنا إلى أنه في جميع الدول على مستوى العالم يستطيع الاطفال الذين ينامون ساعات اكثر تحصيل قدر أكبر من الرياضيات والعلوم والقراءة، وهذا هو بالضبط ما تظهره بياناتنا."

وقال مينيتش "يمثل النوم حاجة اساسية لجميع الاطفال، فان ابلغ المعلمون عن الاطفال الذين يعانون من قلة النوم، فسيكون لذلك تأثير كبير."
ورغم أن الدراسة لم تبين اسباب معاناة صغار السن من قلة النوم، او لماذا تكون الدول الاكثر تقدما من الناحية التكنولوجية هي التي تواجه مشكلات أصعب.فإن خبراء النوم يشيرون الى مشكلة خاصة نتيجة وجود تكنولوجيا في غرف نوم الاطفال، لاسيما استخدام شاشات الهواتف الذكية او اجهزة الكمبيوتر المحمولة في وقت متأخر ليلا. حيث يحرص صغار السن على مراسلة اصدقائهم او استخدام الانترنت، لذا فان الضوء المنبعث من الشاشة والقريب من وجوههم يحدث اضطرابا للقدرة الطبيعية لدى المرء على النوم.

وقالت كاري فيتزباتريك، باحثة في النوم لدى جامعة نورث ويسترن بولاية الينوي الامريكية "وضع شاشة كمبيوتر بحجم ثماني بوصات بعيدة عن وجهك تعرضك لضوء اكثر من الضوء الناتج عن مشاهدة تلفزيون على الجانب المعاكس للغرفة ... وذلك ينبه المخ كي يظل متيقظا."

وقد أوضحت بحوث اضطرابات النوم ووظائف المخ أهمية النوم على الذاكرة وتقوية المعلومات. فبدون النوم يعاني المخ من عدم استيعاب الافكار ولا شك أن هناك علاقة قوية بين النوم الكافي والاداء الاكاديمي. بالإضافة إلى أن عدم النوم يجعل التلاميذ اكثر عرضة للاضطرابات العاطفية، مع احتمال حدوث معاناة بدنية وتأثير سلبي على التعليم.كما أن عدم القدرة على النوم والمحاولات قصيرة الاجل للنوم يمكن ان تسبب اضطرابات معقدة تؤثر على الطريقة التي يخزن بها المخ المعلومات.

   هذه النتائج أكدها بحث قُدم في المؤتمر السنوي للجمعية السعودية لأمراض الصدر في مارس 2009 أجري على أكثر من 400 طالب وطالبة من كلية الطب تبين منه أن الطلبة المتفوقين (بناء على السجل الأكاديمي) ناموا لفترة أطول (حوالي 30 دقيقة أكثر يوميا) وذهبوا للنوم في وقت مبكر مقارنة بالطلبة الذين كان أداؤهم الأكاديمي أقل. وهذه النتائج تتوافق مع بعض الدراسات التي أجريت في الدول الغربية فقد أظهرت بعض الدراسات أن مشاهدة التلفاز قبل النوم أو حتى ساعة متأخرة يؤثر على التحصيل العلمي، كما أن وجود جهاز تلفاز أو حاسب محمول ، أو هاتف ذكي في غرفة الطفل قد يؤثر عكسيا على تحصيله العلمي. وما سبق قوله ينطبق على ألعاب الكمبيوتر الشائعة بين الأطفال. كما أن دراسات أخرى أظهرت أن الأطفال المتفوقين ينامون 15- 30 دقيقة ليليا أكثر من غير المتفوقين. كما يعتقد بعض الباحثين أن الوصول لمرحلة الأحلام خلال النوم (وهو ما يحتاج لنوم مستقر ولمدة كافية) مهم لتقوية الذاكرة والتركيز حيث أظهرت إحدى الدراسات أن أداء الطلاب الذين لم يصلوا لهذه المرحلة خلال نومهم ليلة الامتحان كان أقل من نظرائهم الذين وصلوا إلى مرحلة الأحلام.

 

 

د . صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.