الطفل الغضوب تحت السيطرة
أعزائي المربين.. عن الطفل الغضوب نتكلم اليوم وبهدوء، نحاول أن نفهم الأسباب التي تثير غضبه، وما هو دورنا في ترشيد انفعال الغضب لدى الأطفال حتى يشبوا ولديهم القدرة على التحكم في النفس عند الغضب.
أعزائي، من النادر أن نجد طفلاً لا يغضب، وإذا وجدناه لا يغضب فعلينا أن نتأكد أنه سليم، فقد ذلك علامة على بطء نموه ونضجه، والطفل يعبر عن غضبه في سنواته الأولى بأعمال غير موجهة ضد أحد؛ لأن غريزة العنف لديه غير متطورة بشكل كاف، ولذلك فإنه يعبر عن غضبه بالصراخ وإلقاء نفسه على الأرض، أو القفز أو الرفس بالقدمين على الأرض، وبعد سن الرابعة تخف لديه هذه التعبيرات ويبدأ باستعمال الألفاظ للتعبير عن غضبه أو التهديد،ولا ريب أن درجة انفعال الغضب لدى الأطفال ليست واحدة، كما أن رضاهم يختلف من طفل لآخر [هداية أحمد الشاش: موسوعة التربية العملية للطفل،368].
متى يظهر على الطفل انفعال الغضب؟
والغضب موجود عند الأطفال يبدأ منذ الستة أشهر تقريبًا، والأطفال الذكور خاصة أكثر ميلاً إلى الغضب من الإناث حيث يعتبر الغضب عاملاً جيداً لتحقيق الرغبات وتأكيد الذات.
والغضب يظهر على الأطفال بصور مختلفة ومتنوعة حسب السن، فالطفل في الثالثة مثلاً يظهر غضبه أحياناً بكثرة البكاء، والضرب على الأرض بالأقدام، وربما قذف أغراضه، أما الطفل في التاسعة فيتخذ موقفاً سلبياً عند الغضب فيرفض الأكل، وينزوي في غرفته مع ظهور علامات عدم الرضا والتسخط عليه، ولا ينبغي للأب أن ينجرف وراء العاطفة، فينصاع لرغبات ولده عند غضبه، فيلبي له كل ما يشاء فلا يعرف الولد سوى الصراخ والعويل إذا أراد أن يتحقق له أمر ما، فإذا تعود الولد هذا السلوك أصبح من الصعب عليه مستقبلاً أن يحتمل فوات ملذاته، وعدم تحقق رغباته فيصطدم بمشكلات الحياة المتنوعة، فإما أن ييأس وينحرف، وإما أن يبدأ في التعود والتدريب على هذا النمط الجديد من الحياة، وقد يصعب هذا بعد النضج [د.عدنان حسن باحارث: ملف التربية الخلقية للطفل/موقع د.عدنان باحارث للتربية].
لماذا يغضب الأطفال؟
نخطئ عندما نعاقب الطفل على التعبير عن غضبه بسلوك خاطيء؛ ما لم نكن قد علمناه كيف يعبر عن مشاعره، وكيف يغضب، فالطفل البريء لا يعرف هذه القواعد والأصول، ويبقى جاهلاً بها ما لم نرشده ونهذبه وننبهه، وقد أكدت الدراسات النفسية أن معظم نوبات غضب الأطفال تأتي تعبيراً عن المشاعر، فما هي إلا تراكم لمشاعر مكبوتة لم يعد الطفل قادراً على تحملها، ومن الممكن أن نذكر أهم الأسباب التي تبعث الغضب في الأطفال، في النقاط التالية:
- التعب والجوع وقلة النوم والإحساس بالظلم من أهم مسببات الغضب، حتى لو بدا السبب المباشر وقت الغضب شيئاً آخر، لذا على المربي أن يتفطن لذلك فيعالج السبب الرئيس للغضب بدلاً من صبّ العقاب على الطفل [محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء، ص: 16].
- كذلك قد تكون الغيرة من الزملاء والإخوة سبباً لنوبات الغضب عند الطفل، خصوصاً إذا صاحبها الفشل في الدراسة أو انخفاض مستوى التحصيل.
- أسلوب القسوة المفرطة من الوالدين في التربية، وجفاف المعاملة، وعدم إشعار الطفل بالحب، كلها من أسباب شحن الطفل ومن ثم انفجاره غاضباً في المواقف اليومية.
- كما أن العكس أيضاً من اعتماد أسلوب التدليل المفرط في التربية، والذي يسوق الطفل إلى تحقيق رغباته كلها دون ممانعة قد يؤدي إلى غضبه الشديد إذا لم تحقق له رغباته.
- افتقاد القدوة في الأب أو الأم أو المعلم الذي يغضب بشدة وربما لأمور لا تستحق، ولا يستطيع ضبط نفسه، هذا النموذج يستدعى وبشدة تقليد الطفل له ومحاكاته لهذه القدوة السيئة.
- استخدام العقاب أثناء الغضب يخلق لدى الطفل المزيد من الغضب والعدوانية، حيث يشعر الطفل بالظلم وأن والده لم يتفهم دوافع غضبه، ويتمنى لو استمع إليه بهدوء وأنصفه،
فيحسن بالمربي أن يراعي هذه الجوانب والأسباب التي تدفع ولده إلى الغضب والانفعال، ويحاول حمايته من الوقوع فيها.
موقف الوالدين من غضب الأطفال:
يبرز دور الوالدين في تدريب الطفل مبكراً على التحكم في انفعالاته والسيطرة على نفسه عند الغضب، فكثير من الرجال الكبار الذين لا يملكون أنفسهم عندما يثارون هم في حقيقة الأمر لم يحصلوا على تدريب عملي صحيح لضبط انفعالاتهم في صغرهم، فإن الولد الذي يتعود منذ صغر سنه على ضبط نفسه وانفعالاته مثل ما يتعلم ضبط إفرازاته، فإنه سيكون مدرباً على أن يستخدم أسلوب الضبط هذا في جميع مراحل حياته القادمة.
ودور الأب والأم في هذه القضية هام جداً، إذ إن الولد يتعلم من الوالدين وأفراد الأسرة الباقين السلوك الانفعالي، فيقلدهم في ذلك، ومن خلال بعض الخطوات يستطيع المربي أن يدرب طفله على ضبط انفعالاته حال الغضب والتحكم فيها، مثل:
- حماية الولد من مشاهدة أشخاص في حالة الانفعال الشديد خاصة، ممن هم قدوة له مثل الأب والأم والإخوة والأخوات، فسرعان ما سيلتقط الولد سلوكهم ويقلده، فيعمل الأب قدر الإمكان على أن يظهر أمام الأولاد بمظهر لائق منضبط الانفعال، وأن يأمر بذلك باقي أفراد الأسرة.
- وأن يعمل قدر المستطاع على أن يجنب الولد ما يثيره ويغضبه مثل الجوع والعطش والمرض، ويحاول أن يكون له جو من الهدوء والسكينة.
- ساعد طفلك على الربط بين مشاعره ومسبباتها، وتحدث معه؛ لتكتشف ما الذي جعله يغضب، مع إشعاره بالمساندة.
- اشترك لطفلك في أحد الأندية الرياضية، واخرج به إلى المتنزهات والأماكن الفسيحة كي يخرج طاقته الانفعالية بشكل طبيعي.
- إن قام الطفل بضرب أخيه أو تحطيم الأشياء فخذه دون أن تتكلم إلى غرفة آمنة لتعزله بها مدة خمس دقائق ولا يخرج منها غلا بعد أن يهدأ لمدة دقيقة واحدة على الأقل، وعليك أن تخبره بذلك.
- لا تحاول إقناع الطفل بشيء وهو في ثورة الغضب.
- إن حدث وأثير الطفل كان الحل هو تسكين غضبه بكل هدوء دون أن يثور الأب معه، فيتخذ تدابير السنة المطهرة في ذلك، فيأمر الولد أولا بالسكوت إذا غضب، وعدم الاسترسال، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا غضب أحدكم فليسكت)، وبعد أن يسكت يأمره بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، فقد قال عليه الصلاة والسلام عندما غضب رجل في مجلسه: (إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فيأمره بهذه الكلمة المباركة، فإن قالها ذهب عنه ما يجد من الإثارة والانفعال بإذن الله تعالى.
ثم يحاول الوالد بعد ذلك أن يستأصل من ولده ذلك الغضب في تلك الساعة فيأمره بالجلوس، أو الاضطجاع، ليلوذ بالأرض ويكون ذلك أدعى لسكونه، وضماناً لعدم حدوث حركة خاطئة بيده، كأن يقذف بقارورة أو يضرب أحداً أو غير ذلك، فقد وردت السنة بذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
- فإن بقي عند الولد شيء من الغضب والانفعال، أمر بالاغتسال أو الوضوء فإن الماء يبرد البشرة الساخنة بحرارة الغضب، فيهدأ ويسكن، والسنة قد وردت بهذا - أيضاً- حيث قال عليه الصلاة والسلام: "إنّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".
- على الوالدين النظر إلى سلوك الطفل بشيء من الهدوء والتسامح، ومحاولة التنفيس عن رغباته المكبوتة بإخراجها بصورة لائقة اجتماعياً وأدبياً.
إبدال شعور الإحباط بمشاعر العطف والتسلية
تعليم الطفل مهارات اجتماعية جديدة، مثل اللعب الجماعي، واصطحابه عند زيارة الأقارب، ولا بأس باستخدام الردع إذا لزم الأمر [د.حاتم محمد آدم: الصحة النفسية للطفل،ص: 99].
وأخيراً عزيزي المربي
علينا أن نفهم جيداً أن الغضب لو أردنا قمعه وقهره بالكلية حتى لا يبقى له أثر لم نقدر عليه أصلاً، ولو أردنا سلاسته وقوده بالتدريب والمجاهدة قدرنا عليه، ظن أنه يمكن انتزاع الغضب بالكلية من نفس ولده، فإن هذا لا طائل وراءه؛ بل يعمل جاهداً على تهذيب نفس الولد وتربيته بالتدريج، وتدريبه على ضبط انفعالاته والتحكم فيها، وإيجاد القدوة الحسنة له في ضبط النفس، ، وبذلك تختفي نوبات الغضب العارمة ليعود غضب الأطفال تحت السيطرة.
ـــــــــــــــــ
المصادر:
- الصحة النفسية للطفل من الميلاد حتى 12 سنة: حاتم محمد آدم.
- موقع د.عدنان حسن باحارث للتربية: الشبكة الدولية للمعلومات.
- مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات: محمد سعيد مرسي.
- موسوعة التربية العملية للأولاد: هداية الله أحمد الشاش.