غضب الطفل - طبيعته وكيفية السيطرة عليه

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الأحد, يونيو 7, 2015 - 17:03

نستأنف اليوم سلسلة المقالات الخاصة بارتقاء الطفل التى انقطعت بسبب ضرورة التجاوب مع التحديات التى أثارها عدوان العدو الصهيونى على غزة ، والتى استوقفنا فيها هذا القتل المتعمد للأطفال والنساء ، والذى بدا لنا وكأنه بالفعل هدف هذا العدوان ، قبل أن يكون الهدف هو المقاومة أو حتى كما زعموا حماس ، لذلك تركزت سلسلة المقالات التى عنينا فيها بهذا الأمر على استكشاف عقلية هذا العدو وفلسفته وثقافته التى يغذى بها الناشئة أطفالا وشبابا ويشكل شخصيتهم على هذا المنحى من العدوان الذى أصبح أحد أهم القواسم المشتركة فى الشخصية الإسرائيلية اليوم .
نشأة الدافع العدوانى لدى الطفل :
فى سياق مقالاتنا السابقة ناقشنا أثر التدريب على ضبط الإخراج فى اثارة الغضب والسلوك العدوانى تجاه القائم على التدريب وهو الأم فى العادة . هذه الاستجابات (الغضب والعدوان) كثيرًا ما تنجح حيث أنها تساعد الطفل على تفادى مطالب الأم القائمة على القهر والإجبار . وهنا يجب علينا الانتباه الى أنه كلما نجحت استجابة عدوانية ، ازداد الميل للعدوان قوة لدى الطفل .
وتستثار هذه الاستجابات نتيجة بعض المثيرات منها :
1- الملابس الضيقة المقيدة للحركة .
2- التدريب على ضبط الإخراج : الاضطرار الى الجلوس على المقعدة حتى يحدث الإخراج .
3- الاضطرار الى النوم .
4- عدم تلبية رغبات الطفل : لعبة يريد ممارستها أو الحصول عليها
5- تعب الطفل و نعاسه و رغبته في اللعب
6- جوع الطفل
7- محاولة لفت انتباه الأهل للحصول لشيء ما أو تجنباً للقيام بشيء ما
8- التعامل بحزم وشدة مع الطفل مع بداية ذهابه للحضانة
9- تكثر هذه الحالة عند الطفل عندما يكون كلا الوالدين أو أحدهما متشدداً جداً مع الطفل أو على العكس عندما يكون متساهلاً جداً .
10- قد تكون هذه النوبات نتيجة أسباب مرضية جسدية أو نفسية أو اجتماعية عند الطفل .
وكما ذكرنا فى موضع سابق أن التدعيم هو العامل المهم فى التعلم ، ذلك العامل الذى يؤدى إلى نشأة عادات العدوان . ويمكن القول بأن هناك طائفتين من الظروف التى تثاب فيها الاستجابات التى يتضمنها نمط الغضب . تتمثل الطائفة الأولى فى الأشخاص الذين يحولون دون الاستجابة المثيبة للطفل . ولكى يصل الطفل الى هدفه يتطلب الأمر ازاحة هذا الشخص المعوق لكى يتسنى للطفل الحصول على الإثابة . وأما الطائفة الثانية من الظروف فتتمثل فى العقبات المادية التى تحول دون الاستجابة التى تمثل دافعًا لدى الطفل والتى من شأنها عادة أن تؤدى للإثابة،كوجود باب مغلق على سبيل المثال يحول دون تحقيق الإثابة . هاتين الطائفتين يمكن أن يندرجا تحت مفهوم الإحباط .
و العدوان ينشأ حين يكتشف الطفل أنه يستطيع أن يجعل الآخرين يسايرون رغباته ، أى أن يحصل على الإثابة من البيئة الاجتماعية ، بالإيذاء . وهو كلما ازداد علمًا بدوافع الآخرين ، ازدادت مهارته فى استخدام هذه الوسيلة من وسائل السيطرة . وتتحدد أنواع الأساليب التى يتعلمها الطفل بنمط الاستجابات التى تصدر عن الوالدين وغيرهما . بالإضافة إلى أن المدى الذى يصل اليه دافع العدوان لدى الطفل يتوقف على ما تنطوى عليه استجابات الوالدين والكبار من إثابة حين يسلك سلوكًا مؤذيا أى عدوانيًا .
وقد يعبر عن الغضب والعدوان بأساليب متباينة . لذا فإن بعض جوانب استجابات الغضب الأصلية قد تثار وتتكرر خلال حياة الشخص ، فى الوقت الذى يتم القضاء على بعض جوانبها نتيجة للعقاب . كما أن بعض الاستجابات الجديدة مثل ( السب وتوجيه الشتائم ومشاعر الغيرة والكراهية ) قد تدخل ضمن سلوك الغضب والعدوان .

تطور مظاهر الغضب لدى الأطفال :
يتعدل دافع الغضب عن طريق التعلم فى السنوات الأولى . وقد تبين أن الغالبية العظمى من انفجارات الأولاد والبنات خلال السنتين الأوليين من الحياة تتألف من النشاط الحركى الظاهر . هذه التصرفات غير المفيدة من الصراخ والرفس وحبس الأنفاس أكثر الأساليب التى يظهر مفعولها فى تحقيق رغبة الطفل . لذلك نجد الطفل يعمد اليها فى المناسبات التالية بشكل إرادى الى حد ما بوصفها أساليب تنجح فى تحقيق أهدافه .
أما الاستجابات الحركية واللغوية الموجهة فلا تلبث أن تلعب دورا فى التعبير عن الغضب عند الأطفال . فبينما تمثل المقاومة الحركية واللغوية نسبة 14٪ فقط من استجابات الغضب عند الأطفال الذين لم يكملوا عامهم الأول ، تصل هذه النسبة الى 56٪ من الانفجارات عند الأطفال الذين تقع أعمارهم بين السنة الأولى والسنتين . ولأن هذا السلوك يكون أكثر نقبلا من الأولاد حيث يثابون عليه بدرجة أكبر منه لدى البنات فقد وجد أن هذا النوع من الاستجابة أكثر شيوعًا عند الأولاد منه عند البنات.
وبتقدم الأطفال فى العمر تتناقص ظواهر النشاط البسيط غير الموجه ويزداد شيوع التوتر والبكاء والامتناع الغاضب عن الكلام .
كما أن الرضع الذين لم يكملوا عامهم الأول تكون انفجارات الغضب عندهم أطول نسبيًا (10دقائق فى المتوسط) بمقارنتها بالأطفال الأكبر سنًا التى تستغرق مدة الانفجارات لديهم (3 دقائق فى المتوسط) . من هنا نستطيع القول بأن التعبيرات الطويلة عن الغضب يقل احتمال اثابتها بعد السنة الأولى ، الأمر الذى يترتب عليه أن يكتسب فيه الطفل درجة ما من درجات " ضبط النفس " أى يتعلم تقصير مدة التعبير عن الغضب .
ويجب على من يواجه هذه النوبات أن يتذكر أن هذه النوبات تصرف طبيعي عند الطفل و مرحلة من مراحل نضجه , وأن يتذكر أن محاولة الصراخ في وجه الطفل و فقدان السيطرة على النفس سيزيد الوضع سوءً و يجب عدم محاولة ذلك و لا داع للإصرار على إيقاف النوبة دائماً , و لإيقاف مثل هذه النوبات يجب اتباع الأساليب التالية بالتتابع حتى يستجيب الطفل و كل محاولة يجب أن تكون لدقائق :
1. قم بتجاهل الطفل لبرهة أو أتركه وحده إذا كان في مكانٍ آمن ، فقد يتوقف عن تصرفه من تلقاء نفسه .
2. اعمل على لفت نظر الطفل لشيء آخر من حوله : جرس , قصة و حاول ممازحته
3. و إذا لم يتوقف عند تجاهلك له قم بالطلب من الطفل بالتوقف عن ذلك ببساطة
4. و إذا لم يستجب الطفل و كان تصرفه محرجاً فيجب تصحيح وضع الطفل جسدياً ( رفعه من على الأرض مثلاً) , و يوضع الطفل في غرفته في المنزل و يطلب منه البقاء لوحده في الغرفة لمدة 5 دقائق مع التزام الهدوء خلالهاtime out procedure, و يعاد الطفل الى غرفته فيما اذا حاول الخروج قبل مضي 5 دقائق , و في الأماكن العامة يوضع الطفل بوضعية الجلوس على كرسي لمدة 1 الى 5 دقائق , و يطلب منه التزام الهدوء time out procedure ، و إذا حاول النزول قبل مضي دقائق يطلب منه البقاء لفترة إضافية لعدة دقائق.
5. لا يسمح بتوبيخ الطفل أو معاقبته جسدياً .

خلاصة القول:

أن السيطرة على الغضب عند الطفل يمكن التوصل اليه بأحسن الطرق إن كنا ننظر الى سلوك الطفل فى شىء من الهدوء والتسامح ، وإن كنا نفرض عليه مستويات تمكنه قدراته من البلوغ اليها ، وإن كنا على قدر كاف من الثبات الانفعالى وعدم التناقض فى التزامنا وتمسكنا بهذه المستويات والمبادىء لكى نتيح للطفل أن يتعلم من خلال خبراته المتماثلة ، ودون أن يصبح التزتمنا بهذه المستويات والمبادىء آليًا روتينيًا نضحى فيه بسعادة الطفل الانفعالية والجسمية من أجل جدول أو خطة جامدة غير مرنة . كما ينبغى لنا حين نحيد أو نخرج عن الخطة التى رسمناها لأنفسنا ، أن نفعل ذلك بالنظر الى حاجات الطفل ، لا أن نفعل ذلك تمشيٌا مع أهواء الشخص الراشد القائم على تربية الطفل . لأن ضبط النفس عند الآباء هو فى نهاية الأمر أفضل الضمانات لنشأة ضبط النفس عند الطفل.

 

د. صلاح الدين السرسي

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.