هل يصاب الأطفال بالفصام ؟
كثيراً ما روي عمرو -التلميذ فى الصف الخامس فى مدرسة القرية - لوالده عن التصرفات الغريبة التى كانت تصدر عن رشدى زميله فى الفصل وعن شغفه الشديد بالنظر إلي السماء ، وتحديقه لما فيها من نجوم واستغراقه فى تفرسها ، وذهوله عما حوله وعن كل الزملاء المصاحبين له ، كما حكى له والدهشة ترتسم على وجهه عن دوام مروقه منهم وهرولته ناحية بستان الشيخ حسان كلما مروا به فى طريق ذهابهم أو ايابهم من المدرسة محاولا تسلق السياج المحيط بالبستان ، وعندما يحاولون منعه يصيح فيهم محتجا ، أنا ذاهب لرؤية عمتى !! وعندما حاول أحمد تلميذ الصف السادس منعه بالقوة صرخ فيه محتجا : لماذا تمنعنى أنا ذاهب الى عمتى ، وعبثا تكون محاولة اقناعه بأن البستان لا يوجد به أحد ، ولا توجد به سيدات ، كان ينظر الى النخلة الكبيرة التى تتوسط البستان ، ويعدو على أصابع قدميه مرفرفا بذراعيه فى الهواء ، وهو يتحدث الى نفسه ، ستنتقم منكم عمتى ، ستنتقم منكم عمتى . وكان تعليق والد عمرو عما حكاه ولده : ان الأطفال يتمتعون بخيال خصب ، ولا شك أن رشدى واسع الخيال وربما كان فى قابل أيامه كاتبا أو أديبا .
لكن عمرو لم يقتنع بكلام والده ورأى فى سلوك رشدى رأياً آخر ، وأرسل الينا خطابا يرجونا فيه شرح حالة رشدى .
وكان ردنا على هذا الطفل الذكى اللماح كالآتي :
أيها الإبن العزيز
شكرا لك على هذا الاهتمام المبكر والتفكير المنظم الذى استشعرت به ومن خلاله وجود مشكلة حقيقية فى تصرف زميلك رشدى ، ورغبتك الجادة فى معرفة طبيعة هذه التصرفات ، حتى تساعد زميلك ، وترشد والديه الى ما يجب أن يقوما به لمساعدة هذا الزميل العزيز .
هذه التصرفات التى يسلكها رشدى تشير الى احتمال اصابته بمرض يسمى بفصام الطفولة وهو أحد أنواع الفصام الذي يفقد المريضُ فيه الاتصالَ بالواقع، وله تقريباً نفس خصائص الفصام لدى الراشدين، غير أنه يحدث في عمرٍ مبكرٍ، فقد يصيب طفل ما قبل العاشرة، ويؤثر تأثيرا عميقاً في سلوك الطفل.
ورغم أن أغلب الأعراض الخاصة بفصام الطفولة تتشابه وأعراض اضطراب آخر يطلق عليه التوحد، الذى يتميز بثلاث أعراض هامة وهى:
1-خلل بالتفاعل الاجتماعي Impaired social interaction
وأمثلة لذلك الافتقار إلى استخدام لغة الجسم والتعبيرات الغير كلامية مثل التواصل البصري وتعبيرات الوجه والإشارات , والافتقار لإدراك مشاعر الآخرين وعدم التعبير عن الانفعالات مثل السرور (الضحك) أو الحزن (الصراخ) والبقاء في عزلة وتفضيل الوحدة عن الوجود مع الآخرين وعدم الاستجابة للآخرين وصعوبة التفاعل معهم , والفشل في عمل صداقة مع الأقران وعدم الرغبة في العناق , وعدم الاستجابة للكلام الشفهي في الوقت المناسب وكأنه أصم .
2-خلل بالتواصل Impaired communication :
ومثال ذلك عدم اكتساب اللغة أو الكلام أو التأخر فيه spoken language or speech, وعند وجود الكلام واللغة تكون غير عادية في محتواها ونوعها وصعوبة التعبير عن الرغبات والاحتياجات بالكلام أو بدونه , وتكرار الكلمات المنطوقة وعدم القدرة على بدأ الحوار أو الاستمرار فيه , ونقص أو غياب الألعاب التخيلية .
3-تكون الأنشطة والتصرفات والاهتمامات محصورة ومقيدة:
ومثال ذلك الإصرار على روتين ومقاومة التغير والتصرف بطريقة جبرية أو ذات طابع كأنه شعائر وتكرار بحركات الجسم مثل خبط اليد أو ضرب الرأس والدوران أو الهز ومثل المشي على أصابع القدم ووضع أشياء في خط , والانهماك في جزئيات الأشياء والافتتان بالحركات المتكررة مثل إطفاء النور وإضاءته او الاهتمامات المحدودة والضيقة مثل الاهتمام بالتقويم والتواريخ والأرقام والمناخ. إلا أنه يتميز بوجود الهلاوس والهذاءات التي لا توجد في التوحد. والهلاوس عبارةٌ عن إدراك مثيرات سمعية أو بصرية أو شمية لا توجد في الواقع. أما الهذاءات أو الضلالات فهى أفكار خاطئة يعتقدها المريض ويؤمن بصحتها إيمانا جازماً رغم مخالفتها للمنطق. ولعل هذين العرضين هما ما يميزان بين الفصام و التوحد، لأن باقى الأعراض قد توجد لدى كلٍ من الفئتين، مثل المشاكل التي تحدث في روتين الحياة اليومية كالاستحمام، أو ارتداء الملابس، أو اللعب، وغيرها من الأعراض التي سنوضحها لاحقاً.
وتتضمن الأعراض المبكرة لفصام الطفولة صعوباتٍ في النمو كما هو الحال في التوحد تتمثل في الآتى:
· تأخر في اللغة.
· تأخر في الحبو، أو الحبو بطريقة شاذة.
· تأخر المشى.
· سلوك حركي غير طبيعي كالتأرجح أو الرفرفة بالذراعين.
ومن الواضح أن بعض هذه الأعراض تتطابق مع أعراض اضطرابات النمو الشامل (طيف التوحد) واستبعاد إصابة الطفل بأي اضطراب من طيف التوحد هو الخطوة الأولى في تشخيص الحالة بالفصام. لاسيما وأن الأعراض اللاحقة بها أوجه شبهٍ كبيرةٌ باستثناء الهلاوس والهذاءات. إذ تشمل أعراض فصام الطفولة العلامات والأعراض التالية:
· رؤية أو سماع أشياء غير موجودة (هلوسة).
· أفكار واعتقادات لا ترتبط منطقياً بالواقع (هذاءات).
· الانفعالات لا تتناسب مع الموقف.
· انسحاب اجتماعي.
· تدهور التحصيل المدرسي.
· تدهور قدرة الرعاية الذاتية.
· عادات غريبة في الأكل.
· تفكير غير منطقى.
· نوبات من التهيج.
لذلك يواجه التشخيص تحدياتٍ كبيرةً؛ ذلك أنَّ كلاً من الفئتين تحدثان في مرحلةٍ مبكرةٍ من عمر الطفل. ويترتب على هذا التشخيص اقتراح أسلوب العلاج المناسب، وتحديد الاحتياجات التعليمية، ومعالجة مشكلات النمو الانفعالى والاجتماعي.
و علاج مرض الفصام لدى الاطفال هو نفسه علاج الفصام لدى الكبار ، إلا أن بعض الأدوية لا تكون مناسبة للأطفال ، ولذلك يوصى بمضادات الذهان اللانموذجية حيث تكون اثارها الجانبية قليلة. وقد صادقت منظمة الغذاء والدواء على الجيل الثاني فقط من مضادات الذهان لعلاج الفصام عند الاطفال.
وغالبا ما تكون ادوية الذهان اللانموذجية فعالة في السيطرة على بعض الاعراض كالهلوسة و الاوهام و فقدان الحافز و نقص العاطفة.
والى جانب العلاج الدوائى ، يكون الفهم والدعم من جانب الأسرة مؤثراً فى سرعة الشفاء إذ أن مساندة الطفل و توفير البيئة الاجتماعية المستقرة والآمنة له ، والعلاقة الدافئة الحانية خاصة من قبل الأم تلعب دوراً رئيساً فى عملية العلاج ، شرط أن تتسم بالاعتدال فلا إفراط أو تفريط في الحماية ، هذه الحماية التي يجب ان تشمل أسلوب تعامل بقية أطفال الأسرة مع هذا الإبن العزيز ، والحرص الشديد على عدم وصفه ، لا من قبل الأطفال أو الكبار بالجنون او النظر له بشيء من السخرية التي تؤدى إلى إحساسه بالدونية وتتسبب فى تدهور حالته إلى ما هو أسوء لا سمح الله
د . صلاح الدين السرسي