في بيتنا مراهق ألتراس
خرج مسرعاً من غرفته المكركبة ، فور سماعه جرس هاتفه وتبادل بعض الكلمات مع صديقه على الطرف الآخر ، وعندما حاولت الأم معرفة وجهته أو سبب سرعته رفض أن يجيبها ، بل ورفع صوته عالياً محدش له دعوة بيه أنا بقيت راجل واعمل اللي أنا عايزه
هذا الموقف ربما يكون متكرراً في كثير من بيوتنا ولن أكون مبالغة إذا قلت أن معظم أولادنا قد عبروا بتلك التجربة الخطيرة وهي مرحلة المراهقة ، ولمن لا يعرف الكثير عن طبيعة مرحلة المراهقة يمكننا أن نضع بعض المعلومات التالية:
المراهقة لغة تعود للفعل راهق وتعني الاقتراب من الشيء ، وفي علم النفس تعني : الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ، ولكنه ليس النضج نفسه، لأن الشاب أو الفتاة في مرحلة المراهقة في الاقتراب من النضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي ، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 9 سنوات .وهذا يعني أن المراهقة مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الشباب ، ويتعرض فيها الشاب والفتاة للعديد المتغيرات وتزداد رغبته في-
- إثبات وجوده بعيداً عن نطاق الأسرة وعن سلطة الأبوين..
- الرغبة في الاستقلال عن الأسرة اجتماعياً ونفسياً واقتصادياً.
- الميل للمغامرة واستلهام القدوة من خارج نطاق الأسرة.
- التأثر بجماعة الرفاق بشكل كبير
ولعل الحديث عن المراهقة هو المدخل الطبيعي للتحدث عن ظاهرة الألتراس والتي بدأت تسبب صداعاً في بعض الدول والمجتمعات ، ويتضح للمتأملين لهذه الظاهرة أن الشريحة العمرية لأبناء هذه الرابطة جلهم من المراهقين وبالتالي فهناك ارتباط وثيق بين مرحلة المراهقة وظاهرة الالتراس
أما عن الالتراس فهي (Ultras) كلمة لاتينية تعني الشيئ الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها وتتواجد بشكل أكبر بين محبي الرياضة في أوروبا وأمريكا الجنوبية وحديثا في دول شمال أفريقيا. أول فرقة ألتراس تم تكوينها عام 1940 بالبرازيل وعرفت باسم "Torcida"، ثم انتقلت الظاهرة إلى أوروبا وبالضبط إلى يوغوسلافيا ثم كرواتيا وبالتحديد جمهور "Hajduk Split" والذي كان أول من أدخل هذا النوع. وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو "الشماريخ" كما يطلق عليها في دول شمال أفريقيا، وأيضا القيام بالغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقهم، كما يقومون بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين. وتقوم هذه المجموعات بعمل دخلات خاصة في المباريات الهامة، وكل ذلك يضفي بهجة وحماس على المباريات الرياضية وخاصة في كرة القدم.
هذا باختصار مفهوم الألتراس كما تعارف عليه دولياً وهو يرتبط بتشجيع الرياضة وبخاصة رياضة كرة القدم.
وفي نظري أن ظاهرة الألتراس أو التعصب الكروي هو أحد الأمراض الاجتماعية التي تعبر عن وجود قدر من الخواء الفكري والروحي والذي يؤدي لاجتماع عدد من الشباب على هدف محدد وهو تشجيع كرة القدم لدرجة التعصب القاتل .
لعله تعريف قاسي لكنني حاولت في التعريف أن أوضح منشأ هذه الظاهرة
ومن أسباب هذه نشأة هذه الظاهرة أن هؤلاء الشباب قد فتحوا أعينهم وهم صغار ، فوجدوا لاعبي الكرة والممثلين هم نجوم المجتمع وكبراؤه تفرش لهم البسط وتطاردهم كاميرات التصوير ويحتلون أغلفة المجلات ويكرمهم المسئولون..
- مجموعة من الشباب لم يجدوا شيئاً يجتمعون عليه أو هدفاً يسعون له أو قضية ينتصرون لها ..فحياتهم خواء في خواء ولديهم من الطاقة والحماس والرغبة في الاستغلال واثبات الذات ما يجعلهم فريسة سهلة للتعصب الكروي الخبيث الذي لا يتطلب منهم غير متابعة جدول مباريات الدوري وحفظ أسماء اللاعبين وإطلاق الصواريخ والشماريخ ومطاردة اللاعبين ، ومعرف الفرق بين هل الكورة كانت بلينتي أو أوفسايد..
- وبالفعل كان التعصب الكروي مصيدة سهلة بالنسبة لهم وكان كل شيء يعزز لديهم هذه الظاهرة المتمكنة منهم ، بل ازداد الأمر سوءاً بتوالد القنوات الفضائية الرياضية التي احتلها عدد من المعلقين والرياضيين ممن لا يعنيهم إلا إزكاء نيران التعصب الكروي لدى الشباب ..
وفي رأيي أن ظاهرة التعصب الكروي ظاهرة مرضية لابد من علاجها:
إلا أن الحل الأمني لهذه الظاهرة قد يعتبر مسكناً ولكنه ليس حلاً حقيقياً ولا جذرياً لهذه المشكلة ..ولكن لابد من الحل الممتد طويل المدى لهذه الظاهرة واحتواء هؤلاء الشباب..
وأرى أن هؤلاء الشباب لن يستمعوا لنداء المسجد لأنهم لا يعرفون له طريقاً ولا طريق العلم والمعلم لأنهم لا يعترفون بقيمة العلم والعلماء..ولكن لابد من أن تضع وزارات الشباب والرياضة منهجاً لحل هذه المشكلة وذلك من خلال:
فتح المجال لهؤلاء الشباب لممارسة الرياضة الحقيقية وليس بتشجيعها من بعيد ، تطعيمهم بالأخلاق الإسلامية من خلال توجيهات المدربين لهم ( ومنح هؤلاء المدربين دورات نفسية وتربوية) لتربية هؤلاء الشباب وجذبهم وتوصيلهم بأن الرياضة ليس مجرد تشجيع ورفع شعارات ولكنها أخلاف وقيم..وأنها ليست غاية بل وسيلة للتربية والتوجيه..
- جذب نجوم اللاعبين للتواصل معهم عبر مراكز الشباب ممن يشهد لهم بالأخلاق الكريمة والصفات الطيبة ليكونوا قدوة قريبة لترميم بنائهم القيمي والخلقي والديني..
- تزويد مراكز الشباب بالكتب القيمة في مكتبات خاصة بها وعمل مسابقات بين الشباب وجوائز في النواحي العلمية والأدبية والفكرية
أ. شروق محمد