نوبات الغضب عند الأطفال
يعد الغضب عند الأطفال عاطفة طبيعية ومفيدة تعلم الأطفال أن الأمور ليست عادلةً أو صحيحة. ولكن لابد وأن نعي بأن استمرارية الغضب كسلوك مرافق للطفل في سنواته اللاحقة، وتطوره لمرحلة العنف؛ إنما هو مؤشر لعدم تكيف الطفل مع بيئته وأسرته من جهة، أو قد يكون مؤشرًا لظاهرة مرضية نفسية عنده تنبئ بمرض نفسي قد يباغته في مراحل عمره المتأخرة.
فقد اتفق - علماء النفس التربويون - على أن العمر الذي يمكن أن يقيم فيه الغضب كسلوك طبيعي للطفل ما بين السنة الثانية والسنة الخامسة من العمر؛ حيث كشفت أبحاث - علماء نفس النمو - أن انفجارات الغضب تبلغ قمتها ما بين الثالثة والرابعة من عمر الطفل، ثم تهدأ نسبيا بعد ذلك.. (إذ يكتشف الطفل بالملاحظة والتعلم أن البكاء هو أسهل طريقة لتحقيق مطالبه ومسايرة رغباته، ومن ثم يصبح البكاء وسيلة لتأكيد الذات لديه). أما إذا تعدى الطفل سن الخامسة، فإنه يمكن النظر لغضبه على أنه نوع من المعاناة النفسية والناتجة عن عدم التكيف الفعلي عنده.
كثيرًا ما يعبر الطفل عن غضبه بالبكاء، أو ضرب الأرض بقدميه، والرفس، والقفز، وضرب من حوله، أو ضرب أجزاء من جسمه بالأرض أو بالأشياء المحيطة به, أو أن رمي نفسه على الأرض، أو ضرب رأسه على الجدار, أيضًا الصراخ ورفع الصوت والعض. فالغضب في هذه الفترة العمرية يأخذ في أكثره الشكل الموجه نحو الذات..
كما يتسم سلوك الطفل بالانفعال، كنوع من التنبيه لوالديه أو مربيه عند التقصير في القيام بحاجياته الأساسية.. كذلك حين يتم عزله بعيدًا عن أماكن تجمع العائلة وتركته بمفرده, أو حال شعوره بفقد الحب والاهتمام من قبل أفراد عائلته, والرغبة في لفت أنظارهم نحوه أو الرغبة في كسب اهتمام الأطفال الآخرين من حوله..
كذلك تظهر ثورة الغضب عند الطفل حينما تغسل أجزاء من جسمه، أو حين يساعده أحد في خلع ملابسه.. إنما علينا أيضًا ألا نهمل أثر التعب، والمرض، ومواعيد تناول الطعام، والترتيب الميلادي، والجو الانفعالي السائد في تغيير وإثارة غضب الطفل.
كما قد يكون غضب الطفل نوعًا من الشعور بالإحباط, التمزق, والألم، أو عندما تتملك الطفل مشاعر من الغيرة، والشعور بالنقص، أو بالاضطهاد كما في حالات إنجاب العائلة لطفلها الجديد والانشغال به عن طفلها الأول, أو فشل الطفل في إتمام عمل موكل به..!
والكارثي في الأمر هو تطور هذه النوبات في كل مرة يخطئ الأهل فيها بالاستجابة لمطالب طفلهم, ربما جهلًا منهم بالطريقة السليمة للتعامل معه, أو رغبة منهم في تهدئته, أو ربما خوفًا عليه من إلحاق الأذى بنفسه؛ والذي بدوره يعتاد الأمر, بل ويعمد إلى تكرار النوبة مرارًا.. طمعًا منه في الحصول على أكبر قدر ممكن من الإثابة.
يندرج الغضب عند الأطفال تحت شكلين:
• الغضب الإيجابي:
وفيه يظهر الغضب بهيئة عدوانية كالصراخ، أو الضرب، أو كسر الأشياء أو إتلافها, وينعكس هذا الشكل من أطفال أكثر انبساطية في أوقاتهم العادية، ويتميزون بالميل إلى الابتهاج بوجودهم مع الآخرين، ومشاركتهم ألعابهم أو أنشطتهم.
• الغضب السلبي:
وتبدو مظاهره في صورة انسحاب وانطواء، مع كبت للمشاعر والانفعالات، كإضراب الطفل عن الطعام أو اللعب، والانزواء بعيدًا. وينعكس هذا الشكل من أطفال أكثر انطوائية. وبرغم الهدوء الظاهر من هذا الشكل من الغضب، إلا أنه يخفي في باطنه الكبت والانخراط في أحلام اليقظة. بعكس الإيجابي والذي يفرغ فيه الطفل شحنة غضبه..
نصائح للتعامل مع نوبة غضب الأطفال:
إن مساعدة الطفل على تعلم التعامل مع الغضب بشكل صحي له فوائد عديدة، حيث يساعد ذلك على المدى القصير على تجنّب حدوث مشاكل للطفل ولعائلته. وأما على المدى الطويل، فهو يسهم في تعليم الأطفال حل المشاكل والتكيف مع مختلف المشاعر.. كذلك الطريقةَ التي يتفاعل بها الوالدين مع الغضب لها تأثيرها تأثِّيرها في طريقة استجابة الطفل له. لذا فعلى الوالدين ضبط نفسيهما وانفعالاتهما عند حدوث نوبة البكاء، والنظر إلى المشكلة بهدوء وتسامح بعيدًا عن أسلوب التوبيخ، أو المجادلة المنطقية، أو حتى محاولة تهدئة بكاء الطفل.. جاعلين من أنفسهم قدوة صالحة.
لذا من المفيد جدًا جعل هذا الموضوع هدفًا مشتركًا لكل من الوالدين والطفل..
- قد يجعل الغضب الطفل يتصرف بطريقة تضر بنفسه أو بالآخرين؛ لذا ينبغي جعل البيئة المحيطة به آمنة قدر الإمكان.
- ابتعد عن الحكم على الطفل نتيجة غضبه أو نعته بألقاب سيئة, وتعاون معه لمساعدته على التحكم بغضبه. وبهذه الطريقة، يدرك الطفل أن المشكلة تكمن في الغضب وليست في شخصيته.
- اجعل من هذه التجربة ممتعة وخلاقة مع طفلك، فمثلًا أعطي الغضب اسمًا معينًا, ثم حاول مع طفلك رسمه. على سبيل المثال؛ يمكن رسم الغضب على شكل بركان ينفجر في النهاية..
- علم طفلك إستراتيجيات مناسبة تمكنه من التحكم بغضبه؛ كالعد إلى الرقم 10، أو ترك المكان الذي يثير الغضب لديه. وذكره بها بشكل لطيف حين تظهر عليه علامات منذرة ببدء الغضب.
- ازرع في نفس طفلك مهارة تحديد الأهداف وتحقيقها؛ كأن تعلق رسمًا بيانيًا على الحائط يتم فيه مكافأة الطفل بوضع ملصق على الرسمة عن كل ساعة كاملة لم يغضب فيها، ثم الانتقال تدريجيًا إلى نصف يوم، ثم إلى يوم كامل، وهكذا..
- امتدح طفلك وخاصة أمام الآخرين, فأنت بذلك تعزز السلوك الايجابي لديه.
- عند حدوث نوبة الغضب حول انتباه الطفل بعيدًا عما يبكيه بمثير يجذبه، أو مده بنشاط بديل مثير يشغل تفكيره ويصرف انتباهه.
- التجاهل التام خلال النوبة، وعدم منح الطفل أي اهتمام، مع الحرصِ على الاهتمام به خارج أوقات النوبة فذلك يعلمه ألا جدوى من البكاء كوسيلة لفرض السيطرة.
- في حال حدوث النوبة في مكان عام إياك أن تجعل خجلك من النظرات حولك يدفعك للخضوع لنوبة الغضب عليك التحلي بالقوة والصبر, وإن استطعت فقم بأخذه إلى مكان أكثر هدوءًا..
بتصرف من / أ.د. عبد الله السبيعي