الشخصية الفوضوية : تعديل سلوكها ومآلها
تعاني غالبية الأمهات من فوضى الأطفال وعدم الحرص على ترتيب أغراضهم وملابسهم الخاصة بهم في غرفهم .ويحتاج الطفل لمن يضع له حدوداً في كل مجالات حياته اليومية، فهو يحتاج إلى أن يعرف متى يأكل، ومتى يستحم، ومتى يذهب إلى سريره، وكذلك ترتيب أغراضه. هذه الحدود التي يضعها الوالدان تعطي شيئاً من الانضباط داخل الأسرة، وهذا الانضباط يعطي الطفل شعوراً بأنَّ هناك من يحميه ويهتم به ويرعاه. وإذا استعرضن حال نعظم الأمهات مع أطفالهن في قضية الترتيب والنظام والانضباط نجد أنَّهن على حالين :
١ · أمهات لا تبدي لطفلها أي ضيق من عدم ترتيبه لأشيائه في غرفته و، وتقوم هي بترتيب كلِّ شيء.. ويتكرر ذلك مهما تكررت فوضى طفلها وإهماله !
٢ · أمهات تثور ثائرتها؛ فتصرخ في طفلها بكلمات تزيد من سلوكه السيئ وتضعه في دائرة الكسالى.
وكلا الساوكين خاطىء.. فالأمُّ الأولى تنشئ طفلاً اتكالياً، والثانية تقهر طفلها دون أن تسلك به مسلك التعليم. وما ينبغي أن يفعلهالطفل هو إعادة ترتيب غرفته وومكان حفظ أغراضه، ومن أجل تعويده احترام تلك الأمور على الأمهات اتباع الآتي:
- تبسيط عملية الترتيب والنظام للطفل بتقسيمها إلى مراحل، كأن تقول الأم له: ضع المكعبات في السلة الخاصة بها، ثم اجمع الكتب وضعها على الرف.. ولا بأس بمشاركتِها له في المرّات الأولى على الأقل.
- تعويد الطفل مرّة تلو الأُخرى.. ومساعدته في تعليق ثيابه التي ألقاها في زوايا الغرفة.. وتوجه حديثها له قائلة له: "سأعلق لك ثيابك هذه المرّة وساعدني في ذلك".
- في المرّات اللاحقة تستطيع الأم تشجِّيع طفلها على الترتيب مستفيدة من التجربة السابقة موجهة حديثها له أيضا قائلة : "هيا يا بطل.. أنت تستطيع أن ترتِّب غرفتك كما فعلت المرّة الماضية بنجاح".
- على الأم تشجيع طفلها على احترام النظام والترتيب كأن تقول له : "إذا استيقظت وجهَّزت نفسك باكراً للمدرسة، ورتبت غرفتك.. تستطيع اللعب قليلاً قبل الذهاب إلى المدرسة أو بعد العودة".
- كما يجب على كلا الوالدين أن يتفقا على نفس النظام والقوانين المنزلية ، فلا يجوز أن تتسامح الأمُّ بموضوع معيَّن ثمَّ يأتي الأب ويناقضها كليَّاً في نفس الموضوع !! إنَّ مثل هذا التناقض في الأساليب التربوية في البيت الواحد يؤدي إلى البلبلة والحيرة والضياع للطفل . وهذه المشاعر غالباً ما تكون هي المسؤولة عن الفوضى والإهمال والمشاكل السلوكية الشائعة عند أطفالنا.
- على الأم أن تحاول بعد ذلك أن يتحمّل الطفل بمفرده مسؤولية إنجاز عمل ما، كترتيب أغراضه، بعد أن تحدد له أهداف هذا العمل، وما ينتظر منه أن يعمله.. فيمكن أن تعلِّم الطفل البالغ (3سنوات) أن يرفع لُعَبه قبل الطعام وإعادتها إلى مكانها، وترتيب أدواته الخاصة به من قصص وملابس بسيطة ونحوها.
- أن تجعل فكرة التعاون والمشاركة في إنجاز عمل ما، مع مجموعة يكون الطفل واحداً منها، حيث يتاح للطفل أن يتعلم أهمية التعاون وقيمته في إنجاز الأعمال وترتيب الأشياء .
- إظهار مشاعر الفرح والسرور بعد إنجازه العمل، وذلك بحزم ولطف معاً، وتدربيه على حسن استخدام المرافق والأدوات ورعاية الأثاث والاهتمام بنظافته، والمساهمة في تزيين المائدة والتزام النظام في جميع شؤونه.
- مكافأة الطفل حينما يقوم بسلوك جيد، وتجاهله حينما يقوم بسلوك خاطئ.
- تعليم الطفل السلوك الصحيح حينما يصدر سلوكاً خاطئاً، كي يستطيع الطفل التمييز بين الخطأ والصواب.
- تجنب توبيخ الطفل على السلوك الفوضوي أمام زملائه. فتوبيخ الطفل منفرداً أكثر تأثيراً في نفس الطفل فإن الطفل يشعر بمدى احترام الوالدين لمشاعره.
- الابتعاد عن الإيذاء البدني عند معاقبة الطفل على سلوكه الفوضوي.
- تدريب الطفل على تحمل المسؤولية واتخاذ قرارات بمفرده ثم متابعته في تنفيذها بعد ذلك.
ولاشك أن للمدرسة دور مهم في تعديل السلوك الفوضوي ، مع النظر بعين الاعتبار للتنسيق والتواصل بين المدرسة والبيت، فإذا تمت محاولة تعديل السلوك داخل الفصل بطريقة ما في المدرسة وقام الوالدان باستخدام طريقة مضادة أو لا تنسجم مع الطريقة المستخدمة في المدرسة فان ذلك يترك أثرا واضحا يحدد إلى درجة كبيرة نجاح أو إخفاق أساليب تعديل السلوك المستخدمة . ومن إجراءات تعديل السلوك التي بإمكان الآباء والمعلمين استخدامها في علاج السلوك الفوضوي ، الإجراءات التالية :
1- مكافأة الطفل عندما يسلك على نحو مقبول ، وتجاهله عندما يسلك على نحو غير مقبول
2- إرغام الطفل بعد قيامه بالسلوك الفوضوي مباشرة على ممارسة السلوك المناسب، فإذا كان هذا السلوك متمثلا بالتحدث دون استئذان فالسلوك الذي ينبغي على الطفل تعلمه هو التحدث بطريقة مناسبة
3- عدم توبيخ الطفل الفوضوي في الفصل على مسمع من زملائه ، فهذا يؤدي إلى تشتت انتباه الطلبة ، ويدفعهم إلى الانتباه إلى الطالب المعني ، وهذا بحد ذاته يشكل مكافأة لهذا الطالب يؤدي في النهاية إلى اتساع دائرة الفوضى في الفصل. فقد بينت الدراسات ان التوبيخ عن قرب بحيث لا يسمعه إلا الطالب المستهدف يكون اكبر أثرا في ضبط السلوك الفوضوي مقارنة بالتوبيخ عن بعد وبصوت مرتفع.
4- تدعيم الطفل كلما انخفض سلوكه الفوضوي عن حد يتم تعيينه مسبقا.
5- استخدام طريقة الباب مفتوح أو مغلق : يمكن استخدام هذه الطريقة مع طفل واحد أو أكثر يشتركون في غرفة نوم واحدة ، حيث يتم تفحص الغرفة في وقت متفق عليه مع الأطفال فإذا كان وضعها مرضيا ، أبقيت الباب مفتوحا، أما إذا لم يكن مرضيا قمت بإغلاق الباب ، والباب المغلق يعني ان الغرفة بحاجة لترتيب وعدم السماح للطفل بالخروج للعب إلا إذا كان الباب مفتوحا ، إنها طريقة عملية يمكن استخدامها مع الأطفال. أما إذا كان الباب مغلقا فعلى الأطفال تنظيف الغرفة قبل خروجهم للعب أو مشاهدة التلفزيون أو ما إلى ذلك. وهذا النوع من الإجراءات يؤدي إلى تجنب النقد اللفظي من قبل الأبوان والجدال الدفاعي من قبل الطفل.
6- تدعيم السلوك الذي يتناقض مع السلوك الفوضوي: هنا يتم تقديم التدعيم للطفل بعد قيامه بسلوك محدد مسبقا لا يتوافق جسميا أو وظيفيا مع السلوك الفوضوي المراد خفضه أو إيقافه. كتدعيم الطالب عندما يبدي اهتماما وترتيبا لغرفته أو أغراضه، حيث يتم تقوية السلوك الذي يتناقض مع السلوك الفوضوي ، وبالتالي ستنخفض احتمالات حدوث السلوك الفوضوي في المرات القادمة.
وإذا لم يتم تعديل السلوك الفوضوي لدى الطفل أو المراهق فغالبا ما سينشأ هذا الشخص متسما ببعض السمات السلبية منها :
- الأنانية : يسعى غالب الوقت الى تحقيق مصالحه الشخصية الضيقة من دون مراعاة لحقوق الناس الآخرين.
- يعتقد صاحب العقل الفوضوي أن الدنيا تؤخذ غلابا, سواء تمت هذه الغلبة بالسطوة المالية أو الاجتماعية, أو العرقية, أو القبلية, أو الطبقية.
- يكره الالتزام لأنه يدرك أن التزامه أداء واجباته ومسؤولياته الاجتماعية سيرغمه على العمل والتنازل أحياناً عن بعض غروره الشخصي.
- يتضايق من كل ما يشير إلى النظامية فهو لا يتحمل الوقوف بالدور, بل سيحاول قدر ما يستطيع العثور على طريقة معوجة تمكنه من الافلات والتملص من أي نوع من الالتزام المدني.
- يعتقد الفوضوي أن كل ما حوله فوضوي وعشوائي وأن "النجاح" لديه يتمثل في الكسب الشخصي بالطرق الملتوية والأساليب المعوجة.
- يعتقد الفوضوي أن غالبية أمور الحياة خبط عشواء, وبخاصة عندما يتعلق الأمر في الحصول على مزيد من الربح الشخصي, فالغلبة للأقوى جسدياً والأشد سطوة وقسوة .
- التملق الشديد لكل من هم أقوى منه جسدياً أو اجتماعيا أو من هم أكثر ثراءً, ويرهب فقط السطوة والقسوة ولا يُحَجِّمُه سوى تلقيه مزيدا من التعجرف على يد من يعرفون كيف يفكر صاحب العقل الفوضوي.
- يتبنى الفوضوي استراتيجية : "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب," فلا يعد موازنة معقولة لمصاريفه الشخصية, بل يعيش على فتات ديونه وإسرافه اللامنطقي.
- يرفض الالتزام بمسؤولياته الاجتماعية, فلا يتكرس لديه حس وطني واضح, ولا يفتخر بهويته الوطنية ونادراً ما يشعر بالانتماء لمجتمعه الوطني, لان ولاءه لمصلحته الشخصية, فقط لا غير.
د.صلاح الدين السرسي
استشاري الصحة النفسية وأستاذ علم النفس بمعهد الخدمة الاجتماعية ببورسعيد