من أسرار المراهقين
إن حسن تعامل المربي - أباً كان أو معلماً - مع أي مراهق يقوم على مدى إدراك المربي ومعرفته وإحاطته بأمرين هامين وهما: خصائصه في مرحلة المراهقة وحاجاته النفسية والاجتماعية.
فإذا كانت خلفية المربي قوية في معرفة خصائص النمو لهذا المراهق وما يتميز به في هذه المرحلة، ثم كانت لديه معرفة بحاجاته الأساسية (النفسية والاجتماعية) وكيف يحققها ويقوم بإشباعها، فإن هذا من أعظم مفاتيح النجاح في التعامل مع المراهق وتربيته التربية الصحيحة.
يقول د/مصطفى أبو سعد: (وأصل كل سلوك دافع داخلي وحاجة نفسية ).
ونقصد بالحاجات الأساسية هي تلك الحاجات التي لا بد من توفيرها لأي مراهق حتى ينشأ نشأة مستقرة هادئة ومتزنة، وحتى تنمو شخصيته نمواً معتدلاً،وفي غالب الأحيان تكون سلوكيات المراهق المنحرفة إنما هي بحث عن إشباع بعض حاجاته الأساسية.
ومن أهم الحاجات التي يسعى المراهق - وبقوة - لإشباعها هي حصوله على التقدير والاحترام من الآخرين وكذلك حاجة الشعور بإثبات الذات وسنتطرق لكيفية إشباع المربي لهاتين الحاجتين عند التعامل مع المراهق:
أولاً: الشعور بالتقدير والاحترام والقبول من الآخرين:
إن كل إنسان يحب أن يشعر بالقبول والاحترام من الآخرين، وإلا فسيشعر أنه منبوذ ولا مكان له بينهم، والمراهق يحتاج إلى مراعاة هذا الشعور لديه وبصورة كبيرة جداً حتى ينمو في حالة مستقرة ومتوازنة.
فهو ينظر إلى نفسه من خلال عيون والديه أولاً ومن خلال عيون مربيه ثانياً، فإذا أشعرناه أنه محترم ومقبول فإنه يعيش بهذا الشعور وإذا حرمناه ذلك وجعلناه يشعر- وإن كان بدون قصد منا- بالدونية وعدم القبول فإنه يرى نفسه هكذا،وهذا مكمن خطورة احتقار المراهق وإظهار عدم احترامه.
ولقد رسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع النماذج في احترام وتقدير الغلمان وعدم انتقاص قدرهم ومكانتهم،فقد أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه،وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ،فقال للغلام :"أتأذن لي أن أعطي هؤلاء"؟ فقال الغلام :لا والله يا رسول الله ، لا أوثر بنصيي منك أحداً،فتله - أي وضعه- رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده.
فانظر أخي المربي وتأمل هذه القصة، ولك أن تعجب كيف يستأذن الرسول القائد العظيم-صلى الله عليه وسلم- غلاماً صغيراً بل ويقدمه على أشياخ الصحابة،والأشد عجباً كيف جلس هذا الغلام الصغير في ذلك المجلس العظيم الذي فيه كبار وعظماء الصحابة بل كيف استطاع أن يكون بجوار محمد صلى الله عليه وسلم،بل الأعجب أنه كان على يمينه،إن ذلك كله يشير إلى عظمة المصطفى صلى الله عليه وسلم في توقير صغار السن واحترامهم،وعدم ازدرائهم،ويدل أيضاً على أن هذا الاحترام والتقدير أمر مألوف في مجتمع الصحابة ولذلك لم يكن مستغرباً أن يجلس هذا الغلام الصغير في ذلك المجلس الوقور،لا كما نفعله في مجالسنا حيث يستحيل أن يتقدم الطفل في مجلس الكبار،بل أحياناً لا نسمح له بمجرد الجلوس في مجلس فيه رجال كبار، فضلاً عن أن يكون قريباً من صدر المجلس ولا شك أن هذا التعامل سيضعف لدى هذا المراهق الشعور بالتقدير والاحترام والقبول من الآخرين .
وإليك أخي المربي بعض الوسائل التي تحقق هذه الحاجة للمراهق :
1- المدح والثناء: وذكر حسنات المراهق والتركيز على إيجابياته والإشادة بها أمام الآخرين، مما يجعله يشعر بالقبول والاحترام من الجميع.
2- قبول قدرات المراهق وإمكاناته كما هي مع محاولة تطويرها: فمما ينبغي للآباء والمربين مراعاته أن لكل مراهق قدراته وطاقاته وإمكاناته التي منحه الله إياها، فلا بد أن نقبلها منه ونرضى بها ونمدحها ثم نسعى إلى تطويرها وتحسينها.
3- الكنية: إن التكنية عند العرب تعبير عن الاحترام والإجلال والتقدير،فمن المستحسن أن تختار كنية جميلة للمراهق الذي تتعامل معه بعد أن تتشاور معه في ذلك ،فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يكني حتى الأطفال، فكان يقول لأحد أطفال الصحابة:"يا أبا عمير، ما فعل النغير؟" والحديث رواه الشيخان.
4- البعد عن كثرة النقد والتأنيب: فإن الإكثار من ذلك يورث الشعور بعدم القبول ، والنقد مطلوب ولكن بقدر مناسب ودون مبالغة،وانظر إلى رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وقد خدمه أنس - رضي الله عنه - وهو غلام صغير ابن عشر سنين – أي على بوابة المراهقة - فلم يكثر من لومه وعتابه وانتقاده، ويصف ذلك أنس رضي الله عنه فيقول:"فما كان يقول لي لشيء فعلته لم فعلته،ولا لشيء لم أفعله لم لَم أفعله"رواه الشيخان.
5- ترك الإهانة والتحقير- وخاصةً أمام الآخرين من إخوانه أو أصدقائه أو أقاربه - وفي الواقع إن أسلوب الإهانة والتحقير لا يمت إلى تعاليم الإسلام بصلة، بل إن ذلك ليس من الخلق الإنساني في شيء،فلا يليق بالمربين سواءً الآباء والأمهات أو المعلمين والمعلمات أن يهينوا أو يحتقروا أحداً من المراهقين مهما كان السبب وهذا الأسلوب مقيت ولا فائدة فيه ألبته وإنما يورث الشعور بالاحتقار وعدم القبول من المربين.
6- ترك مقارنة المراهق بالآخرين: إن رسم النماذج الإيجابية والصور المشرقة للمراهق ومطالبته بالاقتداء بها أمر محمود، ولكن بشرط ألا تكون بصورة الانتقاص من ذات المراهق وأن نبتعد قدر المستطاع عن مقارنته بالآخرين من إخوانه أو زملائه وأصدقائه وأقاربه،لأن ذلك قد يشعره بالنقص وكذلك قد يشعره بالكراهية لمن نقارنه بهم، فالأولى أن نذكر له الصفات الإيجابية التي نريد أن يتحلى بها وأن نذكر له قدوات من حياة السابقين من أبناء الصحابة أو غيرهم،وأن نبتعد عن مقارنته بالآخرين.
فإذا وفرنا للمراهق المعاملة المليئة بالاحترام والتقدير فإن ذلك له دوراً كبيراً في استقرار نفسيته وشخصيته في مستقبل حياته، أما حرمانه من الشعور بالقبول والاحترام ممن حوله فإن ذلك له آثاراً سلبية كثيرة... ومنها :
• ضعف الشخصية وضعف القدرة على إبداء رأيه.
• ضعف الثقة بالنفس والشعور بالدونية.
• الشعور بالحقد والكراهية للآخرين، لأن من حوله جعله يشعر أن المجتمع لا يتقبله ولا يحترمه.
• ضعف القدرة على إقامة علاقات اجتماعية ناجحة.
ثانياً: الحاجة إلى الشعور بتحقيق الذات :
وذلك أن المراهق - وأي إنسان على وجه العموم - يحب ويحتاج أن يشعر أن له وجوداً وكياناً،وأن له قيمةً واضحةً ومهمة في مجتمعه الصغير- وهو الأسرة- أو في مجتمعه الكبير الواسع،ولا شك أن إشباع هذه الحاجة في ذات المراهق له مردود إيجابي كبير مما يجعل شخصيته تنمو في توافق واستقرار،وحرمانه منها له آثار سلبية،كالشعور بالنقص،وضعف الثقة بالنفس مما قد يؤدي إلى الحزن والكآبة المستمرة.
ومما يؤدي إلى إشباع هذه الحاجة أن يشعر المراهق أنه قادر على الإنجاز،وكذلك أن يشعر أن له مكانة خاصة ومهمة لدى من حوله - وخاصة والديه ومعلميه - ويستطيع المربون إشباع هذه الحاجة المهمة بما يلي :
1- الاستماع والإنصات والإقبال على المراهق باهتمام وتركيز عندما يتحدث أو يخبر عن شيء ما، حتى ولو لم يكن مهماً بالنسبة لك - أيها المربي - ، ولكنه مهم جداً عند المراهق.
2- إعطاؤه فرصة كافية للتعبير عن رأيه في أي موضوع يتم طرحه للنقاش، أو عند مشاهدة مواقف أو أحداث عابرة في المنزل أو في الشارع أو في المدرسة أو في أي مكان آخر.
3- مشاورته في اتخاذ القرار:سواءً فيما يخصه هو، أو فيما يخص أمور الأسرة والعائلة، أو حتى فيما قد يخص الأب أو الأم أحياناً فهذا يشعره بأهميته ومكانته الاجتماعية.
4- تكليفه ببعض الأعمال التي تتناسب مع عمره،حتى يكون قادراً على القيام بها وبالتالي يستطيع إنجازها مما يزيد شعوره بتحقيق ذاته،وقد قيل : (قيمة الإنسان ما ينجز).
5- شاركه في إنجاز أعماله، ولكن لا تنجزها نيابةً عنه، والأصل أن نترك المراهق يعتمد على نفسه حتى في الأمور اليسيرة، وأحياناً قد يجد صعوبة أو عقبات في بعض الأمور فلا نبادر بإنهائها مباشرة وإنما نساعده ونتعاون معه في إنجازها.
6- إعطاؤه مقداراً من الحرية في اختيار أشيائه الشخصية: ولا نتدخل كثيراً في ذلك وإنما نحاول أن نشعره أنه هو صاحب القرار.
* وبإشباع هذه الحاجات يستطيع المربي أن يقيم علاقة تربوية إيجابية مع المراهق، ويكسر كثيراً من الحواجز، ويتغلب على كثير من مشكلات المراهقين التي تنشأ عند البحث عن إشباع هذه الحاجات ولكن بأسلوب خاطئ .
منقول من مدونة د.منصور بن زعله