أركان الأسرة

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الجمعة, يوليو 3, 2015 - 18:46

انتهبنا فى المقالة السابقة الى القول بأن الأسرة تمثل وحدة متميزة تتمايز عن المجتمع الذى توجد فيه وفى نفس الوقت تحمل خصائصه الثقافية وأنها غير قابلة للتحليل ، ويجب أن تدرس ككل ، وأن ننظر الى دور كل عضو فيها باعتباره جزءا من كل لا يكتمل فهمنا له الا بالنظر الى هذا الكل الذى ينتمى اليه وذكرنا ان الأب هو أب لأبناء وفى نفس الوقت زوج لزوجة قد تكون هى أم الأبناء ، وأن هذه التركيبة التى تتفاعل فيما بينها وتتبادل التأثير هى وحدة الدراسة سواء فى علم الاجتماع العائلى أو علم النفس الأسرى أو علم الأنثربولوجى . لكن هذه الوحدة المتكاملة التى تمثل وحدة الدراسة العلمية التى تهدف ـ شأنها شأن أى علم طبيعى أو حيوى أو انسانى ـ الى فهم هذه الوحدة وتفسيرها ، فهم بنيتها الخاصة وعلاقة هذه البنية بباقى الأبنية الاجتماعية التى يتضمنها المجتمع ، ودورها ووظيفتها ، هذا الفهم الذى ييسر لنا تفسير الكثير من الظواهر المرتبطة بالأسرة وتوقع مسارها ومن ثم التحكم أو الضبط لبعض متغيراتها ، هذا الفهم والتفسير يحتاج بالضرورة الى تحليل هذه البنية لمكوناتها بغرض الدراسة وتيسيرا للفهم ، مع ضرورة التركيز على ان هذا التحليل هو فقط لغرض الفهم والدراسة ليس إلا، دون اعتبار هذه الوحدات أو العناصر مستقلة أو يمكن فهم كل منها بمعزل عن باقى العناصر أو المكونات. ولزيادة الفهم سنعرض نماذج لبعض التعريفات للأسرة توضح هذه الخصائص وترسخ هذه القاعدة: يعرف أوجبرن Ogburn الأسرة " بأنها علاقة مستمرة بين الزوج والزوجة بغض النظر عن وجود أطفال ، وتعد الناحية الجنسية من أهم مميزاتها ، وقد تتضمن الأسرة أفرادا آخرين غير الزوجين والأولاد يمتون اليهم بصلة القربى وفى هذه الحالة تكون الوحدة المكونة هى السكن Household وليس الأسرة " ويقدم استيفينس STEPHENS تعريفا للأسرة يستند الى مفاهيم مساعدة مغايرة فيرى " .. أن الأسرة تقوم على ترتيبات اجتماعية قائمة على الزواج وعقد الزواج ومتضمنة معرفة بحقوق الأبوة ، مع إقامة مشتركة للزوجين وأولادهما ، والتزامات اقتصادية بين الزوجين .." ويشير مفهوم حقوق الأبوة فى هذا التعريف الى أن "الزوجة تقيم مع أولادها آخذة على عاتقها رعاية الأولاد الذين يدركونها اجتماعيا ـ كأم ـ ويدركون والدهم ـ كأب ـ هذا الإدراك الاجتماعى للوالدين يعنى أشياء عديدة ، فهو يعنى مجموعة المحارم ، ويعنى مسئولية كاملة برعايتهم وتنشئتهم ، ويعنى التزامات اقتصادية بين الوالد والطفل وبين الطفل ووالده . ولاشك ان الشريعة الاسلامية اولت الاسرة عناية فائقة لادراكها اهمية الدور الذي ينبغي ان تلعبه هذه المؤسسة على الساحة الاجتماعية ، بخصوص ضبط السلوك الجنسي ، وتعويض الخسارة البشرية للمجتمع الناتجة بسبب الموت ، وحماية الافراد وتربيتهم واشباع حاجاتهم العاطفية ، وإعدادهم للتفاعل الاجتماعي لاحقاً . وينطوي البناء التحتي للنظرية الاسلامية على تحديد دور الرجل والمرأة في الوحدة الأسرية : او بتعبير ادق : تفصيل التكليف الشرعي فيما يخص واجبات الزوج وحقوق الزوجة اولا ، وحقوق بقية الافراد في الوحدة ، ينظر لها باعتبارها محطة استقرار لعالمٍ متحرك ، تنتقل من خلالها ممتلكات الجيل السابق الى الجيل اللاحق عن طريق الارث والوصية الشرعية : ومحطة فحص وتثبيت انساب الافراد عن طريق اعلان المحرمات النسبية والسببية الناتجة عن الزواج ، والحاق الاولاد بآبائهم ، وجواز الاقرار بالنسب : ومركز حماية الافراد بتقديم شتى الخدمات الانسانية لهم بخصوص الملجأ والمطعم والدفء والحنان . ويعكس ذلك حث الاسلام على وجوب الانفاق على الاصول والفروع ، وهم الوالدان والاولاد ، ووجوب الانفاق على الزوجة : فالاسلام صمم لها حقاً مالياً اولياً تتملكه بالعقد والدخول ، وهو الصداق ، وحقاً مالياً آخر وهوالنفقة مع ثبوت الطاعة والتمكين . ووجوب حق الرضاعة ، ويتحمل نفقتها الزوج ، وحق الحضانة ويتحملها الابوان ، والولاية للاب في زواج الصبي قبل بلوغه . ووفقا للمعايير الاجتماعية ، فإن الرجل البالغ القادر على التكسب والانتاج يجب عليه شرعاً اعالة زوجته واولاده وان نزلوا وابويه وان علوا ، لان الابوين عاجزان عن التكسب لسنهما ، والاولاد لقصورهما ، والزوجة تمشيا مع قوامة الرجل . والأسرة كوحدة اجتماعية مجال لاشباع الحاجات العاطفية كالحب والحنان والعطف والرحمة ، ومكان لتهذيب السلوك الجنسي ، وموضع لتعلم المعارف الاساسية قبل الخروج للساحة الاجتماعية ، كاللغة والاعراف والعادات والتقاليد والقيم الاخلاقية . فالعائلة اذن تساهم في خلق الفرد الاجتماعي الصالح للعمل والانتاج والمساهمة في بناء النظام الاقتصادي والسياسي للمجتمع . ولايقتصر اهتمام الاسلام على المستوى العائلي بالرجل ، بل اعطى المرأة اهمية خاصة منذ بداية انشاء المؤسسة العائلية فتستطيع المرأة ان تشترط شروطاً شرعية جائزة في صيغة العقد ، إلا أن تحرم حلالاً وتحلل حراماً ، وعلى الزوج وجوب الوفاء بتلك الشروط لعموم « المؤمنون عند شروطهم » . وحفظاً لحقوقها ، فقد اشترط في صحة عقد الزواج ان يكون لكليهما العقل ، والبلوغ ، والرشد ، والخلو من المحرمات السببية والنسبية . واوجب في صيغة عقد الزواج الايجاب منها والقبول منه . واحل لها الاسلام الخيار بين فسخ العقد او امضائه في العيوب الموجبة كالعيوب الجنسية مثل الخصاء والجب والعنن ، والعيوب العقلية كالاضطراب العقلي او الجنون . واحل لها ايضاً خيار الفسخ للتدليس ، وخيار الفسخ لتخلف الشروط ، اذا كان عدم النقص شرطاً من شروط العقد ، او وصفاً ، او بني العقد على اساسه . وفرض لها حق الصداق وهو حق من حقوقها المالية ، تملكه بالعقد كاملاً مع الدخول ، وشقاً مع عدم الدخول ، الا انه ليس شرطاً في صحة العقد . وبطبيعة الحال ، ومن اجل حفظ حقوق الزوجة ، فقد قسمت الشريعة الاسلامية المهر المخصص لها الى ثلاثة اقسام وهو : المهر المسمى ، ومهر المثل ، والتفويض . وهذه الاقسام تشمل مساحة واسعة من الضمانات المالية للزوجة ، كالصداق الذي تراضى عليه الزوجان وهو المهر المسمى ، او تعارف الناس عليه وهو مهر المثل ، او ترك التعيين لاحدهما وهو مهر التفويض . ولاشك ان المهر المالي المفروض يعتبرأول بوادرالاستقلال الاقتصادي والاستثماري للزوجة خلال حياتها . واوجب لها ايضاً النفقة مع ثبوت الطاعة والتمكين ؛ واوجب النفقة ايضاً للمعتدة من الطلاق الرجعي حاملاً كانت او حائلاً ، والمعتدة من الطلاق البائن اذا كانت حاملاً فقط . وقال بعض الفقهاء باستقرار نفقة الزوجة في ذمة الزوج ، حيث لو اخل بالنفقة كان عليه قضاؤها ، على عكس نفقة الوالدين والآباء . وترك الاسلام تحديد مقدار النفقة للمقاييس الارتكازية العقلائية التي تعارف عليها الناس . وفي الأرث ، فان الزوجة ترث مع جميع المراتب . وفي كل مرتبة من مراتب الأرث ، فان للمرأة حضوراً متساوياً مع حضور الرجل ، ففي المرتبة الاولى، حيث يرث الابوان والاولاد تدخل الام والبنات . وفي المرتبة الثانية ، حيث يرث الاجداد والاخوة تدخل الجدة والاخوات . وفي المرتبة الثالثة ، حيث يرث الاعمام والاخوال تدخل العمات والخالات . وتتغير السهام المفروضة بالنسبة للذكور والاناث حفظاً لمصالحهم الاجتماعية والاقتصادية . وفي احكام الوصية ، فان للموصي الحق في تعيين من اراد من النساء او الرجال وصية عهدية او تمليكية من ثلث تركته . ولم تتوقف الاحكام الشرعية عند هذا الحد بل نظرت الى مصلحة المرأة بالنسبة للانساب . ونستطيع أن نوجز خصائص الأسرة فى الصورة التالية : 1- أن الأساس الذى تقوم عليه الأسرة هو علاقة زواجية يتعارف المجتمع على مشروعيتها . 2- أن أفراد الأسرة كوحدة اجتماعية يرتبطون مع بعضهم البعض بروابط الزواج ، والد ، فى اطار ثقافة المجتمع بما فيه من عادات وأعراف وقيم سائدة . 3- ان أفراد الأسرة كوحدة يعيشون تحت سقف واحد ، ويشتركون فى استخدام نفس المكان الذى يمارسون فيه حياتهم الأسرية المشتركة ويحققون فيه مصالحهم وحاجاتهم الحياتية. 4- أن التفاعل داخل نطاق الأسرة يتأثر بما يسود الأسرة من ظروف ، كما يتأثر بما يسود الجماعة الأكبر أو المجتمع من متغيرات . 5- يرتبط أفراد الأسرة باسم عائلى مشترك يعمل على تعزيز روابط التفاعل الاجتماعى داخل الأسرة النووية ويمتد به الى القرابة الأشمل . 6- للأسرة أشكالا مختلفة ، كالأسرة الزواجية ، والأسرة النووية ، والأسرة الممتدة . اذا تشير الأسرة الزواجية الى تلك الوحدة المكونة من الزوج والزوجة ، بينما تشير الأسرة النووية الى الزوج والزوجة والأطفال القصر وغير المتزوجين . فى الوقت الذى تشمل فيه الأسرة الممتدة علاقات تتجاوز الأسرة النووية مثل الجد والجدة ، واخوة الزوج وأخواته والزوجة والأطفال .

 
 
 
 
 
 
 
 
 
د . صلاح الدين السرسي 
سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.