التوافق الزواجى بين الواقع والتحديات

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الجمعة, يوليو 3, 2015 - 18:43

الأسرة العربية دعامتها الرئيسة ونقطة ارتكازها هى عملية الزواج . ولا توجد أسرة حسب المفهوم الثقافى الحاكم والمستمد من الأديان السماوية عامة والدين الاسلامى على وجه الخصوص بدون ان يكون الزواج هو الركيزة والأساس الذى ينهض عليه البناء الاجتماعى كله . والأسرة هى الخلية الجرثومية والخلية الجذعية لكل بنية اجتماعية تالية ، أو نسق سياسي اقتصادي أوسع سواء كانت هذه البنية أسرة أو عشيرة أو قبيلة أو مؤسسة سياسية – اقتصادية أو اجتماعية يضمها المجتمع العربى الحديث . وظلت الأسرة تمثل الخلية المستقرة نسبيا طوال القرون الماضية منذ ظهور الإسلام وحتى الآن . والمرجعيات الحاكمة للأسرة من حيث البنية والوظيفة وتحديد الأدوار جميعها مرجعيات دينية . العرف أو القانون الحاكم لها مستمد مباشرة من الأديان السماوية . ساعد هذا الوضع على المحافظة على الثبات النسبى لهذه المؤسسة الأساس ، ولم ينالها التطور أو التغيير طوال قرون عدة ، ولم تتم مناقشة لشئونها أو أسسها بعيدا عن العقيدة الدينية . ورغم أن التنظيم والتشريع الاسلاميين يغطى كل جوانب وأركان هذه المؤسسة ، سواء فى النشأة أو فى الوظيفة أو فى معالجة المشكلات التى تعتريها ، ويمثل التناول الدينى لهذه الأمور رؤية متعمقة ومتقدمة على الكثير من النظم الحاكمة للأسر فى ثقافات أخرى عديدة منها بطبيعة الحال الثقافة الغربية ؛ لكن الجمود والتخلف الذى اعترى المجتمعات الإسلامية عموما انعكس على تناولهم للأسرة وثبت زاوية الرؤية لديهم ، وبدلا من أن تكون المثل الدينية ذات الرؤية التقدمية حية نابضة فى مسارب العلاقات الأسرية ، تم التركيز على الشكل وأهمل المضمون . فأصبحت الأسرة فى الكثير من مجتمعاتنا كيان قائم يخلو من النبض ويعانى من ضعف الأساسات ويشكو من أنيميا انسانية حادة لقصور واضح فى عناصر الدماء المتدفقة فضلا عن ضيق بل وانسداد فى الكثير من قنوات التواصل بها . بقاء الأسرة رهن فى مجتمعاتنا باستمرار وبقاء نظام الزواج . ولا شك أننا مع الصدام المستمر الناتج عن عدوانية الغرب الثقافية أو غزوه أو تأثيره نزداد تمسكا وتشبثا بنظامنا الأسرى باعتباره الوعاء الحيوى الحامل لعناصر هويتنا الثقافية . ورغم الكثير من الآفات الاجتماعية والأخلاقية التى أصابت قطاعات عريضة من أبناء مجتمعنا فإننا لا نتقبل أية علاقة خارج النظام الأسرى ونرفض بشدة النتائج المترتبة على العلاقات غير المشروعة من الوجهة الدينية والتى تتطابق معها تقريبا التقاليد والأعراف السائدة . تجاهلنا مفهوم التوافق الزواجى العماد الرئيسى لبقاء الأسرة والحفاظ على كيانها كأسرة قوية متماسكة مشبعة لاحتياجات أعضائها النفسية والجسمية والاجتماعية ، دافعة بهؤلاء الأعضاء لتكوين أنوية أسرية جديدة ، متحررة من العقد والأمراض ، قادرة على الحب ، والانتاج . عاملة ومشاركة فى انجازات العالم الذى تعيش فيه . ولأنها هى النواة واللبنة المشكلة لكل النظم والأبنية والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، تنعكس قوتها وتماسكها بصورة مباشرة على المجتمع ، بقوتها يقوى ، وبتماسكها يتماسك ، وبصحتها يصح ، ضعفها وهن له وتفككها تحلل له وبمرضها وكثرة عللها يمرض المجتمع وتنشر فيه العلل الاجتماعية والانحرافات السلوكية . والقرآن يصور طبيعة النوع الذي يريده الله . . فهو إحصان . . هو حفظ وصيانة . . هو حماية ووقاية . . هو إحصان للرجل وإحصان للمرأة . وهو إحصان للبيت والأسرة والأطفال . إحصان لهذة المؤسسة التي تقوم على هذا الأساس ثابتة راسخة وطيدة . وأما الآخر:سفاح . . مفاعلة من السفح ، وهو إراقة الماء في المنحدر الواطى ء ! مسافحة يشترك فيها الرجل والمرأة ، فيريقان ماء الحياة ، الذي جعله الله لامتداد النوع ، ورقيه ، عن طريق اشتراك الرجل والمرأة في إنجاب الذرية وتربيتها وحضانتها وصيانتها . فإذا هما يريقانه للذة العابرة ، والنزوة العارضة . يريقانه في السفح الواطى ء ! فلا يحصنهما من الدنس ، ولا يحصن الذرية من التلف ، ولا يحصن البيت من البوار ! وهكذا يرسم التعبير القرآني صورتين كاملتين لنوعين من الحياة ؛ في كلمتين اثنتين . ويبلغ غايته من تحسين الصورة التي يرتضيها ، وتبشيع الصورة التي لا يرتضيها ، بينما هو يقرر حقيقة كل من الصورتين في واقع الحياة . التوافق الزواجى: التوافق الزواجى فى أحد تعريفاته هو توافق فى الاختيار المناسب للزوج والاستعداد للحياة الزواجية والدخول فيها والحب المتبادل بين الزوجين والإشباع الجنسى وتحمل مسئوليات الحياة الزواجية والقدرة على حل مشكلاتها والاستقرار الزيجى والرضا والسعادة الزواجية . ويعتمد التوافق الزواجى على تصميم كل من الزوجين على مواجهة المشكلات المادية والاجتماعية والصحية ، والعمل على تحقيق الانسجام والمحبة المتبادلة . وللتوافق الزواجى خمسة عناصر رئيسية هى: 1- الاختيار الزواجى . 2- التوافق الأسرى. 3- النضج الانفعالى . 4- النضج الاجتماعى. 5- العلاقات الشخصية. وسوف نتناول بإذن الله فى المقال القادم الاختيار الزواجى بين الواقع والمفروض . وسنجد أن هناك هوة واسعة بين مايجرى فى واقع مجتمعاتنا ، حيث العنصر المسيطر فى الاختيار هو الثروة والسلطة ، العائلة ، أو الدخل ، ثم بعض الخصائص الأخرى ثانوية التأثير فى عملية التوافق الزواجى كالجمال أو الوسامة ، المؤهل ، الوظيفة . ورغم أهمية بعض هذه العناصر لكنها لا تصنع بذاتها توافقا ولا تشبع الحاجات الأساسية التى شرع لها الزواج . وسنتعرف على بعض الأمثلة التى بعدت بنا كثيرا عن روح الدين ، وحادت عن الأسس الراسخة لإقامة المؤسسة النواة لكل المؤسات الأخرى والتى هى حصننا وهويتنا . وسنكتشف أن من يقوم بالاختيار او الرفض أو الاعتماد ليس طرفى العلاقة وانما الاعتبارات الاستراتيجية الاقتصادية لرب الأسرة . ومن خلال منظوره الذى يتجاهل الكثير من اعتبارات التوافق وتركز على الفوائد والمردود المادى الأمر الذى تسبب فى الكثير من المشاكل وأدى إلى ارتفاع نسب الطلاق فى كل المجتمعات العربية ، حتى أن حالات التوافق الزواجى أصبحت وكأنها الاستثناء الذى يخرج عن القاعدة . من هذه الصور رفض الآباء تزويج بناتهم؛ بغرض رغبتهم في الاستيلاء على رواتبهن، أو منع الفتاة من الزواج إلا من ابن العم أو الخال أو أحد الأقارب حتى لا يذهب ميراثها للغريب، وكذلك قد يأتي في صورة منع المرأة المطلقة من العودة لزوجها رغما عنها. كما كشف الاستبيان الذى أجرته جريدة "عكاظ" السعودية في أغسطس 2005 تأكيد 65% من أفراد العينة التي سحبت من أفراد في المجتمع السعودي على أن هناك عضلا من قبل الأولياء يمارسونه على من لهم حق الوصاية عليهن من النساء، وهو ما يشير إلى أن حجم انتشار الظاهرة ليس بالقليل. وسوف نتناول فى المقالة القادمة هذه الظاهرة وأثرها على التوافق الزواجى ومن ثم التوافق الأسرى وانعكاسه على المجتمع بإذن الله

 

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.