أهمية التنشئة الاجتماعية للطفل والأسرة

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الأربعاء, يونيو 17, 2015 - 10:43

عندما نتعرض لمعالجة التنشئة الاجتماعية ونوضح أهميتها ، خاصة وأن هناك قصورا واضحا تعانى منه مجتمعاتنا فى التنشئة الاجتماعية الصحية والصحيحة تنعكس على ما يعانيه شباب اليوم وفتياته ممن تعوزهم مهارات التعامل مع الذات ومع الأهل ومع رفاقهم واخوانهم ومع مجتمعاتهم ومع المجتمع الانسانى العام ، لابد من استعراض المفهوم الاسلامى لعملية التنشئة الاجتماعية حتى نكون على يقين من صحة ما نذهب اليه . 

لقد قرر القرآن الكريم أن الإنسان يولد على الفطرة، كما في قوله تعالى{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم:30)، وأكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله(كل مولود يولد على الفطرة؛ حتى يُعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) رواه عبدالرزاق والطبراني عن الأسود بن سريع، وفي رواية الترمذي عن أبي هريرة t قال صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الملة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويشركانه..)، وقوله كل من صيغ العموم، وعليه فالخبر يشمل كل مولود مسلماً كان أو كافراً، ويؤكده أسلوب الحصر والقصر في رواية البخاري عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة...) فهل يعنى ذلك ترك الوليد الإنسانى وشأنه ، لأنه سوف يشب على دين الفطرة وهو الإسلام ؟ 
يقول الله سبحانه وتعالى فى محكم كتابه : ((والله أخرجكم من بُطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) [النحل:78]

والآية قاطعة في الإجابة عن هذا السؤال بالنفي. فالعلم إذاً يُكتسب كله بعد الميلاد. ولكن هل معنى ذلك أن العقل يأتي صفحة بيضاء تكتب عليها الحواس ما تريد؟ كلا! والحديث النبوى الشريف يوضح هذه القضية. فالإنسان يولد ولديه الاستعداد الكامن لبذور تنمو بنموه وتبلغ كمالها بنضجه الإ أن هذا الاستعداد يمكن أن تعارضه المؤثرات الخارجية . ويشير هذا الى أمرين :

أحدهما: أن الإنسان يولد وفي عقله بذرةالتوحيد، أي الإقرار بأنه لا إله يستحق أن يعبد إلا الإله الذي هو الخالق الواحد.
وثانيهما: أن هذا الإنسان يولد بفطرة لا تناسبها اعتقاداً وسلوكاً إلا الحقائق والأحكام التي جاء بها الإسلام. لكن هذه الحقائق والأحكام هو أمور يكتسبها من خلال التنشئة الاجتماعية .
وقد ذهب علماء اللغة الى أن المراد بالفطرة: الخِلقة والجِبِلَّة والطبع، أي أن الله خلقهم على حالة تمكنهم من إدراك الحق وقبوله. وهو قول أهل اللغة.


ويمكننا القول بأن الإنسان يولد مهيئاً لقبول الخير وفعل الخيرات، سواء أكانت أفكاراً أم سلوكاً أم مشاعر، لكن بعض عوامل التنشئة قد تتدخل وتؤثر عليه فتنحرف فطرته. ولذلك تأتى أهمية التنشئة الاجتماعية لتهيأ هذا الانسان للطريق القويم وتجعل منه انسانا يتصف بالصلاح ووتماشى أفكاره ومشاعره وسلوكياته مع ماجاء به الدين الحنيف 
فالطفل ليس كائنا متلقيا وحسب، إنه مبدع منذ البداية، ولو تفحصنا تصوراته للعالم وتعبيراته الانفعالية لوجدناها -على بساطتها- تعبيرات وتصورات مبدعة، إن هذه الأصالة الفطرية هي مفتاح النمو السوي للأطفال وهي- لكي تفصح عن ذاتها إفصاحا كاملا -تقتضي منا معاونة الطفل على الاقتراب التلقائي من العالم والدخول في علاقة حميمة مع البشر والطبيعة، وهي علاقة تربط الطفل بالعالم دون أن تمحو هويته الثقافية أو تشوهها، إن هذه هي مسؤولية الكبار نحو الطفل آباءً كانوا أو معلمين. وإذا غابت هذه الحقيقية عن المربين فإنهم سيكونون على وعي منهم أو من غير وعي أداة لتخريب النمو السوي في الطفل وذلك عبر أفانين غامضة. 
إن الخطر الأكبر في حياتنا المجتمعية يتمثل في جهل المربيين بالأصول العلمية لتربية الأطفال ففي التربية، وفي تربية الأطفال قانون صارم هو أنه إذا كنت لا تربي تربية علمية صحيحة فأنت تربي تربية خاطئة، والتربية الخاطئة تؤدي إلى تدمير الأطفال نفسيا وعقليا واجتماعيا. وبناء على هذا القانون التربوي فإن أية تربية نقدمها للطفل تلحق به الأذى وتدمره إذا لم تكن تربية علمية، أي أنها تقوم على وعي علمي رصين ومتكامل وأصيل بمختلف معطيات علم الطفولة وتربية الأطفال. 

التنشئة الاجتماعية وأساليبها:

التشكيل الاجتماعى للأفراد وطرق تكوين شخصياتهم عملية تربوية بالمفهوم الواسع من التربية ... وهى عملية تقوم بها وسائل مباشرة وغير مباشرة تؤدى لتكوين الفرد فى صورة اجتماعية معينة . والطفل يولد مخلوقا مرنا يسلط عليه المجتمع فى مواقف متنوعة وعلى مراحل متدرجة مؤثرات مختلفة ، تشكله فى النمط الذى يضمن لهذا المجتمع عناصر البقاء والاستمرار . كذلك يسعى الناشىء جاهدًا أثناء عملية نموه إلى بلوغ ذلك النمط أو الاقتراب منه على الأقل مسترشدًا ومتأثرًا فى ذلك بما يسود من نظم الجزاء ، إذ تؤكد المثوبة بمختلف أنواعها رضاء المجتمع وموافقته على ما أتى من سلوك ، كما ينبه العقاب إلى مواطن المخالفة فيحذر منها ويردع عنها .ومن ثم كان لكل مجتمع من المجتمعات قوالب اجتماعية تعتبر أنماطها مثلا عليا تعمل على تشكيل الأفراد فيها . وليس معنى هذا أن جميع الأفراد ينجحون فى بلوغ النمط المنشود ، كما أن المجتمعات تختلف فى إحكامها وضبطها لعملية التشكيل ، إذ يتوقف ذلك على ظروف ذلك المجتمع بين السراء والضراء وحين البأس.

فالتنشئة الاجتماعية هى العملية التى يتم من خلالها نقل تراث المجتمع إلى أفراده وبالتالى تمكينهم من المشاركة فى الحياة الاجتماعية . 
هي عملية يكتسب الأطفال من خلالها الحكم الخلقي والضبط الذاتي اللازم لهم حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسئولين في مجتمعهم . 
وهي عملية تعلم وتعليم وتربية ، تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى إكساب الفرد (طفلاً فمراهقاً فراشداً فشيخاً) سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة ، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي ، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية. 
وتسهم أطراف عديدة في عملية التنشئة الاجتماعية كالأسرة و المدرسة و المسجد والرفاق و غيرها إلا أن أهمها الأسرة بلا شك ،كونها المجتمع الإنساني الأول الذي يعيش فيه الطفل ، والذي تنفرد في تشكيل شخصية الطفل لسنوات عديدة من حياته تعتبر حاسمة في بناء شخصيته . 
ويكتسب دور الأسرة أهميته فى التنشئة الاجتماعية نتيجة للآتى : 
1-تأكيد الدراسات التى أجريت على التنشئة الاجتماعية لتأثير العلاقة بين الأبوين والأطفال على نمو شخصياتهم وعلى مظاهر النمو العقلى واللغوى والاجتماعى لديهم . 
2-ما أكدته آراء التحليليين القدامى والجدد وغيرهم من تأثير الخبرات المبكرة على سلامة الشخصية وعلى الصحة النفسية فى المستقبل . 
3-ما كشفت عنه الحركات العلمية ودراسات الصحة النفسيية من وجود علاقات بين أنماط التفاعل الأسرى والعلاقات الأسرية وبين مايصاب به الأبناء من اضطرابات نفسية أو ما يتعرضون له من انحرافات سلوكية . 

أهداف التنشئة الاجتماعية :

غرس عوامل ضبط داخلية للسلوك وتلك التي يحتويها الضمير و تصبح جزءاً أساسياً ، لذا فإن مكونات الضمير إذا كانت من الأنواع الإيجابية فإن هذا الضمير يوصف بأنه حي ، وأفضل أسلوب لإقامة نسق الضمير في ذات الطفل أن يكون الأبوين قدوة لأبنائهما حيث ينبغي ألا يأتي أحدهما أو كلاهما بنمط سلوكي مخالف للقيم الدينية و الآداب الاجتماعية .
توفير الجو الاجتماعي السليم الصالح و اللازم لعملية التنشئة الاجتماعية حيث يتوفر الجو الاجتماعي للطفل من وجوده في أسرة مكتملة تضم الأب والأم والأخوة حيث يلعب كل منهما دوراً في حياة الطفل .
تحقيق النضج النفسي حيث لا يكفي لكي تكون الأسرة سليمة متمتعة بالصحة النفسية أن تكون العلاقات السائدة بين هذه العناصر متزنة سليمة و إلا تعثر الطفل في نموه النفسي ، والواقع أن الأسرة تنجح في تحقيق النضج النفسي للطفل إذا مانجحت في توفير العناصرالتالية :
تفهم الوالدين وإدراكهما ووعيهما بحاجات الطفل السيكولوجية والعاطفية المرتبطة بنموه وتطور نمو فكرته عن نفسه وعن علاقته بغيره من الناس وإدراك الوالدين لرغبات الطفل ودوافعه التي تكون وراء سلوكه وقد يعجز عن التعبير عنها . 5
تعليم الطفل المهارات التي تمكنه من الاندماج في المجتمع ، والتعاون مع أعضاءه والاشتراك في نواحي النشاط المختلفة وتعليمه أدواره ، ما له وما عليه ، وطريقة التنسيق بينهما وبين تصرفاته في مختلف المواقف ، وتعليمه كيف يكون عضواً نافعاً في المجتمع وتقويم وضبط سلوكه .

 

 

 

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.