عقاب الأبناء.. بين التربية والإيذاء

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الأربعاء, يونيو 17, 2015 - 10:00

"رفع الأب يده وكال لابنه عدة ضربات قوية معاقباً إياه على خطئه ومنفساً عن بركان غضبه ، انهالت الأم على ابنتها صفعاً وهي تصرخ بصوت مرتفع والابنة تشاركها الصراخ المقترن بالبكاء.."
صورة متكررة في كثير من المنازل التي تتحول أرجاؤها إلى ساحة للصراع الدائم بين الآباء والأبناء..
فالضرب هو أيسر السبل التي يلجأ إليها الأب والأم لمعاقبة الأطفال عن خطأ ارتكبوه ، سواء كان خطأً عارضاً أو متكرراً ، مقصوداً أو غير متعمد ، سرياً أو معلناً..لأنه لا يحتاج لتفكير ولا لسابق ترتيب..وهو يظهر الأب والأم في صورة القوي المسيطر بينما يبدو فيه الطفل الضعيف المقهور..كما أنه يعطي نتيجة فورية حيث بكف الطفل في هذه اللحظة عن هذا الخطأ الذي تم ارتكابه وإن كان هذا لا يعني إقلاعه أو اقتناعه بترك الخطأ..فضلاً عن أن فيه تنفيس جيد وتعبير صارخ وردة فعل قوية لكل ما انتاب المربي من الغضب جراء أفعال أبنائه أو نتيجة ضغوط مسبقة خارجية أو داخلية..بل إنه الأسلوب الأكثر شهرة بين الأسر في مجتمعاتنا حتى أن الأب والأم الذين لا يستخدمون آلية الضرب غالباً ما يتهمون بالتراخي والضعف وعدم القدرة على تربية الأبناء..
فهل الضرب هو الأسلوب الأمثل لمعاقبة الأبناء..وهل عملية التربية عملية أحادية الاتجاه يمثل العقاب أهم أركانها وحجرها الأساس الذي تقوم عليها..وهل يمكننا أن نضع بعض القواعد لتقنين عملية العقاب إذا اضررنا لاستخدامها.. ؟؟!
لعلنا نجيب على ذلك فيما يلي:
بدايةً يجب أن نقر أن التربية عملية صعبة وطويلة ومستمرة ، لابد أن يبذل فيها الأب والأم جهداً كبيراً لضبط وتوجيه سلوك الأبناء ، فلو وجد هؤلاء الأطفال المطيعون المنظمون الذين يحترمون القواعد والنظام لكانت التربية من أيسر وأمتع ما يقوم به المرء في حياته..ولكننا إذا كنا نشقى ونتعب في تطويع وتسخير الآلات الجامدة والتي تحتاج لضبط وصيانة وإصلاح بين حين وآخر ، فهل نستكثر أن نبذل جهداً موازياً في صناعة أدق وأبقى ألا وهي صناعة البشر.. 
لذا فمن المهم أن ندرك صعوبة ودقة عملية التربية التي تحتاج منا إلى تخطيط وترتيب ، ووضع عددٍ من القواعد التي تنظمها وتحددها حتى لا تترك عشوائية بلا انضباط خاضعة للأحوال النفسية والتقلبات المزاجية بل ومتروكة لآلية الفعل ورد الفعل لدى كل من الآباء والأبناء ؛ فهذه القواعد والثوابت مهما كانت صارمة أفضل بكثير من أن يعيش الطفل مشتتاً لا يعرف الصواب من الخطأ ، ولا يدرك متى يعاقب ويحاسب ومتى يثاب أو يكافئ ..
العقاب كوسيلة للتربية لا للإيذاء:
ما هو العقاب : العقاب هو إلحاق أذى نفسي أو بدني بالطفل جزاء على سلوك معين قام به ، وهو مهم لعملية التربية لأنه يكون بمثابة القانون الذي يحكم السلوك..
ولكن العقاب على أهميته يقف كوسيلة من وسائل التربية بل ربما أضعفها ؛ حيث يرتب علماء التربية الوسائل التربوية حسب أهميتها كالتالي: القـــدوة، والثــواب، والعقــاب ، أي إن العقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية.
أما المرتبة الثانية في وسائل التربية فيحتلها الثواب ، الذي هو بمثابة الوجه الآخر لعملية العقاب ، وقديماً قالوا:"بضدها تتميز الأشياء" ، وهو ما يوضح أثر الثواب كقوة معادلة للعقاب تعززه وتزيد من أثره..فلابد أن يعرف الطفل معنى الثواب ليدرك حجم العقاب ، ولابد أن يفرح بالمكافأة ليتألم من الحرمان منها..ولابد أن يسعد بكلمات التشجيع لتدرك نفسه أثر اللوم والعتاب والتوبيخ..
وإذا اختار المربي العقاب كحل أخير لمعالجة خطأ سلوكيات ابنه فلابد من الانتباه لبعض القواعد والمحددات لهذا الأسلوب:
- أولاً: أن نضع في اعتبارنا أن الطفل ليس إنساناً رشيداً يدرك الأمور بمدركاتنا ويقف على الفارق الكبير بين الصواب والخطأ ، ويرتكب الأخطاء عمداً انتقاماً منا أو لممارسة العناد..بل إن للطفل مدركاته الخاصة وطبيعته في فهم الأشياء وكلما اقتربنا من عالمه وأتقنا لغته كلما كان الحوار أفضل وعملية التربية والتوجيه أيسر..
- أن الطفل لديه طاقة زائدة لو أحسنا توجيهها في الأنشطة الهادفة واللعب المربي ، لتجنبنا الكثير من المشكلات التي تحدث من الأطفال الذين عادة ما يعبرون عن مللهم وسأمهم بارتكاب الأخطاء وإحداث الأضرار والتلف فيما حولهم..
- أن يكون الجزاء من جنس العمل..فلكل خطأ حجم العقاب الذي يناسبه ، فإذا انهلت على طفلي بالضرب لمجرد أنه سكب كوب العصير على الفراش أو حطم لعبته..فماذا ادخر للأخطاء الكبيرة..؟؟
- أن نقدر عمر الطفل وطبيعة العقاب الذي يناسبه ، وكلما ابتعدنا عن استخدام العنف اللفظي أو الجسدي كلما كان الأمر أفضل وأجدى..
- أن يكون العقاب تربوياً لغرس قيمة إيجابية أو استبعاد قيمة سلبية ، وهو جزء من مجموعة من القواعد والمحددات التي وضعناها مسبقاً لعملية التربية ، وليس ردة فعل أو تنفيساً عن غضب ذاتي للأب أو الأم يفرغ بها أحدهما أو كلاهما غضبه من الطفل أو من أي ضغوط خارجية تواجهه..
- ألا يحدث العقاب إلا بعد مناقشة الخطأ معه وأخذ موافقته على أنه يستحق العقاب..
- ألا ننهي عن خلق ونأتي مثله كأن نصرخ فيه ليكف عن رفع الصوت..أو نضربه ليكف عن ضرب أخته أو أخيه..أو نسبه لمنعه عن السباب..فهل سيدرك الطفل حينئذ سبب العقاب أم سيراه أمراً يؤتيه الكبار ومن الجور معاقبة الصغار عليه..
هل العقاب يعني الضرب؟؟
يخطئ الكثير من المربين في اختزال عملية التربية في العقاب ، واختزال وسائل العقاب في الضرب ؛ لأن عملية التربية عملية واسعة ممتدة تختلف وسائلها وتتباين أساليبها ، أما العقاب فله وسائل عدة يمكن للمربي استخدامها والتدرج فيها ، وكلما كانت العلاقة حميمة بين الآباء والأبناء ، كلما كان العقاب أجدى وأقوى أثراً على نفس الطفل الذي سيفتقد في فترات العقاب هذه العلاقة الدافئة والمشاعر الطيبة التي كان يحظى بها من قبل..
ومن وسائل العقاب كما وردت في كتاب " فن تربية الأولاد في الإسلام":
1 - النظرة الحادة : وهى ما تسمى " البحلقة " والتي يكون لها أثرها القوي على بعض الأطفال..
2 - الهمهمة : وهى صوت يخرج من الحنجرة يدل على الإنكار وينبه الطفل إلى ما وقع منه.
3 - الإهمال : وهو تجاهل الطفل بعدم توجيه الحديث إليه أو بإدارة الوجه والصمت عنه إذا تحدث ..فإن شعر بخطئه عليك بتوضيحه له ، وتوضيح السلوك الحسن الذي كان يجب أن يتبعه ليكون الطفل على وعي بما ارتكب..
4 - الحرمان : من مصروف أو نزهة، أو أي شيء يحبه الطفل..
5 - الهجر والخصام : على ألا يزيد على ثلاثة أيام ، وأن يرجع عنه مباشرة عندما يعترف الطفل بخطئه.
6 - التهديد : شرط أن ينفذ إذا تهاون الطفل ، وإذا كان هناك قدر من الحزم فإن التهديد يكون له أثره القوي على الطفل..
7 - شد الأذن: وقد فعله النبى (صلى الله عليه وسلم) ) فعن عبد الله بن بسر المازنى الصحابى (رضى الله عنه) قال: «بعثتنى أمى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقطف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذنى وقال: «يا غدر».
8 - الضرب وآخر الدواء الكى، فلا يكون الضرب إلا عند استنفاد أساليب التربية جميعها، ووسائل العقاب كلها..
ومن شروط الضرب:
- الضرب كالملح للطعام فالقليل منه يكفي والكثير منه يفسد..
- لا تضرب وأنت منفعل وغاضب حتى لا يكون الضرب تنفيساً عن غضب وليس للتربية..
- منح الطفل فرصة قبل ضربه إذا كان الخطأ للمرة الأولى..
- التذكير بالخطأ عند القيام بالضرب ليدرك الطفل أن الضرب لتوجيه سلوكه وليس لمجرد إيذائه..
- عدم ضربه أمام الغرباء أو أمام من يحب..
- ألا نأمر الطفل بالكف عن البكاء أثناء الضرب..أو نطلب منه الاعتذار حينها لأن في هذا إهدار لكرامته ، وإذا ما هدأ الطفل واعترف بخطئه نسرع بملاطفته وتكرار توضيح سبب الضرب حتى لا يقع فيه مرة أخرى..
وفي النهاية نرجو أن يكون للتربية بالحب والتأديب بالرفق والتوجيه بالموعظة الحسنة دورها الأول في تهذيب الأبناء ، وغرس القيم الطيبة في نفوسهم الغضة..

 

 

 

أ. شروق محمد 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.