تطور النمو العقلى للرضيع

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 16, 2015 - 17:21

يختلف النشاط العقلى عند الرضيع اختلافًا واضحا عنه لدى طفل الرابعة ، ومع ذلك نجد عند الرضيع بداية لإدراك العالم وفهمه . ويرجع الفضل فى معرفتنا بطبيعة الحياة العقلية للرضيع وللطفل الذى لم يتكلم بعد الى جهود وملاحظات جان بياجيه أحد علماء النفس السويسريين المبدعين الذى قدم عدة فروض تتصل بنمو الذكاء عند الطفل . 
يرى بياجيه أن الذكاء هو القدرة على التكيف للبيئة وأن تطور نتمو هذه القثدرة يمر خلال مرحلتين أساسيتين فى تطور النمو العقلى : الذكاء الحسى الحركى ( من الميلاد وحتى السنتين تقريباً ) ثم الذكاء التصورى (conceptual intelligence) ( من السنة الثانية الى النضج ) وخلال المرحلة الحسية الحركية فإن عمليات التكيف عند الطفل لا تتضمن استخدامًا واسعًا للرموز أو اللغة . فقدرة الطفل فى الشهر العاشر من عمره على أن يجد لعبة تحت الوسادة أو على أن يهز (شخليلة) حتى يحدث بها شيئًا من الضجة لا تتطلب معرفة باللغة . وتعد هذه الأفعال والتصرفات سابقة على اللغة . 
وينقسم الطور الحسى الحركى بدوره إلى ستة مراحل نمو تغطى تقريبًا الشهور الثمانية عشرة الأولى من الحياة . 
المرحلة الأولى : (مرحلة الأفعال المنعكسة) 
تمتد هذه المرحلة منذ الولادة الى الشهر الأول فتكون الأفعال المنعكسة الفطرية كحركات الامتصاص استجابة للتنبيه الصادر عن حلمة الثدى ، تصبح أكثر كفاءة وفعالية . وتكون هذه الاستجابات سلوك التكيف الرئيسى عند الكائن الحى . 
المرحلة الثانية :( الإنعكاسات الدورية الأولية primary curricular reactions )
تتميز هذه المرحلة بظهور تكرارات لأفعال بسيطة تتكرر بغرض التكرار فقط . ومن أمثلة هذه الإنعكاسات الدورية الأولية الامتصاص المتكرر ، وفتح قبضة اليد ثم غلقها بصفة متكررة ، وتكرر العبث فى الغطاء بالأصابع . وغالبًا لا يكون وراء هذا النشاط هدف أو غرض ولا يهتم الطفل فيه بالتأثير الذى يحدثه سلوكه فى البيئة . 
ويرى بياجيه أن المراحل الأ{بعة التالية يتضمن النشاط فيها القصد والغرض الى حد أكبر بكثير . 
المرحلة الثالثة : الانعكاسات الدورية الثانوية : (من الشهر الرابع الى الشهر السادس ) 
يكرر الطفل فى هذه المرحلة الاستجابات التى تحدث آثارًا مسلية . فقد يكررالطفل الركل بساقيه ليحدث حركة تذبذب أو تأرجح فى لعبة معلقة فوق سريره . ويبدو الأمر وكأن الطفل قد اكتشف بالصدفة أن سلوكًا معينًا " هو الركل بالساقين " يحدث تغيرًا مثيرًا فى البيئة الخارجية " تأرجح اللعبة " ويكرر الطفل السلوك من أجل أن يشاهد التغير فى البيئة . فى حين تكون المرحلة السابقة مرحلة الانعكاسات الدورية الأولية تكرار السلوك فيها هو لمجرد التكرار فقط وليس بقصد إحداث تأثير مشوق . 
المرحلة الرابعة : التآزر بين الانعكاسات الثانوية ( من الشهر السابع الى الشهر العاشر)
فى هذه المرحلة يبدأ الطفل فيها فى حل المشكلات البسيطة . فبقدرة بالرضيع الآن أن يستخدم استجابة تمكن منها وسيطر عليها كوسيلة للحصول على غرض أو هدف معين . فهو قد يركل الوسادة بقدمه حتى يحصل على لعبة مخبأة تحتها . فى الوقت الذى كان فيه فى المرحلة السابقة يكرر ركله للوسادة لمجرد أن يراها تسقط . أما فى هذه المرحلة فهو يستخدم هذه الاستجابة المتعلمة كوسيلة لتحصيل هدف مرغوب ، وليس باعتبارها غاية فى حد ذاتها . 
المرحلة الخامسة : الانعكاسات الدورية الثلاثية (من الشهر الحادى عشر الى الشهر الثامن عشر)
يظهر الطفل فى هذه المرحلة شبئًا من التجريب النشط من خلال المحاولة والخطأ . وينوع من استجاباته خلال هذه الفترة ازاء الشىء الواحد اذ أنه يقوم بتجربة استجابات جديدة من من أجل الوصول الى نفس الهدف ، فالطفل الذى تعلم أن يضرب وسادته بقبضته ليحصل على لعبة ، قد يحاول عندئذ أن يركلها بقدمه أو أن يسقطها بالشخليلة ، فالطفل يبدى هنا روح السلوك المسمى بسلوك حل المشكلات . حيث أنه يجرب استجابات جديدة (وسائل) ليتبين أى هذه الاستجابات أكثر فعالية فى تحقيق الهدف (الغاية) وكأن الطفل قد استطاع الآن أن يفرق ويميز بين أفعاله وبين نتائجها النهائية التى تحدث فى البيئة . ويعنى هذا أ،ه قد بدأ يتعلم وجود عالم خارجى من الأشياء المنفصلة عنه، وبإمكانه إحداث أثر فى هذا العالم الخارجى المحيط به . 
المرحلة السادسة : اختراع وسائل جديدة عن طريق التأليف والمزج العقلى (من الشهر الثامن عشر وبعده ) 
فى هذه المرحلة يبدو وكأن الطفل يفكر فى الآثار التى تترتب استجابة معينة ، ويقوم بتقدير فعالية الاستجابات من قبل أن تصدر عنه . وتلك هى البادرة الأولى من بعد النظر foresight والبداية البدائية لفترة التفكير التصورى . فالطفل فى هذه المرحلة يقوم بتقدير ذهنى لجدوى الاستجابة التى يقدم عليها قبل أن يقوم بها . فإذا أراد الطفل وضع حبة من الخرز فى فتحة صندوق ، فإنه يقدر فتحة الصندوق وحجم الخرزة التى بيده ، فإذا قدر أن الفتحة أضيق من حجم الخرزة لم يقدم على ادخالها فى حين أنه فى المراحل السابقة كان سيحاول ذلك ويكرر هذه المحاولات . 
ويرى بياجيه أن العالم البصرى للطفل يتكون خلال الشهرين أو الثلاثة الأولى من الحياة من سلسلة من الصور البصرية الطيارة التى لا ثبات لها . ويكون الحال كما ولو كان الطفل يركب قطارًا ويشاهد الدنيا تمر من أمامه . وهو يتابع المثير ببصره إلى أن يخرج عن خط رؤيته فيتوقف عندئذ عن البحث عنه . بالإضافة إلى أن أى مثير جديد يسترعى انتباهه بسهولة . 
وفيما بين الشهر الثالث والسادس ، يحدث التآزر بين البصر وبين حركات الذراعين واليدين عند الطفل . فيحاول عندئذ الوصول إلى الأشياء التى يراها ، ولكنه لا يحاول أن يمد يديه إلى الأشياء التى تقع خارج مجاله البصرى المباشر. 
أما خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة الأولى فإن الطفل يتقدم خطوة للأمام . فقد يحاول الطفل الوصول الى شىء مختف عن نظره إن كان قد لاحظه وهو يختفى . فإذا كان الطفل قد رأى أمه وهى تضع الزجاجة تحت البطانية أخذ يبحث عنها فى هذا المكان . 
أما خلال الشهور الستة الأولى من السنة الثانية فإن الطفل يصبح قادرًا على تفسير "التحول المكانى " للأشياء . فإخفاء الشىء تحت الوسادة يؤدى عند طفل المرحلة السابقة الى البحث عنه ، ولكن اذا عادت الأم وأخفته تحت وسادة ثانية ، فإنه يمضى فى البحث عنه تحت الوسادة الأولى . أما فى هذه المرحلة فيكون بكنته البحث عنه تحت الوسادة الثانية مما يوضح قدرته على ادراك تحول الأشياء من مكان إلى مكان .
وتتميز المرحلة الأخيرة من عملية اكتساب تصور أو مفهوم ثبات الأشياء يبحث الطفل عن الأشياء التى لم يشاهد بالفعل عملية اخفائها . فالأم اذا اطلعت الطفل على لعبة فى شكل حصان فى صندوق ، ثم وضعت الحصان والصندوق تحت البطانية أو الغطاء ثم استبعدت الصندوق بدون الحصان ، أخذ الطفل يبحث عن الحصان تحت الغطاء ، وكأنه يدرك ضرورة وجوده فى هذا المكان . مثل هذا السلوك لا يحدث خلال المراحل السابقة مما يشير الى أن الطفل قد أخذ يلتفت الى ثبات الأشياء وأنها لا ينتهى بها الأمر الى مجرد الاختفاء والزوال .

 

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.