تطور النمو الانفعالى لدى الرضيع

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 16, 2015 - 17:15

الانفعال عبارة عن حدوث استجابة فسيولوجية تتسم بدرجة ما من الشدة (زيادة مفاجئة فى ضربات القلب ، انقباض فى عضلات المعدة ، ازدياد فى ضغط الدم ، ازياد التوتر العضلى ، إفراز لهرمو الأدرينالين) على أن يحدث هذا بالارتباط مع شىء داخلى من قبيل الحاجة أو الصورة البصرية أو الفكرة أو شىء من المنبهات الخارجية . والصفة التى نضفيها على الانفعال - خوف ، فرح ، أسف - يتحدد حسب مضمون الصورة البصرية أو السمعية أو طبيعة الحاجة الداخلية أو معنى المثير الخارجى .

وقد عرضنا فى المقالة السابقة لتطور النمو العقلى للرضيع والتى يمكن تسميتها بمرحلة النشاط الحسى الحركى Sensor motor period من الميلاد وحتى نهاية العام الأول والتى قسمها بياجيه لست مراحل فرعية شرحناها بشىء من التفصيل ، هذا النشاط الحسى الحركى هو الذى يمكن الرضيع من تطوير انفعالاته فى علاقتيه بالبيئة الداخلية والخارجية . فتمايز الانفعالات وتفاوتها إلى حد كبير انما يتطلب تعلم عدد كبير من الرموز المعقدة والمتمايزة . فالطفل لا يمكنه أن يخبر انفعال الشعور بالذنب إلا بعد أن يفهم معنى المخالفة أو الإساءة . كما أن انفعالات الحزن والاكتئاب تتطلب أن يتمكن الطفل من فهم معنى فقدان شىء محبوب أو الإخفاق فى أمر ما أو الفشل فى تحصيل هدف مرغوب . وبطبيعة الحال تكون حصيلة الطفل من الخبرة والفهم محدودة ، فإننا نجد أن جعبته من الانفعالات تكون محدودة كذلك فهى فى بادىء الأمر تتألف فقط من اللذة والألم ؛ ورغم أن بكاء الطفل وابتسامه وتعبيراته قد تبدو فى الظاهر شبيهة بالاستجابات الانفعالية المعقدة لدى الراشد إلا أن هذا التشابه لايعدو كونه أمر سطحى ، فمن المشكوك فيه أن يخبر الرضع الحالات الانفعالية المعقدة من قبيل الفرح أو القلق أو التقزز .
غير أننا مع ذلك نجد أن الكثير من الاستجابات الظاهرة التى تعد فى العادة علامات على الحالات الانفعالية - كاحتقان الوجه أو الضحك أو التطويح بالذراعين أو خفض الرأس والوجه - تظهر فى وقت مبكر عند معظم الأطفال . بالإضافة إلى أن النواحى الفسيولوجية التى تصاحب الاستثارة الانفعالية تكون جزءًا من قدرات الرضيع غير المتعلمة، فالرضع الذين لاتزيد أعمارهم عن ثلاثة شهور يظهر عليهم الفعل المنعكس الخاص بالجلد ( استجابة العرق التى تكشف عن نقصان مقاومة الجلد) ، أو التغيرات فى ضربات القلب اثر التنبيه بالألم الطفيف ، وكذلك الأصوات العالية .
ويلعب نضج القدرات الادراكية للطفل دورًا هامًا فى تطور النمو الانفعالى . فكلما نضج الطفل ازدادت قدرته على التمييز بين المنبهات مثل الوجوه المبتسمة والوجوه العابسة ، ولأصوات السارة اللطيفة وغير اللطيفة ، والحركات الودودة والغاضبة . والكثير من الرضع يبتسمون فيما بين الشهر الثانى والسادس من العمر من غير تمييز استجابة للوجوه أو الأقنعة المهتزة ، بغض النظر عما إذا كان تعبير الوجه سارًا أم غير سار من وجهة نظر الراشدين . غير أن بعض الأطفال يبدو عليهم فى النصف الثانى من السنة الأولى الدليل على قدرة التمييز بين الناس حيث نراهم يبتسمون لمن يعرفونهم ويبدون استجابة الخوف للغرباء .
وتؤثر الفروق فى العوامل التكوينية فى استجابات الطفل الانفعالية وفى درجة هذه الانفعالات . ذلك أن المواليد الجدد يتفاوتون فيما بينهم تفاوتًا واضحا من حيث التأثر والاستجابة لكل أنواع التنبيه الانفعالى بقدر تفاوتهم فى مستوى النشاط العام . فالأطفال الذين يكونون على مستوى عال من التهيج عقب ولادتهم مباشرة يحتفظون بهذه الخاصية طوال مرحلة الرضاعة . كما توجد فروق فردية واسعة بين صغار الرضع فى استجابية الجهاز العصبى المستقل وفى شدة التغيرات الفسيولوجية خلال الأحداث المشحونة انفعاليًا.
ومن شأن هذه الفروق فى الحساسية - التى قد تعود الى مزيج من المؤثرات الوراثية وقبل الولادية وبعد الولادية - تؤثر فى النمو الانفعالى للطفل .
وكلما تقدم العمر ازداد تنوع أنماط الاستجابات الانفعالية وتمايزها وأمكن التعرف عليها . فكلما نضج الرضيع ، ازداد امكتن التمييز بين استجابات الخوف واستجابات الغضب عنده بسهولة . كما أن قدرة المثيرات المعينة فى استثارة الغضب والخوف تتفاوت بحسب شدة هذه المثيرات وطول مدتها كما تتفاوت أيضًا بحسب حالة الطفل الفسيولوجية وبحسب نشاطه الذى يكون مستغرقًا فيه . فالرضع حين يخبرون الإحباط عند سحب زجاجات الرضاعة منهم ، تختلف استجابتهم اذ نجد أن الرضع الذين يكونون قد تناولوا جزءًا كبيرًا من اللبن يستجيبون بدرجة أبطأ من الرضع البذين لم يتناولوا إلا قدرًا ضئيلاً . كما أن الرضع يكونون أقل فى ميلهم للتفزز startled من الأصوات العالية اذا كان هناك من يمسك بهم فى أمن وطمأنينة ، مما لوكانوا بمفردهم فى موقف غريب.
والرضيع يحتاج إلى ملامسة الأم لبشرته ، هذه الحاجة المرتبطة بأسلوب تغذية الطفل من خلال منعكس المص الطبيعى الذى يولد الطفل مزودًا به . واتصال الرضيع بثدى الأم يشعره بالأمان . وسلوك الالتصاق بالأم يعمم من الأم إلى الأشخاص الآخرين فى قابل العمر ويؤدى إلى زيادة التطبيع الاجتماعى . فى نفس الوقت الذى تدعم فيه استجابة الرضيع للأم تدعم سلوك الأم وتدفعها لتقديم المزيد من الرعاية والاهتمام بالطفل .
وتعلم خاصية التوقع لدى الرضيع يتم تطورها من خلال علاقة الرضيع بالأم وبالبيئة المتصلة بها ، ويتألم بالقطع عندما يتعرض لمظاهر بيئية غريبة وغير مألوفة .
وبدءًا من الشهر الثامن تقريبًا ترتبط عملية الرضاعة والامتصاص بحاستى الإبصار والسمع . كما يكتسب الوضع الذى يقدم فيه الغذاء للطفل دلالة نفسية عميقة ، فوضع الطفل أثناء تغذيته فى مواجهة الأم يدعم العلاقات الشخصية المتبادلة بين الطفل والأم .
الصراخ والبكاء : تبدأ حياتنا عادة بصرخة الميلاد ، وطوال الأسبوعين التاليين على الولادة يصرف الطفل ما يقارب الساعتين يوميًا فى البكاء . ولا يبكى الطفل بدون سبب، انما يبكى نتيجة شعوره بالجوع أو الألم أو عدم الارتياح ، ويمكن للأم خلال السنة الأولى أن تفهم لغة البكاء ومت تشير اليه ، وتميز بين البكاء المعبر عن الجوع عن البكاء المعبر عن حاجة الطفل إلى وجود الأم وملاصقتها له والبكاء الدال على وجود شىء ما يؤلمه أو يزعجه ، وإشباع الأم لحاجة الطفل تجلب له الرضا وتكسبه الشعور بالأمن والاطمئنان .
والمناغاة التى تعبر عن حالة الرضا والسرور ، تزداد كلما استجابت الأم لها كما تزداد كلما استجاب لها الأفراد الموجودين فى محيطه ، تيدأ هذه المناغاة فى الشهر الثالث أو الرابع من العمر . وتظهر الابتسامة الاجتماعية فى عمر شهرين تقريبًا وغالبًا ماتكون الأم هى موضع ومثار هذه الابتسامة .

ومع نهاية السنة الأولى من العمر تتحقق للطفل درجة من الاستقلالية الجسمية عن الأم وتنمو لديه مجموعة من الإمكانات أهمها :

  1. درجة وعى بالعالم الخارجى .
  2. قدرة على التواصل مع الآخرين من خلال الأصوات .
  3. اكتساب بعض المهارات الحركية التى تمهد له امكانية المشى فيما بعد .

ويمكننا القول بأن التغيرات فى الاستجابات الانفعالية هى نتاج للتفاعلات المعقدة بين النضج والتعلم . وأن قدرة الطفل على اصدار استجابات انفعالية متزايدة التمايز والتباين مثل الحزن أو الخوف أو السرور إنما تتوقف على النضج البيلوجى من ناحية وعلى خبراته التعلمية من ناحية أخرى .

 

 

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.