حاجات الرضيع ودوافعه

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 16, 2015 - 11:11

لاشك أن جعبة المولود الحديث من الحاجات محدودة لا تتضمن الا الحاجات الاولية من جوع وعطش وتجنب للألم , واتصال لمسى واستثارة ودفء وتبرز وتبول . ولهذا كان على الطفل ان يكتسب الكثير من الدوافع المكتسبة التى تلعب دورا رئيسيا هاما فى حياته المستقبلية و المبادئ التى ذكرناها سابقًا تزودنا بأسس تفيدنا فى فهم اكتساب الحاجات والدوافع المكتسبة.
ومع ذلك فإن نظرية التعلم لا تكاد تفيدنا فى الاهتداء الى الدوافع المعينة التى ينتظر ان تكون لها الاهمية العظمى فى نمو شخصية الطفل فى حضارتنا. لكننا مع ذلك نجد انه فى ميسورنا ان نستخلص عددا من الفروض المبدئية عن العوامل الرئيسية التى تحدد سلوك الطفل والمراهق استخلاصا مصدره نظريات نمو الشخصية (مثل نظرية التحليل النفسى) والبحوث التجربية والملاحظات الاكلينيكية التى تنصب على الاطفال.
وحين نتعرض لهذا الموضوع علينا ان نلتفت الى ان الاطفال والكبار لا يكونون دائما على وعى بدوافعهم . أعنى اننا حين نجد طفلا غير قادر على ان يحدد السبب الذى من اجله فعل ما فعل (اعنى غير واع بدوافعه) نقول ان دوافع الطفل دوافع لا شعورية. مثال ذلك ان الطفل الذى يعترض ويحتج فى صخب على اظهار امه لحبها له, قد تكون لديه دوافع كراهية لا شعورية يعمل على اخفائها . وكأن اعتراضه على حب امه له يحميه من اشباع دوافع الكراهية عنده تلك الدوافع التى لا يتقبلها المجتمع. والدوافع من شأنها ان تتحول الى دوافع لا شعورية اذا هى كانت متضمنة لأفكار او افعال تتناقض ومفهوم الفرد عن نفسه او تتناقض مع النحو الذى يظن انه "ينبغى ان يكون عليه" . ومن الطبيعى ان وعى الفرد بأمثال هذه الدوافع امر قد يثير القلق او الشعور بالخطيئة او تأثيم الذات عند الفرد.

 

نماذج لبعض الدوافع الهامة :
سنوضح بعض الدوافع المتعلمة التى يبدوا انها على جانب كبير من الاهمية فى بناء شخصية الطفل ونموها. وأن كان من الصعب علينا فى اكثر الحالات ان نحدد بالتفصيل كيف يتم تعلم هذه الدوافع . ذلك ان بعض هذه الدوافع كالقلق مثلا قد اتخذ موضوعا للبحث المستفيض من الناحية التجريبية والناحية الاكلينيكية, على حين ان بعضها الاخر تبين ان من الصعب دراسته دراسة مضبوطة دقيقة.
الحب:
يتألف هذا الدافع من عنصرين يكون من الصعب فى اكثر الاحيان الفصل بينهما : الرغبة فى الود من الاخرين والرغبة فى الحصول على الحنو والحنان من الاخرين. فأما الرغبة فى الود من الاخرين فانها الرغبة فى الالتصاق المادى مع شخص اخر التصاقا يتخذ صورة الاحتضان والتقبيل والربت . واما الرغبة فى الحنو والحنان فانها الرغبة فى ان يحصل الفرد من شخص اخر او جماعة اخرى على المساعدة والحماية والمعونة والتأييد.
العداوة:
يشير هذا الدافع الى الرغبة فى الحاق الاذى او الجروح او التدمير او الايلام بفرد او شئ .
السيطرة:
وهذه هى الرغبة فى التأثير فى الاخرين او السيطرة عليهم او مقاومة مطالب الاخرين.
الجنس:
يشير هذا الدافع فى اضيق معنى له الى الرغبة فى تلك الاحاسيس الملذة التى تنتج عن استثارة المنطقة التناسلية . ومن الواضح ان حصول اللذة من وراء استثارة هذه المنطقه يعود الى ان الانسان ذا طبيعة بيولوجية. لكننا نلاحظ انه كلما ازداد حظ الفرد من النضوج اصبحت الاستثارة الجنسية واصبح اشباع الناحية الجنسية مرتبطين بطائفة متنوعة من المواقف والناس, وترتب على ذلك ايضا ظهور عدد من الدوافع المتعلمة عند الفرد مثل الرغبة فى الكتب او الافلام الجنسية او الشغف باستطلاع الاعضاء الجنسية.
الانتماء:
وهو دافع الى تكوين الصداقات او الارتباط مع الاخرين.
الاقتدار:
ويشير هذا الدافع الى رغبة الطفل فى ان تنمو مهاراته الى الحد الذى يسمح له بالسيطرة على جوانب بيئته. وعند الطفل فى السنة الاولى والثانية من عمره يتبدى هذا الدافع فى محاولات الطفل الجاهدة فى ان يقف ويمشى, وفى بناءه المتأنى للأبراج من مكعبات الخشب,وفى اصراره على ان يقوم بتغذية نفسه. وعند الاطفال الذين هم فى سن المدرسة الابتدائية تتضمن هذه الرغبة فى الاقتدار حاجة هؤلاء الاطفال الى الاحساس بكفاءتهم فى الاعمال التى تتصل بالكبار (من قبيل ادراك المهارات العقلية, وتعلم كيفية التفاعل مع الاخرين, والرغبة فى استطلاع العالم من حولهم) . على ان جانبا كبيرا من تقدير المرء لذاته يستند على اشباعه لدوافع الاقتدار هذه.
اى انه يكون من الصعب على المرء ان ينظر الى نفسه نظرة ايجابية (اى ان يحسن تقدير نفسه) ان هو عجز عن السيطرة على هذه الاعمال التى تعد متطلبات لازمة للاسهام الفعال فى حياة المجتمع.
وبتقدم العمر تتشابك الرغبة فى الاقتدار مع غيرها من الدوافع (مثل الحاجة الى التقدير والاعتراف من المجتمع) بحيث يصبح من الخطأ ان نفترض ان طفل الثانية من العمر الذى يبدى اندفاعا شديدا الى الاقتدار على المشى سيكون فى مستقبل حياته مندفعا اندفاعا شديدا الى الاقتدار فى الموضوعات الدراسية.
الاعتراف والتقدير:
الدافع الى الاعتراف والتقدير يشير الى الرغبة فى تحصيل المدح والانتباه من الاخرين, الى تحصيل المركز (status) والمكانة العالية (prestige) مع الاقران واصحاب السلطة (authority figures) .
المعقولية (Rationality) :
يشير هذا الدافع الى رغبة الفرد فى ان يتواصل مع غيره تواصلا مفهوما واضح المعنى وفى نسق متناسق, والى حاجة الفرد الى ان تكون تصرفاته وسلوكه وافكاره معقولة منطقية. وهذا الدافع وان كان ضعيفا خافتا عند طفل الثانية من العمر, الا ان قوته تزداد كلما اقترب الطفل من دخول المدرسة واخذ يتهيأ لذلك.
والقائمة السابقة, على الرغم من انها ناقصة غير كاملة, تشتمل على الدوافع الاساسية التى يرى كثير من المختصين بعلم النفس انها توجه كثيرا من سلوك الطفل. كما انه من المهم, حين نحاول وصف جهاز الدوافع عند فرد ما, ان نقوم بتحديد المواقف التى ينشط فيها كل دوافع وانماط المواقف او الاشخاص الذين من شأنهم ان يستثيروا هذا الدافع عند الفرد. اى اننا لا نكاد نفيد شيئا اذا قلنا ان لدى هذا الطفل دافعا للعداوة, ثم لم نقم بتحديد اصناف الناس الذين يوجه اليهم الطفل عدوانه (مثل الام او الاب او الاخ او الرفاق) وبتحديد انواع المواقف التى تستثير مشاعر العداوة عنده (كأن تثور العداوة عنده حين يشعر بالاحباط بسبب عجزه عن حل مسألة حساب, او حين يتنافس مع اخيه, او حين يحال بينه وبين ارتداء ملابس معينة) .

 

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.