تطور لغة الرضيع وعلاقته بالتعلم
للوالدين دور فعال فى تطوير لغة الاتصال للطفل منذ ولادته ، فاستجابات كمص الأصابع والبكاء والابتسام وإصدار الأصوات، تعد الرضيع من الناحية البدنية للكلام، كما أن سماع الطفل لصوت الأم يساعده على استخدام اللغة .فخلال المرحلة التى يتدرب فيها الطفل على استجابة البكاء ، فإنه يتعلم الاستجابة لأصوات الآخرين . فالكبار الذين يقومون بتغذية الطفل وتدليله ورعايته يقومون بكل ذلك وهم يتحدثون اليه ، وهو ما يؤدى الى اكتساب الطفل لنغمات صوتية انسانية معينة تمثل مكافأة أو إثابة للطفل ويضحى بالإمكان تعميم هذه المكافأة أو الإثابة التى تكتسبها الأصوات اللغوية أثناء مناغاة الطفل ، الأمر الذى يؤدى الى تدعيم سلوك المناغاة عنده .
وأول اتصال للطفل بتلك الجوانب المتعارف عليها فى اللغة يتمثل فى تعلمه استخدام الكلمات التى ينطقها غيره من الناس بوصفها علامات لاستجاباته . وعلى سبيل المثال أن كلمة "لا" التى تقال بحدة وغضب يتبعها عادة عقاب لا سبيل الى تجنبه إلا بالتوقف أو الانسحاب . من هنا نجد أن التوقف يصبح فى آخر الأمر استجابة استباقية تترتب على كلمة " لا " الحادة الغاضبة بدون العقاب . كما نجد أن كلمة " لا " تكتسب قدرة على اثارة القلق ، الأمر الذى يترتب عليه أن تصبح كل استجابة يترتب عليها التخلص من الآثار المترتبة على " لا" استجابة مثابة . وفى الحقيقة أن نوع العلامة التى يتعلم الطفل الاستجابة لها وأسلوب استجابته لها يتوقفان بالطبع على قدرته على التعلم فى السن التى هو فيها ، وعلى قدر ما يحاول الوالدان تعليمه للطفل .
فاللغة هي وسيلة الطفل الأهم للاتصال، فضلاً عن أنها تساعده على تطوير مهارات معقدة مثل الإدراك وتكوين صور فكرية معنوية. وهناك الكثير من النظريات التي تفسر كيفية اكتساب اللغة، ولكن الشيء المؤكد هو الدور الذي يلعبه الوالدين في تطوير المهارات اللغوية لدى الطفل الرضيع، لذلك يؤكد الخبراء أهمية إشراك الوالدين لطفلهما الرضيع في حوار منذ ولادته من أجل تطوير المهارات اللغوية لديه.
فهناك دورة اتصال طبيعية بين الطفل الرضيع ووالديه، اللذين يستطيعان استغلال تلك الدورة في حث مهارات الاتصال اللغوي لدى الطفل الرضيع . وإذا لم تكتمل تلك الدورة فتأثيرها السلبي شديد على عدم قدرة الطفل على الاتصال اللغوي .
وفى نفس الوقت الذى يثاب فيه الطفل على استجابته للكلمات بوصفها علامات ، نجده يتعلم بالتدريج جانبًا آخر من جوانب اللغة هو تحديدًا استجابة نطق الكلمات . فلو فرضنا أن قطعة من الحلوى بعيدة عن متناول الطفل لوجدنا أن استجابة الإشارة اليها بالجسم والعينين ومحاولة الوصول اليها باليد كثيرًا ما نتثاب بأن يسارع أحد الكبار لإعطائها له . فإذا كانت الإيماءات والحركات مقروننتان بصوت من الأصوات لازداد احتمال اثابتها . ولو كان الصوت كلمة مناسبة لكان احتمال الإثابة لها أكبر . ونجد أن العناصر التى تتطلب قدرًا أكبر من المجهود تسقط ، فى الوقت الذى نجد فيه أن الاستجابة اللفظية التى هى أقل جهدًا وأكثر حظًا من الإثابة ، تكتسب طابعًا استباقيًا وتدوم . فالطفل كأنه يتعلم الكلام لأن المجتمع يجعل من الكلام الذى هو الاستجابة التى تكلف أقل مجهود ، الاستجابة ذات القيمة الأعلى .
ويوجه الطفل فى تدريبه على الربط بين الكلمات وبين الأشاء والربط بين الأفعال والكلمات . كما يدرب فى حرص وعناية على الربط بين الكلمات بعضها وبعض ، وعلى ربط الكلمات فى ترتي وتتابع .
يزيد الأطفال الرضع من إصدار الأصوات إذا ما وجدوا استجابة من الوالدين لتلك الأصوات. لو لم يصدر الرضيع أصواتاً فإن رغبة والديه في الاتصال معه يمكن أن تقل. ويتعلم الرضيع فهم اللغة عندما يسمع الألفاظ تطلق على الأشياء ويدرك أن إصدار الأصوات يمكنه من الاتصال بالآخرين والتعامل مع كل ما يحيط به.
ومن الأمور المتعارف عليها ، أن الأم الصالحة هى الأم التى تحب طفلها وتهتم بتلبية حاجاته . كما أننا نتوقع من الأم حين تقوم بتلبية حاجات طفلها أن تناغيه وأن تخرج منها أصوات لطيفة رقيقة . هذان الأمران المتمثلان فى الرعاية الحانية الممتزجة بالتصويت يحدثان عند الرضيع ميلاً للإستجابة بالرضا والارتياح لأصوات الآخرين أولاً ثم للأصوات التى تصدر عنه فيما بعد ذلك .
فى البدء يدرك الطفل الأصوات التى تصدر عن الأم على أنها تمتمات أو غمغمة غير واضحة أو متمايزة ولكنه يميز بعد ذلك من بين هذه الأصوات كلمات يمكن التعرف عليها ، كلمات يتطلع الطفل إليها لما تحدثه من ارتياح وطمأنينة لديه . ويحدث خلال التصويت العشوائى أن يصل للطفل صوت يتضح له أنه شبيه بالصوت الذى تحدثه الأم أو الأب ، فينشأ لدى الطفل دافع لتكرار اصدار هذا الصوت مرة ومرات وإلى محاولة الوصول به إلى درجة الإتقان ، طالما كانت اعادته على نحو الاتقان يحدث قدرًا من من الارتياح أكبر مما تحدثه اعادة الصوت على صورة ناقصة أو غير متقنة . هذه العملية يمكن أن نسميها التعلم بالمحاولة والخطأ فيما بين الطفل ونفسه ... وأن نجاح جهود الطفل فى التصويت لا تتوقف بالضرورة على استجابات الآخرين ، بقدر ماهى مرتبطة باستجابة الطفل نفسه للأصوات التى تصدر عنه .
وينبغي عدم السخرية من الطفل عند الخطأ في نطق الكلمات لما لذلك من تأثير سلبي على ثقة الطفل في نفسه. ولو أدرك الطفل أنه لا غبار عليه إن أخطأ في نطق الكلمات، فإنه سوف يتعلم أسرع عن طريق المحاولة والخطأ .
وإصدار الطفل للأصوات الشبيهة بالكلمات فى بادىء الأمر على أساس من الاجترار تؤدى بالتحديد الى أن الطفل حين يجد نفسه وحيدًا أو فزعًا أو جائعًا أو يشعر بالبرد أو الضيق أو الملل يمكنه أن يريح نفسه ويشغلها بإصدار أصوات سبق لها أن ارتبطت بالراحة والإئتناس . وأن هذه الأصوات تصبح بمثابة " الإيقاع المحبب" الذى يكرره الكائن الحى لما تحدثه من ارتياح فى داخل نفس الكائن الحى . ويحدث بعد أن يتم تعلم بعض الأصوات الخاصة على أساس الاجترار ، أن يتهيأ المسرح لتعلم استخدامها بوصفها أدوات أو وسائل لتحقيق غايات فيما يتصل بتفاعل الطفل بالعالم الخارجى . وتلك تمثل مرحلة ثانية فى تعلم اللغة .
إن أناشيد هدهدة الطفل تفيد جداً في هذا المجال لأن ما بها من تنغيم للكلمات يساعد الطفل على تعلم الكلمات أسرع، وتحوي أيضاً تفاعلاً اجتماعياً.
وهذه أهم المؤشرات التى تميز الطفل فى هذا العمر :
من 12 إلى 15 شهراً: يستطيع الطفل فهم الكلمات والتعبيرات المألوفة، ويمكنه أن يستجيب عندما ينادي على اسمه. ويمكن أن يتبع الإرشادات والأوامر البسيطة مثل "صفق" وقل مع السلامة" ويمكن أن ينصت لحكاية تقص عليه .
من 15 إلى 18 شهراً: يستطيع الطفل النطق بعبارة من كلمتين، واستخدام كلمة (لا) ويمكن أن تكون لديه حصيلة مفردات مكونة من 30 إلى 50 كلمة ويمكن أن يكتسب كلمات جديدة .
من 18 إلى 24 شهراً: يستطيع الطفل أن يفهم الجمل ويقلد كلمات وحركات أجسام الكبار ويمكن أن يذكر اسمه.
أما السلوكيات التى يعنى افتقاد الطفل لها وجود مشكلة تستعى الاستشارة المتخصصة فتتمثل فى المؤشرات التالية:
• عند عمر 18 شهراً لا يستطيع الطفل فهم عبارات بسيطة مثل: أعط هذا لماما ،ولا يستطيع ربط الأشخاص المألوفين لديه بأسمائهم. ويستخدم أقل من 10 كلمات .
• عند عمر العامين لا يستطيع الطفل النطق ببعض الحروف مثل (ب ، د ، ن ، ت) ولا يستخدم عبارات مكونة من كلمتين.
• الأطفال الذين لا يلقون إلا الإهمال الشديد والذين ترتبط ارتباطاتهم بالكبار أو تقل ، يكونون أبطأ فى تعلمهم للكلام ، بل قد يدوم تأخرهم فى الكلام طوال حياتهم .
د. صلاح الدين السرسي