الدوائر الاجتماعية للرضيع

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 16, 2015 - 10:46

يأخذ نمو الطفل الاجتماعى شكل مراحل متداخلة وإن كانت كل مرحلة تتميز عن غيرها بمجموعة من الخصائص ، على سبيل المثال عند الشهر الأول، يعبر الأطفال الرضع عن مشاعرهم بالعين المتسعة المتيقظة، والفم المستدير، وتنمو الرابطة بين الآباء وأطفالهم خلال هذه المرحلة . بين الشهر الثانى والرابع، ينمو مع الطفل الاتصال الحميم مع من يقدمون الرعاية له، كما يتوقفون عن البكاء أكثر مع ظهور الشخص الذى يتولى أمر رعايته ، وهذا الشخص يتمثل فى الغالب فى الأم كما يجذبون الأشخاص لهم من خلال الاتصال البصرى والمداومة عليه مع تحريك الذراع بجانب الابتسامة . أما فى الشهر الرابع وحتى السادس، فإن الطفل يكون اجتماعياً أكثر كما يحب الضحك والتدليك، ويصبح معبراً ومتابعاً لحركة الأشخاص (يتحرك بطريقة تأرجحية) مع الطبيب أو الأشخاص التى تمر بالحجرة، وتضحى التعبيرات الوجهية أكثر ثباتًا تعكس الغضب أو الفرح والاهتمام والخوف أو الاشمئزاز أو الدهشة . و فى الفترة ما بين الشهر السادس حتى التاسع، تتطور مع الطفل رابطة قوية بالأم والأشخاص الأخرين المهمين فى حياته خاصة هؤلاء الذين يقومون على أمر رعايته والاعتناء به ويظهرون له الحب والتودد المنتظم . وتقوى هذه الرابطة بتعلم الطفل الثقة بمن يقدم له الرعاية . وتتطور الذاكرة لديه ويتعرف على الأشخاص الذين يحبونه. ورغم أن الطفل فى هذه المرحلة يبدأ فى التعرف على الأشخاص الآخرين ، أو من يكونون بالنسبة له فى عداد الغرباء ، لكنه يشعر بالافتقاد للأم أو للمربية عند الابتعاد عنه ويعبر عن ذلك الافتقاد بالبكاء والالتفات بعيداً أو إصدار أفعال سلوكية قوية تسمى بـ "الاحتجاج على الانفصال"، وقد يُظهِر الطفل الخوف من الأشخاص الذين لا يعرفهم ويسمى بـ "القلق من الغرباء".
يستمر كلا من "الاحتجاج على الانفصال" و "القلق من الغرباء"، لكنه يقل تدريجياً بين الشهر التاسع والثانى عشر. ينمو مع الطفل تفضيل واضح لبعض الأشخاص بعينهم ويظهر عاطفة تجاههم، مع إصدار الحركات المتزايدة عند تواجدهم والتى تظهر فى صورة الحبو لاكتشاف العالم الذى يوجد من حوله.
بمجرد أن يُكون الأطفال الارتباطات الانتقائية غالباً ما يُظهروا إمارات القلق في حالة تواجد الغرباء و معظم الرضع فيما بين(5-8)شهور عادةً ما يكونون على حذر عند قدوم الغرباء. فيميلون إلي العبوس والبكاء.
عادة يصل قلق الغرباء إلي ذروته بنهاية السنة الأولي وبعد ذلك يضعف تدريجياً حيث يبدأ الأطفال تعلم عدم الخوف من الآخرين لمجرد أنهم ليسوا مألوفين لديهم.
من المفيد للآباء أن يكونوا علي دراية أن قلق الغرباء قد ينمو في النصف الثاني من السنة الأولي ويمكنهم أن يخففوا من قلق طفلهم وانزعاجه . وذلك عن طريق تنظيم اكتساب خبرات اجتماعية ايجابية خلال الستة أشهر الأولي من حياته ,فالأطفال الذين يتلقون استثارة اجتماعية اكبر في حباتهم المبكرة بواسطة الربت عليهم والإمساك بهم وحملهم واللعب معهم كلما كانوا اقل ميلاً للقلق نحو الغرباء.
مع اقتراب نهاية عامه الأول، قد يبدو طفلك غير اجتماعي، يبكي عندما يكون وحده أو يقلق عندما يوضع بين ذراعي شخص آخر غيرك الأم أو الأب ، ويعانى بعض الأطفال مما يسمى بقلق الانفصال ، والذى يلغ ذروته بين الشهرين العاشر والثامن عشر. طفلك فى هذه المرحلة يُؤْثِرُك على سائر البشر ويحزن إن لم تكن الأم أو الأب بجواره. ويصبح وجود الأم هو الطريقة الوحيدة لتهدئته. 
أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الشهر الثالث عشر والثالث والعشرين فيكونون أكثر اهتماماً بالعالم الخارجي وبالدرجة الأساسية بكيفية ارتباط كل ما في هذا العالم بهم. وحين يتعلّم طفلك التحدث والتواصل مع الآخرين ، فإنه يتعلّم أيضاً تكوين الصداقات. ويمكنه الاستمتاع بصحبة أترابه الذين هم في سنّه أو أكبر منه. 
وبين العامين الأول والثاني من العمر، ويرغب الطفل بشدة في الاحتفاظ بألعابه لنفسه . وسيحاول الطفل تقليد أترابه ويمضي الكثير من الوقت وهو يراقب ماذا يفعلون. لذلك يحتاج الطفل الى أسلوب خاص فى التعامل معه فى هذه المرحلة حتى يتمكن من الإئتلاف مع الأشخاص الآخرين الذين كان يخاف منهم فى السابق . ومرحلة الخوف من الغرباء عامة مرحلة طبيعية ، فلا تقلق وتعامل معه برفق وشجعه كلما كان فى حضرة الأهل أو المعارف ، وطمأنته ، واشعاره بالأمن سيكون له الأثر الأكبر فى تواصله مع الآخرين وعدم خوفه منهم والتعود عليهم ، وإن كان سيظل لفترة غير قصيرة متمركز حول نفسه ، لكنه بالتدريج سيتجاوز هذه المرحلة اذا ما كان المناخ الأسرى الذى يعيش فيه مستقرًا وآمنا ومنسجمًا .
عندما يصبح الأطفال في مرحلة ماقبل المدرسة نجد أشكال وارتباطاتهم المبكرة تصبح أقل أهمية ويتخلص من قلق الغرباء وقلق الانفصال .
أن الأطفال مابين 10-18 شهراً ويمكن أن يلاحظ عليهم بعض التغير البسيط في ردود فعلهم للانفصالات الوجيزة القصيرة .
أما في سن الثانية فيكونون أقل قلقاً وانزعاجاً عما كانوا عليه في سنتهم الأولى وذلك عندما تتركهم أمهاتهم لدقائق معدودة .وطفل الثالثة أقل انزعاجاً من طفل الثانية وطفل الرابعة نادراً ما يتأثر ... فأثناء نمو قدرة الطفل على احتمال الغرباء والانفصال يبدأ في محاولته وسعيه الانفصال والتفرد عن الوالدين وهذه الأحداث النمائية تمهد السبيل لكي يؤكد الأطفال و ذواتهم كأشخاص مستقلين .
وقد تبين أن هناك بعدين أساسيين لسلوك الأمهات لهما أهمية خاصة فى التفاعل بين الأم والطفل . هذان البعدان هما الكراهية فى مقابل الحب ، والإفراط فى السيطرة والضبط فى مقابل منح الاستقلال الذاتى . ومن الممكن الجمع بين هذين البعدين على عدة أنحاء مختلفة ، فقد تكون الأم المحبة مسيطرة ومقيدة ، أو قد تعطى طفلها حرية التصرف وتسمح له باستكشاف عالمه وبأن يتخير هو لنفسه القيود والحدود التى يلتزم بها . كما أننا قد نجد أن الأم التى تنبذ طفلها إما أن تقيد نشاط الطفل وإما لاتكترث به وتدعه يفعل مايشاء . 
ومن هنا يمكن التمييز بين أربعة أنماط عامة من سلوك الأم : الحب والتقييد ، الحب والتسامح ، النبذ والتقييد ، وأخيرًا النبذ مع التسامح . 
والطفل لابد وأن يدفع ويحفز الى اكتساب السلوك الذى تعارفت عليه الجماعة والذى يطلب منه أن يسلك أو يتصرف وفقًا له . ولعل من اهم الدوافع والحوافز الفعاله في هذه الرغبه في ارضاء لوالد المحب الحاني , وذلك لان النجاح في عمليه التطبيع الاجتماعي يتضمن نوعا من الصفقه التي ينزل فيها الطفل عن رغبته في ان "يفعل ما يشتهي " مقابل استمرار تمتعه بحب الوالدين ومودتهما له . ومن شأن ذه المقايضه ان تصيب اكبر النجاح ان كان الطفل يتلقي من الحنو والرعايه قدرا كافيا جعل عمليه المقايضه امرا جذابا بالنسبه له . اعنب ان الابوين اللذين عجزا عن انا يوجها الي الطفل خلال العامين الاولين من الحياه شيئا من الحنو والرعايه لا تتيسر لديهما قيمه اثاابيه كافيه يحفزان بها الطفل علي ان يلتزم بقيمهما و معاييرهما . وهكذا نجد ان تقبل الام شرط ضروري لابد منه لنجاح عمليه التطبيع الاجتماعي .
كذلك نجد ان منح الاستقلال الذاتي للطفل امر مهم بالنسبه لنمو ثقته بنفسه . فان قله الحب الي درجه زائده عن الحد والافراط الزائد في ضبط الطفل وتقييده قد يؤديان الي ظهور القلق والصراع وعدم التوافق عند الطفل في السنوات التاليه من حياته .
ولعل انسب الاتجاهات الوالديه هو ما امتزج فيه التقبل بالاستقلال الذاتي المعقول . فان من شأن هذه الاتجاهات ان تؤدي الي الثقه بالنفس والتطبيع الاجتماعي الفعال. كما انه يبدو ان اتجاه النبذ والتقييد الشديد اضر الااتجاهات بنمو الطفل , اذ ان هذه الاتجاهات من جانب الأم قد تؤدي الي اضطراب وظائف الطفل في الطفوله المتأخره والمراهقه .
ومن الطبيعي أن يحب الأطفال الأشخاص الآخرين وينجذبون إليهم، وبالذات بقية الأطفال. مع تقدم عمر الطفل، سيتعلّم أكثر التجاوب مع الغير في المواقف الاجتماعية المختلفة، كما تزداد قدرته على الاستمتاع بصحبتهم. يتعلّم الأطفال كثيراً من مراقبة أترابهم والتفاعل معهم. عندما يعرف الطفل كيف يتعاطف مع الأطفال الآخرين ويدرك متعة وجود أصدقاء يشاركونه اللعب، سيشكّل صداقات حقيقة دائمة.

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.