الصيام وتنشئة الطفل الدينية

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 16, 2015 - 10:39

لاشك أن التنشئة الاجتماعية هى العملية التى يتم بواسطتها تعلم الفرد طرق مجتمع ما أو جماعة اجتماعية حتى يتمكن من المعيشة فى ذلك المجتمع أو بين تلك الجماعة . وتكتسب هذه العملية أهميتها فيما يذهب إليه رينيه كونيج الذى يعتبر أن الميلاد البيولوجى للفرد ليس هو الأمر الحاسم فى وجوده واستمراره وانما العامل الحاسم هو "الميلاد الثانى " أى تكوينه كشخصية اجتماعية ثقافية تنتمى إلى مجتمع بعينه وتدين بثقافة بذاتها، والأسرة ككل هى صاحبة الفضل فى تحقيق هذا "الميلاد الثانى " فيما نطلق عليه عملية التنشئة الاجتماعية . 

وقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم  لأهمية هذه القضية منذ ماينيف عن اربعمائة وألف عام . قبل أن نعرف التنشئة الاجتماعية من خلال العلوم الاجتماعية التى لا يتجاوز عمرها مائة عام إلا قليلا وذلك فى الحديث الذى رواه ‏ ‏القعنبي ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏ : ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما ‏ ‏تناتج ‏ ‏الإبل من بهيمة ‏جمعاء ‏ ‏هل تحس من ‏ ‏جدعاء ‏ ‏قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين ‏. 
ورغم أهمية ما جاء فى هذا الحديث فإن فهم الكثيرين ممن تعرضوا له شابه الكثير من القصور ، بل لا نبالغ اذا قلنا أنه لم يفهم على الوجه الصحيح ؛ فبينما ينبه الرسول إلى أهمية عملية التنشئة فى تكوين شخصية المسلم بدءا من مرحلة الطفولة المبكرة ، احتج الكثيرين بذلك الحديث بالقول بأنه اذا ترك الطفل وشأنه دون أن تتم تنشئته على دين معين قادته فطرته لاعتناق الاسلام . وهذا المعنى ليس هو المقصود ، وانما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين للمسلمين أهمية التنشئة الصحيحة وأن ترتكز التنشئة على الفطرة ، أى على قدرة الطفل على الشعور وعلى الفهم والاستيعاب من ناحية وقدرته على السلوك المبنى على هذا الشعور والفهم من ناحية أخرى .
كما ينبهنا هذا الحديث على أن نضع فى اعتبارنا خصائص الطفل العقلية والوجدانية والسلوكية وأن نعلمه ما يتناسب مع هذه الخصائص فى كل مرحلة من مراحل عمره . فلا يعقل أن نخاطب طفل الرابعة كما نخاطب الراشد أو ابن الخامسة عشر . فلكل مرحلة مستوى من المفاهيم ومستوى من السلوكيات تستطيع أن تدركها وأن تقوم بها . 
وهناك أكثر من أسلوب يرغب طفلك في الصيام ويجعله يسابق الجميع من أجل الثواب ، و التمهيد لصيام الطفل يجب أن يكون مسبوقاً بحديث عن ثواب رضا الله والرسول ، وعن الجنة أيضاً ، فالطفل ذو الأربعة أعوام يحتاج الى تخبره الأم بأننا نصوم من أجل كسب رضا الله عنا واذا رضى الله عنا أدخلنا جنته ، ثم تشرح له مميزات الجنة وما يوجد فيها حسب قدراته العقلية ، فتقول له على سبيل المثال أنها أكبر 100 مرة من مدينة الملاهي التي يحبها ، إنها مليئة أيضاً بالحلوى ( التي يعشقها ) والشيكولاتة والأيس كريم ، وأن كل ما عليه عندما يدخل الجنة أن يتمنى فقط ما يريد ليجده أمامه .
عند بلوغ طفلك السادسة يمكنه الصوم ، إذا كانت لديه الرغبة ، تحدثي أنت وأبيه عن حكم الصيام ولماذا فرضه الله علينا كمسلمين ، احمدي الله كثيراً على نعمة الصيام وأشيرا في حديثكما إلى أنها ركن من أركان الإسلام الخمس ، واشرحا له بعد ذلك ما هي الأركان الخمسة فهي مقررة لديه دراسياً .
الخطوة التالية هي إغراؤه بالصوم، فاسألي زوجك عما يريد تناوله على مائدة الإفطار ، ثم اسأليه هل يريد أن يصوم ويتناول طبقه المفضل ؟ 
قد لا يستطيع طفلك مواصلة الصيام طوال الشهر ، اجعلي مكافأته المعنوية هي الدعاء له بالأجر والثواب فور الإفطار، وأكدي له أن الله يقبل دعاء الصائم ، ولا تنسي مكافأته المادية بأطباقه المفضلة على مائدة الإفطار .
عندما يشتد الجوع على طفلك لا تنشغلي عنه بإعداد الإفطار ، حاولي أن تكوني بجواره لتشغليه عن إحساسه بالجوع فقد كانت نساء الصحابة يصوّمن صغارهن فإذا بكوا من الجوع صنعن لهم اللعب من الصوف يتلهون بها حتى يحين أذان المغرب.
فالمطلوب أن يقترن الصوم في حياته بذكريات مفرحة تقاوم الشدة التي يجدها في الصيام أول مرة، وبهذا يدخل الصوم إلى حياته من باب السرور والفرح فتنطبع في ذاكرته انطباعات إيجابية تكون له آثار بعيدة في حبه للصوم وفرحه بقدوم شهره.
وعليك ألا تجبري طفلك على الصيام إن لم يكن له الرغبة في ذلك وثقي أن العصبية والحزم لن ينتج عنهما إلا العناد، وضعي في حسبانك أن ابنك غير مفروض عليه الصيام قبل البلوغ فلا تقسي عليه فينفر ويفر من العبادات الصالحة .فالطفل غير البالغ لا يفرض عليه الصيام، ولا يوجد نص صريح يلزم الطفل بالصيام؛ فالصيام للشخص البالغ القادر فقط. 
وتوجد العديد من الطرق البسيطة التى ً ترغب طفلك وتحفزه على الصيام منها :
أن تكوني أنت ووالده القدوة الحسنة، فالأطفال يجدون متعة كبيرة في تقليد الكبار، فالطفل يلجأ للصيام رغبة في المحاكاة والتقليد وليس نتيجة فهمه للفرض والشريعة، وفي هذه الحالة يجب أن نتركه يصوم لتأصيل العادة لديه وزرع الحب لديه في فريضة الصيام.
عندما يتسلل طفلك إلى المطبخ ويلتهم بعض الأكل أو يشرب جرعة ماء، ويتظاهر أمامك بأنه صائم، حينئذٍ كيف تتصرفين ؟!
تأكدى أن صيام الطفل مسئولية ملقاة علي عاتقك ‏,‏ وهي مهمة صعبة لأنه لا يدرك أهمية الصيام في هذه المرحلة‏,‏ وحين تتفاجئى بأن بأن طفلك يدعي أنه صائم بينما يتناول الطعام دون علمك فعليك اتباع الآتي‏:‏
‏1‏ ـ تحفيز طفلك علي الصيام بطريقة عملية بإعطائه مكافأة عن كل يوم يصومه.
‏‏2‏ ـ عدم مواجهته بخطئه وبأنه فاطر ويكذب عليك ولكن عليك أن توضحى له بشكل غير مباشر عواقب هذه السلوكيات الخاطئة مثل الكذب وعدم الصيام من خلال حكايات تحمل هذا المعني‏.
‏3‏ ـ تعويد طفلك الصيام بشكل تدريجي يتناسب مع سنه.
‏‏4‏ ـالإكثار من الثناء عليه حين يصوم أمام الأسرة.
‏‏5‏ ـ تشجيعه علي الصيام بالسماح للصائمين فقط من الأسرة بالجلوس علي مائدة الإفطار حتى يعي أن الشخص الفاطر يرتكب خطأ كبيرا.
‏‏6‏ـ عدم وضع الحلويات والطعام المفضل للطفل أمامه قبل الإفطار حتى لا تضعف عزيمته.
‏‏7‏ ـ إشاعة جو ديني مبهج في المنزل حتى يشعر طفلك بأهمية هذا الشهر واختلافه عن باقي الأشهر.
والطفل الصائم خاصة إذا كانت هى المرة الأولى له في الصيام ، يحتاج الى بعض الظروف التى يجب أن تهيئيه له منها :
1- أن تطلبي منه عدم بذل أي مجهود عضلي عنيف قبل الإفطار حتى لا تضعف قواه.
2-الاهتمام بوجبة السحور المقدّمة له، وتأخيرها قدر الإمكان.
3-إعداد الأطعمة المفضلة له ، وتقديمها له وقت الإفطار.
4-تكريمه بالجلوس مع الكبار الصائمين لأنه أدّى الفريضة مثلهم.
5- عدم المبالغة في إعطاء الأطفال الأصغر سناً والذين لا يصومون المأكولات والمشروبات أمام الطفل الصائم حتى لا تضعف عزيمته.
6- تعليمه بعض الأدعية التي يقولها الصائم ، ويمكن أن تطلبى منه أن يقولها بصوت مسموع ليردّدها أفراد الأسرة من بعده.
7- وضحى له أن الله لايقبل صيام الكذاب وأن للصيام أجر كبير ، وبعد رمضان حاولي أن تفهميه أن ربّ رمضان هو ربّ العام كله، وأن الله لا يحب الكذابين ويعد لهم عذاباً أليماً في الآخرة .
8- انتهزى فرصة عزائم رمضان الكثيرة وعلمي طفلك آداب الزيارة بالاستئذان، وعلميّه قراءة السلام خاصة قبل دخول منازل الغير،واحرصي أيضاً على اكتساب طفلك فن المجاملة بإكرام الضيف وزيارة المريض وتلبية الدعوات ومراعاة حقوق الجار‏.
9- لا تتهاوني في اتباعه لآداب الطعام؛ فيجب غسل اليدين قبل الأكل وبعده‏,‏ وأن يأكل بيمينه ومما يليه فيقول الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك‏.
10- عند ملاحظة أي إعياء أو إرهاق على الطفل، يجب التدخّل لإفطاره فوراً.
11- أقيمي يوميا في رمضان حلقات سمر بين أفراد الأسرة واتفقي مع عائلتك على أن يقرأ كل واحد منهم معلومة جديدة، ليأخذ كل فرد دوره في السمر ويشرح معلوماته ويتناقش فيها مع الموجودين، ولا تنسي أنك وزوجك المثل الأعلى فلا تتكاسلا في البحث عن معلومات جديدة جداً. 
12- كرري ذلك بعد رمضان مرة أسبوعياً لتضمني حرص طفلك على هذه العادة الجميلة .

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.