أين يقطن الحب ؟ هل هو في " المخ " أم في القلب ؟

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 09:45

خلق الله سبحانه و تعالى الدنيا والخليقة وبدأت الحياة بين آدم وحواء بالحب والمودة - وقد نصت الآيات السماوية على ذلك بالتآلف بين الزوج وزوجته بالمودة والحب - أي هكذا بدأت الحياة بالحب فهو شيء غريزي فطرى مولود معنا ، يظهر وينمو ويكبر ويتفاعل في جميع مراحل السن المختلفة وقد يكون في الأطفال والحيوانات حباً غريزياً للمطالب الأساسية للطفل أو الحيوان ، أما عندما يكبر الانسان إلى كائن عاقل يتسامي عن الغرائز ويبقي الحب قوياً . والحب أنواع كثيرة ، الحب عطاء بلا مقابل مثل حب الوالدين لأبنائهم ، ولا يحتاج هذا الحب الى غذاء أو تقوية أو نصح ، ولكنه غريزي بالدرجة الأولى ، وهذا لا ينطبق عكسيا على الأبناء في علاقتهم مع والديهم ؛ فليس بالضرورة أن يحب الأبناء والديهم ، ولذلك أوصى القرآن الكريم بأن يحب الأبناء والديهم ، ولكن لم يوصى الوالدين بحب ابنائهم.

والحب هو مجموعة من التصرفات الحسنة الطيبة ذات الطابع الجميل مع بعض الانفعالات الوجدانية ، مثل زيادة عدد ضربات القلب أو احمرار بالوجه عندما يرى المحب محبوبة ، ويقطن الحب أساسا في المخ ككل ولكن هناك بعض الأجزاء في المخ هي التي يقع فيها الجزء الكبر من التصرفات والذكريات ؛ حيث أن الفص الوجدي من المخ هو لاختزان الذكريات جميعها ، وكذلك الانفعالات والوجدان سواء بالحب أو بالكره ، وترتبط دائما الذكريات والمعرفة القديمة بانفعالات والعاطفة والوجدان ، وكذلك ترتبط بالأشخاص ببعضهم ، فمثلا إذا رأيت شخصا بالشارع لا أعرفه قبل ذلك أي لا يوجد في الفص الوجدي من المخ أي ذاكرة أو معرفة سابقة ، فقد أمر عليه مرور الكرام لا سلام ولا تحية ولا معرفة ، أما إذا رأيت شخصاً مسجلاً وله ذكرى في الفص الوجدي فعندما أراه سوف أقوم بتحيته لأنني تذكرت أيام المعرفة الأولى أو السابقة .

أما الفص الأمامي من المخ فهو المسئول عن التفكير والمعرفة والتصرفات ، وأيضاً العقل والرصانة. ويستقبل المخ أساساً عن طريق العين التي منها توزع الصور ، وكل ما نراه إلى فصوص المخ خاصة الفص الوجدي والفص الأمامي ، وذلك طبعاً بعد أن تمر قبل ذلك على الفص الخلفي من المخ المسئول عن إدراك وفهم هذه الصور. 
وعندما ينفعل المخ بما رآه يبعث إشارات مختلفة الى جميع أجزاء الجسم ولكن بدرجات متفاوتة ، فمثلا يرسل إشارات الى العضلات أو اليد لتحية من يحب ، وإلى القلب ليزداد نبضه بقوه ، أو الى الأوعية الدموية بالوجه ليقول لها أن هذا هو المحبوب ، وإشارات المخ المرسلة هذه الى عضلات الجسم أغلبها يذهب أتوماتيكيا الى القلب والغدد العرقية واللسان وباقي الأعضاء دون القدرة على التحكم الكامل في هذه الإشارات ، فيمكنني عندما أرى المحبوب ألا أمد يدي للتسليم عليه ، ولكن لا يمكنني أن أقلل من نبضات قلبي وهذا ما يستخدم في أجهزة الكشف عن الكذب أو الكشف عن الحقائق. 

بأن تعرض أمام المتهم بعض الصور أو الذكريات أو الكلام الذي حدث أثناء الواقعة فقد ينكر المتهم الواقعة المنسوبة إليه ، ولكن زيادة نبضات قلبه وارتفاع ضغط دمه يفشي السر لأن المخ كما سبق أن ذكرنا يرسل الإشارات الى بعض الأعضاء مثل القلب دون مشورة الفص الأمامي للمخ الذي يسيطر على تصرفاتنا، وعندما نصف أن هذا الشخص عاقل لا يبدو عليه مظاهر الحب فمعناه أن الفص الأمامي للمخ يسيطر على كل الإشارات الصادرة من المخ الى الجسد عدا القلب .

مما سبق نجد ان القلب ليس له علاقة بالحب كما يدعى العامة ، ولكنه مظهر وأداة من المظاهر والأدوات التي يستخدمها المخ لاظهار الحب في الجسم ، وقد يقول العامة أن العين والأذن تعشق قبل القلب أحيانا وهذا به جزء من الحقيقة ؛ فإن المخ الذي به موطن الحب يستقبل الإشارات الصوتية والمرئية عن طريق الأذن أو العين ثم ينفعل به المخ ثم يظهر تأثيرها على القلب ؛ أي أن العين هي المستقبل قبل القلب ولكن العين لا تحب ولكن المخ هو الذي يحب .

والحب باللغة العلمية النفسية (السيكولوجية) هو انعكاس شرطي ؛ أي يتولد الحب بين شخصين إذا أحسن أحد الشخصين المعاملة وتقرب بلطف ومودة الى الآخر بصفة مستمرة ، بدليل أن أجدادنا وآباءنا القدماء أحبوا زوجاتهم بعد الزواج بالعشرة نتيجة المعاملة الحسنة والمودة المستمرة.

وقد ينهار الحب أيضا بالانعكاس الشرطي أي انه إذا أساء المحب المعاملة بطريقة جافة مستمرة يتهدم هذا الحب الكبير ، والدليل على ذلك أن كثيرا من المتزوجين الذين كانوا يحبون بعضهم حباً أشبه بحب العبادة يفترقون وينفصلون أحياناً ؛ لآن الحب لم يجد ما يغذيه من المودة والمعاملة الطيبة المستمرة .
يقول الناس في الأمثال أيضا أن القلب ينظر إلى الحب على أنه بطولة ، أما العقل الذي هو (تصرفات المخ المعتدلة) فينظر الى الحب على أنه بطالة .. فهذا قمة التطرف والمبالغة في التفكير ، لأن العقل خاصة الفص الأمامي من المخ الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في الانسان يميزه عن الحيوان ، وهو مركز الضمير مركز الرصانه أي هو الذي يجعل الإنسان ذا عزيمة قوية واجتهاد ويمنعه عن الرذائل ، وإذا تطرف كثيرا قد يحرم عليه الحب ويجعله بطالة ، لأنه ينظر إليه من منظور أنه يشغله عن تأدية أعماله ويضيع وقته ويجعله منبهراً لا يفكر إلا في محبوبته ليلاً ونهاراً ، ويترك حياته وعمله كما يحدث لبعض المراهقين .

أما نظرة القلب استجاب فوراً ونبض واضطراب بسبب هذا الحب المتمركز في المخ دون أن يأخذ إذنا من الفص الأمامي من المخ المسيطر المتكبر المتغطرس على هذا الحب ، ولذا كان الاعتدال والوسطية في الحب والتصرفات هو أسمى معاني الوجود.
----------------

 

 


د. أسامة الغنام
واحة النفس المطمئنة

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.