ابني لا يذاكر...!!

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 08:18

والله ما أبغي إلا نجاحك!! (ابني يجد صعوبة في أداء الواجب المدرسي دون أن يُطلب منه ذلك عدة مرات).
(ابني يفقد واجباته في الطريق ما بين المدرسة والمنزل وينساها). (ابني يؤجل الأعمال المدرسية حتى الدقيقة الأخيرة). (ابني يفضل التغيب عن الفصول الدراسية عن حضورها). (ابني لديه الكثير من المشاكل في المدرسة مع المدرسين مع زملائه).
لماذا ابني هكذا؟!
(إن الكثير من المشكلات التي يواجهها الأبناء في المدرسة ترتبط بسلوكهم أكثر من ارتباطها بقدراتهم الدراسية، فالعديد من هؤلاء الأطفال نجد أن من سلوكهم عدم أداء الواجب الدراسي، وعدم الاستعداد للاختبارات بشكل كاف، وعدم حضور الفصول الدراسية بانتظام، كما أن منهم من يوقع الفوضى في الفصول ومن ثم تفوتهم الكثير من المعلومات التي يكتسبها الطلاب الآخرون) [التربية بالفطرة السليمة، راي بيرك، ص(220)]، فمن ثم إن تغير سلوك ابنك في التعامل مع الدراسة فسوف يتغير بالتأكيد مستواه الدراسي والتعليمي.
إذًا فما العمل؟!
عزيزي المربي، عليك أن تشارك طفلك في حياته الدراسية، ولا تقف منه موقف المتفرج وفقط، (فقد كان تعليم الأطفال منذ خمسين عامًا هو وظيفة خالصة للمدرسين، وكان على الآباء أن يقوموا بوظيفة الأبوة فحسب تاركين التعليم للمعلمين، ولكن أدرك المعلمون أن دور الآباء أمر حاسم ومهم، وقد أظهرت الدراسات المتتالية أهمية اشتراك الآباء من أجل إنجازات أولادهم) [دليل الوالدين لتنشئة الأطفال، د.سبوك، ص(656)].
عندما يكون الآباء مشتركين في عملية تعليم أطفالهم؛ فإن الطفل يكون مستريحًا بالمدرسة ويجد أنها بمثابة امتداد لقيم المنزل الذي نشأ فيه، فلابد إذًا أن يظهر اهتمامك بحياة أبنائك المدرسية كل يوم، ولعل سؤال أطفالك عن يومهم الدراسي يعد نقطة بداية جيدة.
ولكني أتدخل!!
قد تفكر قائلًا: (انتظر لحظة! لقد حاولت أن أسأل أبنائي عن يومهم الدراسي ولم أحصل على كثير من المعلومات!)، فأجيبك فورًا عزيزي المربي، بأن حمل أطفالك على تبادل المعلومات عن يومهم الدراسي يمكن أن يكون تحديًا وليس استفسارًا، وذلك بحسب الأسلوب الذي تستخدمه في السؤال، فما أكثر حدوث هذا النقاش التقليدي:
الأم: جاسم، كيف كان يومك في المدرسة؟
جاسم: الحمد لله، بخير.
الأم: أقصد ماذا فعلت؟!
جاسم: الحمد لله، ليس الكثير.
وتستمر المحادثة على هذا النحو لمدة 30 ثانية أخرى قبل أن تفقد الأم الأمل في الحصول على أكثر من مجرد إجابات من كلمة واحدة، أو إجابات سطحية موجزة.
عزيزي المربي، (إن أسلوبك في السؤال هو الذي جعل مشاركتك لابنك تأتي في صورة تحدي لا مساعدة، فلتغير من أسلوبك قليلًا، فمثلًا حينما توجه له سؤالًا اجعله يتطلب حركة وفعل؛ فقل له مثلًا: (أرني ما فعلت اليوم في المدرسة)، أو اجعل سؤالك له محددًا لا مفتوحًا فقل له: (حدثني عن درس الرياضيات اليوم)، أو اجعل سؤالك عن أشياء تعلم يقينًا أن أبناءك يستمتعون بها؛ فاسأله عن أصدقائه مثلًا أو عن المدرس المفضل لديه أو عن فقرة الألعاب والترفيه... وهكذا) [تربية الأطفال بالفطرة السليمة، (221)]، فضع في اعتبارك أيها الأب جيدًا أنك لا تقوم بدور "ملاحظ العمال" بل تقوم بدور "المدرب".
إذًا كيف تكون المشاركة الفعالة؟!
عزيزي المربي، إليك أسوق هذه الخطوات الثلاثة التي ترشدك إلى مشاركة فعالة لحياة ابنك الدراسية، ترتقي به من درجة لأخرى نحو التفوق والنجاح.
أولًا ـ تحديد وقت للواجبات المدرسية.
(أظهرت الدراسات أن الاستذكار الجيد في المنزل يمكن أن يساعد على تحسين أداء الأطفال في المدرسة كثيرًا، وكي تساعد ابنك في الاستذكار المفيد فعليك بتحديد أوقات معينة لأداء الواجبات والمذاكرة.
وإليك هذه الملاحظات والخطوات العملية التي ستساعدك بإذن الله تعالى في تطبيق هذه الفكرة:
1- خصص موقع معين لابنك كي يتم عليه واجباته، وتأكد من أن المكان به سطح نظيف يصلح للاستذكار، منضدة في حجرة المعيشة مثلًا، أو مكتب في حجرة ابنك.
2- اجعل المكان هادئًا قدر الإمكان طوال مدة الاستذكار، وتخلص من كل المشتتات بقدر المستطاع؛ فأغلق التلفاز والمذياع، وأخرج الهاتف من الغرفة، وإن كان لديك أطفال صغار يصدرون الضوضاء فحاول إشغالهم بقراءة قصة، أو مشاهدة فيلم كرتون في حجرة أخرى.
3- خصص فترة زمنية بعينها للاستذكار في كل ليلة على مدار الأسبوع الدراسي، وليكن مثلًا من الساعة السابعة حتى الحادية عشر مثلًا، وبالطبع تختلف المدة الزمنية التي يحددها ابنك بحسب الصف الدراسي.
4- بالنسبة للأطفال الذين يواجهون صعوبة في التركيز لفترات طويلة، قم بتقسيم فترة استذكارهم إلى فترات أقل، على سبيل المثال: بعض الأطفال ـ خاصة الأطفال الأصغر سنًا ـ قد يؤدون أداءً أفضل بالاستذكار لمدة 15 دقيقة، ثم أخذ فترة راحة قصيرة، ثم الاستذكار لمدة 15 دقيقة أخرى، فإذا علموا أنهم سيحصلون على فترة راحة، فمن المحتمل أن يركزوا أثناء وقت الاستذكار الفعلي.
5- عند تحديد وقت الاستذكار فلتنتبه جيدًا إلى القاعدة المشهورة: "تناول الخضروات أولًا، بعد ذلك يمكنك تناول الحلوى"؛ فاحتمالات إتمام الواجبات المدرسية والمذاكرة تزداد إذا جعلت وقت الاستذكار قبل السماح لأطفالك بمشاهدة التلفاز، أو التحدث في الهاتف، أو الذهاب إلى منزل أحد الأصدقاء لا العكس.
6- إذا فرغ ابنك من واجباته مبكرًا أو جاءك من المدرسة بلا واجبات لأنه قد انتهى منها في المدرسة؛ فبإمكانك دائمًا التفكير في أنشطة التقدير والثناء، مثل السماح لهم بقراءة الكتب، أو المجلات، أو الصحف، فإن الهدف ليس النجاح في المدرسة وفقط وإنما الهدف الأمسى هو أن يتعلم طفلك) [الفطرة السليمة، (221-223)، بتصرف].
ثانيًا ـ المساعدة في أداء الواجبات المدرسية.
في ضوء جدول الأعمال الخاصة بمعظم الآباء يكون العثور على أوقات لمساعدة الأطفال في واجباتهم عملًا غير سهل، ولكن اعلم عزيزي المربي أن الوقت الذي تقضيه مع ابنك في الاستذكار يجعلك مرتبطًا بهم، ويقلل من احتمالات تأخر طفلك في دروسه ويظهر لطفلك مدى اهتمامك بالتعليم.
(وإن كنت لا تشعر بالارتياح حين تساعد ابنك في دروس الرياضة أو الفزياء أو الرسوم البيانية، فهناك أشياء أخرى ومواد أخرى يمكنك مساعدته فيها، وحتى إن لم تتمكن من مساعدته في أي مادة من موادهم الدراسية فعلى الأقل عليك أن تقوم بواحدة من هذه الخطوات الثلاثة:
1- كن متواجدًا معهم وقت المذاكرة وأداء الواجبات، وترقب الفرص للثناء عليهم لمثابرتهم في أداء واجباتهم.
2- من أنجح الطرق في مساعدة الأبناء في الدراسة أن تضرب لهم مثلًا يُحتذى به؛ اقرأ كتابًا، أو اكتب خطابًا، أو قم بعمل موازنة الشركة، أو إعداد قائمة البقالة وما يحتاجه المنزل بينما يقومون باستذكار دروسهم، ولو رأى الأطفال أنك تضحي بما تحب ـ كمشاهدة مبارة لكرة القدم أو برنامجًا معينًا ـ من أجل دراستهم؛ فأنت بذلك تساعد على تهيئة الجو لإظهار أهمية الواجب المدرسي والمذاكرة.
3- ساعد أبناءك الصغار على تنظيم وقتهم وأدواتهم لأداء الواجب المدرسي، ولتجعل لهم مفكرة تتابع فيها أداءهم للواجبات المدرسية، فحقائب ابنك التي تحوي الكتب والدفاتر قد تكون تتحول إلى سلة مهملات من الفوضى، ويحتاج ابنك إلى المساعدة في تنظيم حقيبته ودفاتره، فساعده ولكن لمرة أو مرتين، ثم اجعله بعد ذلك يخصص خمسة دقائق قبل أداء واجبه ليرتب أغراضه وعليك أن تشرف على ما يفعله، ولكن لا تقم به نيابة عنه، وفي النهاية سوف يعتاد على ذلك) [انظر "الفطرة السليمة"، د.راي بيرك، (224-225)، "كيف تساعد طفلك في واجباته المنزلية"، د.مارجريت سي، ود.جان شاي، ص(30)، بتصرف].
ثالثًا: الاتصال بالمدرسين.
إن الاتصال بين الآباء والمدرسين يمكن أن يمثل مشكلة، ولكي نتحرى الصراحة، فإن المدرسين عادة ما يلقون بمسئولية مشكلات الطلاب على الآباء، في حين يلقي الآباء عادة بالمسئولية على المدرسين، ونحن بدلًا من السعي في تحديد المسئولية نناشدك أيها القارئ العزيز، أبًا كنت، أو أمًا كنتِ، مدرسًا كنت، أو مدرسة كنت، أن تجعل المبادرة منك أنت وأن تتعاونوا لمساعدة على النشأ الجديد الذي لا زالت شخصيته تتشكل حتى الآن وتتكون.
وأنصحك أيها الأب أن تجعل المبادرة منك أنت، لأن علينا أن نأخذ في الاعتبار العدد الضخم الذي يجلس أمام المدرس، وضيق وقته الذي لا يسمح بإجراء مكالمات مع أسر كل هؤلاء الأطفال، لذا فلن يتصل المدرس إلا عند وجود أخبار سيئة، أو بأب مبادر وحريص على متابعة ابنه أو ابنته.
وإليك هذه الخطوات العملية أيها المربي الكريم للتواصل مع المدرسين ومتابعة أداء ابنك في المدرسة حتى يتطور:
(1- قم بالذهاب إلى المدرسة مع بداية العام الدراسي الجديد، وقدم نفسك لمدرسي ابنك وأساتذته، واحرص على أن تخبر المدرسين أنك مهتم بالاطلاع أولًا بأول على مستوى ابنك، وبين لهم استعدادك التام للقائهم في المدرسة في أي وقت من أجل ذلك.
2- بمجرد انتهاء الأسبوع الأول من الدراسة أو مع بداية الأسبوع الثاني قم بالاتصال بالمدرسين؛ واسألهم عن مستوى ابنك؛ فهذا التصرف سيُشعر المدرس أنك حقًا مهتم بمتابعة ابنك، وسيشعر الجيدة بما تقول.
3- أطلع المدرس دائمًا على الأحداث المهمة التي تقع في حياة طفلك، كوفاة أحد الأقارب أو أية مواقف عاطفية أخرى، فلتجعل المدرس يطلع على جزء من حياة طفلك الشخصية بصفة عامة.
4- اشكر المدرسين دائمًا على الوقت والجهد الذين يبذلونهما.
5- أخبر المدرس ببعض المهارات والسلوكيات التي تريد تعليم طفلك إياها، قم بتحديدها وأخبره به، وتناقش معه في كيفية تحقيق التعاون بينكما، الأب والأم في البيت، والمدرس والمدرسة في المدرسة، لغرس هذه الصفة الطيبة.
وأيًّا ما كان الأمر؛ فإن الاتصال أو الاجتماع بالمدرس يبعث برسالة واضحة إلى الجميع ـ ابنائك، والمدرسين، وإدارة المدرسة ـ تفيد بأنك مهتم بتعليم طفلك وحريص عليه) [الفطرة السليمة، د.راي بيرك، ص(225-226)، بتصرف].
أعيدوا مجدنا التليد.
همسة يبثها لساني معبرًا عما يعتمل في قلبي، إلى كل أب وأم، وإلى كل مدرس ومدرسة، بالله عليكم كفانا تأخرًا عن ركب الحضارة والتقدم، فوالله أمتنا هي أمة العلم والنور والنهضة، وليس هذا قولي ولا كلامي، كلا؛ وإنما أترك لك مفكري الغرب يدلونك على ما أقول.
فهذا "لين بول" يقول في كتابه "العرب وأسبانيا": (فكانت أوروبا الأمية تزخر بالجهل والحرمان، بينما كانت الأندلس تحمل إمامة العلم وراية الثقافة)، ويقول "فكتور روبنسن": (... وكان أشراف أوروبا لا يستطيعون توقيع أسمائهم بينما كان أطفال المسلمين في قرطبة يذهبون إلى المدارس!!)، ويقول "دوزي" المستشرق الهولندي: (إن في كل الأندلس لم يكن يوجد رجل أمي، بينما لم يكن يعرف القراءة والكتابة في أوروبا معرفة أولية إلا الطبقة العليا من القسس) [هذه النقولات مأخوذة من كتاب "تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان، (258-259)].
فالحمل كل الحمل يقع عليك يا مربي الأجيال، ويا قرة عينك لو كان من ذريتك العالم، أو الطبيب، أو المهندس، أو التاجر المسلم الذي ينشر الحضارة والنور.
____________________________

 

 


أهم المصادر والمراجع.
"تربية الأطفال بالفطرة السليمة"، د.راي بيرك، رون هيرون.
"دليل الوالدين لتنشئة الأطفال من الميلاد حتى المراهقة"، د.سبوك.
"تربية الأولاد في الإسلام"، عبدالله ناصح علوان.
"كيف تساعد طفلك في واجباته المنزلية"، د.مارجريت سي. رادنسيش، ود.دان شاي شوم.
المصدر: مفكرة الإسلام

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.