الكبريت ... طريقة جديدة في التعليم!

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: السبت, يونيو 13, 2015 - 10:27

لقد كاد الذهول أن يقتلني وأنا أستمع إلى أحد أولياء الأمور في الاجتماع الأول لهم لتفقد حال أبنائهم وبناتهم في المدرسة في الفصل الدراسي الأول هذا العام.
لقد أخبرتني الأم أنها الآن تستخدم طريقة جديدة في التعليم، طريقة تجعل ابنتها وبكل سهولة ويسر تقوم بعمل واجباتها المدرسية.
فقالت لي وبكل سهولة: الآن أنا أستخدم الكبريت!!
فقلت لها: ماذا؟ 
قالت: الكبريت، نعم، إن لم تعمل ابنتي الواجب المطلوب منها؛ أستخدم معها الكبريت.
فقلت لها: ولكن هذه الطريقة خاطئة بكل المقاييس التربوية. 
قالت لي: لا لابد أن يكون هناك عقاب، لابد أن يكون هناك نوع من الشدة والصرامة. 
فقلت: الشدة أمر والكبريت أمر آخر، إنك بهذه الطريقة ستنفرين ابنتك من التعلم، والتعليم الذي يأتي بالقهر لا يُخرِج لنا علماء ولا نوابغ كما تظنين. 
فوجدتها مصرة على رأيها، مقتنعة جدًا بكلامها، فعلمت أني قد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي!

الرحمة بالمتعلم منهج قديم.
قال الله تعالى في شأن موسى عليه السلام والخضر: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65].
فسبحان الذي جعل الرحمة في قلب الخضر عليه السلام قبل العلم، وسبحان الذي علم موسى عليه السلام برحمة وحلم الخضر قبل علمه. 
فلقد رأى موسى عليه السلام آيات مذهلات، وأحداث تذهب بلب العاقل، ولكن رحمة المعلم بالمتعلم كان السبب الرئيس بعد الله سبحانه وتعالى في أن يتعلم موسى من علم الخضر.

ومن آثار تلك الرحمة في قصة موسى والخضر: 
1. توضيح المنهج الذي يريده من موسى إن هو اتبعه: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } [الكهف: 70]، وهذا من هدي الرحماء أنهم لا يعاقبون أو يحاسبون إلا بعد أن يقيموا الحجة ويرفعوا الجهل، بعكس كثير من المعلمين والآباء الذي يعاقبون أبنائهم على أشياء لم يحذروهم منها. 
2. العفو عنه في المرة الأولى عندما أغرق السفينة واعترض ثم سأله الصفح فصفح {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73]، ففتح له باب الصفح.
3. ثم عفا عنه للمرة الثانية وأعطاه الفرصة الثالثة عندما قتل الغلام واعترض موسى عليه السلام؛ سأله الصفح فصفح للمرة الثانية: {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا } [الكهف: 76].
4. وبعد أن تحتم الفراق لم يحرمه من علمه مع أنه خالف أمره ثلاث مرات وأعطاه علم ما لم يكن يعلمه من قبل: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78].
قال صاحب الظلال في تفسير هذه الآية: (نعم إن طبيعة موسى طبيعة انفعالية اندفاعية، كما يظهر من تصرفاته في كل أدوار حياته، ثم أناب إلى ربه مستغفرًا معتذرًا حتى إذا كان اليوم الثاني ورأى الإسرائيلي يقتتل مع مصري آخر، هم بالآخر مرة أخرى! 
ومن ثم لم يصبر على فعلة الرجل ولم يستطع الوفاء بوعده الذي قطعه أمام غرابتها. 
ومن هنا اندفع موسى مستنكرًا قال: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئًا إمرًا. 
وفي صبر ولطف يذكره العبد الصالح بما كان قد قاله منذ البداية قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا؟ 
ويعتذر موسى بنسيانه، ويطلب إلى الرجل أن يقبل عذره ولا يرهقه بالمراجعة والتذكير، ويقبل الرجل اعتذاره) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (3/2279-2280)]. 
إن الخضر لم يستخدم أسلوب الشدة إلا بعد ثلاث مرات من اللين والصفح، فقال من بعدها هذا فراق بيني وبينك، فياليت المربين والمربيات أن يعوا هذا المنهج الذي يعلمنا إياه القرآن الكريم في قصة موسى والخضر. 

الرحمة بالمتعلم تحقق النتائج الأكثر إيجابية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وكما أن الرحمة بالمتعلم منهج قديم فهو أيضًا الذي يحقق النجاح التربوي في الولايات المتحدة الأمريكية ففي دراسة أُجريت حول أساليب التربية وأثرها على التعلم عند الأسر الأمريكية؛ وجدوا أن هناك ثلاثة أساليب للتربية لديهم: 
1. (الأسلوب "المتساهل" (تحكم ضعيف ودعم وحميمية مرتفعة).
2. والأسلوب "السلطوي" (تحكم شديد ودعم وحميمية منخفضين).
3. والأسلوب "الصارم" (التحكم والحميمية مرتفعين). 
لكن دراسة مقارنة بين نماذج عائلية من السود بالولايات المتحدة، عائلات يتميز أبناؤها المراهقون بنتائج مدرسية إيجابية وأخرى يُصادف أبناؤها تعثرت، قد بينت أن الأسلوب "الصارم" Autoritaire المتميز بالتشجيع الأسري ووجود قواعد واضحة لتعامل الأبناء داخل وخارج المنازل، والمراقبة الصارمة المضبوطة لأوقات الخروج بالإضافة إلى الأهمية التي تُعطى للحوار بين الأبناء والأولاد، هو الأسلوب المميز لأسر التلاميذ المتفوقين (1983 Clark)، في المقابل الأسلوبين الآخرين أعطيا نتائج سلبية) [مصوغة سوسيولوجيات المدرسة وسيكولوجيات المراهق]. 

من هنا يتضح أن الصرامة لا تعني الشدة ولكنها تعني الشدة في موضعها واللين في موضعه، والعقاب بالطريقة الصحيحة التي تؤتي ثمارها ولا تكون معوقًا للعملية التعليمية كما يستخدمها الأسلوب السلطوي.
وإننا إذا أردنا أن نضع الحالة التي ذكرناها من حال تلك الأم التي تعلم طفلها بالكبريت سنضعها بالطبع تحت قائمة الأسلوب السلطوي. 
وهذا لا يعني بالطبع أن نقول أن الأسلوب المتساهل هو الصواب؛ فنحن لا نلغي العقاب تمامًا ولكننا نريد أن نتعلم فقه العقاب على الطريقة الصحيحة. 

تعلم فقه العقاب حتى تفعل الصواب
أولًا ـ أنواع العقاب:
إن العقاب عزيزي المربي ليس ورقة ذات وجه واحد، بل هو عملة ذو وجهين أو مسارين رئيسين، وهما: الموجب والسالب، ولا يغني أهمية أحدهما عن أهمية الآخر. 
يعتقد سكينر أن العقاب يمكن أن يكون عاملًا مهمًا في تعديل السلوك، ويؤكد أن هناك نوعين من العقاب الموجب والسالب، ويعمل العقاب الموجب على تقديم مثير غير محبب أو مؤلم إلى الموقف يعمل على إزالة أداء الاستجابة غير المرغوب فيها، ويشير العقاب السالب إلى حذف مثير محبب من الموقف أو إزالته للعمل على التوقف عن أداء الاستجابة غير المرغوب فيها، مثال: منع الطفل من الحصول على الحلوى في حالة الاستمرار في سلوك غير المرغوب فيه، نزع اللعبة عند عدم استجابة الطفل لمطالب الوالد) [سيكولوجية التعلم]. 
ثانيًا ـ درجات العقاب: 
(أثبتت الدراسات الحديثة حاجة المربي إلى الترهيب، وأن الطفل الذي يتسامح معه والده يستمر في إزعاجهما) [حديث الأمهات، سبوك، ص(25-26)]، والعقاب يصحح السلوك والأخلاق، والترهيب له درجات تبدأ بتقطيب الوجه، ونظرة الغضب، والعتاب، وتمتد إلى المقاطعة والهجر والحبس والحرمان من الجماعة، أو الحرمان المادي، والضرب وهو آخر درجاتها. 
(ويجدر بالمربي أن يتجنب ضرب الطفل قدر الإمكان، وإن كان لابد منه ففي السن التي يميز فيها ويعرف مغزى العقاب وسببه) [مسئولية الأب المسلم في تربية الولد، عدنان باحارث، ص(86)]. 
ثالثًا ـ ضوابط العقاب: 
* إن الخطأ إذا حدث أول مرة فلا يُعاقب الطفل بل يُعلم ويُوجه [كيف نربي طفلًا، محمد زياد حمدان، (32)]. 
* يجب إيقاع العقوبة بعد الخطأ مباشرة مع بيان سببها وإفهام الطفل خطأ سلوكه، لأنه ربما ينسى ما فعل إذا تأخرت العقوبة [الثواب والعقاب، أحمد علي بديوي، ص(63)]. 
* إذا كان خطأ الطفل ظاهر أمام إخوانه وأهل البيت فتكون معاقبته أمامهم، لأن ذلك سيحقق وظيفة تربوية للأسرة كلها [أساليب الرسول في التربية، نجيب عامر]. 
* إذا كانت العقوبة هي الضرب فينبغي أن يسبقها التحذير والوعيد، وأن يتجنب الضرب على الرأس أو الصدر أو الوجه أو البطن، وأن تكون العصا غير غليظة [تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان، (2/727)] ومعتدلة الرطوبة، وأن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث إذا كان دون البلوغ، ويفرقها فلا تكون في محل واحد، وإذا ذكر الطفل ربه واستغاث به فيجب إيقاف الضرب [التربية، للأهواني، (135)، نقلًا عن منهج التربية النبوية، محمد نور سويد، (327)] لأنه بذلك يغرس في نفس الطفل تعظيم الله. 
* ويجب أن يتولى المربي الضرب بنفسه حتى لا يحقد بعضهم على بعض [تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان، (2/727)]. 
* ألا يعاقبه حال الغضب لأنه قد يزيد في العقاب [كيف نربي طفلًا؟ محمد زياد حمدان، (32)].
* أن يترك معاقبته إذا أصابه ألم بسبب الخطأ ويكفي بيان ذلك [كيف تربي ولدك؟ ليلى بنت عبدالرحمن الجريبة].
وختامًا عزيزي المربي نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال أبنائنا وبناتنا وأن يجعلهم عزًا وذخرًا للإسلام والمسلمين.
أهم المصادر:
في ظلال القرآن، سيد قطب.
كيف تربي ولدك؟ ليلى بنت عبدالرحمن الجريبة.
كيف نربي طفلًا؟ محمد زياد حمدان.
تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان.
أساليب الرسول في التربية، نجيب عامر.
التربية، الأهواني.
منهج التربية النبوية، محمد نور سويد.
الثواب والعقاب، أحمد علي بديوي.
مسئولية الأب المسلم في تربية الأولاد، عدنان باحارث.
حديث الأمهات، د.سبوك.
-----------

 


مفكرة الإسلام

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.