مع أطفالك .. احذر من نشرة الأخبار
تكثر هذه الأيام النشرات الإخبارية والتغطية الإعلامية لمشاهد القتل ودماء الشهداء وجثث الأطفال وأخبار الحرب على مدار الأربع والعشرين ساعة، والأصح أن أقول: إن وسائل الإعلام هذه تنقلنا وأولادنا إلى موقع الحدث أو الانفجار أو القتل. وتسبب الكثير من هذه المعلومات والصور المرافقة الانزعاج والألم للكبار؛ ومن باب أولى أن تؤثر في الصغار والأولاد، وقد تزداد حساسية بعضهم لمثل هذه المعلومات والصور.
نصائح عامة
وقبل أن تتعامل مع ما تنقله وسائل الإعلام المختلفة عليك أن تدرك أولا بعض الأمور الهامة:
1. من نعم الله أنه وضع في الأطفال قدرة عالية على التحمل والممانعة أمام الصدمات؛ فبالرغم من إصابتهم بالانزعاج الشديد وقت الأزمات فإنهم قادرون من خلال الزمن ومن خلال وجود فرصة أمامهم للتعبير عن مشاعرهم؛ على العودة للحياة الطبيعية، وبشكل أسرع منا نحن الكبار، وقد لا يستفيد الأطفال من جلسات طويلة مليئة بالأسئلة، وإنما يفيدهم أكثر معلومات بسيطة مباشرة وواضحة على تساؤلاتهم، وأن يُستمع إليهم إذا أرادوا الكلام.
2. لا تسرع في افتراض ما يمكن أن يكون قد فهمه الأولاد من الأحداث، ولا تفترض أن مشاعرهم تجاه حدث ما أشد من مشاعرك أنت؛ فردود فعل الأطفال للأحداث تختلف بحسب أعمارهم، وقربهم من الحدث، وشخصيتهم، وتجاربهم في الحياة، وما قد سمعوه عن الأحداث، وأسلوب الأهل في الحوار والخطاب، وقلة المشاعر التي تظهر على الطفل لا تعني بالضرورة أنه يخفي حقيقة مشاعره.
3. من أفضل ما يعين الطفل هو أن تفهم تماما سؤاله قبل الإجابة عليه، وقد يشير السؤال أحيانا لمشاعر معينة أو فكرة يحملها الطفل، والأمثل أن تتفهم الدوافع التي تقف وراء سؤاله؛ وخاصة عندما يكون هذا السؤال صعبا، ويمكنك عندها أن تسأل الطفل مثلا "وما الذي يجعلك تفكر بهذا؟" أو "هل تخبرني بماذا كنت تفكر حتى طرحت هذا السؤال؟"، وعندما تعرف مغزى السؤال ستستطيع عندها تقديم الإجابة الفعالة.
4. قد يطرح الأطفال أسئلة لا يستطيع أحد الإجابة عنها، والتي قد تجعل الأهل يشعرون بالارتباك وعدم الراحة، ويقلقون أن الأطفال لن يشعروا بالأمان إذا لم تقدم إليهم الإجابات المناسبة، ويرتاح عادة الأطفال والمراهقون -مثلنا نحن الكبار- للحديث المباشر والصريح؛ فبدل أن تخترع للطفل جوابا غير دقيق فالأفضل أن تقول: "لا أدري جواباً هذا السؤال"، أو "سأحاول أن أبحث لك عن الجواب".
5. قد تضطر الأسرة لتغيير نظامها الحياتي المعتاد لبعض الوقت، ولكن احرص على إعادة نمط هذه الحياة لطبيعته المعتادة لما في هذا من إدخال شيء من الاطمئنان لحياة الأسرة والأطفال.
6. لا تتردد في حزمك للأمر؛ فإذا رأيت التقليل من أوقات متابعة نشرات الأخبار، أو الحدّ من الصور المعروضة على التلفزيون فافعل ما تراه صحيحا لك وللأولاد.
ترشيد إعلامي
ويمكن للآباء والمعلمين والمربين من الحدّ من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام بمتابعة ما يتعرض له الأولاد من هذه الوسائل، وذلك من خلال:
1. لا تفترض أن الأولاد لا يعرفون ماذا يجري من أحداث:
من المستحيل تقريبا في هذا العصر ألا يلاحظ الأولاد ماذا يدور حولهم من أحداث معاصرة، فكثير من الصغار الآن يرون ويسمعون أكثر مما نتوقع، ومن هنا تأتي أهمية سؤالهم عما رأوه أو سمعوه، وعن مشاعرهم حوله.
2. تنبه إلى علامات إصابة الأولاد بالقلق:
بعض الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالقلق من غيرهم عندما يتابعون نشرات الأخبار، وذلك بحسب أعمارهم ومزاجهم، ويزداد احتمال تعرض الأولاد للقلق إذا كانوا هم أنفسهم ضحايا للعدوان أو الأذى في السابق كحرب أو أعمال عنف، أو إذا كان لهم أقرباء وأسر تعيش في منطقة الحرب أو النزاع، أو إذا كان لهم أقرباء في الجيش أو خدمات الإسعاف.
3. كن اختياريا فيما يشاهده الأولاد:
حاول حماية الأولاد من الصور المؤثرة والمعلومات المزعجة في بعض البرامج المعروضة. حاول ألا ترتكب الخطأ الذي ترتكبه بعض الأسر عندما تبقي التلفزيون أو الراديو يعمل طوال الوقت حتى ولو لم يكن أحد يشاهد أو يستمع، وتجنب متابعة بعض مشاهد التدمير والعدوان التي تكررها وسائل الإعلام مرات ومرات.
4. ساعد أولادك الكبار منهم على تحليل بعض اللقطات الإخبارية:
فهذه فرصة مناسبة ليتعلم الأولاد كيفية عمل وسائل الإعلام، فيمكنك مشاهدة بعض النشرات الإخبارية مع الأولاد الكبار؛ ومن ثم الحديث عنها وتحليلها، واشرح لهم كيف أن الإعلام مهنة، وأن القائمين عليه يسعون لكسب العدد الأكبر من الزبائن والمشاهدين، ولذلك يستخدمون وسائل متعددة تؤثر في طريقة الإخراج الفني لهذا الإعلام.
5. وسّع دائرة جمع المعلومات:
حاول أن تنوع وسائل الإعلام التي تحصّل منها الأخبار بين التلفزيون والإنترنت والصحف مما يضمن بعض الحيادية للمعلومات. وقد يكون لا بد من الرجوع لبعض كتب التاريخ أو أطلس لخرائط البلدان.
6. أكد على مبادئ العدل واحترام الحياة:
اشرح للأولاد كيف أنه يمكن للأخبار عادة أن تثير في الإنسان الكثير من عواطف ومشاعر القلق والخوف والغضب، والتي قد تتوجه إلى مجموعة من الناس أو بلد ما، ونبه الأولاد إلى المواقف النمطية التي يتخذها الناس، وكيف أن هذه المواقف النمطية تبسيط كبير لأمور متعددة، وكيف أنها قد تكون خطيرة وضارة، واشرح لهم كيف أن العدل والسلام أفضل من الحقد والانتقام والعدوان.
7. أكد على الإيجابيات التي يمكن أن تنشأ عن الأزمة:
اشرح للأولاد كيف أن الحروب والنزاعات لا شك تسبب عواطف الحزن ومشاعر المواساة مع الضحايا وأسرهم، وأن كل هذا ينشئ بين الناس مشاعر التعاطف والتضامن والتكافل.
8. ساعد الأولاد على الشعور بإمكانات العمل:
شجع الأولاد على القيام بعمل إيجابي في نطاق الحرب أو النزاع كجمع التبرعات أو الخروج في المظاهرات أو حضور ندوات الحوار أو كتابة رسائل الاحتجاج للصحف أو السياسيين
ــــ
د. مأمون المبيض
اختصاصي في الطب النفسي
المصدر: إسلام أون لاين