أسوأ لغة حوار بين الزوجين..
تصاعدت حدة الخلاف بينهما..فما كان إلا أن ارتفعت أصواتهما وتطايرت الكلمات الجارحة والألفاظ النابية..ولم يجد الزوج أفضل من إنهاء الموقف لصالحه بعدد من الصعفات والركلات المؤلمة لزوجته ليظهر في النهاية بمظهر المنتصر لرجولته في المعركة..
وعندما هدأ الزوج بدأ يضع المبررات لنفسه:
- لقد تطاولت عليَّ وكان لابد من إيقافها عند حدها..
- أنا أريد تأديبها وقد شرع الله الضرب للتأديب.
- هناك نوع من النساء لا يسلس قيادته ولا تضمن طاعته إلا بالضرب والإهانة..
وهكذا تهدأ نفسه وتترسخ قناعته بنجاعة هذا الأسلوب كلغة للحوار..
أيها الزوج..
هلا توقفت قليلاً بشيء من الحيادية لتسأل نفسك عدة أسئلة:
هل أقدمت على ضرب زوجتك لتأديبها أم لإفراغ شحنة الغضب بداخلك..؟!
هل أقدمت على ضرب زوجتك لتطويعها أم لتنتصر لرجولتك بعد أن تجرأت وناقشتك وأصرت على رأيها في الاختلاف معك..؟!
هل أقدمت على ضرب زوجتك لحل المشكلة أم أن المشكلة ازدادت سوءاً بعد أن تركت في نفسها آثاراً عظمى وجراحاً قد لا تندمل...تبقى كالجمر تحت الرماد الذي يحرق مشاعر الحب والاحترام تجاهك ..ولا يبقي لدى زوجتك إلا الرغبة في الثأر والانتقام لكرامتها..؟!
أيها الزوج تمهل قبل أن تصل لاستخدام أسلوب الضرب كلغة للحوار ؛ فقد تثأر لنفسك وتخرج منتصراً من المعركة-كما يبدو لك-..ولكنك ستخسر في المقابل مشاعر زوجتك واحترامها وقد تصل بينكما الحياة إلى طريق مسدود..
كثير هي الرسائل التي تصلني والتي يشكو أصحابها من تصاعد حدة الخلافات الزوجية ..وتبدي الزوجة استعدادها للصفح والغفران لما بدر من زوجها تجاهها..ولكنها تتوقف عند لحظة واحدة ولقطة خاصة لا تستطيع فيها إبداء الصفح أو التسامح..إنها تلك اللحظة التي رفع فيها الزوج يده ليضربها..تقول إحداهن:" لا أستطيع نسيان هذه اللحظة أو تلك اللحظات ..حيث شعرت فيها بهدر كرامتي وسحق إنسانيتي..شعرت فيها بتبخر الذكريات الجميلة والمشاعر الطيبة التي كنت أكنها لزوجي ..شعرت معها أنني سلبت شعوراً خاصاً هو الشعور بالأمان والذي من المفترض أن يمنحه لي زوجي بعد أن اخترته زوجاً وشريكاً لعمري وحصناً آماناً لحياتي"
وفي كثير من الأحيان تتهدم الأسرة ويتقوض بناء البيت على أثر هذه الواقعة المؤلمة..
أيها الزوج تمهل:
فالقوة ليست قوة الجسد ..ولا جبروت العضلات ولا بشدة الضربات أو الركلات..بل القوة الحقيقية أن تملك نفسك عند الغضب.. أن توازن بين الحزم والرحمة..أن تفرق بين الصرامة والقسوة..أن تؤلف بين الحب والاحترام في علاقتك بزوجتك..
الاعتداء على من هم أضعف جسداً لا سيما النساء ليس إثباتاً للرجولة ولكنه انتقاص منها ، بل إن من مقومات الرجولة الحقيقية ضبط النفس واستيعاب أخطاء الآخرين والرحمة بهم لاسيما أفراد الأسرة الواحدة ، كما أن ضرب النساء خاصة من النقاط التي يأخذها غير المسلمين كشبهة للهجوم على الإسلام نتيجة الممارسة الخاطئة والفهم الخاطئ لأوامر الله عز وجل..
الضرب ليس اللغة الوحيدة للتأديب ، والتأديب لا يخص إلا الزوجة الناشز المتأبية على آداء حقوق زوجها ، ومن وسائل التأديب التي يتوجب على الزوج البدء بها: الوعظ والهجر داخل البيت ؛ فإذا كان الضرب مباحاً كوسيلة للتأديب ؛ فثمة ضوابط لاستخدامه حتى لا يخرج عن إطاره ووظيفته فيكون وسيلة للتعذيب لا للتأديب ، وقد حدده بعض الفقهاء بالضرب بالسواك ونحوه..
يقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) سورة النساء /34 . " قوله تعالى (واضربوهن) أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ، ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب، فإنه هو الذي يصلحها ويحملها على توفية حقه ، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح.
وليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها ، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة ، ويكون الضرب غير مبرح ، وكذلك لا يجوز الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد .
وقد ورد في ذلك أحاديث منها : - قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ) رواه مسلم .
-قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : (استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً ، ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح .
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على عنوان الباب: فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً ، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم " فتح الباري 11/214 ، وقال عطاء : " الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله شيئاً قط ، ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم
أيتها الزوجة:
لا أعفيك من المسؤولية في الوصول بالحوار إلى هذه النقطة ولا بتصاعد حدة الخلاف لهذه الدرجة..فقد يكون لك دور كبير في إشعال حدة النقاش والتطاول على الزوج بما يجعله يخرج عن شعوره ويفقد قدرته على ضبط النفس..
تذكري أنك تريدين معه الوصول لحل لأية مشكلة تواجهونها ولا تبتغين فقط إثبات وجهة نظرك أو النزول على رأيك.
تذكري أن الزواج قوامه المودة والرحمة وليس ساحة معركة يحاول كل منكما الظهور فيها بمظهر المسيطر أو المنتصر.
تذكري أن هناك أعين ترقبكم ونفوس تتشكل بين أيديكم هي نفوس أبنائكم ؛ مما يعني أن عليكما التماسك والتضحية والتنازل من أجل الحفاظ على استقرار الحياة وهدوئها واستمرارها..
أ. شروق محمد