من مفاتيح السعادة الزوجية
رأى جل زوجته دون كحل، فقال: هلاَّ اكتحلت؟ فقالت: خشيت أن أشغل جزءاً من أجزاء عيني عن النظر إليك!! وقالت أخرى في زوجها : خيالك في عيني وذكرك في فمي و مثواك في قلبي فأين تغيب ؟وتلك زوجة أخرى أظهرت إشراق وجه زوجها، الذي جعلها ـ من شدة نوره ـ تحسب المساء صباحاً، حيث تقول:
صبّحتُه عن المساء فقال لي
هذا مساء وظنَّ ذاك مُزاحاً
فأجبتهُ إشراقُ وجهك غرَّني
حتى تبيَّنت المساءَ صباحاً
إن مدح الزوج والثناء عليه من أخلاق الزوجة المسلمة الصالحة، لما لذلك من أثر عظيم في تجميل الحياة الزوجية، وإعطائها مذاقاً حلواً وطعماً طيباً.
فالثناء على الزوج إنما هو مكافأة معنوية نفسية، تُسعده، وتدفعه إلى مزيد من العطاء والبذل والتضحيات، وتجعله يتفانى في حب زوجته، ويخلص لها، وذلك يزيد البناء الأسري تماسكاً وارتباطاً.
ويُعرِّف علماء النفس الثناء بأنه: «أثر يحدثه شخص لدى شخص ثانٍ، فور قيام الشخص الثاني بسلوك إيجابيّ، بهدف إثابة الشخص الثاني إثابة معنوية، وتشجيعه على تكرار السلوك الإيجابي بذل المزيد من العطاء، لما تسببه تلك الإثابة من راحة نفسية لدى مَنْ نُثني عليه».
شبهات النساء حول الثناء
من وحي حوارات كثيرة ماضية مع بعض الزوجات في الدورات التدريبية التي نفذتها.. وقفتُ على شبهات كثيرة، تقف حجر عثرة دون ثناء الزوجة على زوجها.
فإحداهن مثلاً قالت: أنا أتجنب مدح زوجي خوفاً عليه من الغرور والتكبر!! وقالت أخرى: أنا لا أثني عليه أبداً، حتى لا يظن نفسه أفضل مني!! فقلت لكل منهما: يجب أن تفرقي بين مدح ذات الزوج، وبين مدح صنيعه وصفاته، فثم فرق بين مدح الذات ومدح الصفات، فزوجك ربما يتكبر عليك إن أنت مدحت ذاته، وربما يصاب بالغرور، وليس هذا ـ بالطبع ـ شأن كل الأزواج، أما الثناء على الصفات والمواقف الطيبة فذلك مشروع ما دام يُستخدم باعتدال دون إسراف، ووفق الأسس المعروفة، لما يحققه من فوائد تنعكس إيجاباً على الحياة الزوجية، بل على الحياة الأسرية برمتها.
تأصيل الثناء
قد تتعلل بعض الزوجات بعلل شرعية تمنعهن عن الثناء على أزواجهن، فإحداهن قالت لي ذات مرة: لقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا نمدح الناس، لأننا إذا فعلنا ذلك فقد لوينا أعناقهم على حد قوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم»!!
فقلت لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا نهى عن الإسراف في الثناء، ولم ينه عن الإسراف في الشكر، فهو القائل: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (رواه البخاري وأحمد وأبوداود).
كما أنه لا يصح أبداً أن نسوِّي بين إطراء النصارى المسيح (لدرجة أنهم ألَّهوه) وبين ثنائك على صنيع زوجك وأفعاله ومواقفه، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم الثناء على أصحابه وزوجاته وكل من تعامل معه ويستحق الثناء، فها هو ذا يخلع على أصحابه صفات وألقاباً محببة إلى النفس، والتي تعبِّر بصدق عن قدرة أو مهارة أو تميُّز في العقيدة أو العبادات أو الطاعات، ومن ذلك ـ مثلاً ـ قوله عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه : «لو وضع إيمان الأمة في كفة وإيمان أبي بكر في كفة لرجحت كفة أبي بكر»، وقوله عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه : «لو كان نبياً بعدي لكان عمر»، وقوله عن ابن مسعود رضى الله عنه : «من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»، وهو يقصد هنا عبدالله بن مسعود رضى الله عنه ، والثناء هنا على جمال صوته في تلاوة القرآن الكريم.. أما في مجال العلم بالقراءات فقد أثنى على أُبي بن كعب بقوله: «أقرؤكم أُبي»، أي أعلمكم بالقراءات، كما لقَّب خالد بن الوليد بـ«سيف الله المسلول»، ولقَّب أبا عبيدة بن الجراح بقوله: «أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح».
فهل بعد أن رأينا استخدام رسولنا الكريم للثناء يمكن أن نزعم حرمة الثناء أو خطره؟!!
أسس استخدام الثناء
ربما لا يؤتي الثناء ثماره، بل ربما يأتي بنتائج عكسية سلبية، وذلك إذا لم نُراعِ أسس استخدام الثناء، وأهمها:
1- مدح اشخص بما هو فيه: فقد روي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يفضل زهير بن أبي سُلمى ـ وهو واحد من كبار الشعراء في العصر الجاهلي ـ وذلك لأنه كان يمدح الرجل بما هو فيه.
فقد يكون الزوج قليل العلم، وهنالك ليس من المفيد ولا من الحكمة أن تمتدحه زوجته بسعة علمه، لأنه سيأخذ ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية، ويكون الثناء مثمراً إذا أثنت الزوجة على صفات موجودة في شخصية زوجها، كصدقه مثلاً، أو كرمه، أو حنانه... إلى غير ذلك من الصفات التي إن امتدحتها الزوجة في زوجها أحس بصدقها.
2 - تعميق الثقة بين الزوجين: فإذا امتدحت الزوجة زوجها، أو امتدح الزوج زوجته، في حالة انعدام الثقة بينهما؛ فإن هذا الثناء سيفسر على أنه نقد أو استهزاء وسخرية، ومن ثم يكون في ظاهر هذا الثناء رحمة، ولكن في باطنه العذاب!!! ومن هنا لا يحقق أثره الإيجابي، لذا ينبغي أن يحرص كل طرف على تعميق الثقة بينه وبين الطرف الثاني.
3 - الاعتدال في الثناء: فالمبالغة في الثناء تخرجه عن إطار الصدق، وربما تجنح به إلى طريق المزاح، ومن ثم يفقد مضمونه وفحواه، وينعدم تأثيره ولا يحقق مبتغاه.
4 ـ أن يكون المدح في موضعه: فللرجل مجالات وظيفية في الحياة الزوجية، يجب أن تمدحه زوجته بما فيه، ومن ذلك: رجولته، وشهامته، وكرمه، وإقدامه في المواقف الصعبة على المؤازرة، وقدرته على إدارة الأزمات الأسرية بأنواعها: الاقتصادية، والتربوية، والاجتماعية، وحسن إدارته للبيت، وتأمين مستقبل الأسرة والأولاد، وتحمل المسؤولية بكمالها وشمولها، فإن امتدحت الزوجةُ زوجَها في هذه المجالات أدى ذلك إلى إشباع حاجاته النفسية كرجل، كما أن ذلك يثبت رجولته، فيزداد عطاء لزوجته وأسرته..
أما المرأة فتحب أن يمدحها زوجها ويثني على زيها، وعطرها، وجمالها، وحيائها، ووفائها، وإخلاصها في حبها، وطهارتها، ونقائها، ومواطن أنوثتها، وكلماتها الرقيقة، وصوتها الحاني، كما تحب المرأة أن يثني زوجها على عملها، ويذكر بذْلها، وعطاءها، كما تحب المرأة أن يثني زوجها عليها أمام أهلها وأمام أولادها وأمام الغير في ضوء ضوابط الشرع، إذ إن ذلك يشعرها بالراحة، وجدوى بذلها، كما تحس بأن عطاءها لم يذهب سُدى، وذلك كله يؤدي إلى إشباع حاجاتها النفسية، ومن ثم يحقق صحتها النفسية، التي تنعكس إيجاباً على الحياة الزوجية والأسرية.
إن الثناء بين الزوجين يعطي الحياة الزوجية معنى جديداً، وعطراً شذياً، ومذاقاً طيباً، ويجعل من العلاقة الزوجية واحة غنَّاء، تفيض رونقاً وجمالاً... وعلى العكس من ذلك فإن البيت الذي يعاني فقراً في فقه الشكر بين الزوجين حُرِم الخير الكثير، والسعد الوفير، ولنا في رسولنا الكريم ـ في شكره وثنائه على زوجاته - الأسوة الحسنة - وفيما يلي نماذج من ثنائه صلى الله عليه وسلم على زوجاته.
نماذج من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على زوجاته
1-ـ ثناؤه على خديجة رضي الله عنها: فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها والثناء عليها، حتى قالت السيدة عائشة «رضي الله عنها» : «ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة، لكثرة ذكره إيّاها، وماتت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشِّرها ببيت في الجنة من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن» (رواه البخاري).
وقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة» (رواه البخاري).
وقال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: «رزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها».
2 - ثناؤه على عائشة رضي الله عنها:
كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أحب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إليه، كما كانت أفقه نساء الأمة، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على فقهها وعلمها، لذا كان كبار الصحابة يستفتونها.
وكان يدللها في النداء بقوله: «يا عائش»!! وهو نداء ترخيم.
كما كان يلاطفها، ويلاعبها، ويسابقها، ويسمح لها بالترفيه عن نفسها، ومن ذلك سماحه لها بمشاهدة الأحباش وهم يلعبون. وهو القائل عنها: «فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يُمَرَّض في بيتها، وجمع الله ريقيهما في آخر ساعة من حياته وأول ساعة من آخرته صلى الله عليه وسلم ، ودُفن في بيتها، فقد روى البخاري بسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: دخل عبدالرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبدالرحمن سواك رطب يستنُّ به، فأيده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقضمته ونقضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستنَّ به» (رواه البخاري).
3- ثناؤه على زينب بنت جحش: روى الإمام مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً ـ أي أكثركن إنفاقاً في سبيل الله وتصدقاً ـ قالت عائشة: فكانت أطولنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق» (رواه مسلم).
4- صفية بنت حُيي بن أخطب: روى الترمذي عن أنس رضى الله عنه قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي تبكي، فقال: «ما يبكيك»؟ فقالت: قالت لي حفصة رضي الله عنها إني ابنة يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «وإنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفتخر عليك؟!» (رواه الترمذي).
5 - ميمونة بنت الحارث: فمن ثنائه صلى الله عليه وسلم على ميمونة رضي الله عنها، أنه شهد لها بالإيمان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأخوات مؤمنات، ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأختها أم الفضل بنت الحارث، وأختها سلمى بنت الحارث امرأة حمزة، وأسماء بنت عُميس أختهن لأمهن».
نماذج من ثناء زوجاته صلى الله عليه وسلم
1- ثناء خديجة رضي الله عنها: عند نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلته زوجته الحنونة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وأرادت أن تطمئنه وتبث في قلبه السكينة والطمأنينة، قالت له تذكره بصفاته العظيمة وأعماله الجليلة: «كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
بهذه الكلمات المطمئنة الواثقة نطقت خديجة رضي الله عنها، فكانت كلماتها تعكس شخصية الزوجة المعينة، وطبيبة النفس الماهرة الواثقة، وخبيرة الحياة المحنكة، لتزيل الخشية التي عبر عنها رسولنا الكريم بُعيد أول مقابلة مع جبريل ـ عليه السلام ـ إذ قال صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها: «لقد خشيت على نفسي»، فكان دور الزوجة الصالحة هو التخفيف عنه صلى الله عليه وسلم ، وتأكيد عناية الله به، مستشهدة بخصال كريمة، وسلوكيات حميدة يمارسها النبي صلى الله عليه وسلم .
2- ثناء عائشة رضي الله عنها: أثنت أم المؤمنين عائشة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كثيراً، ومن ذلك قولها عنه: «كان خُلقه القرآن، يسخط لسخطه، ويرضى لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها إلا أن تُنتهك حُرمات الله، كان خُلقه القرآن».
وتقول عنه عائشة رضي الله عنها أيضاً: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله».
3- ثناء صفية رضي الله عنها: وصفته صفية رضي الله عنها بقولها: «ما رأيت أحسن خُلُقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ».
4- ثناء سودة بنت زمعة: لقد كانت أم المؤمنين سودة بنت زمعة حريصة على النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك حرصت على البقاء في عصمته صلى الله عليه وسلم ، حيث ذكر ابن سعد في الطبقات أن سودة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالله أما راجعتني، وقد كبرتُ ولا حاجة لي في الرجال، ولكني أحب أن أُبعث في نسائك يوم القيامة، فراجعها النبي صلى الله عليه وسلم ».
ولما كانت عائشة هي أحب نسائه إليه صلى الله عليه وسلم ، فقد حرصت سودة ـ رضي الله عنها ـ على أن تهب يومها إلى عائشة، رغبة منها في إسعاده صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة».>
د. سمير يونس