أزمة منتصف العمر عند الرجال
م.ع مهندس في الـ45 من عمره، متزوج وعنده أبناء، معروفٌ عنه الجِدِّيَّةُ ، والصرامة والالتزام، واهتمامُهُ الشديد بِبَيْتِهِ وعَمَلِهِ، إلا أنه لُوحِظَ عليه في الفترة الأخيرة بعضُ التغيرات.. أصبح كثيرَ السهر مع أصحابه، ودخل بعض المسارح، يجلس على المقهى.. غَيَّرَ طاقم السكرتارية
بمجموعة من الفتيات الصغيرات ذوات المظهر الجذاب.. يتغيَّبُ كثيرا عن تلبية حاجات أسرته.. وهذا لم يَعْهَدْهُ أحدٌ من قبل عليه، وليس هذا فقط..بل إنه تَعَرَّفَ أيضا على بنات في عمر أبنائه، وأصبح يُغْدِقُ عليهن الهدايا الثمينة، رغم ما عُرِفَ عنه من حرصه الشديد!
س.ك أستاذ كبير ومتخصص في إحدى المجالات الطبية الهامة اقترب عمره من الـ50.. بدا عليه في الآونة الأخيرة عدم اهتمامه بعمله، وإحساسه بعدم جدوى ما يفعله، وما وصل إليه من إنجازات كبيرة.. بدأ يُقَلِّلُ من نجاحه، وأصبح كثيرَ النسيان والشرود، وألحَّتْ عليه أسئلة كثيرة عن جدوى الحياة ومصير الإنسان .
..................................
نوع جديد من أصباغ الشعر..رائحة عطر مختلفة ، رنات للجوال لا تنقطع ، واهتمام غير مسبوق بالشكل والهندام قبل الخروج ، ابتسامة لا تحتل صفحة الوجه إلى عند عتبة الخروج من المنزل ، إنها دلالات واضحة على تغير أحوال زوجي ، لأنه باختصار عبر منذ أيام أعتاب الأربعين..
سن الأربعين بشكل عام مرحلة مهمة في حياة الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة , فهي مرحلة النضج الفكري, والاستقرار الأسري والعملي ، ولكن سن الأربعين يعني الولوج إلى مرحلة منتصف العمر ، وهي تعتبر مرحلة قلق وتوتر وتعبر عن المرور بأزمة تسمى أزمة منتصف العمر والتي تظهر لدى الرجال بشكل خاص ، وهذه الأزمة تحدث تقريباً بين الأربعين والخمسين من العمر ، وقد تحدث قبل ذلك أو بعد ذلك في بعض الرجال ، فوقتها ليس محدداً تماماً ، وفي هذه الأزمة يقف الرجل ويجري عملية محاسبة لنفسه عن ماضيه وحاضره ومستقبله ، وقد تبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل ، فهو غير راض عما تحقق فيها ، ويشعر أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أحلامه على كل المستويات وأنه كان يجري وراء سراب ، وبحسابات الحاضر هو أيضاً خاسر.
وفي كثير من الأحيان يشعر الرجل أنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته ، ولكن ذلك يستلزم الابتعاد عن الزوجة والأولاد والتحرر من قيودهم ، وبالفعل يبدأ يتغيب كثيراً عن المنزل ويرتبط بمجموعة من الأصدقاء الجدد الأصغر سناً الذين يفتحوا أمامه أبواباً متعددة للمتعة وقضاء الأوقات ، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتكاب أخطاء وممارسات غير مقبولة.
وهذا الأمر يقود إلى حالة من الملل والفتور بين الزوجين ويؤدي إلى عدم تكيف كل طرف مع رغبات الآخر في هذه السنّ ، مما يؤدي لحدوث الانفصام النفسي, و الوجداني , الفكري! أو ما يسمى بالطلاق العاطفي.
وغالباً ما تظهر أعراض أزمة منتصف العمر عند الرجال ، من خلال المظاهر التالية:
• شعور بالتوتر المستمر, ونهاية الحياة مما يسبب ردود فعل أخرى.
• تتراجع القدرة على تعلم الأشياء الجديدة وتزداد الرغبة في الوحدة.....
• يقوم الرجل بتغييرات جذرية على مظهره الخارجي, ويعتني بزينته وهندامه.
• يعبر باستمرار عن حنينه للماضي ويكثر من ذكرياته, ويطلق عبارات " أنا محروم, ضاع شبابي....
• يفقد اهتمامه بزوجته ويقضى وقتاً أقل مع عائلته .
• يتصيد عيوب الزوجة, ويختلق المشكلات,وينظر لها نظرة دونية.
• يتخلف تدريجياً عن مسؤوليات المنزل,وقد يصل به الأمر إلى أن يوكلها إلى أبناءة الصغار أو أهل الزوجة.
• يتخذ قرارات عشوائية فيما يتعلق بالتصرف بأمواله أو على الصعيد المهني.
• ظهور علامات الاكتئاب, كالنوم الكثير,وفقدان الشهية,والاستيقاظ عند منتصف الليل .
وبينما تقع الزوجة فريسة الوحدة والاكتئاب وإهمال الزوج ، تتسع الفجوة بهجر الزوج لبيته وعمله, ليتفرغ لعالم الإنترنت,والفضائيات,ويقضي وقته بحثاً عن صبايا المسيار.
فكثيراً ما يلجأ الأزواج في هذا السن إلى الزواج الثاني الذي يحاول من خلاله إثبات قدرته ورجولته وأنه لا يزال مرغوباً ، وقد يلجأ آخرون إلى علاقات عابرة يصل منها إلى نفس الهدف ، وهو ما ينقل رسالة إلى زوجته ذات الأربعين بأنها قد أنهت مدتها وانتهت مهمتها لدى الرجل مما قد ينتهي بالطلاق الفعلي وليس فقط العاطفي ..
كيف تتجنب الزوجة أزمة منتصف العمر لدى زوجها:
- لابد للمرأة من أن تلم بطبيعة المرحلة التي يمر بها زوجها ، والتي قد تصل عند بعضهم إلى ما يسمى بالمراهقة المتأخرة ، ومن خلال هذا الإلمام تستطيع أن تفسر تصرفاته الغريبة والمستجدة.
- على المرأة أن تتدارك الأمر من بدايته حتى لا تتسع الفجوة بينها وبين زوجها ، فيذهب الزوج دون رجعة ، ولكن لتحاول من البداية زيادة جرعة الاهتمام بالزوج ، وإشعاره بمكانته وأهميته في الأسرة ، خاصة أن الاهتمام في هذه المراحل العمرية ينصب على الأبناء ومشكلاتهم ، بينما يتحول الأب لمجرد ممول للأسرة ، ولكن يجب الانتباه لأن يعود الأب محور الاهتمام وموضع التقدير من الجميع..
- محاولة مشاركة الزوج همومه وأحزانه! والثناء على نجاحه, وعدم السخرية من فشله أو تحقير أفعاله, فإن هذا كفيل بتدمير الحياة الزوجية.
- نصح الزوج بأن يتحدث عن مشاعره لها أو لقريب أو صديق يثق في أمانته ، فإن ذلك التنفيس يسهل عليه مرور الأزمة بسلام ، وإذا لم يجد فرصة لذلك فلا مانع من اللجوء لأحد علماء الدين أو أحد المتخصصين في العلاج النفسي ، فهؤلاء يمكن أن يقدموا المشورة والمساندة .
- تنبيه الأبناء ليقتربوا من أبيهم ويستشيروه في جل أمورهم حتى يشعر الأب أن دوره لم ينتهِ مع أبنائه وأنهم في حاجة لنصحه وإرشاده وعونه ، وأنه موضع تقديرهم واحترامهم فلا يبحث عن الاهتمام والتقدير خارج المنزل..
- التجاوز عن أخطاء الزوج في هذه المرحلة ، لأنه يتعمد اصطياد الأخطاء والتركيز عليها ليتعلل بالبحث عن أخرى دون تأنيب لضميره ، ولذا لابد للمرأة أن تتحمل وتتجاوز عن صغائر الأمور..
- استخدام لغة إيجابية في الحوار مع الزوج مثل " أعرف مالذي تحس به" و" أعرف ما يدور بداخلك" مثل هذه الجمل تساعدنا في فهم بعض المواقف, إذ تعبر عن المشاركة الوجدانية, وبواسطته نتجاوز الأزمات, ونتعرف على الأسباب الأعمق.
- تنمية وسائل التواصل غير اللفظي : مثل النظرة الودودة أو نظرة العتاب, الابتسامة الحانية, اللمسة الرقيقة ، أو الرسالة العاطفية المكتوبة أو الإلكترونية والتي قد تغني عن الكلمات أو استخدام العبارات المطولة كما تترك أثراً إيجابياً في النفس.
- الاهتمام بالمناسبات الخاصة بالزوج مع تقديم الهدايا الأسرية الرمزية واحتواء الزوج في جو أسري دافئ يجمع الأبناء ويحيطه بهم ، مع الاهتمام بالرحلات الأسرية والنزهات الموسمية التي تجمع شمل الأسرة.
أ.شروق محمد