زملة ما قبل الحيض : الآم شهرية في حياة الأنثى
تمر الأنثى بالعديد من المراحل الحرجة التي تتميز كل منها بسمات معينة، وتعد مرحلة البلوغ من أهم هذه المراحل حيث تعتبر مرحلة انتقالية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضج، إذ يصاحب هذه المرحلة العديد من التغيرات، والعلامات التي تتنوع في الأنثى من أعراض نفسية كشدة الخجل، والرغبة في الاستقلال، وعلامات جسمانية كظهور الثديين، واستدارة الجسم إلى نزول دم الحيض. ونعني بالحيض "سيلان دموي، منشؤه غشاء باطن الرحم، يظهر من الأعضاء التناسلية بفواصل منتظمة، ويدوم مدة معينة من 3-5 أيام". ويبدأ الحيض عادة بين سن الحادية عشر والخامسة عشر من العمر، وعادة ما يكون هو العـلامة الأخيرة لوصول الأنثـى لمرحلة البـلوغ، ومن ثم يستمـر فترة القـدرة على الإنجاب إلى أن يحدث انقطاع لهذا الحيـض والذي يكون عادة بين سن (47-53) سنة من العمر . وهذا الحيض يحدث على مراحل هي كالتالي:
- مرحلة تكوين الجريبات "الحويصلات" (Follicular phase):
تبدأ هذه المرحلة بإصدار أمر من الهيبوثلامــوس للغدة النخاميـة والتي تفرز هرمــون FSH (Follicle-Stimulating Hormone) أي الهرمون المنبه للحويصلات الأولية، وفي هذه المرحلة يزداد إفراز هرمون الاستروجين ومن ثم تزداد بطانة الرحم من حيث السماكة.
- مرحلة الاباضة (Ovulation phase):
في هذه المرحــلة والتي تستـغرق أربعــة عشر يوما تفرز الغــدة النخامية هرمـــون LH ( (Luteinizing Hormone أي هرمون انطلاق البويضة من الحويصلة؛ إذ يقوم هذا الهرمون مع هرمون (FSH) بتحريض نمو حويصلة واحدة فقط حتى تصل للنمو الكامل خلال (16-24) ساعة من ارتفاع هرمـــون (LH) وبذلك تنطلق البويضــة من هذه الحويصلة.
- مرحلة تكوين الجسم الأصفر (Luteal phase):
بعد انطلاق البويضة يحدث تمزق في الحويصلة الحاملة للبويضة؛ ومن ثم تتحول إلى ما يسمى بالجسم الأصفر الذي يبدأ بإفراز هرمون البروجسترون، وهذا الهرمون يجري تحولات هامة في بطانة الرحم وغشائه بانتظار استقبال البويضة المخصبة. وتستغرق هذه المرحلة نحو أربعة عشر يوما، وفي نهايتها يحدث موت للجسم الأصفر ومن ثم يحدث تدهور لمستويات هرموني الاستــروجين و البروجسترون.
- مرحلة الحيض:
إذا لم يحدث إخصاب للبويضة فان الطبقات الخارجية من بطانة الرحم تتغير دوريا؛ ومن ثم تنهار وتندفع للخارج على هيئة إفراز حيضي يتكون من سائل الأنسجة بحيث يشـكل الــدم (50 %) فقط من هذا الإفراز الحيضي.
وهكذا نلاحظ أن هذه المراحل تحدث من خلال عمل مشترك يحدث بطريقة متتابعة منتظمة بين عدد من الأجهزة كالهيبوثلاموس والغدة النخامية والمبيضين؛ ومن ثم فإن أي خلل في هذه الأجهزة أو أحدها يعني أن هناك اضطرابا سيظهر من خلال الحيض نفسه. وتعد اضطرابات الحيض كالنزف الرحمي الشاذ، وعسر الحيض وزملة ما قبل الحيض من أكثر الشكاوى النسائية شيوعا في عيادات أمراض النساء.
ونعني بزملة ما قبل الحيض premenstrual syndrome) PMS )) " تكرار دوري لأعراض جسمانية، ونفسية، وسلوكية تظهر بعد الاباضة، وتختفي مع بدء الحيض" (Tempel، 2001، p 8). وتتعرض بعض النساء لهذه الزملة في المرحلة المسماة بمرحلة الجسم الأصفر Luteal Phase وهي إحدى مراحل حدوث الحيض والتي يحدث فيها إفراز لهرمون البروجسترون من الجسم الأصفر ( الحويصلة المتمزقة نتيجة انطلاق البويضة) وهذا الهرمون يهيئ بطانة الرحم لاستقبال البويضة المخصبة. وتعتبر هذه الزملة حاليا من أكثر اضطرابات الحيض شيوعا إذ يعتقد الباحثون أن ما بين (70- 90 %) من النساء يتعرضن لهذه الزملة في وقت معين خلال سنوات القدرة على الإنجاب. بل إن هناك من يعتقد أن جميع النساء تقريبا ذوات الدورة المنتظمة يتعرضن لشكل معين من أعراض قبل الحيض وأن نحو (5%) من النساء تكون لديهن هذه الأعراض حادة وموهنة. كما أظهرت بعض الدراسـات حدوث زملة ما قبل الحـيض(PMS) في ما بين (20-50%) من النساء، وأن من (3- 5 %) من هؤلاء النســاء يتعرضن للأعـراض التي تستـوفي المعايير التشخيصية لاضطـراب الضـيق المرتبط بما قبــل الحـيض (PMDD).
وبعيدا عن هذه الإحصائيات والتي تعطي إشارة لايمكن إغفالها عن حجم هذه المشكلة فإنه يبدو أن بروز هذه الزملة كمشكلة يتعلق بأمرين تتميز بهما زملة ما قبل الحيض؛ أولهما الدورية وثانيهما تنوع وتعدد الأعراض. ونعني بالدورية تكرر الأعراض بشكل دوري مع كل خبرة حيض؛ ومن ثم وبناء على أن المرأة تعايش أثناء سنوات قدرتها على الإنجاب أكثر من "أربع مائة" فترة حيض فان ذلك يعني أن المرأة التي تعاني من زملة ما قبل الحيض إنما تعاني لفترات طويلة.
الأمر الآخر الذي يبرز هذه المشكلة هو تباين أعراضها وتعددها. فقد تم حصر أكثر من (150) عرضا ما بين أعراض نفسية وجسدية وسلوكية كسرعة الغضب، الاكتئاب، التوتر، عدم القدرة على التركيز، انتفاخ، زيادة في الوزن، صداع، ألم مفاصل، إسهال، تفاقم المشكلات الجلدية مثل حب الشباب، تعرض متزايد للحوادث، انتحار. ومن ثم هذا التنوع في الأعراض يرتبط بمشكلة أخرى أكثر حساسية وهي أن تأثير الزملة يمتد على جوانب متعددة من حياة المرأة سواء الأسرية أو العلمية أو العملية. فقد توصلت دراسة وينتر وزملائه إلى ان النساء اللاتي يعانين من زملة ما قبل الحيض لديهن عدم رضا عن علاقاتهن الزوجية والجنسية مقارنة بالمجموعة التي لا تعاني من زملة ما قبل الحيض. كما أوضحت دراسة هوراني وزملائه والتي أجريت على (6026 ) امرأة من النساء العاملات في المجال العسكري أن ضغوط العمل كانت من أكثر العوامل المرتبطة بزملة ما قبل الحيض.
أ. موضي سلمان السبيعي
أخصائية نفسية