الشلل الإجتماعي
• شخص في مقتبل العمر ,بلغ الثلاثين من عمره ,يعمل في شركة خاصة براتب شهري جيد ,يُفكر في أن يتزوج من عدة سنوات ,ولكنه يؤخر ويؤجل الموضوع لأنه يخشى من مواجهة الآخرين في الحفلات والمناسبات الاجتماعية ,فاضطر إلى تأجيل الزواج عدة سنوات...... أليست هذه إعاقة اجتماعية ؟!!!!!
• شاب متزوج ,ولديه أولاد ,ويعمل موظفاً حكومياً ,مهتم بطلب العلم الشرعي والدعوة إلى الله ,ويحب المشاركات الدعوية بدرجة عالية ,إلا أنه لا يستطيع مواجهة الآخرين أو الحديث أمامهم ,ويصعب عليه إلقاء الكلمات والمواعظ أمام الناس ,مع كثرة مطالبة الآخرين له بذلك ,بل يخاف ويرتبك عندما يكون إماماً للناس في الصلاة حتى أنه فكر وبقوة في أن ينتقل من منطقته التي عاش وترعرع فيها إلى منطقة أخرى....... أليست هذه إعاقة اجتماعية ؟!!!!!
• فتاة في العشرينات من عمرها , تدرس في الكلية ,أحست بالخجل والارتباك أمام الآخرين ,حتى أنها أصبحت لا تستطيع الحديث في القاعة الدراسية ,ويصعب عليها توجيه الأسئلة لأستاذة المادة ,بل وتصاب بالارتباك والتوتر إذا شعرت بأن زميلاتها يركزون الأنظار عليها , ووصلت إلى مرحلة أن يدها ترتعش بقوة إذا أرادت أن تكتب شيئاً من المعلومات أثناء الشرح ,فأصبحت في حالة مؤلمة واضطرت أن تنقطع عن الذهاب إلى الكلية ,وتوقفت عن الدراسة أكثر من سنتين...... أليست هذه إعاقة اجتماعية ؟!!
إن هذا الداء قد فتك بكثير من شباب وفتيات المجتمع وله آثار نفسية واجتماعية سلبية كثيرة فما هو هذا الداء ؟!
( إنه الرهاب الاجتماعي )
ما هو الرهاب الاجتماعي ؟
هو نوع من أنواع القلق , وهو عبارة عن حالة من الخوف والقلق والتوتر تصيب الإنسان عندما يكون محل ملاحظة الآخرين ومحط أنظارهم ,مع شعور بالارتباك والخجل الشديد والتلعثم في الكلام ,بالإضافة إلى حصول زيادة في ضربات القلب وارتعاش في اليدين واحمرار في الوجه ,وزيادة في التعرق ,مع الشعور ببرودة في الأطراف ,وتحصل هذه الحالة في مواقف مختلفة ,منها : عندما يدخل الشخص إلى مكان فيه أناس مجتمعون في مناسبة اجتماعية أو عندما يتقدم للإمامة بالناس في الصلاة أو عندما يدخل على مسؤول أو مدير أو أحد رؤسائه في العمل .
نسبة حدوثه :-
يصيب هذا المرض الرجال والنساء على حد سواء مع ملاحظة أن انتشاره في الإناث أعلى من الذكور ولكن حضور الذكور للعلاج ومراجعة العيادة النفسية أكثر .
وتصل نسبة الإصابة بهذا المرض إلى 13% حسب الدراسات الغربية .
ما أسباب ظهور هذا المرض ؟
في الواقع ليس هناك سبب واحد فقط يؤدي إلى الإصابة بهذا المرض ,ولكن هناك عدة احتمالات قد توجد كلها في شخص واحد أو قد يوجد بعضها دون الآخر .
ومن هذه العوامل والأسباب ما يلي :
1- أسباب جينية وراثية .
2- أسباب عضوية كيميائية ومنها : اختلال بعض النواقل العصبية في جسم الشخص المصاب
3- بعض أساليب التربية الخاطئة : والتي تتسم إما بالحماية الزائدة والتدليل فينشأ الطفل ضعيفاَ في شخصيته ,أو تكون التربية قاسية وتتسم بالضرب والعنف وعدم احترام شخصية الطفل مما يفقد الطفل الثقة في نفسه ويصيبه بالخجل المرضي .
ما هي الأساليب العلاجية ؟
في حالة الإصابة بهذا المرض لابد من مراجعة طبيب نفسي يقوم بتشخيص الحالة وعلاجها , وذلك عن طريق العلاج الدوائي والجلسات النفسية .
أ- العلاج الدوائي : تعطى للمريض عقاقير دوائية تساعد في تعديل الاختلال الذي يحصل في النواقل العصبية ومن ثم يبدأ الخوف والخجل في الاختفاء تدريجياً .
ب- الجلسات النفسية وتشمل ما يلي :
1- تعليم الاسترخاء حتى يستطيع الشخص المصاب أن يقاوم التوتر الذي يصيبه .
2- زيادة ثقته بنفسه وعدم الاهتمام بنظرة الآخرين .
3- تشجيع الشخص المصاب على خوض المواقف المحرجة ومواجهتها مما يؤدي إلى انخفاض مستوى القلق لديه ويكون ذلك بصورة متدرجة من المواقف التي يكون فيه توتر أقل إلى المواقف الأعلى في التوتر .
4- تعليم مهارات توكيد الذات ومهارات التوصل اللفظي وغير اللفظي .
ملحوظة : لابد من اجتماع العلاج الدوائي وغير الدوائي حتى نحصل على أفضل النتائج بإذن الله .
ورجوعا إلى النماذج الثلاثة التي ذكرتها في بداية المقال- وهي نماذج واقعية من العيادة النفسية - فماذا كانت نهاية قصصهم ؟
• صاحب القصة الأولى : بعد استخدام العلاج الدوائي والاستفادة من بعض التوجيهات السلوكية , ومع بداية إحدى الصيفيات قدم لي دعوة لحضور زواجه تلك الصيفية وقد ذهب ما كان يجده من قلق اجتماعي ولله الحمد .
• أما صاحب القصة الثانية : فبعد العلاج استمر في منطقته وأصبح يمارس أنشطته الدعوية بدون توتر أو ارتباك ولله الفضل والمنة .
• أما صاحبة القصة الثالثة : فقد عادت إلى دراستها - بعد العلاج - واستمرت حتى تخرجت وهي الآن تنتظر الوظيفة
فهذا الداء مع أنه يصيب صاحبه بالشلل الاجتماعي إلا أن علاجه ميسور ونتائج العلاج تثلج الصدر.
د . موسى آل زعلة