أساليب التعامل مع الطفل المنطوي
يتميز الطفل المنطوى بالحساسية الشديدة من التوبيخ والزجر والنقد لا سيما من الكبار ويعانى من الخجل الشديد الذى يؤدى بدوره إلى انكماش النشاط، واضطراب التصرفات ، وتجنب التجمعات فى الولائم والحفلات واللعب الجماعى ، وقد يخجل من شكله أو مظهره.وزجره وتوبيخه يؤديان إلى تفاقم اضطرابه ويفقده الشعور بالأمان وبعدم حب الآخرين له ويؤثر سلبا على ثقته بنفسه ، ويدعم شكوكه فى الآخرين .ولأنه يعانى فى الأصل من عدم القدرة على التعبير عن مشاعره و أفكاره ، ففى أغلب الأحيان لن يخبر والديه ، ولن يشكو لهما ؛ إلا إذا كان مِن مَن يحظون بالتدليل أو الحماية الزائدة من الوالدين ، وهما من أسباب السلوك الانطوائى . لكن إذا حدث وشكى الطفل لهما ؛ فعلى الوالدين العمل على إعادة الثقة للطفل المنطوي في نفسه، وتهيئة الجو الأسري المناسب لإخراجه من حالة الانطواء وفقدان الثقة تلك، فيبدأ الوالدين بالتأكيد على حريته في التعبير عما يجيش في صدره بدون خوف أو تردد، مع إعادة تعريفه بنفسه وبنقاط القوة لديه والتأكيد عليها، ومحاولة الإعلاء من نقاط الضعف لديه أو تجاوزها. وكذلك ينبغي على الوالدين الاهتمام بميول واهتمامات طفلهم، ويعملوا على أن يمارسها وهو يشعر بالأمان وعدم الخوف من العقاب في حالة إن أخطأ أو فشل، والتهدئة من انفعالاتهما نحوه في حالة إن أخطا، وبهذا يتحول الوالدين إلى عامل دفع ايجابي لثقة طفلهم في نفسه وفيمن حوله، فيبدأ في التفاعل معهم.
- عندما يري المدرس تلميذ لديه منطوي فما هو الأسلوب السليم في التعامل معه ؟
المدرس يمكنه أن يساعد الطفل المنطوى اذا ما قام بالآتى :
- معرفة الجو المحيط بالطفل داخل الأسرة وخارجها المؤثر فى شخصيته .
- الترحيب به وإدخاله فى جو التعارف مع باقى التلاميذ.
- الحرص على اشعار الطفل بالأمان ، والابتعاد عن مراقبته وملاحظته حتى لا يشعره بالتوتر والحذر فى أى فعل .
- الاهتمام بالطفل ومحاولة اشراكه فى مجموعة الألعاب داخل المدرسة ، وكذلك بعض الأنشطة الفنية والرياضية التى تكسبه ثقة بالنفس ، وتشجيعه على انجازه مهما كان وتجنب لومه اذا أخفق ، بل حثه بالقول بأنه يستطيع أن يحقق انجازا أفضل فى المرات القادمة ، وأن أداءه جيد .
- توجيه المدرس لباقي التلاميذ بتشجيعه والترحيب به والإلحاح بمشاركته معهم فى كل الألعاب والأنشطة.
- الحوار المنفرد مع الطفل مما يشعره باهتمامه به ويدعم المحبة والثقة بينه وبين الطفل .
- توجيه بعض الأسئلة للطفل تحفزه للتعبير عن رأيه واظهار الإعجاب برأيه واشعاره بأن لرأيه فائدة وبأن تفكيره مفيد وجيد.
- يمكن للمدرس الكشف عن مواهب الطفل وهواياته وتشجيعه على ممارسة هذه الهوايات كالرسم أو الغناء أو التمثيل مما يدعم ثقة الطفل بنفسه .
- التأكيد على حب الله لنا ، وأنه يقبلنا بالصورة التى خلقنا بها ، وعلينا أن نتقبل أنفسنا كما خلقها الله .
- الطفل المنطوي طفل يحتاج للكثير من الرعاية والاهتمام الموزونين فلا إفراط ولا تفريط، وأن دور المدرسة لم ولن يقتصر أبدا على التلقين التعليمي فقط بل هو دور تربوي إصلاحي مشترك مع دور الأسرة بالتأكيد.
- نظرا لأن المدرس يلاحظ الطفل لساعات طويلة مما يتحتم معه أن تتعاون المدرسة مع الأسرة في تشجيع الطفل المنطوي على التفاعل مع زملائه ومشاركتهم اللعب ، فالمدرس مثلا يعمل على تشجيع الطفل على الإجابة والحوار والمناقشة داخل الفصل بل ومدحه وإثابته على ذلك. و ألا يحاول المعلمين إلصاق صفة " الانطوائية" بالطفل المنطوي كأن يسأله" لماذا لا تلعب مع زملائك – لماذا ليس لك أصدقاء"؟
- دمج الطفل مع أقرانه خصوصا في الألعاب الجماعية فمثلا: يتم إشراك الطفل في لعبة يشترك فيها في البداية أطفال مألوفون ومعروفون جيدا بالنسبة له ، ثم يتم بعد ذلك إدخال طفل غريب إلى اللعبة يعقبه طفل غريب آخر وهكذا وفي منتصف اللعبة ينسحب الأطفال المألوفون ويبقى الأطفال الغرباء وحدهم مع الطفل الخجول ، وبهذه الطريقة يعتاد الطفل بالتدريج على التعامل مع الآخرين حتى لو كانوا غير مألوفين بالنسبة له .
أما الخطوات التي يجب ان يتبعها الوالدين لإخراج طفلهما من حالة الأنطواء فتتمثل فى الآتى :
- أن يحترم الوالدان شخصية الطفل ويعاملانه بحب وعطف في جميع الحالات بما فيها الحالات التي يخطئ فيها أو يفشل في أداء عمل كان ينتظر أن ينجح فيه. فلا يشعر الطفل أننا نحبه فقط عندما ينجح، وكأن حبنا ليس له وإنما للنجاح الذي حققه، مما يجعل الطفل يتساءل: عندما أخفق في تحقيق أمر ما هل يستمر حب والدي لي رغم إخفاقي؟ فإذا استندا الوالدين في علاقتهما بأبنائهما باعتبارهم أشخاصا لهم شخصيتهم الخاصة بهم، وليسوا مجرد تابعين ، فإن علاقتهم بأبنائهم تصبح علاقة خلاقة تسمح للطرفين معا - الآباء والأبناء- أن يعيشا حياتهما بقدر كبير من الصدق والحب والعفوية.
- يلتزم الوالدان باحترام شخصية الطفل وتدعيم الجوانب الإيجابية فيها. وعلى هذا الأساس فإن مؤاخذة الطفل على خطأ ارتكبه أو لإخفاقه في تحقيق نتيجة إيجابية في أمر ما يجب أن لا تتحول إلى احتقار للطفل وتخجيله من ذاته، بل يجب أن يشعراه بأننا جميعا معرضون للخطأ والإخفاق، وبإمكانه التراجع عن الخطأ وتحقيق النجاح في المستقبل.
- لايجب أن يؤثر التوتر الذي قد ينتاب علاقة الوالدين في بعض الحالات على الطفل، وأن يظل الطفل في منأى عن أي توتر قد ينشأ بينهما. فالأبوان بالنسبة للطفل هما مصدر الأمن والحب، ومن شأن إدراكه لسوء العلاقة بينهما أن يشعر بالتهديد والاضطراب، الأمر الذي ينعكس سلبا على كل ما يأتيه من أفعال.
- عى الآباء أن يأخذوا بعين الاعتبار أن الطفل جاء إلى هذا العالم دون أن يستشار في ذلك، ومنح اسما دون أن يكون له رأي في اختيار هذا الاسم. وعلينا، نحن الآباء، أن نعامله بحب وعطف واحترام لشخصيته بحيث نصبح نحن أيضا مرغوبين من طرفه. صحيح أن على الابن احترام والديه وطاعتهما، ولكن على الوالدين أن يدركا أن احترامهما وطاعتهما من طرف الابن تفرض عليهما أن يعاملانه بشكل يصبح معه الاحترام والطاعة كتحصيل حاصل لموقفهما منه.. فالاحترام يفقد صفته الأخلاقية إذا كان بدافع التهديد، والطاعة تصبح رهبة واستسلاما إذا كانت بدافع الخوف، وفي ظل التهديد والقسوة لا مجال لممارسة الحرية والحب والاحترام.
- إذا كان الأبناء، خاصة في مرحلة الطفولة، لا يستطيعون الاستقلال عن آبائهم وغير قادرين على تحقيق حاجاتهم بمعزل عن الآباء إلا أن ما يجب أن لا ينساه الآباء هو أنهم أيضا بحاجة إلى الأبناء. فمن خلال الأبناء تتاح للآباء ممارسة قيم العطف والحب والتضحية.. والتمتع بممارسة هذه القيم في الواقع. فهل للأمومة والأبوة من معنى بدون الأبناء؟ وإذا كان الأب والأم في بعض المجتمعات ينادى عليهم بـ"أبو فلان" و"أم فلان" بعد إنجابهما لابنهما الأول، فما ذلك إلا لأن الأب والأم يكتسبان هوية جديدة بعد تكوينهما أسرة وإنجابهما للابن، وهي هوية تهمش أو حتى تلغي الهوية السابقة التي كانا يتمتعان بها قبل زواجهما. والهوية الجديدة هي هويتهما كأب وكأم. وفي هذه المجتمعات يبدو من غير اللائق أن ينادى على الرجل باسمه الشخصي إذا كان متزوجا وله أبناء، وكذلك الشأن بالنسبة للأم.
وهكذا فالحياة إذا كانت عبارة عن مسرح يؤدي كل منا فوق خشبته مجموعة من الأدوار المختلفة، فإن للأبناء دورا في هذا المسرح، وهو دور لا يقل أهمية عن دورنا كآباء، بل إن دورنا يفقد معناه بدون دور الأبناء. فإذا كنا كآباء نعمل على نمو أبنائنا ونضجهم، فإننا في نفس الوقت ننمو وننضج معهم وبهم، بل سنكون بدونهم كالثمرة اليابسة وقد جف ماؤها وفقدت نضارتها.
وإذا لم تجدى هذه الأساليب فى أخراج الطفل من انطوائيته ، فهذا يعنى أن الانطواء عرض أو علامة على وجود اضطراب أعمق ، وأنه انطواء ثانوى لمرض آخر ، ومن المفضل فى هذه الحالة عرض الطفل على اخصائى علاج نفسى ، فقد يحتاج الى علاج أكثر عمقا مع ابقاء الدعم الأسرى والمدرسى له ، لأنه عامل مهم ومؤثر فى اخراج الطفل من هذا الانطواء.
د. صلاح الدين السرسي