انهيار العلاقة الزوجية بين برودة الصمت وحرارة الجدل
إن من أهم أسباب السعادة الزوجية ومقوماتها وجود الاحترام بين الزوجين وبكل أسف هو أول أمر يتم القضاء عليه إما عن طريق الجدال بكلمة غضب قد لا يلقي لها قائلها بالاً ولكنها كفيله بأن تحدث صدعا يصعب علاجه, أو عن طريق الصمت الذي لا يقل شأناً عن الغضب لأنه يوصل رسالة سلبية للآخر مفادها تهميشه وعدم الاكتراث لأمره, وفي المقابل من السهل بناء جسور الاحترام بين الزوجين عن طريق الحوار,ومن هنا أقول إنها لضرورة قصوى أن يؤمن الزوجان بأهميته و بأنه الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الحياة الزوجية السليمة والدافئة.
الحوار هو عصب البيوت المطمئنة التي تغذي ساكنيها مودة ورحمة وتحتضنهم كلما تكالبت عليهم أعباء الحياة, الحوار المقصود هو الحوار الإيجابي بنوعيه اللفظي وغير اللفظي والذي يمكننا من خلاله أن نستمع إلى الحديث الذي ينطق به جسد من يحاورنا ونشعر بمدى تقبله لنا قبل أن نستمتع بحواره, هو الحوار الذي يرسخ روابط الألفة والمحبة بين الزوجين ويشبع حاجاتهما النفسية ويعمل على تنمية الاحترام وتعزيز الثقة وإزالة الحواجز بينهما حيث يستطيعان من خلاله مناقشة جميع المواضيع التي تهمهما بمنتهى الشفافية الصراحة دون خوف أو قلق من عدم التقبل والرفض.
ولا عجب في ذلك فالحوار الهادئ والبناء تذوب معه جميع المشاكل التي تواجه الأسرة وتتحول من خلاله العقبات إلى نقاط إيجابية من شأنها أن تزيد روابط الود والألفة والتقارب بين الزوجين.
ولكن نحتاج خلال الحوار أن نراعي بعض الأمور الهامة ومنها أن نكون على مهارة عالية في الاختيار المناسب للوقت والمكان والموضوع , فمن غير المعقول أن نبدأ الحوار بخصوص مشكلة ما وقت العودة من العمل أو وقت تناول الطعام أو حينما يكون احد الأطراف مرهق وغير مستعد جسدياً أو نفسياً لخوض النقاش, وعلينا أيضاً أن نتقبل الاختلاف ونجعله نقطة تثري الحياة الزوجية لا وسيلة تقود إلى خلق أكبر الفجوات داخلها, كما ينبغي أن نؤمن بالخطأ وإمكانية وقوعه من الآخر فلا يوجد شخص معصوم وجميعنا يخطئ,وأن ندرك أن الفرد لحظة وقوعه في الخطأ بحاجة إلى من يمد له يده ويأخذه بها إلى بر الأمان لا إلى من ينتقده ويمسك عليه هفواته وأخطائه ليجرحه بها بين فترة وأخرى,فالله عز وجل يقول" وجعل بينكم مودة ورحمة" ولعلي التمس هنا معنى من معاني الرحمة التي يكون الزوج أو الزوجة في أمس الحاجة لها حينما يخطئ.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة فنحن نجد في بيت النبوة أمثلة بالغة الروعة للحوار سواء العاطفي أو التعليمي أو الترفيهي أو حوار الدعم النفسي...الخ, ومن أبرز الأمثلة على ذلك حين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على خديجة رضي الله عنها بعد نزول الوحي عليه وهو يقول "زملوني زملوني" في تلك اللحظة زملته خديجة رضي الله عنها ولم تسأله عن شيء حتى هدأ صلوات الله وسلامة عليه ,وعندما أخبرها بما حدث معه قالت له " والله لا يخزيك الله أبداً" وبدأت تعدد مناقبه وتذكره بها..ما أروع أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها,ولا عجب أن تكون أحب زوجاته إليه عليه الصلاة والسلام, فأين نحن منها؟؟
أيضاً كانت عائشة رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أزواجك في الجنة؟ تريد أن يطمئن قلبها أنها جواره في الآخرة, فيجيبها النبي عليه الصلاة والسلام: أنت منهن" هذه الأمثلة وغيرها كثير هي خير مدرسة نتعلم منها أصول الحوار الراقي وكيفيته, ومن خلال ما سبق نجد أن الحوار الناجح يقوم على أربعة ركائز أساسية:
1- وهي الإنصات وحسن الاستماع والإصغاء.
2- الاتفاق مع الطرف الآخر وأن ننطلق في حديثنا من خلال النقاط المتفق عليها وأن نشعره بتقبله.
3- التوضيح وشرح وجهات النظر المختلفة.
4- والسؤال عن الأمور التي أشكلت علينا.
بعد السؤال تعود دورة الحوار وتبدأ مرة أخرى لننصت أولاً ونصغي للإجابة ثم نتفق مع المتحدث وبعد ذلك نوضح له ما فهمناه من حديثة ونسأله عما أشكل علينا.
إن هذه الركائز هي الدعائم التي تقوم عليها دورة الحوار الإيجابي وهي التي تضمن لنا حوار فاعل ينتهي وما زالت لدى أطرافه الرغبة في التواصل مع بعضهم البعض.
وقد يتساءل البعض لماذا الحوار بين الزوجين؟ هل هو من قبيل الترف أم انه ضرورة ملحة؟؟
الحوار كما أسلفت هو عصب الحياة الزوجية الناجحة والمستقرة والحديث عن أهميته وضرورته بين الزوجين يطول ولا يستوعبه المقال ولكن آمل أن أتمكن من الإيجاز بطرح عدد من النقاط الهامة التي توضح ذلك:
- الحوار يسهم في إشباع الحاجات النفسية والعاطفية لدى الزوجين.
- يمكنهم من التغلب على العقبات والمشكلات التي قد تواجههم.
- يمكن كل طرف من مساعدة شريكة في مواجهة الأزمات التي قد يمر بها.
- يساعد الزوجين في التخطيط لمستقبلهما معاً.
- يسهم في زيادة التقارب والتوافق والحميمية بين الزوجين وفهم أحدهما للآخر.
- وسيلة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس.
- يسهم في احترام الزوجين وتعزيز الثقة بينهما.
- يعتبر مدخلاً مناسبة لتنمية وتطوير بعضهما البعض وزيادة حصيلتهما الثقافية والمعرفية.
- عن طريق الحوار يتمكن كل طرف أن يصارح الأخر عن رغباته واحتياجاته واهتماماته.
- الحوار وسيلة للتنفيس عن الذات.
- الإيضاح والاستفسار عن ما قد يشكل على أحدهما.
وينبغي أن نشير إلى أنه قد يحدث أحيانا أن يشعر الزوج أو الزوجة أن الحوار قد بدأ يتحول إلى جدال لأي سبب من الأسباب هنا وفي هذه اللحظة لا بد أن نتقن فن الانسحاب والصمت حتى يهدأ الطرف الأخر وحتى لا ندخل في دوامة الجدال,ولا بد أن نعلم أن علاقتنا وحياتنا الأسرية تستحق منا أن نحافظ عليها وأن لا نفسدها مقابل لحظة غضب عابرة ولنتأمل قول أبي الدرداء لأم الدرداء رضي الله عنهما " إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فمتى ما لم يكن هذا ما أسرع ما نفترق". رواه ابن عساكر في التاريخ, يالها من معادلة رائعة حينما يتفق عليها الزوجان ويجعلان منها قاعدة يحافظان من خلالها على ما نسجاه سوياً من خيوط الود والآلفة.
إن العلاقة الزوجية هي من أسمى أنواع العلاقات التي تربط بين الرجل والمرأة و عندما تتعرض هذه العلاقة للانهيار فإن ذلك لا يأتي من فراغ بل لا بد أن يسبقه أجواء مشحونة ومتوترة لم يتم التعامل معها بالحكمة المطلوبة, لذا وكما يقال "درهم وقاية خير من قنطار علاج" فلابد أن يكون الزوجان على اطلاع بأساليب الحوار الناجح ومهارات التعامل مع المشكلات وإن يتحليا بالصبر والحكمة مما يضمن لهما حياة زوجية مستقرة بإذن الله تعالى.
وقبل أن اختم حديثي لدي رسالتان أود أن أوجهها الأولى للزوج وأقول له عندما تواجهك أي عقبة وقبل أن تقدم على أي خطوة تذكر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم " خيركم خيره لأهله وأنا خيركم لأهلي" وتذكر قوله: " ما أكرمهن إلى كريم وما أهانهن إلا لئيم", أما الرسالة الثانية فهي لك أيتها الزوجة: أين أنت من قوله عليه الصلاة والسلام "من ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة" وأين أنت من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما كانت تمسك بيد الحبيب صلى الله عليه وسلم وتقول" والله لا يغمض لي جفن حتى ترضى" بعد كل ما سبق آمل أن أكون قد وفقت في طرح بعض من مقومات البيوت السعيدة البيوت التي يرفل ساكنيها بنعيم المودة والرحمة, دمتم ودامت بيوتكم عامرة بالود.
أ. صفاء عيد الأحمدي
موقع المستشار