الذكاء الاجتماعي
كثيرا ما نرى في المناسبات الاجتماعية التي يتبادل فيها الأصدقاء الحوار والنقاش .. أن يدخل شخص ما و ما يكاد يأخذ موقعه حتى يصبح محط الأنظار، يلفت الانتباه .. يدير حلقة الحديث نقاشه له أسلوبه المقنع المثير للإنصات والإصغاء ،وإذا اختلف زميلين واحتد بينهما النقاش احتكما إليه ، فهو يجيد الفصل في المنازعات، له كلمته المسموعة ، يفكر بعقلية الجماعة، هذا الشخص يملك ما نسميه " الذكاء الاجتماعي " .
إن الذكاء الاجتماعي يبدأ من التنشئة الاجتماعية التي لها دورها الفعال في تكوين بناء الشخصية الإنسانية وبمقتضى هذه التنشئة الاجتماعية يكتسب الفرد الثقافة ويستوعب قيم المجتمع الإنساني وأهدافه .
ويرجع الضعف الاجتماعي والانطواء وعدم القدرة على إقامة علاقات طيبة غالباً إلى المؤسسات التربوية خاصة في مرحلة الطفولة التي لها تأثيرها المستمر على سلوك وشخصيات الأفراد خلال مختلف مراحل حياتهم .
ويبدأ الاهتمام بالذكاء الاجتماعي والعناية بتطويره وتربيته من المراحل المبكرة للطفل بتدريبه على أسس الحياة الاجتماعية وتشجيعه على اللعب الجماعي والاختلاط مع الغير ودفعه للأخذ بزمام المبادرة في الاتصال وإقامة الصداقات والتعاون مع الغير . وتتم العناية به عن طريق المؤسسات المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية، وهي :
1- الأسرة : تعد الأسرة أول المؤسسات الاجتماعية التي تعمل على تطوير الذكاء الاجتماعي للطفل بأن تساعده على الإنخراط مع الآخرين والتفاعل معهم سواء كانوا كباراً أو غرباء على قواعد من الإيجابية والإحترام, بالإضافة إلى ذلك تساعد الأسرة الأطفال في التعبير , عن أنفسهم في حدود الحرية المقررة والمقبولة اجتماعيا, بما يعزز ثقتهم بأنفسهم ,و أيضا بما يجعلهم متفائلين وايجابيين بإتجاه الآخرين والحياة عموما وبما يجعلهم يمتلكون نوعاً من الكياسة الاجتماعية التي تجعل من السهل بالنسبة لهم إقامة علاقات مع الآخرين. و يلعب المناخ الأسري دورا مهما في تنمية قدرات الطفل ، حيث يحقق المناخ الملائم أهم مطالب النمو النفسي والاجتماعي ، لأن الطفل في ظل ، هذا المناخ يتعلم التفاعل الاجتماعي ويتعلم المشاركة في الحياة اليومية كذلك يتعلم ممارسة الاستقلال الشخصي ، والطفل في جميع المراحل اللاحقة يظل متأثرا بالأسرة ، وتمثل الأسرة الوسيط الذي ينقل كافة المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التي تسود المجتمع بعد أن تترجمها إلى أساليب عملية في تنشئة الأبناء ، بتوفير المجال الكافي لهم لمتابعة ميولهم وهواياتهم داخل المنزل وخارجه ، ومناقشتهم في الموضوعات التي تهمهم وتشجيعهم على إبداء رأيهم ، إن هذه الممارسات تساهم بشكل إيجابي في تنمية الذكاء الاجتماعي . غير أن بعض الأسر تقتل في الطفل الحس الاجتماعي بمنعه من الاختلاط بالأطفال الآخرين وبمنعه من الكلام احتراماً للكبار ـ وفارق كبير ما بين الاحترام والخضوع ـ الأمر الذي يلغي شخصية الطفل ، مع سيطرة الشعور بالخجل عليه ويفقده المهارات الاجتماعية>
2- المؤسسات التعليمية: للمؤسسات التعليمية دور إيجابي كبير فعندما يحضر الأطفال لأول مرة إلى المدرسة يجدون أنفسهم تحت إشراف مباشر من أفراد لا ينتمون إلى أسرهم ويتعلم الأطفال الامتثال لقواعد المجتمع وقيمه ومعاييره المختلفة من المدرسة وحتى الجامعة. وتعمل المدرسة على تقليص اعتماد الأطفال على أسرهم وتعميق روابطهم بمجتمعهم الكبير وفي هذا الإطار تعد الكليات والمعاهد الإطار الاجتماعي الذي يعمل على تنمية الذكاء الاجتماعي للفرد.حيث يتعامل الطالب مع الأساتذة وإدارة المعهد أو الكلية تعاملاً اجتماعيا يحتل فيه الطلاب الذين يمتلكون ذكاء اجتماعيا واتصاليا مكانة عالية .
3- جماعة الأصدقاء: فعندما يكون لجماعة الأصدقاء ثقافتها الخاصة التي تتميز بوجود قيم ورموز ومعايير معينة تميز هذه الجماعة عن غيرها وربما تكون مبادئ مغلوطة عندئذ يكون لهذه الجماعة تأثير قوي على شخصيات أعضائها إلى الأسوأ والشذوذ عن السلوك الاجتماعي لذا كان على التربويين العناية في اختيار الطفل أو المراهق أصدقائه .
4- وسائل الإعلام : كالجرائد والمجلات والكتب التي تشكل وسائل ثقافية جادة والتلفزيون والإنترنت .. وغيرها من الوسائل التي تملي وسائل الانخراط الاجتماعي
ولا شك أن أرقى أنواع السلوك الذكي الذي تتطلبه المجتمعات المتقدمة هو القدرة على التفكير في التعاون المشترك فتنمية الذكاء الاجتماعي هدف سامي ونبيل تستهدفه مصلحة البشرية جمعاء وهو أمر في غاية الأهمية إذا أردنا للحياة البشرية أن تستمر على هذا الكوكب .
فالذكاء الاجتماعي إذن مهارات قائمة بذاتها وهو صفة مكتسبة وليست وراثية تُنمى عن طريق الاختلاط بأطياف المجتمع المختلفة والتعايش معها فهو مرتبط بالأمور الاجتماعية والتجارب الحياتية التي قد يكتسبها الفرد من خلال تجاربه في الحياة فليس شرطاً أن يكون الشخص على مستوى عالٍ من الذكاء التحليلي ويكون بنفس المستوى في الذكاء الاجتماعي بل قد يكون العكس تماماً وهذا ما نجده في بعض الشواهد لعلماء وعباقرة كانوا قمة في الذكاء الأكاديمي ولكنهم اجتماعياً لم يكونوا على مستوى من هذا الذكاء لعدم احتكاكهم الشديد مع المجتمع وعدم معرفة تفاصيل ودهاليز الحياة وتعقيداتها ويعكس هذا النوع من الذكاء قدرة الفرد على التعامل مع الآخرين وتحفيزهم, مع العلم بأن غالبية الناس الذين يخافون أو يخشون من المشاركة في المناسبات الاجتماعية يكون سبب إمتناعهم الأساسي هو نقص في الذكاء الاجتماعي وليس لقصور في القدرات العقلية أو الجسمية, فالغالبية لم تتعود على كيفية حُسن التصرف في المواقف الاجتماعية الحرجة, وكيف تقي نفسها من التعرض للمواقف الصعبة والمحرجة الوضع الذي يبرز أهمية الذكاء الاجتماعي .الذي يؤمِّن لك ولغيرك أفضل الحلول حين تتعرض للمواقف المحرجة.
هو القدرة على إدراك العلاقات الاجتماعية وفهم الناس والتفاعل معهم ، وحسن التصرف ، في المواقف والأوضاع الاجتماعية ,والسلوك الحكيم في العلاقات الإنسانية ، مما يؤدي إلى التوافق الاجتماعي .ونجاح الفرد في حياته الاجتماعية.
أولاً : المظاهر العامة للذكاء الاجتماعي:
1- التوافق الاجتماعي : ويعني السعادة مع الآخرين والالتزام بأخلاقيات المجتمع، ومسايرة المعايير الاجتماعية، والامتثال لقواعد الضبط الاجتماعي، وتقبل التغير الاجتماعي، والتفاعل الاجتماعي السليم ، والعمل لخير الجماعة والسعادة الزوجية، مما يؤدي إلى تحقيق الصحة الاجتماعية.
2- الكفاءة الاجتماعية : وتتضمن الكفاح الاجتماعي وبذل كل جهد لتحقيق الرضا في العلاقات الاجتماعية وتحقيق توازن مستمر بين الفرد وبيئته الاجتماعية .لإشباع الحاجات الشخصية والاجتماعية.
3- المسايرة: وتتضمن الإلتزام سلوكياً بالمعايير الاجتماعية في المواقف والمناسبات.
4- آداب السلوك الخلقي : وهو ما يعرف بالإتيكيت ويتضمن اتباع السلوك المرغوب اجتماعياً ، ومراعاة أصول المعاملة والتعامل السليم مع الآخرين وأساليبه وفنياته.
ثانياً : المظاهر الخاصة للذكاء الاجتماعي:
1- كفاءة التصرف في المواقف الاجتماعية : فالشخص في تفاعله مع الآخرين يواجه مواقف مختلفة وعليه أن يسلك فيها سلوكا معيناً ، فالشخص الذي يحسن التصرف في مثل هذه المواقف، أو تبعاً لمعايير معينة، هو الشخص الناجح في التعامل مع الآخرين، والذي يتمتع بالقدرة على التعامل معهم.
2- فهم حالة المتكلم النفسية: ذلك أن الأفراد يختلفون من حيث القدرة على إدراك مشاعر الآخررين، والتعرف على حالتهم النفسية من حديثهم، ولذلك فإن الشخص الناجح في التعامل ، مع الآخررين هو القادر على إدراك هذه الحالات بسهولة .وهو الأكثر ذكاء من الناحية الاجتماعية من الشخص العادي .
3- الإدراك الاجتماعي : ويتجلى في قدرة الشخص على تفسير السلوك الصادر عن الآخرين ودلالاته الخاصة تبعاً للسياق الذي صدر فيه هذا السلوك.
4- فهم السلوك الاجتماعي: ويتمثل في القدرة على ملاحظة السلوك الإنساني، والتنبؤ به من خلال بعض المظاهر، فالشخص الذكي اجتماعياً يستطيع أن يتعرف على حالة المتحدث .من خلال بعض الإشارات البسيطة التي تصدر عنه ، أو أوضاع معينة لجسمه .
5- فهم التعبيرات الإنسانية : وتعني قدرة الشخص على معرفة الحالة النفسية للآخرين وذلك من خلال إدراك دلالات بعض تعابير الوجه، أو إيماءات اليد، أو أوضاع الجسم .( أو غير ذلك من المؤشرات التعبيرية ).
6- الوعي الموقفي: يعني القدرة على قراءة المواقف وتفسير سلوكيات الآخرين في تلك المواقف وفقاً لأهدافهم المحتملة وحالاتهم العاطفية وميولهم.
7- الحضور أو التأثير الحضور: هو الطريقة التي تؤثر بها في أفراد أو جماعات من البشر من خلال مظهرك الجسدي ومزاجك وسلوكك ولغة جسدك والطريقة التي تشغل بها مكانك في الغرفة.
8- الأصالة: الأصالة هي أحد عناصر نموذج الذكاء الاجتماعي .وهذا البعد يكشف مدى صدقك وإخلاصك مع نفسك والآخرين في أي موقف هل أنت تصادق الناس لمصلحة معينة، حتى لو كانت في المستقبل البعيد؟ هل أنت من ذلك النمط الذي لديه معارف كثيرة و لكن عدد أصدقاءه الحقيقيين قليل؟ هل أنت ممن يستغلون الآخررين لتحقيق أغراضك أم ممن يسمحون للآخررين باستغلالهم لتحقيق أغراضهم؟ ، احترامك لنفسك وثقتك بقيمك وقناعتك الشخصية والصراحة في التعامل مع الآخرين أمر يعني أنك تتبع سلوكيات يرى الآخرون أنها تعبر عن الأصالة.
9- الوضوح : إن مجرد التحسين من حصيلتك اللغوية قادر على مساعدتك على أن تصيغ أفكارك .ومقاصدك في تعبيرات أنسب في حالات كثيرة، حيث يكون الحوار أو شرح الرأي ووجهات النظر عبارة عن تدفق للكلمات كما ترد على الخاطر، بل من النادر أن تجد شخصا يجيد استخدام اللغة كوسيلة تواصل استراتيجية ولا يكون ذو فعالية كبيرة في التواصل.
10- التعاطف: .يدعونا هذا البعد إلى تدقيق النظر في مدى وعينا ومراعاتنا لمشاعر الآخرين و أنت تستطيع بناء صلة تعاطف قوية مع الآخرين من خلال التركيز .على ثلاثة أنماط سلوكية محددة هي:
أ) الإنتباه : كل إنسان طبيعي يحب أن يحظى بالاهتمام وأفضل الطرق لإظهار الاهتمام هي أن تكون مهتما بالفعل.
ب) التقدير: قد تختلف مع أفكار بعض الناس ,وقد تكون قيمك وخبراتك متناقضة مع قيمهم وخبراتهم ومع هذا تستطيع الإقرار بحقهم في الحياة بأفكارهم هذه و عندما يعتقدون حقا أنك تحترمهم وتحترم أفكارهم فإنهم .سرعان ما سيميلون إلى الإنصات لك ولأفكارك بدورهم.
ج) التوكيد: من السهل أن تحب وتحترم وتقترب من شخص يشترك معك في نفس القيم والأفكار مقارنة بشخص تختلف معه بشدة حول أمور مهمة وجوهرية يمكن أن تختلف مع أحد الأشخاص ومع هذا تتعامل معه .بأسلوب يدفعه إلى أن يحترمك بل ويعجب بك يحتاج كل منا إلى الشعور بأن هناك من يقدره كشخص .ويقدر ما يستطيع القيام به.