فن الحوار

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الجمعة, يوليو 3, 2015 - 18:53

 الحوار: من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام بغية إيصال المراد إلى الآخر. وهو الشق الأساسي في التواصل الإنساني (التواصل اللفظي) ويعضده الشق الآخر (التواصل غير اللفظي).

والحوار يختلف عن الجدل في مبدئه ، وغايته ، ووسائله. فالحوار تواصل قائم على الاحترام ، والجدال يسعى فيه كل طرف إلى الانتصار على الآخر . الجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب . روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال : "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة (أي : أسفل الجنة) لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خُلُقَه ". وعلة ذلك أن الحوار أداة تواصل ومحبة ، والجدل وسيلة اختلاف وتباغض . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " . وقال مالك بن أنس : المراء يُقَسِّي القلوب ويورث الضغائن . وقال محمد بن الحسن رحمه الله : " عند الحكماء أن المراء أكثره يغير قلوب الأخوان ويورث التفرقة بعد الألفة والوحشة بعد الأنس " .

وقد وجَّه القرآن إلى أن الجدل من طبيعة الإنسان التي ينبغي أن يتسامى عليها بعد أن يعترف بوجودها فيه . قال تعالى : " وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً " . ويمتد أثر الجدل حتى يوم القيامة " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ".

أهمية تعلم فنونه:

الحوار هو أعلى المهارات الاجتماعية قيمةً ، وتُعرَف قيمة الشيء بمعرفة قيمة المنسوب إليهم . والحوار هو عمل : الأنبياء ، والعلماء ، والمفكرين ، وقادة السياسة ، ورجال الأعمال ، والمربين . وهو أساس لنجاح الأب مع ابنة ، والزوج مع زوجه ، والصديق مع أخيه . والأمة الناهضة هي الأمة التي تشيع فيها ثقافة الحوار بين أبنائها . وكلما ابتعدت الأمة عن فتح آفاق الحوار عانت من الأمراض الاجتماعية ( التسلط ، الذل ، الكذب ، المخادعة .. الخ ) .

وكلما ابتعد الفرد عن التعبير عن الذات بالحوار السليم عانى من العقد النفسية والاضطرابات .

كيف تتعلم فن الحوار:

المحاولة والخطأ : وهي طريقة أكثر شيوعاً ، وأطولها وقتاً ، وتعرضك لمخاطر أن تجرب طرقاً غير سوية ثم تكتشف خطأها ، ولكنها أساسية في تكوين الخبرة الإنسانية . التعلم من خلال النموذج : بالبحث عن المتميزين في مهارات الحوار ، ومراقبة سلوكهم بدقة ، ومحاولة تقليده . سواء كان هؤلاء أشخاصاً تراهم حولك أو تشاهدهم في وسائل الإعلام ، أو تقرأ عن حياتهم في الكتب .

صور سيئة في الحوار :

حوار التعجيز: طلب السلبيات في الآخر. الجدل البيزنطي : محاولة التفوق على الخصم بأي وسيلة . حوار الاستكبار " أعلى – أدنى " : وهو حوار قائم على تسلط طرف على طرف ، (آمر ومستجيب) . ومنه قول فرعون : ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد . حوار الذل " أدنى أعلى " : ويقوم فيه الطرف الأدنى بتملق الأعلى بصورة تفقد كلا الطرفين كرامتهما الإنسانية .

الحوار السطحي: كلمني .. ولكن لا تلمس العمق .

الحوار الإقصائي: أتحاور معك ، وأنا موقن أنك خطأ .. ولكني أحاول إفهامك .. ولست مستعداً لأن تُفهِمني شيئاً لأنني أفهم كل شيء !!

حوار البرج العاجي: حين يتحاور المثقفون بعيداً عن واقع الحياة " 

الحوار الأكاديمي: في البلاد العربية ، رسائل الماجستير والدكتوراه ، والأبحاث .

الحوار الإمعي : أنا معك في كل ما تقول .. لأنه يصدر منك أنت .

 

مبادئ الحوار الإيجابي:

1- للحوار الإيجابي عدة صفات ، أنه :

• موضوعي : يهتم بالموضوع وليس الشخص .

• واقعي : يبحث في الوقائع قبل أن يقفز إلى تأويلها .

• متفائل : لا يفترض سوء الظن ، ويتلمس الأفضل . • صادق : لا يخادع ، ولا يكذب . • متكافئ الطرفين : يحترم فيه كل طرف الطرف الآخر ولا يستعلي عليه.

• يفتح باب المحبة ، ويقلل من مساحة الخلاف .

• ليكن منطلقك في كل حوار : البحث عن الحق لاتِّبَاعِه .

• لابد لكل حوار من مرجعية ، وإلا تحول إلى جدال مذموم.

• ابدأ في كل حوار بالمساحة المشتركة بينك وبين الآخر ، ولا تقفز إلى المختلف فيه أولاً .

• اعتمد مبدأ النسبية ، وشعاره قول الإمام الشافعي : "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".

الحوار الإيجابي:

• هيء نفسك للحوار الإيجابي بمعالجة الأفكار السلبية عن نفسك قبل أن تبدأ فيه . لان كل المهارات لا تجدي نفعاً إذا لم تكن مقتنعاً بأنك قادر على إجراء حوار جيد.

• حسن الاستماع أساس حسن الحوار . وقد قيل : أنصت مائة مرة ، وتأمل ألف مرة ، وتحدث مرة واحدة .

• احرص على أن تفهم كلام محدثك ، وإذا شعرت بتشوش في الفهم فأعد عليه ما قاله ، وأخبره بما فهمته منه لكي تتثبت من فهمك إياه .

• تحدث مع كل فرد بما يناسب طبيعته ومعرفته ونفسيته قال النبي صلى الله عليه وسلم :" خاطبوا الناس بما يعرفون " .

• لا تفترض الأسوأ في حديث الطرف الآخر ، وإذا تشككت فحاول التحقق قبل أن تصدر الحكم .

• لا تقطع حديثه ، وإن أطال ، ولكن حاول التدخل بطريقة لا تشعره أنك قطعت كلامه .

• تخيل نفسك مكان الطرف الآخر : قدِّر حالة محدثك النفسية : سواء كانت حزناً أو غضباً أو فرحاً ، وأشعره بمشاركتك لمشاعره .

• اهتم بلغة الجسد فهي رسالة إلى أعماق الطرف الآخر : احرص على تناغم تعابير وجهك مع الموضوع الذي تتحدث فيه .

• اتجه إلى الآخر بوجهك ، وأقبل عليه بعينيك ، وأشعره باهتمامك بما يقول ، وتحدث معه ما بقي ينظر إليك . قال عبد الله بن مسعود : " حدث القوم ما رمقوك بأبصارهم، فإذا رأيت منهم فترةً، فانزع ".

• اهتم بالآخرين بصدق بدلاً من أن تفكر طيلة الوقت في إثارة اهتمامهم : يظن الكثيرون أن الطريق إلى النجاح هو الحديث باستمرار مظهرين ثقافتهم وخبراتهم ، بينما أفضل طريق لكسب المودة أن تهتم بالآخرين ، ليهتموا هم بك .

• كل إنسان يحب أن يتحدث عن نفسه : اسأل محدثك عن آماله وطموحاته والمخاطر التي تعوقه عن تحقيقها ، ووسائل القوة والضعف .. ثم اتركه يتحدث ، وسيجد أنك شاركته جزءاً من حياته . ( وهي أسرع طريقة لإجراء محادثة صادقة عميقة ) .

• قلل من نقد الآخرين على آرائهم ، فكل رأي عزيز على صاحبه ، وظهورك في صورة " الناقد الدائم " ينفر الآخرين من إجراء الحوار معك.

• عبر عن مشاعرك بحرية أخلاقية .. وهيء للآخرين الجو الملائم لأن يعبروا عنها.

• امنح التقدير للآخرين بشكل ليردوا عليك بمثله.

• اعرف ما يجري حولك لكي يكون مادة حوار مع الآخرين ( المواسم ، الأحداث السياسية ، الاقتصادية ، الرياضية ، مشكلات الناس .. الخ ) .

• أثن على الصفات الحسنة لدى الآخرين ، ولا تكتمها في نفسك : وقد كان هذا أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في تحفيز أصحابه ، فقد قال عن عبد الله بن عمر " نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل " وقال " يدخل عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة " وقال " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه " . وقال " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " . وقال : إن يكن في أمتي مُحَدَّثون فعمر . وقال عن عثمان : رجل تستحي منه الملائكة. • تعلم كيف تسأل . والسؤال المتميز يجتذب إجابة كافية .

• اسأل لتفهم .. ولا تسأل لتستنكر .

• لا تكثر العتاب والمحاسبة : في صحيح البخاري : " باب من لم يواجه الناس بالعتاب" وذكر فيه حديث عائشة قَالَت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً .

• اعترف بخطئك تزدد قيمتك عند محدثك .

• ابتعد عن الفحش في القول : في حديث ابن مسعود " ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا الفاحش ولا البذيء " وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ انه قال: " لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشاً ومتفحشاً " وكان يقول : " إن من خياركم أحسنكم أخلاقا " .

• لا تبالغ في رفع صوتك لإثبات قوة حجتك ، لأن ذلك دليل على ضعف الحجة . نموذج نبوي في الحوار : عن أبي أُمامة ـ رضي الله عنه ـ قال : إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه ، وقالوا: مه مه فقال له: "ادنُ ، فدنا منه قريباً ، قال: "أتحبّه لأمّك؟" قال : لا والله ، جعلني الله فداءك ، قال : "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم" قال " : أفتحبه لابنتك؟" قال: لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك . قال : "ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم" قال : "أفتحبه لأختك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك . قال : ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم". قال: "أفتحبه لعمتك؟" قال: لا والله ، جعلني الله فداءك . قال: "ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم". قال: "أفتحبه لخالتك؟" قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: "ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم" قال: فوضع يده عليه ، وقال : اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصّن فرجه" فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء . رواه أحمد.

 

 

 

 

 

د. محمد محمد فريد 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.